جليل العطية - كتب الحب والعشق في تراث العرب - نفائس الأعلاق في مآثر العشاق لابن حمامة

يرقى الاهتمام بنشر التراث العربي الخاص بالحب والعشق الى سنة 1914عندما نشر المستشرق الروسي د. ك. بتروف Petrof رسالة طوق الحمامة في الالفة وآلاف لابن حزم الاندلسي المتوفى سنة 456 هـ 1064م وذلك استنادا الى المخطوطة الفريدة التي تحتفظ بها مكتبة جامعة ليدن بهولندا.

ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم نشرت مجموعة طيبة من المخطوطات القديمة التي شقت طريقها الينا متحدية الزمن، لكن القليل منها نال العناية العلمية في النشر، ولم يقتصر الاهتمام بهذا النمط من التأليف على المستشرقين والمستعربين الروس بل تخطاه الى المنافس التقليدي.! فلقد كرست المستعربة الاميركية «انيتالويس جفن» Giffen خمس عشرة سنة من حياتها لدراسة كتب ومخطوطات الحب والعشق، وكان حصاد ذلك اصدارها دراستين الاولى سنة 1971 (نيويورك) والثانية سنة 1973 (فيسبادن).

الدراستان مسحتا تراث الحب عبر اكثر من تسعمائة سنة وتناولتا نحو عشرين كتابا ومخطوطا مبعثرة في مكتبات اوروبا والشرق الأوسط. ترى «جفن» ان اهم كتابين منها، والاكثر اصالة هما:

1 ـ طوق الحمامة لابن حزم 2 ـ روضة المحبين لابن قيم الجوزية للتفاصيل انظر: نظرية العشق عند العرب تأليف جفن ترجمة (نجم عبد الله مصطفى) ـ دار المعارف ـ سوسة ـ تونس ـ 1996 ص 170.

وهذا رأي نتحفظ عليه! واذا كان (طوق الحمامة) قد استأثر بعناية هو اهل لها ونشر نشرا علميا وترجم الى العديد من اللغات الاوروبية والشرقية، فإن «روضة المحبين» لم تنل ما تستحق، ولا تزال تنتظر النشر العلمي اللائق، لان النشرات المتوفرة قاصرة بل لا أهمية لها! واضافة الى العشرين كتابا التي درستها (جفن) ثمة اضعاف هذا الرقم من النصوص الاخرى، ظهر بعضها بينما لا يزال البعض الآخر متواريا عن انظار الباحثين والقراء ومن ذلك على سبيل المثال:

ـ نفائس الاعلاق في مآثر العشاق هذا الكتاب لا يزال مخطوطا ومن تأليف: علي بن سعيد بن حمامة. وهو شاعر من الاندلس، قدم من بلده لتأدية فريضة الحج، وساح في البلاد العربية مادحا الملوك والامراء، ملتقيا بالعلماء والادباء، واقام سنوات عديدة في بلاد الشام.

واضافة الى كتابه المتقدم له: ـ كتاب في العروض، ـ المقتبس من مُلح أشعار الاندلس. وذكر صلاح الدين الصفدي، انه توفي سنة 604هـ 1207م. (الوافي بالوفيات 484/22 ـ 487) مخطوطة الكتاب وصلت الينا نسخة من (مآثر العشاق) تعتز بها مكتبة (شستربتي) في دبلن بايرلندا، رقمها 3741 تقع في نحو مائة وسبعين ورقة من الحجم الصغير، عدت عليها الرطوبة وعوامل اخرى اتت على عدد من اوراقها واتلفت اوراقا اخرى.

وصفها (كوركيس عواد) قائلا: انها نسخة فريدة، اي لا اخت لها ـ ونسخت سنة 719هـ/ 1318م وهي الاثر الوحيد الذي وصل الينا من آثار (ابن حمامة): الذخائر الشرقية ـ بيروت 1999م ج 4 ص 514.

المظفر: الملك الشاعر وضع المؤلف كتابه هذا بناء على طلب الملك المظفر. وهو (تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب) ـ صاحب حماة توفي سنة 587 هـ بين خلاط وميافارقين ودفن في حماة وهو ابن اخي (صلاح الدين الايوبي) محرر القدس.

وصفه صاحب (خريدة القصر) العماد الاصفهاني قائلا انه: ذو السيف والقلم، والبأس والكرم، كان يساجل العظماء ويجالس العلماء، ولكثرة امتزاجه بالفضلاء نظم الشعر طبعا. (خريدة القصر ـ دمشق 19 ـ بداية قسم الشام 81).

اورد له (الصفدي) نماذج شعرية تمتاز بالمحسنات اللفظية منها:

ما أحسن الصبر ولكنني أنفقت فيه حاصل العمر فليت دهري عاد لي مرة ببعض عمر ضاع في الصبر (الوافي بالوفيات 484/22 ـ 487) الكتاب اذاً مؤلف في (حماة) قبل سنة 587هـ (أثناء حياة الملك المظفر)، ويقع الكتاب في عشرين بابا تتناول:

الحب وفضله وشرفه ومن عشق من الخلفاء والعلماء ومن عشق من الفضلاء والشعراء ومن عشق لخلاله لا لجماله وما ورد من اشعار المتيمين في ذكر الحمام وما ورد من الاشعار في ذكر البكاء.

وما ورد من الاشعار في طول الليل. وكذلك تتناول هذه الابواب:

ذل المحبين واعتزاز المحبين وكتم الهوى واذاعة الدموع به والرحمة للعشاق والدعاء لهم والرسائل والمكاتبات والوشاة والرقباء وما قيل في العذال واللوام.

كما تتحدث عن الفراق والتلاقي ومن قتله الهوى.. الخ أخبار العذريين يشير (ابن حمامة) في مقدمته الموجزة التي وضعها لكتابه انه جرت (في حضرة الملك المظفر) مفاوضة ومذاكرة، قرت خلالها عيون الحاضرين بما سطر في اخبار العذريين، وقد طلب منه جمع اخبارهم في كتاب مشتمل على بدائع الحكايات والاشعار، محتوٍ على نهايات الايجاز والاختصار.. ولم يجد فيه على ذكر الاسانيد لما فيه من التطويل والتزيد.. بل اعتمد على غرر الحكايات ونوادر الابيات لمن كان نابه الذكر مشهورا او مجنون صبابة منكورا.

في الباب الاول ـ يرى المؤلف ان (افضل اهل الهوى اشدهم حبا لصاحبه) ونقل ان حكيما سأل تلاميذه قائلا:

لقد نلتم من الحكمة والادب (الشيء الكثير) فهل فيكم من عشق؟ قالوا «لا» ! قال: اعشقوا فإن العشق يطلق لسان العي، ويفتح قلب الغبي، ويحث على افخر المكاسب والمطالب ويدعو الى مصافاة الكرام، واياكم ومباشرة الحرام.

وفي باب في من عشق من الخلفاء والعلماء:

تناول عددا كبيرا منهم: عبد الله بن ابي بكر الصديق، والحسن بن عبد الله بن العباس، وابن أبي الزناد، والحارث بن خالد المخزومي، وعمر بن عبد العزيز، وسليمان بن عبد الملك. ومن الخلفاء والامراء العباسيين: المهدي، هارون الرشيد، المأمون، المتوكل، احمد بن احمد المعتضد. وفي باب في من عشق من الفضلاء والشعراء تناول امرأ القيس، المرقش، الاعشى، ميمون، قيس بن الملوح ـ كثير بن عبد الرحمن، ذا الرمة (غيلان بن عقبة) الطرماح بن حكيم، محمد بن عبد الله النميري، عمر بن ابي ربيعة، ابن الدمينة، يزيد بن الطثرية، بشار بن برد، ابا العتاهية (اسماعيل بن القاسم) علي بن هشام.

رسالة حب: تضمن الباب عشرة نماذج طريفة من رسائل العشاق منها على سبيل المثال: بلغني ان رجلا من الفضلاء عشق جارية ذات بلاغة وفصاحة وبراعة ويراعه، وكان لا يجد اليها سبيلا الا بالمراسلة والمكاتبة فكتب اليها يوما: كتبت، اطال الله بقاء مالك قيادي، وسالب مهجتي ورقادي ولي ضلوع يتوقد سعيرها ويرتمي كالشرر زفيرها، ودموع يتوالى عهادها، نسيان منها غورها وانجادها، من حنين كحنين الروض الى صيب الغمام والندامى الى مباكرة حاطاة المدام، ولي طرف موكل برعي الكواكب ولسان مطارح للحائم النوادب.. فإن (حاول) مولاي وسيدي تعويض عبده عن لقائه صحيفة من نثره وشعره يردها وارد الشفاء، على غلل الاحشاء احرز قصب الشكر وفاز بقدح الاجر.

فكتبت اليه:

لولا تعلة الحجاب ومراقبة الحجّاب لطرقت اليك الخيال، وركبت اليك مراكب الاهوال وعصيت فيك العذول والرقباء، واطعت فيك الغرام والرجاء، فاما ما بثثت من الشكوى واعلنت به من البلوى، فعندي منه ما ينفد فيه الاقلام ويستغرق مجامع الكلام ولم لا وانت شقيق نفسي وحيد انسي، فوحق من رفع الخضراء وبسط الغبراء لقد احلك الله من قلبي.. محل الروح من جسد الجبان والمال من يد كل بخيل البنان.

فصبرا فإن الصبر عقباه تحمد فإن بالامس يأتي به الغد وكم سر صرف الدهر من متجمع وجمع شملا كان وهو مبدد عليك سلام الله ما اهتز مورق وما ردد الشجو الحمام المغرد موسوعة تستحق العناية دارس الكتاب لا يستغرب استخدام المؤلف عبارات السجع، لان هذا الاسلوب كان السائد في عصره.. واذا كان قد حذف الاسانيد، فإنه لم يذكر اسماء المصادر التي نــــهل منها محتويات كتابه، لكنه انفرد بايراد حكايات وطرائف نفتقدها في المصادر المتوفرة بين ايدينا. على ان الميزة الفــــــريدة التي يسعد بها من يقرأ هذا الكتاب: اشتماله على موســـــوعة للشعر العذري ضمنها (ابـــــن حمامة) اشعارا لهم ولمن حاكاهم في القرون اللاحقة لغاية وضعه الكتاب اواخر القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي). ومما تضمنته هذه الموسوعة الطريفة المرتبة وفق الحروف الابجدية قصائد ومقطوعات نفتقدها في الكثير من الدواوين الشعرية التي انتهت الينا او التي جمعت حديثا.

اخيرا ورغم كل ما اعتور مخطوط (نفائس الاعلاق في مآثر العشاق) من نقص ومشكلات، فإنه ينتظر جهود باحث رصين يضع هذا الكتاب النادر بين ايدي القراء وتحت وسائد العشاق.


.
صورة مفقودة
 
أعلى