أحمد صبحى منصور - التصوف والزنا : حفلات الجنس الجماعى فى الخلوة وفى المؤاخاة العلنية

ج3 / ف 2
حفلات الجنس الجماعى فى اعتراف النساء سرّا للشيخ فى الخلوة
1ــ ومما ساعد على " تعميق " الصلة بين الأشياخ والمريدات ما اعتاده العصر من الاعتراف للشيخ الصوفى بالذنوب ــ وفق النظام المسيحى ، وكانت النساء" يعترفن سرا" للأشياخ بما تستحى إحداهن من قوله للزوج المسكين. وقد أسلفنا أن حدود الوعظ الصوفى للنساء قد تلاشت بحيث اخترع الصوفية علما جديدا يدرسونه للنساء وهو آداب الجماع ، وماسبق قوله عن عقائد التصوف وحفلات الجنس الجماعى يوحى بأن آداب الجماع لم يكن علما نظريا شفويا ، ولكن كان يمتد إلى التفعيل الواقعى ، بكل ما توحى به طقوس التصوف من أسرار وخلوة وعلاقات تحتية مما يجعل من تعليم " آداب الجماع" مصطلحا صوفيا آخر ، يعنى الممارسة الجماعية للجنس.
2 ــ والشعرانى اعترف بقيامه بتدريس هذا الفن الجديد ، وقد سبق لنا إيراد بعض آراء الشعرانى فى إضفاء اللمحة الصوفية العقيدية على عملية الجماع ، فلابد أن ذلك كان من بنود وعظه لهن ، إذا التفت فى خلوته لمجرد التدريس فحسب ، ولكن طبيعة المرأة عموما والمرأة الشرقية خصوصا تؤكد على أنها تخجل من الخوض فى الموضوعات الجنسية مع الغرباء ، إذ لابد من علاقة خاصة جدا ترتفع فيها ( الكلفة) بين الرجل والمرأة لينطلق الحديث بينهما فى خلوتهما بدون خجل أو وجل أو قيود أو انقطاع ..
وهكذا .. فإذا كان الأمر قد تطلب من الشعرانى أن : ( يكسر قفص طبعه حتى صار لايستحى من تعليم النساء الأجانب آداب الجماع ).!، فلابد أن يتطلب الأمر من النساء الأجانب أيضا أن " ينكسر قفص طبعهن" حتى يتجاوبن مع الشعرانى وحديثه الشيق عن آداب الجماع وطرق الجماع . والشعرانى مهما تستر بالفقه فهو كما سبق بيانه تلميذ مخلص لابن عربى الذى( لايُحرّم فرجا ) والذى يُحلُّ الزنا بالمحارم فكيف بغيرهن ؟ ، والذي يرى فى الزنا طريقا لتحققه بالإله عندهم .
3 ــ ونعود إلى اعتراف النساء للأشياخ باعتباره مظهرا من مظاهر العلاقة الخاصة التى تفوق علاقة المرأة وزوجها ، ونقرأ مايقول الشعرانى : ( أخبرتنى امرأة متديٍنة مصلية ، وقالت إنى أكره الخروج للسوق لأنى أنظر إلى الأشكال الحسنة فتميل إليها نفسى ، فأرجع لا أقدر أنظر إلى وجه زوجى ، وقد دخلت مرة سوق الوراقين فرأيت شابا فأخذ بجوامع قلبى ، فرجعت فوالله مارأيت زوجى فى عينى إلا كالعقرب أو كالغول أو كالعفريت أو كالبقرة . وكما أن الرجل إذا رأى المرأة الحسناء مالت إليها نفسه فكذلك المرأة إذا رأت الشاب الأمرد الجميل تروح نفسها إليه ضرورة . ورأيت مرة إنسانا من الطاق وزوجى عندى ، وصرت أنظر إلي حُسن شكل ذلك الإنسان وحُسن لحيته ووجهه وعيونه ، وأنظر إلى زوجى وإلى تشعيث شعر لحيته ، وكبر أسنانه ، وأنفه ، وعمش عينيه ، وخشونة جلده وملبسه ، وفظاظته ، وتغيير رائحة فمه وإبطه ، وقبح كلامه ، فما كنت إلا فتنت بذلك الإنسان... )
فهذه المرأة المتدينة المصلية ( التائبة ) كسر قفص طبعها مع الشعرانى ، فاعترفت له فى خلوة بأدق أحاسيس المرأة نحو زوجها والرجال الآخرين ، وهى قد تابت بحيث تصف له مشاعرها بهذه الصراحة المذهلة ، ولكنها لاتعد عيبا خروجها من البيت إلى زيارة رجل غريب هو الشعرانى وحديثها معه بهذه الصراحة عن غرامياتها المتعددة، وذلك يعطى معنى اصطلاح التوبة لديهم ، وهو أن تسلم المرأة نفسها ولسانها وأشياء أخرى لشيخها الصوفى ، كالمريد مع شيخه ، فلا تخفى عنه شيئا .
4ـ لقد كانت خلوة الصوفى بأى امرأة مرادفة لتمام الحرية فى القول والفعل بحيث تصبح الخلوة مجرد اصطلاح للزنا. وإذا صح القول بأن اجتماع رجل عادى بامرأة قد يعنى أن الشيطان ثالثهما ، فإن دراسة نصوص الصوفية تظهر بأن الصوفى إذا خلا بامرأة فلا حاجة لوجود الشيطان بينهما ، إذ يكتفى الشيطان بوجود الصوفى ، وينصرف مسرورا .
ونكتفى بالاستشهاد بنص للشعرانى نقدمه مع الاعتذار الكافى ــ كالعادة ــ لنلمس إلى أى حد كان يتصرف الشيخ الصوفى على سجيته إذا خلا بامرأة ، يقول الشعرانى مفتخرا بشيخه عبدالقادر السبكى : ( وكان يتكلم بالكلام الذى يُستحى منه عُرفا ، وخطب مرة عروسا فرآها ، فأعجبته ، فتعرى لها بحضرة أبيها ، وقال : انظرى أنت الأخرى حتى لاتقولى بعد ذلك بدنه خشن أو فيه برص أو غير ذلك ..ثم مسك ذكره وقال : انظرى هل يكفيكى هذا ؟ وإلا فربما تقولى هذا ذكره كبير لا أحتمله ، أو يكون صغيرا لايكفيك ، فتقلقى منى ، وتطلبى زوجا أكبر آلة منى) .
الشيخ الصوفى عبد القادر السُّبكى يتكلم بكل بذاءة بكلام تعارف العصر على إنكاره ـ مع هبوط هذا العصر الى الحضيض أخلاقيا . ثم هو يتصرف بنفس البذاءة إذا خلا بإمرأة . ولقد خلا بمن أراد الزواج منها ولم يكن معهما سوى أبيها، ولم يخجل من وجود أبيها ، بل تصرف بتلقائية ، فتعرى أمامها وكشف لها عن عورته وتكلم معها ( بصراحة ) . لقد تصرف الشيخ عبدالقادر السبكى بتلقائيه وعفوية حين جمعه أول لقاء مع عروسه ، ونحسبه قد تعامل معها وفق ماتعود مع الأخريات فى الخلوة . وإذا استغرب قارىء اليوم هذا الكلام فلأنه لايعيش العصر المملوكى ولايعايش الصوفية فيه ، وإلا فلماذا جرؤ الشعرانى على مدح شيخه بمثل هذا الكلام ؟ ولماذا شاع هذا الخبر عن الشيخ عبدالقادر السبكى وتناقله الناس عنه إلا إذا كان منقبه تستوجب الفخر والاعتزاز لا الغضب والإشمئزاز؟؟.! . لقد كان الشيخ عبدالقادر السبكى مشهورا بالولاية إلى درجة افتخار الشعرانى به ، وترجمته له فى ( الطبقات الكبرى)، وكان له مريدون ، وربما كان بعضهن من النساء ويخلو بهن بحكم العادة ، وعرفنا طريقته الفصيحة فى التعامل مع النساء، وكيف أن تلك الطريقة الواضحة ذكرها الشعرانى فى ترجمته على أنها من مناقبه . ومهما اختلفنا فى تقييم موقف الشيخ عبدالقادر السبكى فلا ينبغى إهمال ذلك الفتح الجديد فى حقوق العروس قبل الزواج وفق التشريع الصوفى !!.
حفلات الجنس الجماعى العلنية تحت شعار المؤاخاة:
1ــ لقد انفتح الصوفية على نساء العصر المملوكى وفق مدلول المؤاخاة وإعطاء العهد للمرأة ، ويكون الاجتماع المغلق بين الشيخ وبناته فى الطريق ، وبنفس التوازى بدأت المؤاخاة تأخذ طابعا علنيا مميزا لبعض الطوائف الصوفية دون بعضها . وكان ذلك فى القرن الثامن ، فرأينا الفقيه الصوفى ابن الحاج يقول فى ذلك مستنكرا: ( آخى بعضهم بين الرجال والنساء من غير نكير ولا استخفاء ، ثم لم يقتصروا على ذلك ، بل كانت بعض النساء تعيش مع بعض الرجال ، ويزعمون أنها أخته مع الشيخ ، وقد آخته فلا تحتجب عليه ، إذ أنها صارت من ذوى المحارم على زعمهم ) . إذن بدأت المؤاخاة فى بعض الطرق الصوفية تأخذ دور العلانية ( من غير نكير ولا استخفاء) وبالمؤاخاة كانت بعض النساء يعشن مع إخوانهن الرجال فى الطريق الصوفى فى القرن الثامن ، وذلك تحت مصطلح الأخوة فى الطريق ، وأصبح ذلك علنا .
2 ــ وسرعان ما انتشرت المؤاخاة العلنية فى القرن التاسع الهجرى ، فقال عنها الفقيه أبوالفتح المقدسى الرجائى فى القرن التاسع ( وقد فشا فى هذا الزمان مؤاخاة الفقراء للنسوان ويدخل إليها وتدخل عليه ويختلى بها ويزنى بها ) ثم يستطرد فى تلك العلاقة الجنسية بين (الأخ الصوفى وأخته فى الطريق) ، فيقول ( وكثير منهم يزعمون أن المرأة تصير عندهم بمنزلة أخته يدخل عليها متى شاء بإذن زوجها وبغير إذنه ، ويختلى بها ، ويتعانقان بالظهور والصدور ومما لاينبغى ذكره ، ويقولون: "هذه محبة الفقراء"، فيزنى الرجل بالمراة وهى أيضا تزنى به، ويقولون نحن أبعد الناس عن الزنا والفواحش) . وطالما يمارسون الزنا تحت شعار دينى هو (محبة الفقراء) فهم يمارسون شعيرة دينية كالصلاة ، قد يؤدونها فرادى وقد تكون ( جماعة )، وبشعيرة الزنا هذه يتم فى دينهم تطبيق عقيدتهم المزعومة فى ما يسمونه التحقق بالحق ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. .
3 ــ إتّسع المجال وانتشر فى القرن العاشر ، عصر الشعرانى ، الذى تغلغلت فيه الطرق الصوفية الأحمدية( احمد البدوى ) والبرهامية (إبراهيم الدسوقى) والقادرية (عبدالقادر الجيلانى) ، ونشرت عبادة الزنا تحت شعار المؤاخاة. وكان أخذ المرأة العهد على شيخ فى إحدى هذه الطرق معناه أن يتقاطر على المراة أتباع الطريقة أو ( أخوتها فى الطريق) يزنزن بها فرادى وجماعات ، خصوصا فى غيبة زوجها، وفى ذلك يقول الشعرانى: ( الفقراء الأحمدية والبرهامية والقادرية يأخذون العهد على المراة ، ثم يصيرون يدخلون عليها فى غيبة زوجها) . ومن الطبيعى أن يمارسوا معها " محبة الفقراء" أى حفلات الجنس الجماعى فى غيبة الزوج المحترم ، وذلك برعاية الشيخ التابع للطرق الأحمدية أو البرهامية أو القادرية . هذا مانفهمه من قول الشعرانى عن رفاقه من الشيوخ فى القرن العاشر ، بعد أن عرفنا ما قاله الشيخ أبو الفتح المقدسى الرجائى عن شيوخ القرن التاسع ، وبعد أن عرفنا ماقاله ابن الحاج عن شيوخ القرن الثامن . وقد كان ابن الحاج وأبو الفتح المقدسى الرجائى أكثر صراحة من الشعرانى. والشعرانى كالعهد به يستعمل الألفاظ المخففة رعاية لدينه الصوفى ومخافة الانكار عليه .
4 ــ وفى موضع آخر يتحدث الشعرانى عن حفلات الجنس الجماعى فى حفلات السمر التى كان أولئك الصوفية يقيمونهابالنساء ، فيقول ( كان مشايخ السمرات من الأحمدية وغيرهم يجتمعون مع النساءعلى البساط من غير احتجاب ، فيقولون للمرأة الكبيرة ياأمى أو يا أختى ولمن دونها يابنتى . ).
ولأن الشعرانى يعرف ماتخفيه هذه المصطلحات فقد قال أنه ينبغى تنبيههم على تحريم ذلك ، ويناقض نفسه فيفتخر بكراهيته للخلوة بالمرأة الأجنبية خوفا من الميل إليها . وينسى أنهن كن يعترفن له سرا وأنه كان يعلمهن آداب الجماع .
5 ــ وقلنا إنّ موقف الشعرانى من معاصريه من أشياخ تلك الطوائف هو موقف الخصومة والمنافسة ، لذا هو يرميهم بالخلوة بالنساء ويحاول أن يبرىء نفسه من ذلك ثم يذكر الأشياخ السابقين لهذه الطوائف فى معرض التقديس والتمجيد ، ورأينا ماقاله عن الشيخ محمد الشناوى وجهوده مع النساء. ويتناسى الشعرانى أن أولئك الأشياخ فى القرن العاشر فى عصره كانوا يسيرون على الطريقة التى أرساها الشيخ محمد الشناوى من قبل . لقد كان ذلك الانحلال الخلقى سببا فى شهرة الطرق الأحمدية والبرهامية والقادرية وكثرة مريديها فى القاهرة وسائر العمران المصرى .
وقد فزع الشعرانى من كثرة الداخلين فى هذه الطرق طمعا فى شيوع الرذيلة ومايعنيه ذلك بالنسبة لشيخ مشهور كالشعرانى فى تقلص شهرته وتناقص مريديه من الرجال والنساء على السواء وقلة ما يحصل عليه من النذور، فهب يحذر من الإنضمام لتلك الطرق متمسحا بالشرف والفضيلة ،فيقول : ( إياك أن تمكن جارتك أن يأخذ أحد من الفقراء الأحمدية أو البرهامية عليها العهد إلا مع المحافظة على آداب الشريعة ، فإن كثيرا من الفقراء يعتقد أنه صار والدها يجوز له النظر إليها ، وترى هى كذلك أنها صارت ابنته ولها أن تظهر وجهها له ، وكل ذلك خروج عن الشريعة ، وربما جعل إبليس ذلك مقدمات الزنا .. وقد حدث مثل ذلك لبعض إخواننا ورأى صاحبه يفعل الفاحشة فى زوجته ) . والشعرانى يستخدم أسلوب الفقهاء فى المحترزات والاستثناءات ، فهو يجيز العهد بشرط المحافظة على آداب الشريعة ، كما لو كانت الشريعة الإسلامية تجيز أساسا إعطاء العهد الصوفى ، ثم يهاجم أفعال الصوفية الأحمدية والبرهامية والقادرية وهو واثق أنهم لن يدافعوا عن أنفسهم ولن ينكروا التهمة، بل ربما يفخرون بها لأنها أصبحت عندهم تقليدا صوفيا يحمل مصطلحات جديدة .
3ــ على أن نساء الأشياخ الصوفية مارسن نفس الحرية ، ولم يكن ذلك كالعادة مما يستوجب إنكارا طالما وقع فى بيوت الأشياخ ، ولذلك فالشعرانى يذكر فى معرض التمجيد بأن زوجة الشيخ عثمان البريمى كانت تخرج سافرة الوجه بدون نقاب على الشيخ عثمان الحطابى، وكذلك زوجة الآخر مع الآخر ، ويأتى كل واحد منهما إلى دار الاخر( فيختلى بزوجة الآخر، وتخرج له مايأكل ومايشرب فى غيبة الآخر) . أى أن الخلوة ومافيها من انفتاح وصل إلى بيت الشيخ .
4 ــ وترسب فى الضمير الشعبى المصرى أن يقال فى التعبير عن عدم التحرج فى القول وفى الفعل : ( البساط أحمدى ) ، نسبة للطريقة الصوفية الأحمدية التابعة للسيد أحمد البدوى أشهر الأولياء الصوفية حتى الآن .



.

صورة مفقودة
 
أعلى