عباس علي موسى - كتابة الجسد والثقافة الملوّنة

إلى متى سيبقى التعامل مع الجسد بالخفر ذاته والخوف ذاته وإلى هذا الحَدْ، يصرّح أحدهم بما يريده داخل السرير ثُمّ يعنّف بهِ خارجاً.
يبقى الجسدُ ذلك التابو الذي يُحظّر الاقتراب منه، حيثُ الاقتراب له مسافةٌ لا يجوزُ اختراقها، فإلى أي درجةٍ يَحسنُ بنا الاقتراب.
هل نقتربُ منه بمسافة الُمباح الديني/ الزواج /، أمْ نقتربُ منه بمسافة الإباحة التي تبدو فيه هذه المسافة إباحيةً في الدين بقدر ما هي كذلك خارجه؟
إذا ما حاولنا خطف نظرة إلى الخلف إلى عصر الجواري، حيثُ المتعةُ بالجسد غير مُحددة إلاّ بمقدار العدد الذي تملكه من الجواري - وإن كان العدد ذاك /365/ - بعيداً عن المُباح الديني الآخر /4 زيجات /، كما روى لنا التاريخ ولنا أن نحاكم كُتّاب التاريخ على أرقامهم، إلاّ أننا لن نتملّص من القاعدة التي أباحت الرقم الأدنى منهُ. أو عن طريق إطالة مسافة المُباح الرباعيّ ذاك عن طريق زواج المُتعة؛ حيثُ بإمكانك التمتعُ بأكثر من جسد تحت شعار المُباح الديني.
وإذا ما خرجنا من إطار المُباح الديني بالنسبة للجسد بمسافاته المُختلفة في تحديد العلاقة مع معه، فلنتناول المُباح الآخر للجسد بعيداً أو بدون صكِّ الدين، يبدو أنّ البوابةَ التي تفضي إلى الغرفة تختلفُ لكنّ الغرفةَ واحدة، إلاّ أنّ أمام الباب هذا توجد سياطٌ بعدد مسافة المُحرّم، 80،90،100، جلدة وما أدراك فالموضوع يصلُ للرجمِ بالحجارة.
في الكتابة يختلفُ التعاملُ مع الجسد، حيثُ هُناك بياضٌ وسواد، حروفٌ وظلال ولا شيء خلا ذلك، وحيثُ اختراقُ جسدٍ ما ليس سوى اختراقا لبياض الصفحة ولهم أن يكتبوا ما يشاءوا هؤلاء القائمون على الكتف اليسار واليمين.
أليست الكتابة عن الجسد سمواً بالدافع الجنسي؟ والكتابة عن ظلّ الجسد هي بالضرورة حديثٌ عنه أيضاً.
لكنّ صورةً نصفية لرجلٍ من الهنودِ الحمر هي ليست بالضرورة انعكاساً لـ امرأة حاسرة الجسد.
مُنذ مدة صادف أن ألقيتُ قصةً بعنوان " امرأة حاسرة الجسد " إلى هذا الركام في شبكة الإنترنت إلى أحد المواقع الافتراضية، ففوجئتُ بالمرأة التي صوّرتها حاسرة الجسد ( الذي لم يكن جسداً حتى بل ظلال جسد ) فوجئتُ بها وقد تحوّلت إلى رجلٍ من الهنود الحمر ولنا أن نفترضَ هُنا أنّهُ ربما كانت لفتة من القائمين على الموقع إلى مأساة الهنود الحمر في مرحلة ما ( وإنّما الأعمال بالنيات ) ، أعرف في المرأةِ تلك نحت امرأةٍ لكن لم أكن لأرى فيها ذاك الرجل.
غريبونَ نحنُ في تعاملنا مع الأشياء، فإنّ كُنّا نوافقُ على امرأةٍ حاسرة الجسد على البياض، ومتأكدونَ أنّها لن توقظَ حيوانات الشهوة وهي على البياض ذاك، فلما نحنُ خائفونَ إذاً من عرض صورةٍ تُعبّرُ عن تلكَ الكلمات بظلالٍ ملونة، أم أنّنا شعبٌ نتأثرُ بالألوان أكثر من البياض والسواد، وإنْ كُنّا كذلك ( أصحاب ثقافةٍ ملونة ) فلا أعرفُ لما لم يخرج ميكيل أنجلو و دافنتشي من جغرافيتنا الملونة هذه.
وليرحم اللهُ بشار بن برد الذي مات تحتَ السياط مع أنّه لم يظللّ كلماته بالألوان، ولم يكن لهُ سوى ذرِّ السواد على البياض ( مع مراعاة المستخدم آنذاك ).
عباس علي موسى


* عن موقع ألف لحرية الكشف في الكتابة والانسان


ke8sft7yakiurgpoae7.jpg
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
أعلى