إدريس الكنبوري - القرآن والسنة عالجا القضايا الجنسية بشكل مباشر

الفقهاء وضعوا كتبا عدة في الجماع والممارسة الجنسية

خاض العلماء و الفقهاء في العصور الماضية في القضايا الجنسية و خلفوا لنا ثراثا مدهشا لم تغب عنه تفاصيل العلاقة الحميمية بين الرجل والمرأة وشروط نجاحها والطقوس التي تحيط بها.. تراث جدير بالانتباه إليه في ظل التزمت الذي يهيمن حينا عند الحديث عن الحياة الجنسية والانفتاح المبالغ فيه أحيانا أخرى والذي يخدم في بعض الأحيان اعتبارات تجارية تحول الجنس إلى بضاعة تخضع لمنطق العرض والطلب.

لا حياء في الدين
لم يتحرج علماء وفقهاء العرب في العصور الماضية في التعرض لقضايا الجنس والجماع، بخلاف ما هو الحال اليوم، إذ يكفي إلقاء نظرة على الكتابات المتعلقة بهذه الموضوعات في التراث العربي والإسلامي لكي ندرك أن الفقهاء في الإسلام لم يكونوا متزمتين كما يتم تصويرهم اليوم، وأن مساحة الانفتاح والحرية في تناول هذه القضايا، من منظور علمي وشرعي، كانت مساحة شاسعة، جعلت الفقهاء يخلفون مئات الكتب حول قضايا الجنس والعلاقات الحميمة بين الرجل والمرأة، في إطارها الشرعي، بعضها تم تحقيقه وطبعه بفضل مجهودات بعض المستشرقين الأجانب، بعدما انتشرت ثقافة جديدة في العصر الحديث لدى العرب والمسلمين تعتبر التطرق لتلك القضايا «عيبا»، وبعضها ينتظر التحقيق والنشر.
وقد ألف الفقهاء والعلماء في هذا المجال انطلاقا من قاعدة «لا حياء في الدين»، إذ كانوا يعتبرون أن رسالتهم هي التوعية بهذه الجوانب، ورفع الحرج عن الناس في مناقشتها، منطلقين من أن استقامة الحياة الزوجية من استقامة العلاقات الجنسية السوية، خصوصا أنهم وجدوا بدايات التطرق لتلك القضايا، دون أدنى حرج، في القرآن الذي تناول العديد من هذه الموضوعات بشكل مباشر، كما في سورة «يوسف» وقصته مع امرأة العزيز، وفي السنة النبوية، القولية والفعلية معا، إذ توجد في السنة عدة أحاديث تتعلق بالجماع وآدابه، مثل حديث النبي عليه الصلاة والسلام «لا يقعن أحدكم على امرأته، كما تقع البهيمة، وليكن بينهما رسول. قيل: وما الرسول يا رسول الله؟ قال: القبلة والكلام».

جنس ودين وعلم
وقد درس الفقهاء قضايا الجنس والجماع من عدة زوايا، كالزاوية الطبية البحثة، للتنبيه إلى بعض الأضرار الصحية مثلا، والزاوية الشرعية، للتأكيد على حصر تلك الممارسة الطبيعية في إطارها الشرعي الحلال، والزاوية الإنسانية، للإشارة إلى طبيعة العلاقة بين الذكر والأنثى، والزاوية الفقهية، لتعريف الناس بما يجوز وما لا يجوز في الممارسة الجنسية. وكانوا يعتبرون ذلك جزءا من العلم الذي لا يكتمل العلم إلا به، حتى قيل إن الإمام أحمد بن حنبل قضى تسع سنوات في تأليف كتابه عن الحيض، لاستكمال التحقيق والبحث وتحري الدقة، وكان الفقهاء المهتمون بالفروع يتوسعون في وضع حلول لقضايا قد لا تحدث، من باب الافتراض حتى إذا حصلت يكون حكمها جاهزا، مثل هل تغتسل المرأة مرة واحدة أم مرتين إذا جامعها رجل له ذكران، فدخل أحدهما في القبل والآخر في الدبر.

كتاب في الجنس... بطلب من السلطان
ما طبع غالبية هذه المؤلفات التراثية في الجماع والحياة الجنسية هو الجانب التعليمي، ويعد كتاب «الروض العاطر في نزهة الخاطر»، لمؤلفه الفقيه محمد بن محمد النفزاوي، أشهر كتاب وضع للتعريف بالحياة الجنسية بجميع تفاصيلها، إذ كتبه صاحبه بناء على طلب من وزير السلطان عبد العزيز الحفص سلطان تونس، وذلك على هامش كتابه الصغير «تنوير الوقاع في أسرار الجماع»، الذي قرأه السلطان فأعجب به وطلب مقابلة مؤلفه، ثم طلب إليه تأليف كتاب آخر يفصل فيه تلك الأمور مع وصف الأدوية وشرح المعلومات الطبية، وهذا واضح من بداية الكتاب الذي يقول فيه المؤلف «اعلم أيها الوزير العظيم».
وقد استفاد النفزاوي في تأليف كتابه وجمع معلوماته من حياته الخاصة وتجارب الآخرين التي اكتسبها طوال فترة عمله في منصب قاضي الأنكحة في تونس، ويصف في نفس الوقت أدوية وعلاجات طبيعية تتعلق بالعجز الجنسي والعقم والإجهاض، وجميع الأدوية التي وصفها لا علاقة لها بالشعوذة والخرافات بل تدور كلها حول الأعشاب الطبية ولها خواص فعالة. وكان هذا الكتاب ثورة ثقافية في زمانه، حتى إن بعض البلدان العربية تمنع تسويقه فيها، كما أنه ترجم إلى العديد من اللغات الحديثة. وقسم المؤلف كتابه إلى عدة أبواب، من بينها مثلا: باب في المحمود من الرجال، باب في المحمود من النساء، باب في ابتداء الجماع، باب في كيفية الجماع، باب في مضرات الجماع... إلخ.

الوشائج في فوائد النكاح
ويذكر النفزاوي حوالي عشرين اسما في اللغة لذكر الرجل ومثلها لفرج المرأة، وهو ما يكشف اهتمام العرب بالحياة الجنسية، نفس الأمر نجده عند جلال الدين السيوطي، صاحب «تفسير الجلالين»، في كتابه «الوشاح في فوائد النكاح» الذي يذكر فيه مئات الأسماء لذكر الرجل وفرج المرأة، ومئات الأسماء للنكاح، مرتبة حسب الأبجدية الثمانية والعشرين. وقد اعتمد السيوطي في كتابه على الأحاديث والآثار، وجاء في قالب توجيهي. وللسيوطي أيضا كتاب آخر بعنوان «نواضر الأيك في معركة النيك»، وهو كتاب يعرف فيه بالعشق وعلاماته، ويتحدث عن طرق الجماع المختلفة ومقدماته، والمواقيت الخاصة. كما أن للسيوطي كتابا آخر في نفس الموضوع بعنوان «رشف الزلال من السحر الحلال»، وإن كان بعض الباحثين يشككون في نسبة هذه الكتب إلى السيوطي، ويقولون إنها تطبع بدون تحقيق أو تدقيق بسبب الإقبال على تلك النوعية من الكتب «الإباحية»، مستدلين ببعض الكتب التي نسبت إليه مثل «الكنز المدفون والفلك المشحون» الذي ثبت فيما بعد أنه ليونس المالكي.
ومن الكتب الشهيرة في التراث العربي كتاب «رجوع الشيخ إلى صباه في القوة على الباه»، والمقصود بالباه الجماع، لمؤلف يسمى إبن سليمان الشهير بابن كمال باشا، المتوفى عام 940 للهجرة، وقد ألفه بطلب من السلطان سليم خان العثماني. وقال في مقدمته: «وهذا كتاب جمعته ولم أقصد به إعانة المتمتع الذى يرتكب المعاصي، بل قصدت إعانة من قَصرت شهوته عن بلوغ نيته في الحلال الذي هو سبب لعمارة الدنيا، ولما كمل قَسمته قسمين، قِسم يشتمل على ثلاثين بابا تتعلق بأسرار الرجال وما يقويها على الباه من الأدوية والأغذية، والثاني يشتمل على ثلاثين بابا تتعلق بأسرار النساء وما يناسبها من الزينة».

في الملاعبة والمداعبة...
ووضع أبو حامد الغزالي كتابا أسماه «آداب النكاح وكسر الشهوتين» ضمنه أبوابا تتعلق بالترغيب والترهيب في النكاح، وفوائده ومضاره، وحكمة جعل لذة الرجل في المرأة ولذة المرأة في الرجل، مرورا بحقوق الزوج على الزوجة وحقوق الزوجة على الزوج، وآداب الجماع من البسملة إلى القذف.
أما كتاب «طوق الحمامة في الإلف والألاف» لابن حزم الأندلسي، فهو كتاب يدور حول العشق والمحبة وأحوال المحبين وطبائعهم، استقاه مؤلفه من الحياة الأندلسية.
وفي المغرب اشتهر كتاب «ما يجوز وما لا يجوز في الحياة الزوجية» للعلامة عبد العزيز بن الصديق، وهو عبارة عن فتاوى في الحياة الزوجية كان العلامة الراحل ينشرها في إحدى الصحف المحلية بطنجة، وطبع حتى الآن ثلاث طبعات بسبب الإقبال الكبير عليه، ما يظهر الفراغ الحاصل في هذه القضايا من الناحية الشرعية. واللافت أن كتاب بن الصديق تضمن فتاوى جريئة ردا على سائليه، منها مثلا أنه سئل عن الأوضاع الجائزة في الوطء فقال «والذي يلزم الزوج البعد منه عند المباشرة هو البعد عن حلقة الدبر والمباشرة عند المحيض، وما سوى هاتين الحالتين فللزوج والزوجة الحرية التامة في تمتع أحدهما بالآخر بشتى الوسائل والأنواع والأشكال والهيئات، لأنهما لباس بعضهما بعضا، فليعمل معها ولتعمل معه ما يرغبهما في بعضهما بعضا، ويزيدهما حبا في المعاشرة، وهذا ما دل عليه قوله تعالى «فاتوا حرثكم أنى شئتم» الآية 223 سورة البقرة، يعني على جميع الوجوه والحالات قائمة وباركة ومضطجعة بعد أن يكون الإيلاج قاصرا على الفرج، ويدخل في هذا جميع أنواع الملاعبة، والمداعبة، وكانت اليهود تقول من أتى امرأته في قبلها من دبرها جاء الولد أحول فرد الله عليهم بقوله : «فاتوا حرثكم أنى شئتم» إن شئت مقبلة ومدبرة إذا كان في صمام واحد، فالشريعة تركت الباب في هذا الموضوع الحساس من حسن المعاشرة وتمتع الزوجين بجميع ما يكون فيه كمال اللذة والتمتع ببعضهما بعضا مفتوحا يرجع فيه الحكم لرغبة الزوجين».


.

صورة مفقودة
 
أعلى