شربل السكاف - الإيروسية ولذة الوجود

الأنسان لا يريد أن يتبنى ما يفعله الاّ أنه يفعل ما يفعله ويُأوّلُ فِعله وفقَ تأوهات وفتاوى تجمع المُحلل والباطل، إلاً أنّ من يتبنى فعله ويتجرد من ذاته ليعكس ذاته حسب ما يظهره الآخر من

مقومات يُضطهد في بعض الأحيان ويُنعت بنعوتات لا تليق بالإنسانية والكينونة الأجتماعية

إنطلقت من هذه المقدمة لأتكلم عن الإيروسية في الشعر العربي الحديث؛ بحيث أن ما لفتني هو التعليقات التي أخذت منحىً دينياً بعيد كل البعد عن العالم الشعري، ولأن في الشعر وفي لغة الكلام نُخرج الآخر من ذاتنا وببُعد المراقب لنُظهر عبقرية لاوعينا اللغوي

الشاعرة اللبنانية الفرانكوفونية جوزيه حلو تتألق دائماً ببوحها الإيروسي العذب دون أن تخطط له أو تشترط عليه أوعلينا بل تحلّق ونحلّق معها، كما تعبث أحياناً بدهاليز وأسرار ذاتية ، كما في معظم


قصائدها الإيروسية بلغة العصر وبأنوثة صارخة وبدفق خيال جامح لأمرأة شرقية معاصرة

عشيقة هذا الليل الحزين
عندما يأتيني الكون
لينزوي بين نهديّ الجميلين
أخلعُ ثيابي خلسة
للبوح بذنوب الخلوات

حُمَمُ النساء

حليب الصباح ينساب على جسدي
وتغتسل بك حنجرتي
لأبوح لك بعذابي ونهمي
فيما جسدي يذوب بك
أسفلك في أعلاي
ويرقدُ ضجيج الفضيحة في فمي

الرمزية تظهر حضارة بلد وحضارة أمة، وأمة منبثقة من كلمة أم وكأن الرمزية هي أم الحضارة .. إذن، لا يمكن أن ندرس الشعر كما في المنحوتات الأثرية وغيرها من مقومات الثقافة دون وضعها في إطارها التاريخي، بحث أن التطور اللغوي والتاريخي يفعل فعله، أي يُضيف المفاهيم ويغيرها .. فالحضارات القديمة عرفت الشعر الإيروسي، وأذكر الحضارة اليونانية القديمة حيث يُظهر الباليستراد أي المنحوتة التي تُجسد الملك يضاجع الولد، لكي يعطيه المعرفة، إذن، إذا درسنا هذه "المنحوتة وفق النظم الحضارية الحديثة: نصفها في مصاف الشذوذ والإنحراف .. فهل يمكن أن نعتبر أن الشعر الإيروسي هو شعر منحرف؟

كمحلل نفسي، إنه من غير الممكن، أن نعتبره شعراً منحرفاً، بحيث أن كلمة: "إيروس" تعني غريزة الحياة، حاضنة الجنس داخلها .. وكي نكون مثاليين
يجب أن نكون في الحاضر، أي يجب أن نستدخِل المُثل العليا ..
الشعر الإيروسي ليس بالشعر المنحرف كونه يعبر عن ميولنا إذ لم نستدخل هذا الآخر.

إن الشعر الإيروسي هو من نبض الواقع والخيال .. فالحب هو تعلق شخص بشخص آخر .. غالباً ما يكون عنيفاً وغالباً ما يتميز بالأزدواجية، وكما لا يمكن أن نستخلصه من النرجسية ..

وما لاحظته في هذا الشعر الإيروسي، يمكن أن أصنفه تحت خانة الواقع وتحرر الأنا؛ بحيث أني لا أدرس بنية الشاعر بل بنية القصيدة وكينونتها، أي من خلال هذه الصور الشعرية الآسرة تعبر بشكل أوسع عن ما نلحظه في العالم الغربي، والسبب هو غياب مفهوم: الواقعي الذي يجب أن يكون حاضراً أبداً ..

غابرييلا ميسترال / قصيدتا نثر

وأختار منهما واحدة / التين / الترجمة، من الإنجليزيّة، والتّقديم: تحسين الخطيب: كانت "غابرييلاّ

ميسترال " أوّل شاعرة أميركيّة لاتينيّة تفوز بجائزة نوبل في الأدب العام 1945

مُسَّنِيْ: إِنّها نعومةُ السَّاتَانِ الطّاهرِ؛ حينَ تَفتحُنِيْ، يَا لِوردةِ الفُجَاءَةِ! أَنَسِيْتَ عباءَةَ المَلِكِ السّوداءَ التي تحتها توهَّجَتْ حُمْرَةٌ؟
أُزْهِرُ فِيَّ لأَنْعَمَ بتحديقةٍ جُوّانِيَّةٍ، لِسبعةِ أيّامٍ، بِشِقِّ النَّفْسِ.
ثُمَّ، بِنُبْلٍ، وفي عناقٍ طويلٍ لضحكٍ كُنْغُولِيٍّ مَديدٍ، انفتحَ السّاتانُ.
لمْ يعرفِ الشّعراءُ لونَ اللّيلِ ولا التِّينَ الفلسطينيّ. ما نحنُ سوى الزُّرقةَ الأكثرَ عِتَقَاً؛ الزُّرقةَ المُتَّقِدَةَ التي بِغِنَىً تحشدُ نَفْسها لِتَوَهُّجِهَا.
وَإِذْ أَسكبُ أَزهاريَ المعصورةَ في يَدِكَ أَخلقُ مَرْجَاً قزماً لِبهجتكَ؛ أُمطركَ بِشَذَا المرجِ حتّى يغمرَ قدميكَ.
كلاّ أتركُ الأزهارَ مَعقودةً: تُثيرُنِيْ؛ فَالوردةُ الهاجعةُ تعرفُ إحساسِيَ هذا
دَعْ تسبيحِيَ يكتمِلُ: آزَرْتُ الإغريقَ فَمَجّدُونِيَ أَقَلَّ مِن "جُوْنُوْ" التي لمْ تَهَبْهُم شيئاً ..



شربل السكاف / فرنسا
باحث / جامعة ستراسبورغ



.....................
1- نص غابرييلا ميسترال، موقع إيلاف.
*عن صحيفة المثقف
صورة مفقودة
 
أعلى