دينا توفيق - الروض العاطر وعودة الشيخ إلى صباه وتحفة العروس!

منذ ألف عام ويزيد كنا واأسفاً على استخدام الماضى لكن تلك هى الحقيقة. كنا أصحاب حضارة الجرأة. الكتابة فى الجنس كان شيئاً مبجلاً. نعم. كان مبجلاً عظيماً حتى إن كبار الأئمة والعلماء استغرقوا فيه بقوة سواء بإفرادات كاملة أو فى المتون والهوامش. حتى مرت الأعوام وصار العلم والحرية والعواطف والحديث عن الرغبة رجس من عمل الشيطان، وعلى الجميع اجتنابه وتحاشيه تأدباً ووقارا.
تلك الكتابات التى تترجم الرغبة والجنس الذى وصفه فرويد أنه الدافع الغريزي الأساسي للأفعال الإنسانية.
كيف لا نكتب عنه ونقرأ
وقد قررت الرصد والاستطلاع فى حكايات الغرام بقوة العقل والوجدان.
قبل الألف عام تلك كانت الحضارات القديمة فرعونية وإغريقية وسومارية وشرق آسيوية - هندية سبقت الغرب كله، وكانت أسطورة إيزيس وأوزوريس التى ارتبطت فى الذهن الشعبى بخوف المصريين من تناول قراميط النيل، حيث حكت الأسطورة عن ابتلاعها لعضو أوزوريس الذكرى حين ألقت إيزيس بأشلائه فى النيل بعد أن جمعتها.
وللعجب العجاب نفس الذهن الذى يتعقب روايات وأشعار يعتبرها إباحية ويعاقب كتابها بقسوات لا تليق بتاريخنا الممهور بوسم الحرية وتوقيعها المنير!
ياللهول!
كيف ونحن جدودنا كانوا يقرأون بلا وجلٍ أو خجل.
فيكفى أن يبحث كل منا فى مكتبة الأب أو الجد لنكتشف التدهور العقلى والإنسانى والوجدانى الذى انحدرنا إليه
فى مكتباتهم سنجد ألف ليلة وليلة والكتب التى تروى أساطير ملحمة جلجامش ومغامرات عشتار ووصايا باخوس وملحمة أوفيد أو فن الهوى وربما وجدنا الملحمة الهندية الشهيرة كاماسوترا.
بل إنه فى الكتب المقدسة نفسها سنجد "نشيد الإنشاد" فى العهد القديم وبغض النظر عن أى تنبيهات ومراجعات دينية فأنا أقدم سرداً علمياً تاريخياً وإنسانياً واضحا. ولا عيب فى ذلك على وجه الإطلاق ولسنا ممن يتصيدون أو يضعون الكلم فى غير مواضعه، فهو قطعة شعرية رائعة. هذا السفر وحسب التفسير المسيحى يقدم علاقة حب بين حبيب وحبيبته أو عريس وعروسه. وهذا يشير للحب بين المسيح والنفس البشرية.
ونجد في هذا السفر حوارًا بين العريس وعروسه. فالعريس يعلن حبه، ونجده يبحث عن عروسه باذلًا كل جهده لتقبله عريسًا لها، معلنًا جماله الإلهي مادحًا جمالها مع أنه من عمل يديه ونجده ساترًا عليها. أما العروس ففي فترات ضعفها لا تقبله، ثم ينفتح قلبها فتناجيه ومرة أخرى تعاتبه ومرة ثالثة تشكو نفسها. وأخيرًا في غمرة فرحها وتلذذها بحبه نجدها لا تنسى إخوتها، لذلك سٌمِّي هذا السفر قدس أقداس العلاقة بين النفس وبين الله. ونجد بجانب العروس وعريسها شخصيات أخرى مثل العذارى وبنات أورشليم وهؤلاء يشيرون بالشعب الله (اليهود في العهد القديم) وهناك الأخت الصغيرة للعروس (الأمم الذين لم يعرفوا الله بعد) وهناك أصدقاء العريس (الملائكة والسمائيين).

نشيد الإنشاد الذي لسليمان
ليقبلني بقبلات فمه لأن حبك أطيب من الخمر
لرائحة ادهانك الطيبة اسمك دهن مهراق لذلك احبتك العذارى
.
صرة المر حبيبي لي بين ثديي يبيت
طاقة فاغية حبيبي لي في كروم عين جدي
.
ما أجمل رجليك بالنعلين يا بنت الكريم دوائر فخذيك مثل الحلي صنعة يدي صناع
سرتك كأس مدورة لا يعوزها شراب ممزوج بطنك صبرة حنطة مسيجة بالسوسن
ثدياك كخشفتين توامي ظبية
.
ما أجملك وما أحلاك أيتها الحبيبة باللذات
قامتك هذه شبيهة بالنخلة وثدياك بالعناقيد
قلت إني أصعد إلى النخلة وأمسك بعذوقها
وتكون ثدياك كعناقيد الكرم ورائحة أنفك كالتفاح
وحنكك كأجود الخمر لحبيبي السائغة المرقرقة السائحة على شفاه النائمين
أنا لحبيبي وإلي اشتياقه
ما أجمل اللوحة المرسومة.
.
وهناك أيضا السرديات الفقهية وجهود العلماء والأدباء والشعراء والقضاة والفقهاء وعلماء الدين والشيوخ الكبار، ممن كانوا فى طريقهم إلى صناعة إيروتيكية عربية لها أبطال وكتابات عميقة الأثر مثل كتاب الفقيه والشيخ الجليل ابن حزم الأندلسى "طوق الحمامة" متحدثاً بليغاً عن الحب وشجونه.
ولا تتعجبوا ولا تضعوا أيديكم على أفواهكم خجلا ولا تحملقوا فى سطورى، فهناك كتاب اسمه "شقائق الأترج في رقائق الغنج" وآخرون أسماؤهم "رشف الزلال من السحر الحلال" و"الوشاح فى فوائد النكاح" للإمام السيوطي منذ قرون.
نعم. ولم يجد حرجا في تسمية الأشياء بأسمائها، فهو صريح في استخدام اللفظ الدال على أعضاء الجهاز الجنسي للذكر والانثى والمستخدم في الكلام العام، أو ما يسمى بعورات الجسد، كما أنه صريح بتلفظ أسماء العملية الجنسية ووصفها وصفا كاملا وصريحاً.
كما أن للإمام السيوطى ألف أكثر من عشرة مؤلفات حول النكاح منها "الإفصاح في أسماء النكاح" و"ضوء الصباح في لغات النكاح" و"نزهة العمر في التفصيل بين البيض والسود والسمر".
بل عليكم أن تتصوروا أنه فى أزهى عصورنا كان هناك كتابا عربيا اسمه الروض العاطر تمت ترجمته ليكون أهم الكتب فى الغرب واسمه مترجم The Perfumed Garden للفقيه النفزاوى!
والروض العاطر هو كتاب تعليمي جنسي من تأليف أبوعبدالله محمد بن محمد النفراوي فيما بين عامي 1410 - 1434 بناء على طلب من السلطان عبدالعزيز الحفصي سلطان تونس وذلك لإثراء الكتاب الصغير "تنوير الوقاع في أسرار الجماع" لنفس المؤلف.
وهذا الكتاب كان مخاطبا السلطان ليس لضعفه، بل لأن السلطان هو من طلب كتابته، وذلك واضح من بداية كل باب في "أعلم يرحمك الله" وهو كتاب يتكون من 21 بابا يتناول فيها الصفات المحمودة والمكروهة في الرجال والنساء وأساليب الجماع والأطعمة المعينة عليه، وأسباب العقم والصحة الجنسية.
وتعد أول مرة تمت ترجمة كتاب "الروض العاطر في نزهة الخاطر" فقد تمت ترجمته للفرنسية على يد مترجم سمى نفسه "Baron R" وكان ذلك عام 1850. أما أول مرة ترجم إلى اللغة الإنجليزية كان عام 1886، وكان ترجمة للنسخة الفرنسية على يد اللورد ريتشارد فرانسيس (Sir Richard Francis Burton)، ولقي الكتاب حينها رواجا كبيرا، لكن تلك النسخة لم تكن كاملة، حيث كان الباب الحادي والعشرون ناقصا. وعمل اللورد ريتشارد على ترجمة الكتاب مرة أخرى لكن هذة المرة من النسخة العربية وقد سماه باسم جديد وهو "The Scented Garden"، ولسوء حظه فقد توفي عام 1890 قبل إتمام ترجمته، ولم تنشر تلك الترجمة أبدا، حيث يقال إن زوجته "لسيبيل أحرقتها، ثم ترجم مرة أخرى إلى الفرنسية على يد السيد رينيه "Rene R. Khawam " عام 1976. وتلى ذلك أنه ترجم إلى الإنجليزية من النص العربي الأصلي على يد السيد جيم كوفيل "Jim Coville" عام 1999 وفي تلك النسخة تم بعض التنسيق للكتاب مع إضافة أجزاء جديدة، حيث غير تسمية الباب السادس من "كيفية الجماع" إلى "يتعلق لكل ما هو مواتٍ لفعل الجماع".
فى تراثنا العربى - الإسلامى أيضا هناك كتاب رجوع الشيخ إلى صباه في القوة على الباه هو مؤلف للإمام أحمد بن سليمان بن كمال باشا قام بتأليفه بإشارة من السلطان سليم الأول، وأتم طباعته في سنة 903 هـ. ويشتمل الكتاب على ثلاثين باباً تتعلق بأسرار الرجال والنساء وما يناسبهن من الزينة والحكايات التي نقلت عنهن، وما قيل فيهن من زيادة الشهوة وقلتها وما نقل عنهن من رقة الألفاظ مما يزيد في اللذة ويقوي الشهوة.
أما شهاب الدين أحمد بن يوسف التيفاشي صاحب "نزهة الألباب فيما لا يوجد فى كتاب" فكان عالم معادن وقانون واجتماع وفلك وشاعر أمازيغي تونسى ولد سنة 1184.م في عهد دولة الموحدين توفي بالقاهرة ومن كتبه أزهار الأفكار في جواهر الأحجار وفصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولي الألباب ومتعة الأسماع في علم السماع. وللتيفاشى آثاراً فى المخطوطات العربية الطبية لمعالجة الأمراض الجنسية والتناسلية المحفوظة في مكتبة الدولة في برلين مثل قادمة الجناح في آداب النكاح ورسالة فيما يحتاج إليه الرجال والنساء في استعمال الباه (فعل الجنس) مما يضر وينفع.
إنه جزء قيم من تاريخنا العريق.
يضاف إليه كتاباً شهيراً هو "العقد الفريد" لابن عبدربه الذي تضمن أيضا روايات إيروتيكية. وأعمالاً أخرى كثيرة مثل تحفة العروس ومتعة النفوس للعالم محمد بن أحمد التيجاني وديوان أبونواس والأغاني للأصفهاني.
حتى إن البعض من كثرة ما كتب أبونواس من أشعار ونوادر ظنوا به انحرافا، حيث يعتبر عميد الأدب الإيروتيكي العربي، لكن كما أظن فما كتبه من نصوص ليس بالضرورة أن يكون معناه ميولاً شاذة لكن كانت الجرأة في ذلك العصر منتشرة في الكتابات والقصص ولا عيب فيها.
وأخيرا.
فعلاً إننى محقة ومقتنعة بتعبير "يا للهول" الذى بدأت به ويحيرنى تساؤل هو. كيف تحول هذا السيل العربي الذى تحدث عنه بوريس سيرولْنيك طبيب الأمراض النفسية والعصبية والمحلل نفسى ومدير تعليم مادة الأخلاقيات بأكبر الجامعات الفرنسية "تاريخ الحب الذي كتب عنه في الغرب بإسهاب كان من اختراع العرب في القرن الحادي عشر الميلادي".
كيف أصبحنا ننظر للحب والغرام والعلاقات الحميمية باستهتار واعتبارها من الأشياء الخارجة المستهان بها؟! حتى إننا لا نتذوق رضاب شهد الكلمات من أدب وشعر. للأسف!

.




Andrey Remnev art

صورة مفقودة
.
 
أعلى