حلمي الأسمر - في الحب بدون رتوش!

قيل في بعض العادات، ومنها التدخين: أوله دلع وآخره ولع، وقال الإمام ابن حزم في كتابه الشهير طوق الحمامة عن الحب: الحب -أعزك الله- أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالها عن أن تُوصف فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وهو ليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة؛ إذ القلوب بيد الله عز وجل.

وقد أحب من الخلفاء المهديون والأئمة الراشدون وكثير من الصالحين والفقهاء في الدهور الماضية والأزمان القديمة من قد استغني بأشعارهم عن ذكرهم. وقد ورد من خبر عبد الله ابن عتبة بن مسعود، ومن شعره ما فيه الكفاية، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة وقد جاء من فتيا يقصد إفتاء ابن عباس -رضي الله عنه- ما لا يحتاج معه إلى غيره حين يقول: «هذا قتيل الهوى لا عقل ولا قود». ويستدل الإمام ابن حزم على موقفه من الحب بما رواه بسنده في موضع آخر من كتابه طوق الحمامة من أن رجلاً قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: «يا أمير المؤمنين، إني رأيت امرأة فعشقتها، فقال عمر: ذاك مما لا يُملك»!

وفي قصص الأولين، قال أحد أتباع الإمام محمد بن داود الظاهري أن الإمام كان يدخل الجامع دومًا من باب الوراقين، فعدل عن ذلك، وجعل دخوله من غيره، فسألته عن ذلك، فقال: يا بني، السبب فيه أني في الجمعة الماضية أردت الدخول منه فصادفت عند الباب عاشقين يتحدثان فلما رأياني قالا: «أبو بكر قد جاء» فتفرقا فجعلت في نفسي ألا أدخل من باب فرقت فيه بين عاشقين! وقال ابن القيم عنه في كتابه الداء والدواء: «وهذا أبو بكر محمد بن داود الظاهري العالم المشهور في فنون العلم من الفقه والحديث والتفسير والأدب، وله قوله في الفقه وهو من أكابر العلماء وعشقه مشهور».

وفي السنة الشريفة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رجلاً قال: «يا رسول الله في حجري يتيمة قد خطبها رجل موسر ورجل معدم، فنحن نحب الموسر وهي تحب المعدم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لم نر للمتحابين غير النكاح» (قال الألباني: الحديث أخرجه ابن ماجه والحاكم والبيهقي والطبراني وغيرهم، وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم)

وعن سهل بن أبي حثمة أنه قال: «رأيت محمد بن مسلمة يطارد بثينة بنت الضحال فوق أجران لها ببصره طردًا شديدًا، فقلت: أتفعل هذا وأنت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إذا أُلقيَ في قلب امرئٍ خطبة المرأة فلا بأس أن ينظر إليها» (الحديث رواه أحمد وابن ماجه والطحاوي). وفي الصحيح كان مغيث يمضي خلف زوجته بريرة بعد فراقها له، وقد صارت أجنبية عنه، ودموعه تسيل على خديه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يا ابن عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثًا، ثم قال لها لو راجعته، فقالت: أتأمرني؟ فقال: إنما أنا شافع، قالت: لا حاجة لي فيه» (رواه البخاري). وقد قال الإمام ابن حجر العسقلاني شارح البخاري تعليقًا على هذا الحديث: «فيه إن فرط الحب يُذهِب الحياء لما ذكر من حال مغيث وغلبة الوجد حتى لم يستطع كتمان حبها، وفي ترك النكير عليه بيان جواز قبول عذر من كان في مثل حاله ممن يقع ما لا يليق بمنصبه إذا وقع بغير اختياره»، وقال الإمام الصنعاني في تعليقه عليه أيضًا: «ومما ذكر في قصة بريرة أن زوجها كان يتبعها في سكة المدينة؛ ينحدر دمعه لفرط محبته لها. قالوا: يقصد العلماء فيُؤخذ منه أن الحب يُذهِب الحياء، وأنه يعذر من كان كذلك إذا كان بغير اختيار منه».

وقال عمر بن الخطاب أيضًا: «لو أدركت عفراء وعروة لجمعت بينهما» (رواه ابن الجوزي بسنده). وعروة عاشق عذري وعده عمه بالزواج من ابنته عفراء بعد عودته من سفر للتجارة، ثم زوجها لرجل من الأثرياء.

وعود على بدء، يعلق أحد الظرفاء على الزواج، فيقول.. إن كان الحب أوله هزل وآخره جد، فالزواج عكس هذا، فأوله جد، وآخره هزل، ولكنه هزل من نوع الكوميديا السوداء!

هذه اختيارات خفيفة من بعض قراءاتي أثناء «الثلجة» الأخيرة، أحببت أن «أبوح» بها للقارئ، كي تكون استراحة محارب، وسط هذا الغابر الكثيف من الأخبار!



صورة مفقودة

edwinlongsdeenlong
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
أعلى