صادق مجبل - ثقافة الجسد بين الضرورة والكبت

لا أريدُ الولوجَ إلى مناطقٍ حساسةٍ في التقبّلِ لأنني ببساطةٍ لَمْ أُكلفُ نَفسي عناءَ البحثِ والمتابعةِ بصددِ ما أريدُ قوله ربما لكسلٍ يُصيبُنْي ويخيفني، لكنني أود أن أطرحَ تساؤلاتٍ تشغلني أحياناً وَقَدْ تَكوّنتْ لديّ في الفترةِ الأخيرةِ وأعتقد أنها مشروعة.
قرأتُ ذاتَ مرةٍ في مسألةٍ دينيةٍ حولَ النظر إلى الجسدِ، كأن ينظرَ الإنسانُ إلى جسدهِ بلذةٍ فضلاً عَن أجسادِ الآخرين طبعاً، هذا الأمرُ الذي دائماً كنتُ أنظرُ إليهِ وإلى غيره ِمِنَ الخطوطِ الحمراء التي تحيطُ منطقة الجسد، وتمنع الولوج إليها عبرَ الفن والكتابة حتى ظلتْ هامشاً ممنوعاً و(تابو) لا يستطيعُ أحد أن يدخل إليه إلا قلائل ممن تمتعوا بنعمة الجرأة وفضيلة التحرر التي مكنتهم من ذلك .
ماذا لو تجاهلنا الجسد وأسراره وظلَّ سجناً لرغباتِنا ورغبتِنا بالتعبيرِ ولو على الورقِ واللوحةِ؟ الجسدُ الحرام الذي حرمنا أنفسنا من النظر إليه، دون أن نرى هذا العالم الجماليّ بتحررٍ ضمن إطار العقل بحدود ترسمُها الحريةُ، إلى درجةٍ حتى حُرمة التكلم بَيْنَ ذكرٍ وأنثى في مكانٍ عام. أمر يشغلني هو أن الدينَ ينظرُ إلى النية القلبية أو المعنوية فإنك إذا أردتَ الوضوء مثلاً فان نيتك تكون بقلبك أو عقلك، لَيْسَ شرطاً أن تقولَ لنفسِك بلسانِك يا فلان قم توضأ ثم كذلك بقية الأعمال كالصلاة وغيرها. أي إن اللفظ لَيْسَ أساساً في النيةِ، وَلو قلتَ مُجبراً على شيءٍ بقولك دون إرادة في سريرتِك ثبتَ بطلانه، وهذا حسب اطلاعي على الموضوع ولا ادعي درايةً كاملة بمثل هذا الأمر .
إذنْ ..كيف باللواتي سُقنَ جبراً على طول تاريخ أجدادنا إلى أزواجهنّ دون رغبة وموافقة منهن رضوخا لسلطة الأهل؟ بل إن الكثير مِنْ الحالات حدثت والفتاة ترغب بشخص آخر غير الذي أجبرها عليه أهلها، أو إنها حُجزت لأحد أبناء عمومتها، فرفضها القلبيّ أو الباطني موجود، وهي غير راضية بطبيعة الحال، لكن مواجهة الأمر قد تؤدي إلى قتلها لذا تبدي موافقتها اللفظية فقط. ما حكم هذا الزواج وهل يدخل في باب الإجبار الذي يعد وجها آخراً للاغتصاب الذي يشترك به الزوج وأهل البنت أيضاً؟ هذا إذا كانت عاقلة ولها قناعاتها، تحب وتكره وترغب وتقرر مصيرها، فضلاً عن القاصرة التي يقنعها الأهل بالزواج دون الرجوع لعقلها الذي لم ينضج بعد. إنه تساؤل وليس مساساً بثوابت الدين.
أنا بصراحة أتساءل عن شرعية أبناء هذا الزواج، وأشك في سلامته من فعل الاغتصاب الذي يجري تحت غطاء شرعي وقانونيّ ورفض ذاتي من قبل أحد الطرفين وغالباً ما تكون المرأة. أيحسب هذا زواجاً وهو ما عُمل به بإجراءات لفظية وروتينية بينما تحرم النظرة إلى جسد يبدي رضاه الكامل وباقتناع الطرفين؟ هل إن الحلال ما يدخل بالإجراء فقط وليس القرار الكامل والقناعة التامة بين الطرفين؟ مجرد تساؤل أعتقد أن الكثير من مشاكلنا الاجتماعية بسببه .
ما دفعني إلى الكتابة هو أن شخص له علاقة بالشعرِ ويظهر اهتماماً به أبدى لي رأياً حول بعض النصوص الايروتيكية التي اطلع عليها واصفاً إياها بالقرف والخدش بالحياء العام مرة، ومظهراً على نفسه التحرر فضلاً عن عدم وجود ميول دينية لديه، هل إن التابوات يرسخها الفكر الاجتماعي العرفي أكثر من أصلها الدينيّ وهل الرب يبارك ما يبنى على الجبر والإكراه وهو اعلم بسريرة الفرد وذاته إن كنا ننظر للأمر من عينه الدينية؟
ماذا لو بقيت جوانب الجسد مظلمة حتى نتلهف إلى القراءة عنها أو الهامش من أسرارها بشغف، والكل يرغب في ذلك عندما يكون بمفرده، ولكن يتحول درجة كاملة أمام الآخرين.
ماذا لو قمنا بممارسة دورنا في الحياة كما لو كنا بمفردنا؛ نعبر بصدق عن ذواتنا.. انفعالاتنا.. رغباتِنا.. لأنها موجودة أصلاً وتكون عقولنا هي المحكم لأن هذه هي قمة الصدق الذي تريده لنا كل قيمة منطقية حقيقةً.




صورة مفقودة

Amel Ben Hassin -Tunisia
 
أعلى