البهاء العاملي - الكشكول

(...)
عروة بن أذينة
إن التي زعمت ودادك ملها ... خلعت هواك كما خلعت هوى لها
فيك الذي زعمت بها وكلاكما ... أبدى لصاحبه الصبابة كلها
بيضاء باكرها النعيم فصاغها ... بلياقة فأرقها وأجلها
وإذا وجدت لها وساوس سلوة ... شفع الضمير إلى الفؤاد فعلها
لما عرضت مسلماً لي حاجة ... أخشى صعوبتها وأرجو دلها
منعت تحيتها فقلت لصاحبي ... ما كان أكثرها لنا وأقلها
فدنى وقال لعلها معذورة ... من بعض رقبتها فقلت لعلها
الشيخ شهاب الدين السهر وردي من أبيات:
أقول لجارتي والدمع جاري ... ولي عزم الرحيل عن الديار
ذريني أن أسير ولا تنوحي ... فإن الشهب أشرفها السواري
وإني في الظلام رأيت ضوءاً ... كأن الليل بدل بالنهار
أأرضى بالإقامة في فلاة؟ ... وأربعة العناصر في جواري
إذا أبصرت ذاك الضوء أفنى ... فلا أدري يميني من يساري
ابن الرومي في الشيب
يا شبابي وأين مني شبابي؟ ... إذ ثنتني أيامه بانقضاب
لهف نفسي على نعيمي ولهوي ... تحت أفنانه اللدان الرطاب
ومعز عن الشباب مؤس ... بمشيب الأتراب والأصحاب
قلت لما انتحى يعد أساه ... من مصاب شبابه فمصاب
ليس تأسوا كلوم غيري كلومي ... مابه مابه ومابي مابي
الشاعر المعروف بديك الجن اسمه عبد السلام كان من الشيعة، ومات سنة خمس وثلاثين ومأتين وكان عمره بضعاً وسبعين سنة وكان له جارية وغلام قد بلغا في الحسن أعلى الدرجات وكان مشغوفاً بحبهما غاية الشغف، فوجدهما في بعض الأيام مختلطين تحت إزار واحد فقتلهما وأحرق جسديهما وأخذ رمادهما وخلط به شيئاً من التراب وصنع منه كوزين للخمر وكان يحضرهما في مجلس شرابه ويضع إحدهما على يمينه والآخر على يساره فتارة يقبل الكوز المتخذ من رماد الجارية وينشد:
يا طلعة طلع الحمام عليها ... وجنى لها ثمر الردى بيديها
رويت من دمعها الثرى ولطالما ... روى الهوى شفتي من شفتيها
وتارة يقبل الكوز المتخذ من رماد الغلام.
وينشد
وقتلته وبه علي كرامة ... فله الحشى وله الفؤاد بأسره
عهدي به ميتاً كأحسن نائم ... والحزن يسفح أدمعي في حجره
برهانان مختصران على مساواة زوايا الثلث من المثلث لقائمتين لكاتب الأحرف أقل العباد بهاء الدين العاملي، ليكن المثلث ا ب ج ونخرج من نقطة ا إلى د خطاً موازاً لخط ب ج فنقول: زاويتا د ا ب و ج ب ا، كقائمتين لكونهما داخلتين في جهة وزاويتا د ا ج و ا ج ب متساويتان، لأنهما متبادلتان فزاوية ج مع مجموعة زاوية ب وزاوية ا يساوي قائمتين أيضاً وذلك ما أردناه ثم أقول: بوجه آخر يخرج د ا على الاستقامة موازياً ل ب ج إلى ه فالزوايا الثلث الحادثة كقائمتين والمتبادلان متساوية فالثلث التي في المثلث كقائمتين وذلك ما أردناه. سئل المعلم الثاني أبو نصر الفارابي عن برهان مساواة الزوايا الثلث من المثلث القائمتين فقال: لأن الستة إذا نقص منها أربعة بقي اثنان معناه: أنه إذا نقص من ست قوائم أربع قوائم بقي قائمتان.
برهانه نخرج ضلع ب ج في مثلث اب ب ج إلى د و ه ونخرج ب ا إلى ح وقد برهن في ثلاث عشر من أولى الأصول: أن كل خط وقع على خط حدث عن جنبيه قائمتان، أو مساويتان لهما، فالزوايا الست الحادثة مساوية لست قوائم ويخرج من نقطة ا خط ا ر موازياً ل ب ج فداخلتا ه ج أو ر ا ج كقائمتين بشكل 29 من أولى الأصول وزاويتا د ب ا و ح ا ر أيضاً كقائمتين، لأن زاوية د ب ا يساوي زاوية ب ا ر لأنهما متبادلتان و ح ا ر يساوي ا ب ج لأنهما داخلة وخارجة أقول لأن: زاوية د ب ا مع راوية ا ب ج كقائمتين وزاوية ا ب ج يساوي زاوية ح ا ر فزاوية د ب ا مع زاوية ح ا د كقائمتين، أيضاً، فإذا أسقطنا هذه الزوايا من الست القوائم بقي الزوايا الثلاث التي للمثلث مساوية لقائمتين. الظاهر أن قوله لأن إلى قوله: متبادلتان مستغنى عنه.
قال المحقق الطوسي في التحرير في بيان المصادرة الثانية: إذا قام عمودان متساويان على خط ووصل طرفاهما بخط آخر كانت الزاويتان الحادثتان بينهما متساويتين مثلاً قام عمودا ا ب و ج د المتساويان على ب ج ووصل ا ج فحدث بينهما زاويتا ب ا ج و د ج ا فهما متساويتان ونصل ا د ب ج متقاطعين على ه فيكون في مثلثي ا ب د و ج د ب ضلعا اب و ب د وزاوية ا ب د القائمة مساوية لضلعي ج د و د ب وزاوية ج د ب القائمة كل لنظيره، ويقتضي ذلك تساوي بقية الزوايا والأضلاع النظاير ولتساوي زاويتي ا د ب و ج ب د يكون ب ه و د ه متساويين ويبقى ا ه و ج ه متساويين فيكون زاويتا ه ا ج و ه ج ا متساويتين، وكانت زاويتا د ا ب و ب ج د.
فيكون جميع زاوية ب ا ج مساوية لجميع زاوية د ج ا انتهى كلام الشيخ الطوسي.
أقول: وبوجه آخر إذا كان مثلثا ا ب د و ج د ب متساويين فمثلثا ا ه ب و ج ه د أيضاً متساويان لتساوي زاويتي ب ا ه و ب ه ا وضلع ا ب لزاويتي د ج ه و ج ه د وضلع د ج فتساوي ضلعا ا ه و ج ه فزاويتا ا ج متساويتان بالمأموني ويلزم ما أردناه.
ثم أقول: وبوجه آخر بشكل آخر وهو أن ينصف ب د على ه ونصل ا ه و ج ه فضلعا ا ب و ب ه وزاوية ب كضلعي ج د و د ه وزاوية د فزاويتا ب ا ه و د ج ه متساويتان وكذلك ضلعا ا ه و ج ه فزاويتا ه ا و ه ج ا متساويتان بالمأموني فمجموع زاوية ب ا ج يساوي مجموع زاوية د ج ا وذلك ما أردناه، وهذا الوجه أخصر من وجه المحرر بكثير كما لا يخفى.
ملتقطات من الباب الأخير من كتاب نهج البلاغة من كلام سيد الأوصياء عليه أفضل الصلاة والسلام.
البشاشة حبالة المودة، إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه، أفضل الزهد إخفاء الزهد، لا قربة بالنوافل إذا أضرت بالفرائض، المال مادة الشهوات، نفس المرء خطاه إلى أجله، من لان عوده كثفت أغصانه، كل وعاء يضيق بما جعل فيه إلا وعاء العلم فإنه يتسع، اتق الله بعض التقى وإن قل، واجعل بينك وبين الله ستراً وإن رق، إذا كثرت المقدرة قلت الشهوة، أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه، كفى بالأجل حارساً، الحلم عشيرة، قليل تدوم عليه خير من كثير مملول منه، إذا كان لرجل خلة رائعة فانتظروا أخواتها، صاحب السلطان كراكب الأسد يغبط بموقعه وهو أعلم بموضعه.
لكاتبه في الشوق إلى لثم عتبة سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم:
للشوق إلى طيبة جفني باكي ... لو أن مقامي فلك الأفلاك
يستحقر من مشى لدى روضتها ... المشي على أجنحة الأملاك
قال جامع الكتاب أيضاً
قد صمم العزيمة كاتب هذه الأحرف محمد المشتهر ببهاء الدين العاملي على أن يبني مكاناً في النجف الأشرف لمحافظة نعال زوار ذلك الحرم الأقدس وأن يكتب على ذلك المكان هذين البيتين اللذين سنحا بالخاطر الفاتر وهما:
هذا الأفق المبين قد لاح لديك ... فاسجد متذللاً وعفر خديك
ذا طور سينين فاغضض الطرف به ... هذا حرم العزة فاخلع نعليك
لبعض الأعراب
ومن يك مثلي ذا عيال ومقتراً ... من المال يطرح نفسه كل مطرح
ليبلغ عذراً أو يصيب رغيبة ... ومبلغ نفس عذرها مثل منجح
هذه كلمات يستحق أن يكتب بالنور على وجنات الحور، من أعز نفسه أذل فلسه، من سلك الجدد أمن من العثار، من كان عبداً للحق فهو حر، من بذل بعض عنايته لك فابذل جميع شكرك له، من تأنى أصاب ما تمنى، لا يقوم عز الغضب بذل الاعتذار، ماصين العلم بمثل بذله لأهله، ربما كانت العطية خطية والعناية جناية، لولا السيف كثر الحيف لو صور الصدق لكان أسداً ولو صور الكذب لكان ثعلباً، لو سكت من لا يعلم سقط الخلاف، من قاسى الأمور فهم المستور، من لم يصبر على كلمة سمع كلمات، من عاب نفسه فقد زكاها، من بلغ غاية ما يحب فليتوقع غاية ما يكره، من شارك السلطان في عز الدنيا شاركه في ذل الآخرة، الفقر يخرس الفطن عن حجته، المرض حبس البدن والهم حبس الروح، المفروح به هو المحزون عليه أول الحجامة تحزيز القفا، الدهر أنصح المؤدبين، أسرع الناس إلى الفتنة أقلهم حياء من الفرار، المنية تضحك من الأمنية، الهدية ترد بلاء الدنيا، والصدقة ترد بلاء الآخرة، الحر عبد إذا طمع والعبد حر إذا قنع، الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود، الأنام فرائس الأيام، اللسان صغير الجرم عظيم الجرم، يوم العدل على الظالم أشد من يوم الجور على المظلوم، مجالسة الثقيل حمى الروح، كلب جوال خير من أسد رابض، ابتلاؤك بمجنون كامل خير لك من نصف مجنون، قد تكسد اليواقيت في بعض المواقيت، اتبع ولا تبتدع، ارع من عظمك لغير حاجة إليك، لا تشرب السم اتكالاً على ما عندك الترياق، ولا تكن ممن يلعن إبليس في العلانية ويواليه في السر، لا تجالس بسفهك الحكماء ولا بحلمك السفهاء، صديقك من صدقك لا من صدقك، لا سرف في الخير كما لا خير في السرف.
يا من سينأى عن بنيه ... كما نأى عنه أبوه
مثل لنفسك قولهم ... جاء اليقين فوجهوه
وتحللوا من ظله ... قبل الممات وحللوه
الأبعاد ترى من المواضع البعيدة أقصر وكل مرئي واقع في سطح والبصر مرتفع عنه، فإنه يرى أقرب، إذا صار البصر أرفع، فليكن السطح ا ب والمرئي ب والصبر أعني ه مرتفع عنه بقدر ا ج فنقول إن ب يرى أقرب من ا موقع العمود الخارج من البصر إلى السطح إذا صار ا ه بقدر ا د لأن زاوية ا ب د أعظم من زاوية ا ب ج وزاوية ا بحالها فيكون ا ب ج أعظم من ا د ب وأيضاً زاوية ا ج ب خارجة عن مثلث د ج ب لبعضهم في من به داء الثعلب وفي أسنانه نبو:
أقول لمعشر جهلوا وغضوا ... من الشيخ الكبير وأنكروه
هو ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى تضع العمامة تعرفوه
لمجير الدين بن تميم في عبد اسمه عنبر لاط بسيده والبيت الأخير لابن المعتز في تشبيه الهلال:
عاينت في الحمام أسود واثبا ... من فوق أبيض كالهلال المسفر
فكأنما هو زورق من فضة ... قد أثقلته حمولة من عنبر
وله في زهر اللوز
أزهر اللوز أنت لكل زهر ... من الأزهار تأتينا إمام
لقد حسنت بك الأيام حتى ... كأنك في فم الدنيا ابتسام
والبيت الأخير لأبي الطيب يمدح سيف الدولة ولمجير الدين المذكور.
أفدي الذي أهوى بفيه شاربا ... من بركة طابت وراقت مشرعا
أبدت لعيني وجهه وخياله ... فأرتني القمرين في وقت معا
من كتاب ورام، قال عيسى عليه السلام: يا معشر الحواريين ارضوا بدنيء الدنيا مع سلامة الدين، كما رضي أهل الدنيا بدنيء الدين مع سلامة الدنيا وقد عقد هذا المعنى بعضهم فقال:
أرى رجالاً بأدنى الدين قد قنعوا ... ولا أراهم رضوا في العيش بالدون
فاستغن بالدين عن دنيا الملوك كما ... استغنى الملوك بدنياهم عن الدين
ابن عبد الجليل الأندلسي
أتراه يترك الغزلا ... وعليه شب واكتهلا
كلف بالغيد ما علقت ... نفسه السلوان مذ عقلا
غير راض عن سجية من ... ذاق طعم الحب ثم سلا
أيها اللوام ويحكم ... إن لي عن لومكم شغلا
ثقلت عن لومكم أذن ... لم يجد فيها الهوى ثقلا
تسمع النجوى وإن خفيت ... وهي ليست تسمع العذلا
نظرت عيني لشقوتها ... نظرات وافقت أجلا
غادة لما مثلت لها ... تركتني في الهوى مثلا
أبطل الحق الذي بيدي ... سحر عينيها وما بطلا
حسبت أني سأحرقها ... مذ رأت رأسي قد اشتعلا
يا سراة الحي مثلكم ... يتلافى الحادث الجللا
قد نزلنا في جواركم ... فشكرنا ذلك النزلا
ثم واجهنا ظباءكم ... فرأينا الهول والوهلا
أضمنتم أمر جيرتكم ... ثم ما آمنتم السبلا
لوالدي نور الله تربته ورفع في الجنان رتبته في التورية والقلب.
كل ملوم قبله مولم ... وكل ساق قلبه قاس
ذكر بعض أئمة اللغة: إن لفظ بس فارسية يقولها العامة، وتصرفوا فيها، فقالوا: بسك وبسي وليس للفرس كلمة بمعناه سواها.
وللعرب حسب وبجل وقط مخففة وامسك واكفف وناهيك وكافيك ومه ومهلا واقطع واكتف.
ابن حجر العسقلاني من الاقتباس شعر:
خاض العواذل في حديث مدامعي ... لما جرى كالبحر سرعة سيره
فحبسته لأصون سر هواكم ... حتى يخوضوا في حديث غيره
القيراطي
لهفي على ساكن شط الفرات ... مروجيه على الحياة
ما تنقضي من عجب فكرتي ... من خصلة فرط فيها الولاة
ترك المحبين بلا حاكم ... لم يقعدوا للعاشقين القضاة
وقد أتاني خبر ساءني ... مقالها في السر واسوئتاه
العفيف التلمساني
سأل الربع عن ظباء المصلى ... ما على الربع لو أجاب سؤاله
ومحال من المحيل جواب ... غير أن الوقوف فيه علاله
هذه سنة المحبين من قبل ... على كل منزل لا محاله
يا ديار الأحباب لا زالت الأدمع ... في ترب ساحتيك مذاله
وتمشى النسيم وهو عليل ... في مغانيك ساحباً أذياله
يا خليلي إذا رأيت ربي الجزع ... وعاينت روضه وتلاله
قف به ناشداً فؤادي فلي ... ثم فؤاد أخشى عليه ضلاله
وبأعلى الكثيب ظبي أغض ... الطرف عنه مهابة وجلاله
كل من جئته أسائل عنه ... أظهر العي غيرة وتباله
أنا أدري به ولكن صوناً ... أتعامى عنه وأبدي جهاله
دخل ابن النبيه على الصاحب صفي الدين فوجده قد حم بقشعريرة فقال:
تباً لحماك التي ... أضنت فؤادي ولها
هل قد سألت حاجة ... فأنت تهتز لها
الحلي في صبي وقعت عليه شمعة فأصابت شفته:
وذي هيف زارني ليلة ... فأضحى به الهم في معزل
فمالت لتقبيله شمعة ... ولم تخش من ذلك المحفل
فقلت لصحبي وقد حكمت ... صوارم لحطيه في مقتلي
أتدرون شمعتنا لم هوت ... لتقبيل ذا الرشا الأكحل
درت أن ريقته شهدة ... فحنت إلى إلفها الأول
من الاقتباس في النحو وغيره
مرضت ولي جيرة كلهم ... عن الرشد في صحبتي حائد
فأصبحت في النقص مثل الذي ... ولا صلة لي ولا عائد
ابن مطروح في الاقتباس من علم الرمل
حلا ريقه والدر فيه منضد ... ومن ذا رأى في الشهد دراً منضدا
رأيت بخديه بياضاً وحمرة ... فقلت لي البشرى اجتماع تولدا
لبعضهم في الاقتباس من الفقه
أنبت ورداً ناضراً ناظري ... في وجنة كالقمر الطالع
فلم منعتم شفتي لثمة ... والحق أن الزرع للزارع
اجابه والدي طاب ثراه
لأن أهل الحب في حينا ... عبيدنا في شرعنا الواسع
والعبد لا ملك له عندنا ... فزرعه للسيد المانع
صدر الدين بن الوكيل
يا سيدي إن جرى من مدمعي ودمي ... للعين والقلب مسفوح ومسفوك
لا تخش من قود يقتص منك به ... فالعين جارية والقلب مملوك
للمحقق الطوسي
ما للقياس الذي ما زال مشتهرا ... للمنطقيين في الشرطي تسديد
أما رأوا وجه من أهوى وطرته ... فالشمس طالعة والليل موجود
وله طاب ثراه
مقدمات الرقيب كيف غدت ... عند لقاء الحبيب متصله
تمنعنا الجمع والخلو معا ... وإنما ذاك حكم منفصله
مصعب بن الزبير
تأن بحاجتي واشدد قواها ... فقد صارت بمنزلة الضياع
إذا أرضعتها بلبان أخرى ... أضربها مشاركة الرضاع
قال مؤلف الكتاب: مما أنشدنيه والدي طاب ثراه، وكان كثيراً ما ينشد لي رحمه الله:
صل من دنا وتناس من بعدا ... لا تكرهن على الهوى أحدا
قد أكثرت حواء ما ولدت ... فإذا جفا ولد فخذ ولدا
لبعضهم
تلاعب الشعر على ردفه ... أوقع قلبي في العريض الطويل
يا ردفه جرت على خصره ... رفقاً به ما أنت إلا ثقيل
أبو نصر الفارابي
ما إن تقاعد جسمي عن لقائكم ... إلا وقلبي إليكم شيق عجل
وكيف يقعد مشتاق يحركه ... إليكم الباعثان الشوق والأمل
فإن نهضت فما لي غيركم وطر ... وكيف ذاك ومالي عنكم بدل
وكم تعرض لي الأقوام بعدكم ... يستأذنون على قلبي فما وصلوا
كتب بعض أمراء بغداد على داره:
ومن المروءة للفتى ... ما عاش دار فاخرة
فاقنع من الدنيا بها ... واعمل لدار الآخرة
هاتيك وافية بما ... وعدت وهذه ساخرة
ابن زولاق في غلام معه خادم يحرسه:
ومن عجب أن يحرسوك بخادم ... وخدام هذا الحسن من ذاك أكثر
عذارك ريحان وثغرك جوهر ... وخدك ياقوت وخالك عنبر
كتب بعض النساء وهي سكرى على أيوان كسرى:
ولا تأسفن على ناسك ... وإن مات ذو طرب فابكه
ونك من لقيت من العالمين ... فإن الندامة في تركه
الخباز البلدي وقد سافر محبوبه في البحر:
سار الحبيب وخلف القلبا ... يبدي العزاء ويظهر الكربا
قد قلت إذ سار السفين به ... والشوق ينهب مهجتي نهبا
لو أن لي عزاً أصول به ... لأخذت كل سفينة غصبا
لابن حمديس مشتمل على حروف المعجم
مزرفن الصدغ يسطو لحظه عبثا ... بالخلق جذلان إن تشكو الهوى ضحكا
الزرفين بالضم والكسر حلقة الباب وهو فارسي معرب وقد زرفن صدغيه جعلهما كالزرفين قاموس.
لوالدي طاب ثراه
فاح ريح الصبا وصاح الديك ... فانتبه وانف عنك ما ينفيك
واخلع النعل في الهوى ولهاً ... وادن منا فإننا ندنيك
واستلمها سلافة سلمت ... من أذى من بغى لها تشريك
وادر مدحها الفصيح وقل ... كل مدح لغير تلك ركيك
وتعشق وكن إذاً فطناً ... كل شيء عشقته يغنيك
وانف عنك الوجود وافن تجد ... نفحة من نوالنا تبقيك
إن تسر صوبنا تسر وإن ... مت في السير دوننا نحييك
وإذا هالك الحميم فحم ... في حمانا فإننا نحميك
وتخلق بما خلقت له ... فهو من مورد الردى منجيك
جد بنفس تجد نفيس هدى ... كف كفاً عن غيرنا نكفيك
خل خلي مناك لي بمنى ... واجعل النفس هدينا نهديك
وانتصب رافعاً يديك بها ... واخفض القدر ساكناً نعليك
وابك تمحو قبائحاً كتبت ... قبل أن تلتقي الذي يبكيك
تدعى غير ما وصفت به ... والذي فيك ظاهر من فيك
تجتري والجليل مطلع ... ما كأن النهى إذاً ناهيك
تتلاها عن الهدى ولها ... مبتلاً دائماً بما يببليك
تلبس الكبر تائها سفهاً ... والنجاسات كائنات فيك
وإذا ذكرت مواعظنا ... حدت عنها كأنها تنسيك
لكاتب الأحرف بهاء الدين العاملي مضمناً المصراع المشهور للجامعي وهو فاح ريح الصبا وصاح الديك.
يا نديمي بمهجتي أفديك ... قم وهات الكؤوس من هاتيك
هاتها هاتها مشعشعة ... أفسدت نسك ذي التقى النسيك
قهوة إن ضللت ساحتها ... فسنا ضوء كأسها يهديك
يا كليم الفؤاد داو بها ... قلبك المبتلى لكي تشفيك
هي نار الكليم فاجتلها ... واخلع النعل واترك التشكيك
صاح ناهيك بالمدام فدم ... في احتساها مخالفاً ناهيك
عمرك الله قل لنا كرماً ... يا حمام الأراك ما يبكيك
أترى غاب عنك أهل منى ... بعد ما قد توطنوا واديك
إن لي بين ربعهم رشأ ... طرفه إن تمت أسى يحييك
ذا قوام كأنه غصن ... ماس لما بدى به التحريك
لست أنساه إذ أتى سحراً ... وحده وحده بغير شريك
طرق الباب خائفاً وجلاً ... قلت من قال كلما يرضيك
قلت صرح فقال تجهل من ... سيف ألحاظه تحكم فيك
قمت من فرحتي فتحت له ... فاعتنقنا فقال لي يهنيك
بات يسقي وبت أشربها ... قهوة تترك المقل مليك
ثم جاذبته الرداء وقد ... خامر الخمر طرفه الفتيك
قال لي ما تريد قلت له ... يا منى القلب قبلة من فيك
قال خذها فقد ظفرت بها ... قلت زدني فقال لا وأبيك
ثم وسدته اليمين إلى ... أن دنى الصبح قال لي يكفيك
قلت مهلاً فقال قم فلقد ... فاح ريح الصبا وصاح الديك
ناظمها الشيخ حسن بن زين الدين العاملي.
ما أومض البرق في داج من الظلل ... إلا وهاجت شجوني أو نمت عللي
وازداد إضرام وجدي حين ذكرني ... لذيذ عيش مضى في الأزمن الأول
إذ كنت من حادثات الدهر في دعة ... مبلغاً من لدنه غاية الأمل
لله كم ليلة في العمر لي سلفت ... والعيش في ظلها أصفى من العسل
ألفيت فيها عيون الدهر غافلة ... عني وصرف الليالي عادم المقل
والجد يسعى بمطلوبي فما ذهبت ... من بعدها برهة حتى تنبه لي
فصوب الغدر نحوي كي يفل به ... صحيح حالي فأضحى منه في فلل
واستأصلت راحتي أيامه وغدا ... ربع اللقا والتداني موحش الطلل
فصرت في غمرة الأشجان منهمكاً ... لا حول لي أهتدي منه إلى حولي
أمسى ونار الأسى في القلب مضرمة ... لا ينطفي وقدها والفكر في شغل
كيف احتيالي ودهري غير معترف ... من جهله قيمة الأحرار بالزلل
حاذرت دهري فلم تنجح محاذرتي ... لما رماني ولا تمت له حيلي
والحازم الشهم من لم يلف آونة ... في عزه من مهنى عيشه الخضل
والغر من لم يكن في طول مدته ... من خوف صرف الليالي دايم الوجل
فالدهر ظل على أهليه منبسط ... وما سمعنا بظل غير منتقل
كم غر من قبلنا قوماً فما شعروا ... إلا وداعي المنايا جاء في عجل
وكم رمى دولة الأحرار من سفه ... بكل خطب مهول قادح جلل
وظل في نصرة الأشرار مجتهداً ... حتى غدوا دولة من أعظم الدول
وهذه شيمة الدنيا وسنتها ... من قبل تحنو على الأوغاد والسفل
وتلبس الحر من أثوابها حللاً ... من البلايا وأثوابها من العلل
يبيت منها ويضحى وهو في كمد ... في مدة العمر لا يفضي إلى جذل
فاصبر على مر ما تلقى وكن حذراً ... من غدرها فهي ذات الختر والغيل
واشدد بحبل التقى فيها يديك فما ... يجدي به المرء إلا صالح العمل
واحرص على النفس واجهد في حراستها ... ولا تدعها بها ترعى مع الهمل
وانهض بها من حضيض النقص منتصباً ... صوارم الحزم للتسويف والكسل
واركب غمار المعالي كي تبلغها ... ولا تكن قانعاً منهن بالبلل
فذروة المجد عندي ليس يدركها ... من لم يكن سالكاً مستصحب السبل
وكن أبياً عن الإذلال ممتنعاً ... فالذل لا ترتضيه همة الرجل
وإن عراك العنا والضيم في بلد ... فانهض إلى غيره في الأرض وانتقل
واسعد بنيل المنى فالحال معلنة ... بأن إدراك شأ والعز في النقل
وحيث يعييك نقص الحظ فاطو له ... كشحاً فليس ازدياد الجد بالحيل
ودارنا هذه من قبل قد حكمت ... على حظوظ أهالي الفضل بالخلل
وكن عن الناس مهما اسطعت معتزلاً ... فراحة النفس تهوى كل معتزل
ولو خبرت الورى ألفيت أكثرهم ... قد استحبوا طريقاً غير معتدل
إن عاهدوا لم يفوا بالعهد أو وعدوا ... فمنجز الوعد منهم غير محتمل
يحول صبغ الليالي عن مفارقهم ... ليستحيلوا وسوء الحال لم يحل
تقاعدت عن هوى الأخرى عزائمهم ... وفي اتباع الهوى حوشوا عن الفشل
وله أيضاً
ابهضني حمل النصب ... ونالني فرط التعب
إذ مر حالات النوى ... علي دهري قد كتب
لا تعجبوا من سقمي ... إن حياتي لعجب
عاندني الدهر فما ... يود لي إلا العطب
وما بقاء المرء في ... بحر هموم وكرب
لله أشكو زمناً ... في طرقي الختر نصب
فلست أغدو طالباً ... إلا ويعييني الطلب
لو كنت أدري علة ... توجب هذا أو سبب
كأنه يحسبني ... في سلك أصحاب الأدب
أخطأت يا دهر فلا ... بلغت في الدنيا إرب
كم تألف الغدر ولا ... تخاف سوء المنقلب
غادرتني مطرحاً ... بين الرزايا والنوب
من بعد ما ألبستني ... ثوب عناء ووصب
في غربة صماء إن ... دعوت فيها لم أجب
وحاكم الوجد على ... جميل صبري قد غلب
ومولم الشوق لدى ... قلبي المعنى قد وجب
ففي فؤادي حرقة ... منها الحشى قد التهب
وكل أحبابي قد ... أودعتهم وسط الترب
فلا يلمني لائم ... إن سال دمعي وانسكب
واليوم نائي أجلي ... من لوعتي قد اقترب
إذ بان عني وطني ... وعيل صبري وانسلب
ولم يدع لي الدهر من ... راحلتي غير القتب
لم ترض يا دهر بما ... صرفك مني قد نهب
لم يبق عندي فضة ... أنفقها ولا ذهب
واسترجع الصفو الذي ... من قبل قد كان وهب
وكم على حر بغى ... فشاب منه وانحدب
تبت يداك مثل ما ... تبت يدا أبي لهب
فما يضاهيك سوى ... من نعتها حمل الحطب
ومكرك السيىء لا ... يزال مقطوع الذنب
وعنك لا يبرح ما ... كيدك فيه قد ذهب
حتام يا دهر أرى ... منك البرايا في تعب
ما آن أن تصلح ما ... صرفك فينا قد خرب
ما حان إرجاع الذي ... من قبل منا قد سلب
شقشقة محملها ... يكشف عن حال الغضب
إن الزمان لم يزل ... يفتك في أهل الحسب
وصرفه من جوره ... لجرهم قد انتصب
تبصره أعيننا ... فهم على حال عجب
وكل غمر جاهل ... يبلغ منه ما طلب
هذا الذي حرك من ... عزمي الذي كان وجب
لا غر ويا قلب فلا ... تجزع فللأمر سبب
كل ابن أنثى هالك ... وسوف يأتي من حدب
أوقفه العرض إذا ... لم يدر من أين الهرب
وضاقت الصف بما ... عليه مولاه حسب
قد أحصيت أعماله ... وكاتب الحق كتب
لم يغن عنه ولد ... كلا ولا جد وأب
ولم يكن ينفعه ... في الحشر إلا ما كسب
وله رحمه الله
فؤادي طاعن إثر النياق ... وجسمي قاطن أرض العراق
ومن عجب الزمان حياة شخص ... ترحل بعضه والبعض باقي
وحل السقم في بدني وأمسى ... له ليل النوى ليل المحاق
وصبري راحل عما قليل ... وشدت لوعتي ولظى اشتياقي
وفرط الوجد أصبح لي حليفاً ... ولما ينو في الدنيا فراقي
وتعبث ناره بالروح حيناً ... فيوشك أن يبلغها التراقي
وأظمأني النوى وأراق دمعي ... فلا أروى ولا دمعي براقي
وقيدني على حال شديد ... فما حرز الرقى منه بواقي
أبى الله المهيمن أن تراني ... عيون الخلق محلول الوثاق
أبيت مدى الزمان النار وجدي ... على جمر يزيد به احتراقي
وما عيش امرىء في بحر غم ... يضاعي كربه كرب السياق
يود من الزمان صفاء يوم ... يلوذ بظله مما يلاقي
سقتني نائبات الدهر كأساً ... مريراً من أباريق الفراق
ولم يخطر ببالي قبل هذا ... لفرط الجهل أن الدهر ساقي
وفاض الكأس بعد البين حتى ... لعمري قد جرت منه سواقي
فليس لداء ما ألقى دواء ... يؤمل نفعه إلا التلاقي
الشيخ الواعظ شمس الدين في بحر كان وكان.
أي من غفل وتوانى الركب فاتتك صحبته ... وفي الدجا حاديهم
حدث وحث النوق حث المطايا لعلك ... بمن تقدم تلتحق
من لا يحث المطايا لا يبصر المعشوق ... فناقة تتضمخ
من شده السير بالدما تصل إلى موطنها ... مضمخة بخلوق
ياذ الطبل قد بلغت الارب وقد زال التعب ... الف الفت فالناقة
لها عليك حقوق يا بدر تم تجلى ... وهيم الخلق منظره
جميع من في العالم إلى لقاك مشوق ... فبالنبي محمد ص
وحق مولانا علي ع ما هيم القلب إلا ... قوامك الممشوق
آخر له أيضاً
وحق طيب وصالك وحق أيام الرضا ... وحق هزة عطفك
إذا انثنيت دلال ما أصغي إلى عذالي ... ولا أراغب في الهوى
أنا من الموت لا أفزع وأفزع من العذال ... فديت أهل المحبة
أجسامهم قد تنحفت وألوانهم قد حالت ... وحالهم ما حال
إن كنت ممن تعرف حق الهوى وحقوقنا ... وإلا دعه وتنحى
لذي المقام رجال
آخر له أيضاً يخاطب الغيث
أي غيث تسقى ونسقى نحن القلوب وأنت الشجر ... وكل ويحسد ينبت ما قد سقى أوراق
فأوراق نبتك قوت الأبدان أي غيث السما ... وأوراق نبتي قوت الأرواح والعشاق
لما حللت نطاقك نثرت عقد اللؤلوىء ... ودر عقدي ينشر وما حللت نطاق
لا تعتبوا للعاذل إذ لام فيمن تعشقوا ... فما رأى حسن وجهو ولالو صلوا ذاق
حبيبنا يتعرض لنا إن أعرضنا عنوا ... يعار على من يحبو فديت ذي الأخلاق
غررت في السير يا ذا لما عدلت عن النقا ... ومن ذكرت سليمى قدحت في حراق
يا من يعرض بليلى أشفق على أهل الهوى ... فتحت قولك معاني فيها الدماء تراق
كم لي ابهرج حالي الدمع يكشف بغيتي ... وعند أهل المعارف ما للنفاق نفاق
والله وبالله وتالله ما كان فراقي بشهوتي ... ايش أقدر أعمل إني في باب بدر رواق
وله أيضاً
يا من عصى وتجرى ارجع إلى من قد ستر ... أراك تعصي ولطفو دائم وراك وراك
متى قصدت فتح لك في الحال أبواب الرضا ... ولو قصدت بهذي الحالة يوماً أباك أباك
لطفو ترى في المضائق يصل وإن كنت منقطع ... عنوا وغير ويقطع فيما عراك عراك
لا في بلدك مع أهلك تقعد ولا مكة تصل ... ولا بوادي بوادي تحت الأراك أراك
أيضاً
قال لي حبيبي مالك مثل السواك من الضنى ... فقلت ما خلاني مثل السواك سواك
قال لي تقلع علي فقلت لويا سيدي ... الله وكل العالم تدري أنني أهواك
فقال نعليك اخلع إن أردت وادي قدسنا ... وذاهواسا يقول لك اخلع حذاك حذاك
ابن زريق البغدادي
لا تعذليه فإن العذل يولعه ... قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه
جاوزت في لومه حداً أضر به ... من حيث قدرت أن اللوم ينفعه
فاستعملي الرفق في تأنيبه بدلاً ... من عذله فهو مضنى القلب موجعه
قد كان مضطلعاً بالخطب يحمله ... فضلعت من خطوب الدهر أضلعه
يكفيه من لوعة التفنيد أن له ... من النوى كل يوم ما يروعه
ما آب من سفر إلا وأزعجه ... رأي إلى سفر بالبين يجمعه
تأبى المطالب إلا أن تجشمه ... للرزق كدحاً وكم ممن يودعه
كأنما هو من حل ومرتحل ... موكل بفضاء الأرض يذرعه
إن الزمان أراه في الرحيل غنى ... ولو إلى السد أضحى وهو يزمعه
وما مجاهدة الإنسان واصلة ... رزقاً ولا دعة الإنسان تقطعه
قد وزع الله بين الخلق رزقهم ... لم يخلق الله من خلق يضيعه
لكنهم كلفوا حرصاً فلست ترى ... مسترزقاً وسوى الغايات تقنعه
والحرص في الرزق والأرزاق قد قسمت ... بغي ألا إن بغي المرىء يصرعه
والدهر يعطي الفتى من حيث يمنعه ... إرثاً ويمنعه من حيث يطعمه
أستودع الله في بغداد لي قمراً ... بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
ودعته وبودي لو يودعني ... صفو طيب خ الحياة وأني لا أودعه
كم قد تشفع بي أن لا أفارقه ... وللضرورة حال لا تشفعه
وقد تشبث بي يوم الرحيل ضحى ... وأدمعي مستهلات وأدمعه
لا أكذب الله ثوب الصبر منخرق ... عني بفرقته لكن أرقعه
إني أوسع عذري في جنايته ... بالبين عني وجرمي لا يوسعه
رزقت ملكاً فلم أحسن سياسته ... وكل من لا يسوس الملك يخلعه
ومن غدا لابساً ثوب النعيم بلا ... شكر عليه فإن الله ينزعه
إعتضت من وجه خلي بعد فرقته ... كأساً أجرع منها ما أجرعه
كم قائل لي ذقت البين قلت له ... الذنب والله ذنبي لست أدفعه
ألا أقمت فكان الرشد أجمعه ... لو أنني يوم بان الرشد أتبعه
إني لأقطع أيامي وأنفدها ... بحسرة منه في قلبي تقطعه
بمن إذا هجع النوام بت له ... بلوعة منه ليلي لست أهجعه
لا يطمئن لجنبي مضطجع وكذا ... لا يطمئن له مذ بت مضجعه
ما كنت أحسب أن الدهر يفجعني ... به ولا أن بي الأيام تفجعه
حتى جرى البين فيما بيننا بيد ... عسراء تمنعني حقي وتمنعه
قد كنت من ريب دهري جازعاً فزعاً ... فلم أوق الذي قد كنت أجزعه
بالله يا منزل العيش الذي درست ... آثاره وعفت مذ بنت أربعه
هل الزمان معيد فيك عيشتنا؟ ... أم الليالي الذي أمضته ترجعه
في ذمة الله من أصبحت منزله ... وجاد غيث على مغناك يمرعه
من عنده لي عهد لا يضيعه ... كما له عهد صدق لا أضيعه
ومن يصدع قلبي ذكره وإذا ... جرى على قلبه ذكري يصدعه
لأصبرن لدهر لا يمتعني ... به ولا بي في حال يمتعه
علماً بأن اصطباري معقباً فرجاً ... فأضيق الضيق إن فكرت أوسعه
عسى الليالي التي أضنت بفرقتنا ... جسمي ستجمعني يوماً وتجمعه
وإن تنل أحداً منا منيته ... فما الذي بقضاء الله يصنعه
غيره في بحر كان وكان
الحق جل جلاه مالك ودنياه مزرعة ... ونحن زرعو الفاني وقد رنواكار
ونهر الآمال يجري وريح الآجال تختلف ... وحاصد الموت يحصد بمنجل الأقدار
أجسامنا كالسنابل مجموعها سوف تفترق ... ما عليه خضرة غدا عليه صفار
أبيض يازرع رأسك ما عدت بالماء تنتفع ... بقي قليل وتعدم شريك من الأنهار
تحصد تداس تذرى تجمع تعبى بعد ذا ... تبقى قليل وحرج من بعد للبازار
وذي سماءك وأرضك كمثل طاقين الرحى ... فالطاق الأسفل ساكن والمرتفع دوار
وذا نهارك وليلك كمثل بغلين دائرة ... أسود وأسمر غاسق أبيض واسمر نهار
كل يدور بنوبة وعينه قد شدها ... ما يهتدي ايش يستحق بهذه الأحجار
هذا مدار الدنيا كمن طحن حباً قوى ... حتى يدري وعمرو ما احتاج إلى نقار
قالوا للاكار رأسك يغلي من الحر والتعب ... تزرع وتسقي وتحسد وتحمل الأخطار
فقال إن لم يغل رأسي من الحر والتعب ... ففي الشتاما يغلي قدري بحر النار
غداً يقام الحاصل ومن زرع شيء يحصدو ... هذا لقم لو كاره ذاك عشر أكوار
آخر
مثل أنا أضرب لك والله قد ضرب المثل ... وفي المعاني جوهر يحتاج إلى نقاد
جسمك ضرير يمشي والنفس مقعد لو بصر ... صاحب ضرير لمقعد على صفا ووداد
فقال هذا المقعد رأيت في شجرة ثمر ... وليس أقدر أصعد القط من الأعواد
قال الضرير فإني أحملك تلتقط الثمر ... والقسم بيني وبينك بما نقص أو زاد
فجاء هذا يحمل هذاك والتقط الثمر ... وكل من ضم قسمو ونحو بيتو عاد
يا نائم الليل مالك تزاحم أصحاب السحر ... متى رأيت الثعلب يزاحم الآساد
يضجرك شغل الدنيا تجلب حديث الآخرة ... دع الهوى لأصحابو أين أنت والعباد
إن كنت بالذي وحده تريد تلحق من وصل ... ذا الحين تقدر تعمل كل البلد زهاد
آخر
يا من يقول التسحر سنة ويأكل ما نفع ... طيب يقيم السنة بحجة الأضراس
طول الدجى أنت ساهر لما تريد وتشهي ... وعند وقت صلاتك عندك كسل ونعاس
والعقل مع شهواتك كمثل شيخ وصبيتو ... إذا دعاهم قالوا دعوه قذا قد تاس
ويلك على من تخفي ويلك وتحسب تنطلي ... نحنا نشاهد فعلك ونحسب الأنفاس
آخر
يا سادة أوحشوني وهم حضور بخاطري ... أحزنتم القلب مني وأفرحتم الشمات
ما كان قط بظني أن ترحلوا عن ناظري ... وتتركوني معنى معثر الخطوات
كان الحمى يجمعنا فديت أيام الحمى ... ليلات كنا وكنتم يا طيبها ليلات
ليلات أنس كانت ألذ من طيب الكرا ... البين مشغول عنا والوقت في غفلات
من يوم ودعتموني ودعت لذات الهوى ... وقلت للنفس صوني قد ماتت اللذات
لم يبق للعيش معنى من بعدكم وحياتكم ... أنس الخلايق وحشة والاجتماع شتاب
يطلبكم القلب مني والعين تطلبكم منو ... ومن غر يوم معسر يلح في الطلبات
متى يقول المبشر اليوم يوم الملتقى ... وأقول للقلب مني قد رد لي ما فات
واغلق أبواب حزني وأفتح أبواب الهنا ... ونجتمع بالمنازل كسالف العادات
وأشتكي ما لاقى قلبي بأيام الجفا ... وما زارني زماني وذقت من نكبات
يزورنا الجار الأول ونصطلح بعد الغضب ... والعتب يطوي فراشو وتغفر الزلات
يقول هذي الساعة جئنا بنينا على الصفا ... هيهات أن نتكدر من بعدها هيهات
لكاتبهما
يا ساحراً بطرفه ... وظالماً لا يعدل
أخربت قلبي عامداً ... كذا يراعي المنزل
لبعضهم
صروف الدهر تكويني ... فلا تدري بتكويني
وأيام تلويني ... بتغيير وتلوين
وعمري كله فانٍ ... بلا دنيا ولا دين
فلا عز ذوي العقل ... ولا عيش المجانين
ويا قلبي الذي مات ... ومات من يعزيني
أنا من جملة الأموات ... ولكن غير مدفون
أرى عيشي لا يحلو ... وأيامي تعاديني
وكم أنشر آمالي ... وصرف الدهر يطويني
أقول اليوم واليوم ... ولكن من يخليني
من خط العلامة جمال الدنيا والدين الحلي طاب ثراه:
أيها السائل عن السبب الملحق ... أهل الحياة بالأموات
هو برد يطفي حرارة طبع ... وسكون يأتي على الحركات
ما أفاد الرئيس معرفة الطب ... ولا حكمه على النيرات
ما شفاه الشفاء من علة المو ... ت ولم ينجه كتاب النجاة
بعضهم وأظنه السيد الرضي رضي الله عنه.
قد قلت للنفس الشعاع أضمها ... كم ذا القراع لكل باب مصمت
قد آن أن أعصي المطامع طائعاً ... لليأس جامع شملي المتشتت
أعددتكم لدفاع كل ملمة ... عني فكنتم عون كل ملمة
فلأرحلن رحيل لا متلهف ... لفراقكم أبداً ولا متلفت
ولأنفضن يدي يأساً منكم ... نفض الأنامل من تراب الميت
وأقول للقلب المنازع نحوكم ... أقصر هواك لك اللتيا والتي
يا ضيعة الأمل الذي وجهته ... طمعاً إلى الأقوام بل يا ضيعتي
أيضاً من السيد الرضي رضي الله عنه:
لقلبي للنوائب خافقات ... عماق القعر مونسة الأواسي
أقارع سعيها لو كان يجدي ... قراعي للنوائب أو مراسي
وما زال الزمان يحيف حتى ... نزعت له على مضض لباسي
مضى عني السواد بلا مراد ... وأعطاني البياض بلا التماس
ولم يبثن غربان الليالي ... نعيقاً أن أطرن غراب رأسي
وددت بأن ما تجني المواضي ... بدا لي بما جنت المواسي
وللرضي رضي الله عنه
ما أسرع الأيام في طينا ... تمضي علينا ثم تمضي بنا
في كل يوم أمل قد نأى ... مرامه عن أجل قد دنى
أنذرنا الدهر وما نرعوي ... كأنما الدهر سوانا عنى
يعاشنا والموت في جده ... ما أوضح الأمر وما أبينا
والناس كالأجمال قد قربت ... تنتظر الحي لأن يظعنا
تدنو إلى العشب ومن خلفها ... مغامر تطردها بالقنا
إن الأولى شادوا مبانيهم ... تهدموا قبل انهدام البنا
لا معدم يحميه إعدامه ... ولا تقي نفس الغني الغنى
وله أيضاً رضي الله عنه
عارضا بي ركب الحجاز أسائله ... متى عهده بأعلام جمع
واستملا حديث من سكن الخيف ... ولا تكتباه إلا بدمعي
يا غزالاً بين النقى والمصلى ... ليس يبقى على منالك درعي
كل ما سل من فؤادي سهم ... عاد سهم لكم مضيض الوقع
من معيد أيام سلع على ما ... كان فيها وأين أيام سلع؟
لكاتبه وقد أشرف على سر من رأى:
أسرع السير أيها الحادي ... إن قلبي إلى الحمى صادي
وإذا ما رأيت من كتب ... مشهدي العسكري والهادي
فالثم الأرض خاضعاً فلقد ... نلت والله خير إسعاد
وإذا ما حللت ناديهم ... يا سقاه الإله من نادي
فاغضض الطرف خاشعاً ولهاً ... واخلع النعل إنه الوادي
لي وقد أشرفت على المشهد الأقدس الرضوي:
هذه قبة مولاي بدت كالقبس فاخلع النعل فقد جزت بوادي القدس
أين هو عن قول مهيار الديلمي، وكان مجوسياً، فأسلم على يد السيد المرتضى رضي الله عنه.
ضربوا بمدرجة الطريق قبابهم ... يتقارعون على قرى الضيفان
ويكاد موقدهم يجود بنفسه ... حب القرى حطباً على النيران
لوالدي طاب ثراه
ما شممت الورد إلا زادني شوقاً إليك ... وإذا ما مال غصن خلته يحنو عليك
لست تدري ما الذي قد حل بي من مقلتيك ... إن يكن جسمي تنائى فالحشا باق لديك
كل حسن في البرايا فهو منسوب إليك ... رشق القلب بسهم قوسه من حاجبيك
إن دائي ودوائي يا منائي في يديك ... آه لو أسقى لأشفى خمرة من شفتيك
لبعضهم في الباذنجان
وياذنج بستان أنيق رأيته ... وألوانه تحكي لمقلة وامق
قلوب ضباء أفردت عن كبودها ... على كل قلب عاشق كف باشق
من كتاب الحماسة هجو قوم
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم ... قالوا لأمهم بولي على النار
فضيقت فرجها بخلاً ببولتها ... فلا تبول لهم إلا بمقدار
السيد الرضي رضي الله عنه
أبقى كذا نضو الهموم كأنما ... سقتني الليالي من عقابيلهما سما
وأكبر آمالي من الدهر أنني ... أكون خلياً لا سروراً ولا هما
فلا جامعاً مالاً ولا مدركاً علىً ... ولا محرزاً أجراً ولا طالباً علما
كأرجوحة بين الخصاصة والغنى ... ومنزلة بين الشقاوة والنعمى
وله طاب ثراه
قد حصلنا من المعاش كما قد ... قيل قدماً لا عطر بعد عروس
ذهب القوم بالأطايب منها ... ودعتني إلى الدني الخسيس
لا جميلاً بحسنه يحسن الذكر ... ولا عامراً خراب الكيس
وإذا ما عدمت في الدهر هذين ... فسيان نهضتي وجلوسي
جلسة في الجحيم أحرى وأولى ... وهو من تحته بعرض دنيس
ما افتخار الفتى بثوب جديد ... من رحيل يفضي إلى تدنيس
والفتى ليس باللجين ولا التبر ... ولكن بعزة في النفوس
قد فعلت الذي به ينجح السعي ... فمن لي بحظي المنحوس
رثى السيد الأجل رحمه الله دام ظله والدي طاب ثراه بأبيات بقصيدة خ ل مطلعها:
جارتي كيف تسحنين ملامي ... أتداوي كلم الحشا بكلامي
وطلب مني القول على طرزها فقلت مشيراً إلى بعض ألقابه الشريفة:
خلياني بلوعتي وغرامي ... يا خليلي واذهبا بسلام
قد دعاني الهوى ولباه لبي ... فدعاني ولا تطيلا ملامي
إن من ذاق نشوة الحب يوماً ... لا يبالي بكثرة اللوام
خامرت خمرة المحبة عقلي ... وجرت في مفاصلي وعظامي
فعلى الحلم والوقار صلاة ... وعلى العقل ألف ألف سلام
هل سبيل إلى وقوف بوادي ... الجزع يا صاحبي أو إلمام
أيها السائر الملح إذا ما ... جئت نجداً فعج بوادي الخزام
وتجاوز عن ذي المجاز وعرج ... عادلاً عن يمين ذاك المقام
وإذا ما بلغت خروري فبلغ ... جيرة الحي يا أخي سلامي
وانشدن قلبي المعنى لديهم ... فلقد ضاع بين تلك الخيام
وإذا ما رثوا لحالي فسلهم ... أن يمنوا ولو بطيف منام
يا نزولاً بذي الأراك إلى كم ... تنقضي في فراقكم أعوامي
ما سرت نسمة ولا ناح في الدوح ... حمام إلا وحان حمامي
أين أيامنا بشرقي نجد ... يا رعاها الإله من أيام
حيث غصن الشباب غض وروض ... العيش قد طرزته أيدي الغمام
وزماني مساعدي وأيادي ... اللهو نحو المنى تجر زمامي
أيها المرتقي ذرى المجد فضلاً ... والمرجى للفادحات العظام
يا حليف العلى الذي جمعت فيه ... مزايا تفرقت في الأنام
نلت في ذروة الفخار محلاً ... عسر المرتقى عزيز المرام
نسب طاهر ومجد أثيل ... وفخار عال وفضل سامي
قد قرنا مقالكم بمقال ... وشفعنا كلامكم بكلام
ونظمنا الحصا مع الدر في سمط ... وقلنا العبير مثل الرغام
لم أكن مقدماً على ذا ولكن ... امتثالاً لأمركم إقدامي
عمرك الله يا نديمي أنشد ... جارتي كيف تحسنين ملامي
من لطيف قول بعضهم
تولع بالعشق حتى عشق ... فلما استقل به لم يطق
رأى لجة ظنها موجة ... فلما تمكن منها غرق
لابن الحجاج من المجنون
جلست وبابي على مدرجه ... فمرت بنا ظبية مزعجه
أن شمايل أعطافها ... من الغصن والدعس مستخرجه
يرى خصرها وهو مستحكم ... على كفل دائم الرجرجه
فسلمت وارتعت من ردها ... وبعض الجوابات مستسمجه
فأغضت على حنق طرفها ... وعتب أكحله أدعجه
وقالت أتزني بعد المشيب ... فقلت فغربتنا محوجه
وعن لها واقع راقها ... معاينه واستحسنت منهجه
رأت لحيتي وهي مبيضة ... فقالت بكم هذه الثجثجه
فقلت وأخرجت أيري لها ... بعشرين مع هذه المثلجه
وكنت غلاماً أحب المزاح ... فقام المشوم وما أزعجه
فما زلت أفركه والخسيس ... لا يسمع القول والمجمجه
فقلت فديتك إلا دخلت ... وكانت معوجة الهملجه
فمالت كما مال غصن الأراك ... فجئنا إلى حجرة مسرجه
فقلت الطعام فجاء الغلام ... بما قد شواه وما طهوجه
وحطت عن البدر فضل اللثام ... وورد التخفر قد ضرجه
ودار الشراب فظلت تكيل ... علي ونشر بها مزوجه
إلى أن لوت جيدها وانثنت ... من السكر كالناقة المجدجه
وقامت تغني على نفسها ... متى تركب الناقة المسرجه
فقمت وايري مثل القناة ... وقميصي على كتفي مدرجه
فلما توتر يافوخه ... وسكرج أو قارب السكرجه
ختمت بخصيي باب استها ... كما ختم الكيس الأسرجه
فقامت تضايق أي لا أطيق ... هذا فقلت دعي الغجنجه
فلما رأت أنه لا خلاص ... قالت فلا تدخل البزجه
ترفق به عند وقت الدخول ... وكن حذراً قبل أن تخرجه
أبو دلامة لما وعدته الخيزران بجارية في طريق الحج فتأخرت في إعطائه إياها فأرسل إليها مع أم عبيدة الحاضنة جارية المتوكل:
أبلغي سيدتي بالله يا أم عبيده ... إنها أرشدها الله وإن كانت رشيده
وعدتني قبل أن تخرج للحج وليده ... فتأنيت وأرست بعشرين قصيدة
كلما اخلص أخلفت لها أخرى جديدة ... ليس في بيتي لتمهيد فراشي من قعيدة
غير عجفاء عجوز ساقها مثل القديدة ... وجهها أقبح من حوت طرى في عصيده
فلما قرأت عليها ضحكت أشد ضحكاً واستعادت البيت الأخير وبعثت إليه بجارية القصة أبو البركات.
لا واخضرار العذار في وجهه الجلنار ... وطرة كظلام
وغرة كنهار وخمر من رضاب ... بفيه ذات خمار
لا قر في الهجر بعد الوصال منه قراري ... ظبي تنفر نومي
بانسه والنفار يحار طرفي لسحر ... في طرفه واحورار
فخصره مثل ديني وردفه أوزاري ... كم قد جررت إليه
في اللهو فضل الأزار وكم لبست غرامي ... وكم خلعت عذاري
وكم ركبت إليه ... كواهل الأخطار
الصفي الحلي يعاتب بعض أصحابه:
وعدت جميلاً فأخلفته ... وذلك بالحر لا يجمل
وقلت بأنك لي ناصر إذا قابل الجحفل الجحفل ... وكم قد نصرتك في كرة
يكسر فيها القنا الذبل ولست أمن بفعلي عليك ... فاعجل بالقول إذا أعجل
كما قاله الباز في عزة به حين فاخره البلبل ... وقال أراك جليس الملوك
ومن فوق أيديهم تحمل وأنت كما علموا صامت ... وعن بعض ما قلته تنكل
وأحبس مع أنني ناطق وحالي عندهم مهمل ... فقال صدقت ولكنهم
بذا عرفوا أينا الأكمل؟ لأني فعلت وما قلت قط ... وأنت تقول وما تفعل
ابن الدمينة وهو من شعراء الحماسة
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد ... لقد زادني مسراك وجداً على وجد
لئن هتفت ورقاء في رونق الضحى ... على فنن غض النبات من الرند
بكيت كما يبكي الوليد ولم أكن ... جزوعاً وأبديت الذي لم تكن تبدي
وقد زعموا أن المحب إذا دنى ... يمل وأن النأي يشفي من الوجد
بكل تداوينا فلم يشف ما بنا ... ألا إن قرب الدار خير من البعد
ألا إن قرب الدار ليس بنافع ... إذا كان من تهواه ليس بذي ود
أبو الفرج علي بن الحسين بن هند من الحكماء الأدباء، ذكره الشهرزوري في تاريخ الحكماء ونسب إليه قوله:
ما للمعيل وللمعالي إنما ... يسمو إليهن الوحيد الفارد
فالشمس تجتاز السماء فريدة ... وأبو بنات النعش فيها راكد
أبو عبد الله المعصومي كان أفضل تلامذة الشيخ الرئيس قال الشهر زوري: ومن شعره.
حديث ذوي الألباب أهوى وأشتهي ... كما يشتهي الماء المبرد شاربه
وأفرح أن ألقاهم في نديهم ... كما يفرح المرؤ الذي آب غائبه
ابن الرومي
ورومية يوماً دعتني لوصلها ... ولم أك من وصل الأغاني بمحروم
فقالت فدتك النفس ما الأصل إنني ... أروم وصالاً منك قلت لها رومي
قيل لسقراط: إنك تستخف بالملك، فقال إني ملكت الشهوة والغضب وهما ملكاه فهو عبد لعبدي.
الصلاح الصفدي
أنفقت كنز مدايحي في ثغره ... وجمعت فيه كل معنى شارد
وطلبت منه أجر ذلك قبلة ... فأبى فراح تغزلي في بارد
ابن نباتة المصري
لا تخف عيلة ولا تخش فقراً ... يا كثير محاسن المحتاله
لك عين وقامة في البرايا ... تلك غزالة وذي قتاله
وله
سألته عن قومه فانثنى ... يعجب من إفراط دمعي السخي
وأبصر المسك وبدر الدجى ... فقال ذا خالي وهذا أخي
ابن حيوش
ومقرطق يغني النديم بوجهه ... عن كاسه الملأى وعن إبريقه
فعل المدام ولونها ومذاقها ... في مقلتيه ووجنتيه وريقه
ابن مليك
مدحتكم طمعاً فيما أؤمله ... فلم أنل غير حظ الإثم والتعب
إن لم يكن صلة منكم لذي أدب ... فاجرة الخط أو كفارة الكذب
الأبيوردي
ومدايح مثل الرياض أضعتها ... في باخل أعيت به الأحساب
فإذا تناشدها الرواة وأبصروا ... الممدوح قالوا شاعر كذاب


.
do.jpg




.
 
الشريف الرضي
ولقد وقفت على ديارهم ... وطلولها بيد البلى نهب
وبكيت حتى ضج من لغب ... نضوي وعج بعذلي الركب
وتلفتت عيني فمذ خفيت ... عني الطلول تلفت القلب
ابن بسام
ولقد صبرت على المكروه أسمعه ... من معشر فيك لولا أنت ما نطقوا
وفيك داريت قوماً لا خلاق لهم ... لولاك ما كنت أدري أنهم خلقوا
آخر
على هذه الأيام ما تستحقه ... فكم قد أضاعت منك حقاً مؤكدا
فلو أنصفت شادت محلك بالسها ... علواً وصاغت نعل نعلك عسجدا
آخر
يا مقلتي أنت التي ... أوقعتني في حبه
غرتك رقة خده ... ونسيت قسوة قلبه
قال أفلاطون: العشق قوة غريزية متولدة من وساوس الطمع وأشباح التخيل للهيكل الطبيعي، تحدث للشجاع جبناً وللجبان شجاعة وتكسو كل إنسان عكس طباعه.
وقال بعض الحكماء: الحسن مغناطيس روحاني لا يعلل جذبه للقلوب بعلة سوى الخاصية.
وقال بعضهم: العشق الهام شوقي أفاضه الله سبحانه على كل ذي روح ليتحصل له به ما لا يمكن حصوله له بغيره.
ذكر صاحب كتاب الأغاني في أخبار علوية المجنون: إنه دخل يوماً على المأمون وهو يرقص ويصفق بيديه ويغني بهذين البيتين:
عذيري من الإنسان لا إن جفوته ... صفا لي ولا إن صرت طوع يديه
وإني لمشتاق إلى ظل صاحب ... يروق ويصفو إن كدرت عليه
فسمع المأمون وجميع من حضر المجلس من المغنين وغيرهم ما لم يعرفوه واستطرفه المأمون وقال: ادن يا علوية وردده، فردده عليه سبع مرات فقال المأمون يا علوية خذ الخلافة وأعطني هذا الصاحب. قال أبو نواس: دخلت خربة فرأيت قربة مملوءة ماء مستندة إلى حائط، فلما توسطت الخربة أبصرت نصرانياً وفوقه سقاء فلما رآني قام عن النصراني وأخذ قربته وهرب فقام النصراني غير وجل يشد سراويله في وجهي وهو يقول: يا أبا نواس إياك أن تلوم أحداً على مثل هذه الحال فإن لومك له إغراء قال فأخذت من كلامه قولي هذا دع عنك لومي فإن اللوم إغراء.
حدث عمرو بن سعيد قال: كنت في نوبتي في الحرس في أربعة آلاف إذ رأيت المأمون قد خرج ومعه غلمان صغار وشموع فلم يعرفني فقال: من أنت؟ فقلت عمرو عمرك الله، ابن سعيد أسعدك الله، ابن مسلم سلمك الله. فقال: أنت تكلؤنا منذ الليلة فقلت الله يكلؤك يا أمير المؤمنين وهو خير حافظاً وهو أرحم الرا حمين فتبسم من مقالي ثم قال:
إن أخا الهيجاء من يسعى معك ... ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب زمان صدعك ... بدد شمل نفسه ليجمعك
يا غلام أعطه أربع مائة فقبضتها وانصرفت.
قال المأمون ليحيى بن أكثم: ما العشق؟ فقال: سوانح تسنح للمرء يهيم بها قلبه وتتأثر بها نفسه فقال له ثمامة: اسكت يا يحيى إنما عليك أن تجيب في مسألة طلاق أو محرم صاد صيداً فأما هذه فمن مسائلنا فقال المأمون قل: يا ثمامة فقال: هو جليس ممنع وصاحب مالك مذاهبه غامضة وأحكامه جارية ... يملك الأبدان وأرواحها. والقلوب وخواطرها. والعقول وألبابها. قد أعطي عنان طاعتها. وقوة تصريفها فقال له: أحسنت وأعطي ألف دينار.
قال في كتاب حياة الحيوان نقلاً عن ابن الأثير في كامل التاريخ في حوادث سنة ستمائة وثلاث وعشرون قال: كان لنا جار وله بنت اسمها صفية، فلما صار عمرها خمس عشرة سنة نبت لها ذكر وخرج لها لحية.
قال كاتب الأحرف: ونظير هذا ما أورده حمداً لله المستوفي في كتاب نزهة القلوب وأورده بعض المؤرخين أيضاً: أن بنتاً كانت في قمشة وهي من ولايات أصفهان فزوجت فحصل لها ليلة الزفاف حكة في عانتها ثم خرج لها في تلك الليلة ذكروانثيان وصارت رجلاً وكان ذلك في زمن السلطان الجايتو خدابنده ره.
كتب الصفي الحلي إلى بعض الفضلاء وقد بلغه أنه اطلع على ديوانه وقال لا عيب فيه سوى أنه خال عن الألفاظ الغريبة:
إنما الحيزبون والدردبيس ... والطخا والنقاح والعلطبيس
والغطاريس والشقحطب والسقعب ... والخربصيص والعيطموس
والحراجيج والعقنقس والعفلق ... والطرفسان والعسطوس
لغة تنفر المسامع منها ... حين تتلى وتشمئز النفوس
وقبيح أن يسلك النافر ... منها ويترك المأنوس
إن خير الألفاظ ما طرب ... السامع منه وطاب فيه الجليس
أين قولي هذا كثيب قديم ... ومقالي عفقل قدموس
لم نجد شادناً يغني قفا نبك ... على العود إذ تدار الكؤوس
أتراني إن قلت للحب يا علق ... درى أنه العزيز النفيس
أو تراه يدري إذا قلت خب ... العير أن أقول سار العيس
درست هذه اللغات وأضحى ... مذهب الناس ما يقول الرئيس
إنما هذه القلوب حديد ... ولذيذ الألفاظ مغناطيس
بعض الأكابر
جميع الكتب يدرك من قراها ... ملال أو فتور أو سآمة
سوى هذا الكتاب، فإن فيه ... بدايع لا تمل إلى القيامة
قال المحقق الزركشي في شرحه على تلخيص المفتاح الذي سماه مجلي الأفراح وهو كتاب ضخم يزيد على المطول وقفت عليه في القدس الشريف سنة تسعمائة واثنان وتسعون وهذه عبارته: اعلم أن الألف واللام في الحمد قيل: للاستغراق وقيل: لتعريف الجنس، واختاره الزمخشري ومنع كونها للإستغراق، قيل: وهي نزعة اعتزالية، ويشبه أن يقال في تبيين مراد الزمخشري: أن المطلوب من العبد إنشاء الحمد، لا الإخبار به، وحينئذ يستحيل كونها للاستغراق إذ لا يمكن للعبد أن ينشىء جميع المحامد منه ومن غيره، بخلاف كونها للجنس. ومن الكتاب المذكور في بحث اللف والنشر ما صورته: قال الزمخشري في قوله تعالى " ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله "، قال: هذا من باب اللف وترتيبه ومن آياته منامكم وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار إلا أنه فصل بين القرينتين الأوليين بالقرينتين الأخيرتين، لأنهما زمانان، والزمان والواقع فيه كشيء واحد، مع إعانة اللف على الإتحاد، ويجوز أن يراد منكم في الزمانين وابتغاؤكم فيهما، والظاهر الأول لتكرره في القرآن. أقول: ما ذكره الزمخشري مشكل من جهة الصناعة، لأنه إذا كان المعنى ما ذكره يكون النهار معمول ابتغاؤكم وقد تقدم عليه وهو مصدر، وذلك لا يجوز. ثم يلزم العطف على معمولي عاملين، فالتركيب لا يسوغ.
الشيخ الرئيس أبو علي ابن سينا صنف رسالة في العشق أطنب فيها المقال، وذكر فيها: أن العشق لا يختص بنوع الإنسان، بل هو سار في جميع الموجودات من الفلكيات والعنصريات والمواليد الثلاث المعدنيات والنباتات والحيوان.
كان لبهرام جور ولد واحد، وكان ساقط الهمة دني النفس، فسلط عليه الجواري والقيان الحسان حتى عشق واحدة، فلما علم الملك بذلك قال لها: تجني عليه وقولي له: أنا لا أصلح إلا لعالي الهمة أبي النفس، فترك الولد ما كان عليه حتى ولي الملك وهو من أحسن الملوك رأياً وشهامة.
ابن خفاجة
لقد جبت دون الحي كل تنوفة ... يحوم بها نسر السماء على وكر
وخضت ظلام الليل يسود فحمه ... ودست عرين الليث ينظر عن جمر
وجئت ديار الحي والليل مطرق ... ينمنم ثوب الأفق بالأنجم الزهر
أشيم بها برق الحديد وربما ... عثرت بأطراف المثقفة السمر
فلم ألق إلا صعدة فوق لامة ... فقلت قضيب قد أطل على نهر
ولا شمت إلا غرة فوق أشقر ... فقلت حباب يستدير على خمر
وسرت وقلب البرق يخفق غيرة ... هناك وعين النجم تنظر عن شزر
ابن العفيف التلمساني
تحرش الطرف بين الجد واللعب ... أفنى المدامع بين الحزن والطرب
كم ذا اردد في أرض الحمى قدمي ... تردد الشك بين الصدق والكذب
كأنني لم أعرس في مضاربها ... ولم أحط بها رحلي ولا قتبي
ولم أغازل فتاة الحي مأيسة ... في روضها بين در الحلي والذهب
تبدي النفار دلالاً وهي آنسة ... يا حسن معنى الرضا في صورة الغضب
البيت الأخير من هذه الأبيات يحوم حول قول العارف السامي الشيخ نظامي في كتاب خسرو وشيرين:
لكاتب الأحرف
وثورين حاطا بهذا الورى ... فثور الثريا وثور الثرى
ومن تحت هذا ومن فوق ذا ... حمير مسرحة في قرى
ملخص من كتاب الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني من المجلد الخامس منه وهو مما وقفت عليه في القدس الشريف: أعشى همدان هو عبد الرحمن بن عبد الله بينه وبين همدان ثلاثة عشر أباً وهمدان بن مالك ابن زيد بن نزار بن واثلة بن ربيعة بن الجبار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشخب بن يعرب بن قحطان.
وكان الأعشى شاعراً فصيحاً، وهو زوج أخت الشعبي الفقيه والشعبي زوج أخته وكان ممن خرج على الحجاج وحاربه مرات فظفر به وأتي به أسيراً فقال له الحجاج: الحمد لله الذي أمكنني منك، ألست القائل كذا؟ ألست العامل كذا؟ وذكر له أبياتاً كان قد قالها في هجو الحجاج وتحريض الناس على قتاله، ثم قال له ألست القائل:
وأصابني قوم وكنت أصبتهم ... فاليوم أصبر للزمان وأعرف
وإذا تصبك من الحوادث نكبة ... فاصبر فكل غيابة تتكشف
أما والله لتكونن نكبة لا تتكشف غيابتها عنك أبداً يا حرسي اضرب عنقه فضربت عنقه وكان قد أسر مدة في بلاد الديلم ثم إن بنتاً للعلج الذي كان أسره أحبته وصالت إليه ليلاً ومكنته من نفسها فأصبح وقد واقعها ثمان مرات، فقالت له: يا معشر المسلمين هكذا تعملون بنسائكم، فقال: نعم، فقالت: هذا هو العمل الذي به نصرتم. ثم قالت: أفرأيت أن خلصتك أتصطفيني لنفسك؟ فقال: نعم وعاهدها فلم كان الليل حلت قيوده وأخذت به طريقاً تعرفها وهربت معه، فقال في ذلك شاعر من أسراء المسلمين: فمن كان يفديه من الأسر ماله ... فهمدان يفديها الغدة ايورها

الصفي الحلي
ما ملت عن العهد وحاشاي أمين ... بل كنت على البعد قوياً وأمين
لا تحسبني إذا قسي الهجر ألين ... بل لو كشف الغطاء ما ازددت يقين
الفاضل الأديب جمال البلغاء علي بن الحسين المغربي والمصرع الأول هذيان جرى على لسانه وهو محموم.
درن درن درن دبي ... أنا علي بن الحسين المغربي
سناجقي تهيئي عساكري تأهبي ... ها قد ركبت للمسير في البلاد فاركبي
أنا الذي أسد الشرى ... في الحرب لا تجفل بي
إذا تمطيت وفرقعت عليهم ذنبي ... أنا امرؤ أنكر ما يعرف أهل الأدب
ولي كلام نحوه ليس كنحو العرب ... يصانع الفرآء في النحو بجلد الثعلب
ونقصد التثليث في نتف سال قطرب ... فإن سألت مذهبي فذاك خير مذهب
آكل ما أحبه ورغبتي في الطيب ... وألبس القطن ولا أكره لبس القصب
وليس عشقي مثل عشق الجاهل الغرالغبي ... أحب من يحبني لا من غدا معذبي
وكل قصدي خلوة أكون فيها مع صبي ... فنجتلي بنت الكروم أو بني العنب
ونبتذي نأخذ في الشكوى وفي التعتب ... حتى إذا ما جادلي برشف ذاك الشنب
حكمته في الرأس إذ حكمني في الذنب ... ونلت ما أرومه منه ببذل الذهب
هذا هو المذهب إن ... سألتني عن مذهبي
ما أنا ذا ترفض كلا ولا تنصب ... ولا هوى نفسي في الجدال والتعصب
ولا جلست جاثياً في الجمع فوق الركب ... بين امرىءٍ مصدق وآخر مكذب
كلا ولا فاخرت بالنفس ولا بالنسب ... ما قلت قط ها أنا ولم أقل كان أبي
ولم أزاحم أحداً على علو منصب ... ولا دخلت قط في عمري بيت الكتب
كلا ولا كررت درسي في ظلام غيهب ... ولا عرفت النحو غير الجر بالمنتصب
كلا ولا اجتهدت في حفظ لغات العرب ... ولا عرفت من عروض الشعر غير السبب
ولا بحثت منه في المجتث والمقتضب ... كلا ولا اشتغلت بالنجوم والتطبب
وليس في المنطق والحكمة أضحى إربي ... وأين مني البحث في البسيط والمركب
والسحر ما عرفته معرفة المجرب ... ولا ربطت ضفدع الماء بصوف الأرنب
ولا كتبت اسم من أهوى بماء الطحلب ... ولا سحرت باللبان مع قشور المحلب
ولا طلبت السيمياء من فتى يسخر بي ... ولست آتي قط في فصل الشتا بالرطب
والكيمياء لم أكن أنفق فيها نشبي ... وليس في التقطير والتكليس أضحى تعبي
ولا طمعت في المحال قط مثل أشعب ... كلا ولا مخرقت للناس لأجل الطلب
ولا ضربت مندلاً لجاهل يمر بي ... ولا حملت طاسة أقرعها بالغضب
كلا ولا أظهرت في المندل رأس قهرب ... ولا دعوت الشيصبان دعوة لم يجب
كلا ولا ذكرته عهد سليمان النبي ... ولم أقل لامرأة في حلقتي قومي اذهبي
ولم أقل بينكم ابن الزنا مخيب ... أريد أن أطرده عني إلى ذي لعب
أوهمهم كيلا يروح جمعهم في شعبي ... ولا كتبت الهذيان شهلب بن سهلب
في كاغد بأحمر وأسود مكتب ... أقول هذا للسلاطين وأهل الرتب
يصلح للمحبوس أو من قد غدا في كرب ... أرد يا قوم به مسافراً لم يؤب
كتبت فيه دعوة عن ذي العلى لم يجب ... والسر في طلسمه المبغض المحبب
ولا اتخذت حية لأجعلنها سببي ... أقول يا قوم انظروا عندي فنون العجب قد سليبي لها رأس كرأس الأرنب ... قد كان قدماً صادها في بلد الغرب أبي
كلا ولا بعت المعاجين على الغر الغبي ... أقول أين طالب الباه وراخي العقب
هذا الذي يجعل متن أيره كالخشب ... كلا ولا خاطبتكم بلفظ أهل المغرب
أقول هذا مقصدي إليكم من يثرب ... وقد صحبت حاجة زارت معي قبر النبي
ولم أحدثكم بما لقيته من عجب ... وإنني سافرت في البحر لأجل المكسب
فعاندتنا حوتة تروم كسر المركب ... حتى إذا ما غرق المركب بالتقلب
طفوت فوق ساحة وذو العلى يلطف بي ... ولاح لي جزيرة تلوح مثل كوكب
لما وصلت أرضها بعد العنا والنصب ... صعدت أوعى في رياض أرضها والعشب
أصطاد في صيد طيور أرضها بالقصب ... آكل من ثمارها ما طعمه كالرطب
ومشربي من مائها العذب النمير الطيب ... بينا أنا في صعدٍ من أرضها أو صبب
لقيت شيخاً جالساً في ظل كرم العنب ... لوح لي بكفه يعني به تقرب
فرحت أمشي نحوه أنظر ما يريد بي ... فسلم الشيخ سلام مؤذن بالرحب
وقال لي اجلس بكلام لفظ غير العرب ... لما هممت بالجلوس صار فوق منكبي
مطوقي منه بساقات بغير ركب ... طويلة مثل السيور أو حبال القنب
ولكاتب الأحرف وهو مما كتبته إلى بعض الأصحاب وكان في المشهد الأقدس الرضوي رضي الله عنه:
يا ريح إذا أتيت أرض الجمع ... أعني طوس فقل لأهل الربع
ما حل بروضةٍ بهائيكم ... إلا وسقى رياضها بالدمع
ولكاتب الأحرف وهو مما كتبته إلى بعض الإخوان بالنجف الأشرف:
يا ريح إذا أتيت أرض النجف ... فالثم نائباً ترابها ثم قف
واذكر خبري لدى عريبٍ نزلوا ... واديه وقص قصتي وانصرف

الصفي الحلي
قيل إن العقيق قد يبطل الس ... حر بتختيمه لسر حقيقي
وأرى مقلتيك تنفث سحراً ... وعلى فيك خاتم من عقيق
وله وقد أشرف على المدينة المشرفة صلى الله على ساكنها:
هذه قبة مولاي وأقصى أملي ... أوقفوا المحمل كي ألثم خفي جملي لجامع الكتاب:
إن هذا الموت يكرهه ... كل من يمشي على الغبرا.
ويعين العقل لو نظروا ... لرأوه الراخة الكبرى. وله لما حج البيت الحرام وشاهدت تلك المشاعر العظاك:
يا قوم بمكة أنا ذا ضيف ... ذي زمزم ذي منى وهذا الخيف.
كم أعرك مقلتي لأستيقن هل ... في اليقظة ما أراه أم ذا طيف. قال:
مما كتبت إلى والدي طاب ثراه وهو في الهراة سنة 989:
يا ساكني أرض الهراة أما كفى ... هذا الفراق بلى وحق المصطفى
عودوا علي فربع صبري قد عفا ... والجفن من بعد التباعد ما غفى
وخيالكم في بالي والقلب في بلبال
إن أقبلت من نحوكم ريح الصبا ... قلنا لها أهلاً وسهلاً مرحبا
وإليكم قلب المتيم قد صبا ... وفراقكم للروح منه قد سبا
والقلب ليس بخالي من حب ذات الخال
يا حبذا ربع الحمى من مربع ... فغزاله شب الغضا في أضلعي
لم أنسه يوم الفراق مودعي ... بمدامع تجري وقلب موجع
والصبر ليس بسالي عن ثغره السلسال
لكاتب الأحرف
إن هذا الموت يكرهه ... كل من يمشي على الغبرا
وبعين العقل لو نظروا ... لرأوا الراحة الكبرى
وله لما حج البيت الحرام وشاهد تلك المشاعر العظام.
يا قوم على مكة هذه أنا ضيف ... ذي زمزم ذي منى وهذا الخيف
كم أعرك عيني لأستيقن هل ... في اليقظة ما أراه أم هذا طيف
مما سمح به الطبع الجامد فيها بين حلب وآمد عند هبوب الرياح في وقت الصباح
مما أنشده الشبلي
خليلي إن دام هم النفوس ... على ما تراه قليلاً قتل
فيا ساقي القوم لا تنسني ... ويا ربة الخدر غني رمل
لقد كان شيء يسمى السرور ... قديماً سمعنا به ما فعل
من كلام بعض أصحاب القلوب: إنما بعث يوسف على نبينا وعليه السلام قميصه من مصر إلى أبيه، لأنه كان سبب ابتداء حزنه لما جاءوا به جاءوا به ملطخاً بالدم، فأحب يوسف أن يكون فرحه من حيث كان حزنه. قال الحسن بن سهل للمأمون: نظرت في لذات الدنيا فرأيتها مملولة خلا سبعة، خبز الحنطة ولحم الغنم والماء البارد، والثوب الناعم والرايحة الطيبة والفراش الوطيء والنظر إلى الحسن من كل شيء، فقال له: فأين أنت عن محادثة الرجال. قال: صدقت هي أولاهن.
قريب من هذا قول الرضي رحمه الله
سهم أصاب وراميه بذي سلم ... من بالعراق لقد أبعدت مرماك
آخر
بيض حرائر ما هممن بريبة ... كظباء مكة صيدهن حرام
يحسبن من لين الحديث زوانياً ... ويصدهن عن الخنا الإسلام
للتهامي
هل أعارت خيالك الريح سيرا؟ ... فهو يغدو شهراً ويرتاح شهرا
زارني في دمشق من أرض نجد ... لك طيف سرى تفكك أسرى
وأراد الخيال لثمي فصيرت ... لثامي دون المراشف سترا
واختلسنا ظبآ نجد بأرض الشام ... بعد الرقاد بدراً فبدرا
فاصرفي في الكأس من رضا بك عني ... حاش لله أن أرشف خمرا
قد كفاني الخيال منك ولو ... زرت لأصبحت مثل طيفك ذكرا
وللتهامي
هي البدر لكن تستر مدى الدهر ... وكان سرار البدر يومين في الشهر
هلالية نيل الأهلة دونها ... وكل نفيس القدر ذو مطلب وعر
لها سيف طرف لا يزايل جفنه ... ولم أر سيفاً قط في جفنه يفري
ويقصر ليلي إن ألمت لأنها ... صباح وهل لليل بقيامع الفجر
أقول لها والعيس تحدج للنوى ... أعدي لبعدي ما استطعت من الصبر
سأنفق ريعان الشبيبة دائباً ... على طلب العلياء أو طلب الأجر
أليس من الخسران أن ليالياً ... تمر بلا نفعٍ وتحسب من عمري
وله من أبيات يرثي بها ولده
أتى الدهر من حيث لا أتقي ... وخان من السبب الأوثق
فقل للحوادث من بعده ... أسفي بمن شئت أو حلقي
أمنتك لم يبق لي ما أخاف ... عليه الحمام ولا أتقي
وقد كنت أشفق مما دهاه ... فقد سكنت لوعة المشفق
ولما قضى دونه أترابه ... تيقنت أن الردى ينتقي
يعز على حاسدي أنني ... إذا طرق الخطب لم أطرق
وإني طود إذا صادمته ... رياح الحوادث لم تقلق
وله أيضاً
هل الوجد إلا أن تلوح خيامها ... فيقضي بأهداء السلام زمامها
وقفت بها أبكي فترزم أنيقي ... وتصهل أفراسي ويدعو حمامها
ولو بكت الورق الحمائم شجوها ... بعيني محى أطواقهن انسجامها
وفي كبدي أستغفر الله غلة ... إلى بردتيني عليه لثامها
وبرد رضاب سلسل غير أنه ... إذا شربته النفس زاد هيامها
فيا عجباً من غلة كلما ارتوت ... من السلسبيل العذب زاد ضرامها
خليلي هل يأتي مع الطيف نحوها ... سلامي كما يأتي إلي سلامها
ألمت بنا في ليلة مكفهرة ... فما سفرت حتى تجلى ظلامها
فأبصر مني الطيف نفساً أبية ... تيقظها عن عفة ومنامها
إذا كان حظي حيث حل خيالها ... فسيان عندي نأيها ومقامها
وهل نافعي أن يجمع الله بيننا ... بكل مكانٍ وهو صعب مرامها
أرى النفس تستحلي الهوى وهو حتفها ... بعيشك هل يحلو لنفس حمامها
أسيدتي رفقاً بمهجة عاشقٍ ... يعذبها بالبعد عنك غرامها
لك الخير جودي بالجمال فإنه ... سحابة صيف ليس يرجى دوامها
الفاضل المحقق أبي السعود أفندي صاحب التفسير والمفتي بقسطنطنية:
أبعد سليمى مطلب ومرام ... وغير هواها لوعة وغرام
وفوق حماها ملجأ ومثابة ... ودون زراها موقف ومرام وهيهات أن يثنى إلى غير بابها ... عنان المطايا أو يشد حزام
هي الغاية القصوى فإن فات نيلها ... فكل مني الدنيا على حرام
محوت نقوش الجاه عن لوح خاطري ... فأضحى كأن لم يجر فيه قلام
آنست بلأواء الزمان وذله ... فيا عزة الدنيا عليك سلام
إلى كم أعاني تيهها ودلالها؟ ... ألم يأن عنها سلوة وسآم
وقد أخلق الأيام جلباب حسنها ... فأضحت وديباج البهاء رمام
على حين شيب قد ألم بمفرقي ... وعاد دهام الشعر وهو ثغام
طلائع ضعف قد أغارت على القوى ... وثار بميدان المزاج قتام
فلا هي في برج الجمال مقيمة ... ولا أنا في عهد المجون مدام
تقطعت الأسباب بيني وبينها ... ولم يبق فينا نسبة ولئام
وعادت قلوص العزم عنها كليلة ... وقد جب منها غارب وسنام
كأني بها والقلب زمت ركابه ... وقوض أبيات له وخيام
وسيقت إلى دار الخمول حمولة ... يحن إليها والدموع رهام
حنين عجول غرها البو فانثنت ... إليه وفيها أنة وضغام
تولت ليال للمسرات وانقضت ... لكل زمان غاية وتمام
فسرعان ما مرت وولت وليتها ... تدوم ولكن ما لهن دوام
دهور تقضت بالمسرة ساعة ... ويوم تولى بالمسائة عام
فلله در الغم حيث أمدني ... بطول حياة والغموم سهام
أسيح بتيهاء التحير مفرداً ... ولي مع صحبي عشرة وندام
وكم عشرة ما أورثت غير عسرة ... ورب كلام في القلوب كلام
فما عشت لا أنسى حقوق صنيعة ... وهيهات أن ينسى لدي ذمام
كما اعتاد أبناء الزمان وأجمعت ... عليه فئام إثر ذاك فئام
خبت نار أعلام المعارف والهدى ... وشب لنيران الضلال ضرام
وكان سرير العلم صرحاً ممرداً ... يناغي القباب السبع وهي عظام
متيناً رفيعاً لا يطار غرابه ... عزيزاً منيعاً لا يكاد يرام
يلوح سنا برق الهدى من بروجه ... كبرق بدا بين السحاب تسام
فجرت عليه الراسيات ذيولها ... فخرت عروش منه ثم دعام
وسيق إلى دار المهانة أهله ... مساق أسير لا يزال يضام
كذا تحكم الأيام بين الورى على ... طرائق منها جائر وقوام
فما كل قيل قيل علم وحكمة ... وما كل أفراد الحديد حسام
وللدهر ثارات تمر على الفتى ... نعيم وبؤس صحة وسقام
ومن يك في الدنيا فلا يعتبنها ... فليس عليها معتب وملام
أجدك ما الدنيا وماذا متاعها ... وماذا الذي تبغيه فهو حطام
تشكل فيها كل شيء بشكل ما ... يعانده والناس عنه نيام
ترى النقص في زي الكمال كأنما ... على رأس ربات الحجال عمام
فدعها وما فيها هنيئاً لأهلها ... ولا تك فيها رغبة وسوام
يعاف العرانين السماط على الخوى ... إذا ما تصدى للطعام طغام
على أنه لا يستطاع منالها ... لما ليس فيها عروة وعصام
ولو أنت تسعى إثرها ألف حجة ... وقد جاوز الطيبين منك حرام
رجعت وقد ضلت مساعيك كلها ... بخفي حنين لا تزال تلام
هب أن مقاليد الأمور ملكتها ... ودانت لك الدنيا وأنت همام
ومتعت باللذات دهراً بغبطة ... أليس بحتم بعد ذاك حمام؟ فبين البرايا والخلود تباين ... وبين المنايا والنفوس لزام
قضية إنقاد الأنام لحكمها ... وما حاد عنها سيد وغلام
ضرورية تقضي العقول بصدقها ... سل إن كان فيها مرية وخصام
سل الأرض عن حال الملوك التي خلت ... لهم فوق فرق الفرقدين مقام
بأبوابهم للوافدين تراكم ... بأعتابهم للعاكفين زحام
تحبك عن أسرار الشؤون التي جرت ... عليهم جواباً ليس فيه كلام
بأن المنايا أقصدتهم تبابها ... وما طاش عن مرمى لهن سهام
وسيقوا مساق الغابرين إلى الردى ... وأقفر منهم منزل ومقام
وحلوا محلاً غير ما يعبدونه ... فليس لهم حتى القيام قيام
ألم بهم ريب المنون فغالهم ... فهم تحت أطباق الرغام رغام
هذا آخر ما انتخبته منها وهي اثنان وتسعون بيتاً في غاية الجودة ونهاية السلاسة
 
أعلى