علي الشدوي - الكتب : العناوين ، المضامين .

من عناوين الكتب التي لفتت نظري في كتاب الفهرست كتاب عنوانه : المخنث والفتاة التي عشقته وفيما أعرف فإن كلمة ككلمة ( مخنث ) يستحيل أن تكون في عنوان لكتاب حديث، ويعود السبب فيما أعتقد إلى رصيد الكلمة الاجتماعي ، وإلى المحافظة على الذوق العام .
عبدا لله الطيب الباحث السوداني الكبير في كتابه البديع ( المرشد إلى فهم أشعار العرب ) يعيد ذلك إلى تطور الشعور الأخلاقي ، مفترضاً أن حساسيتنا مستمدة من القيم البرجوازية الأوربية ، ولا يخفي أسفه على انتقال هذه الحساسية إلى الفقهاء الذين كانت مجالسهم – في الماضي – متنفساً للكبت الأخلاقي المتعلق بالألفاظ .
لقد اعترفت الثقافة الإسلامية بوجود فروقات فردية في جسد المجتمع ؛ مما جعل الحياة مزيجاً من العفة والمجون ومن يقرأ ما كتبه القدماء -لاسيما الجاحظ -سيعرف أن كتاباتهم لم تتميز بالحشمة الزائدة ، إذ نقلوا وقائع الحياة وناقشوها بحرية ، معتبرين أن خطر بعض الممارسات لا يعني عدم نقلها أو منع الكلام عنها ، وعلى هذه الخلفية تحديداً يمكن أن نتفهم هذا العنوان.
فيما بعد ( عصر الانحطاط ) تحجرت الثقافة العربية ، فعوضت جمودها بسمو الأخلاق ؛ فلم تسمح بمثل هذه الكلمات ، ولا بتسمية بعض العلاقات وتسمية أعضاء المرأة بشكل صريح ، وطردتها خارج الكتب ( المحترمة) التي تقرؤها الفئات الثقافية العليا ( المحترمة ) ، فانتقل هذا إلى الكتب ( غير المحترمة ) من وجهة نظر ها المخصصة للفئات الثقافية الدنيا ( غير المحترمة ) وعلى هذه الخلفية ذاعت حكايات ( ألف ليلة وليلة ).
فيما بعد ، وفي عهد قريب ( النهضة ) زادت رقابة الثقافة على ألفاظ الجسد ، فطمسته وبدأ المثقفون الأفندية – بتعبير عبدا لله الطيب - يخجلون من أجسادهم، واعتبروا الألفاظ الشبقية والنكات الجنسية لغة منحطة ومخجلة ، فخلقوا وضعاً نفسياً يتمثل في الإحساس بالخجل والذنب وتأنيب الضمير .
هذا الوضع النفسي المتعلق بالرقابة على الجسد ، ولد الرقابة على اللغة ، فقمع المثقفون الأفندية ألفاظ الجسد واللهو واللعب والشهوة ، ومن هذه الخلفية قللت ورود عنوان كهذا حتى لا يخدش حشمة المعاصرين الزائدة.
 
أعلى