زهرة مرعي - دور وأهمية المؤخرة والأرداف منذ الجاهلية وحتى القرن العشرين

هي الأرداف والعجيزة الكبيرة، أو استدارات الجسد في مساحة جذب مركزية منه، تترك للرجل أن يبحر مع هواماته وفق التشكيل الذي يرضيه. من تغنوا بالعجيزة الكبيرة والأرداف الرحبة كثر، أما المرأة الرسخاء «ذات العجيزة الخفيفة» فلم تحظَ بأي اهتمام. لنقرأ عن سبب الاهتمام بالأرداف والمؤخرة وما دورهما في منح المرأة المتعة والجاذبية على مختلف المستويات، في حوار مع الدكتور سليمان جاري، الاختصاصي بالاضطرابات الجنسية والهورمون، بالإضافة الى رأيي كلٍّ من الفنان حسن جوني والمخرج جاك مارون.

برغم إمعان عصرنا تفنناً وابتكاراً بنحت صور محسوسة أو معنوية للمرأة المشتهاة، فالظن أن العهود الآفلة حققت تفوّقاً بجرأة إيروتيكية لا تزال حتى يومنا موضع دراسة وبحث.

فمنذ أكثر من 22 ألف سنة قبل الميلاد، نحت الإنسان مئات التماثيل الضخمة للمرأة بردفين ومؤخرة مبالغ بهما وقد اكتُشف أولها في النمسا سنة 1908. ونحتت المرأة بهذه الصورة كي يكون هذا التمثال حقيقة ملموسة، ما يعني وجود فانتازم في هذا الاتجاه من قبل ناحته. كما يفيد وجود تلك التماثيل بأنها كانت تصور المرأة المرغوبة ما قبل التاريخ.

وفي الحضارة اليونانية اختلف وضع النساء وبرزت في تماثيلها بأرداف متناسقة مع بقية الجسد، وقد نُظر إليها انطلاقاً من قدرتها الإنجابية. والمرأة المفضلة لديهم تتميز بالعضلات القوية بغضّ النظر عن التضاريس الدهنية وما شابه. وتضاريسها عادت لتحتل مكانتها المميزة في العصر الإغريقي الأخير. ولهذا تختلف التماثيل الرومانية عن تلك اليونانية لجهة التضاريس.

أما الشعر العربي منذ الجاهلية وما تلاها من مراحل فقد حفل بالشعر الواضح والصريح الذي يتغنى بجسد المرأة وخصوصاً منطقة الأرداف، والتي لها وقعها البصري. ولهذا نجد الكثير من الشعر العربي منطلقاً من عين ليبيدية. وكمثال نقرأ لابن الرومي:

وشربتُ كأس مُدامة من كفها = مقرونة بمدامة من ثغرها
وتمايلت فضحكت من أردافها = عجباً ولكني بكيت لخصرها

د. سليمان جاري

لهذه الأسباب هما موضع اهتمام!

بدايةً يقول د. جاري: لكــل رجل امــرأته المثـال والمشتهاة التي تنطـلق من فانتازمه الخاص، وهو معني جداً بالشـكل بخلاف المرأة، وينجـذب إلى المشهد، لأن المراكز الدماغية التي تمنحه الإثارة مرتبطة بالمشاهدة وبالسمع. بالنسبة اليه العين أولاً، بينما لدى المرأة تتراجع نسبة تأثيرها. ونسأله:

هل يعود الاهتمام بردفي ومؤخرة المرأة لنشأة الإنسان على هذا الكوكب برأيك؟

ـ نعم، الاختلاف بين جسدي المرأة والرجل مبني على تلك التضاريس. كما أن فانتازم الرجل يمرّ في كامل أنوثة المرأة، ولكنه يقوم بمحطات ضمن بعض الدوائر ومنها الدائرة الجنسية حيث الأرداف جزء منها. وهو على درجات، فمنهم من ينجذب إلى تلك المنطقة بشكل طبيعي وعادي، وترتفع درجة الجاذبية تبعاً لدرجته لدى كل واحد. ومن شأن الرجل وانطلاقاً منه، أن يعطي المرأة تصنيفاً لجهة قدرتها وقوتها الجنسية من خلال حجم تلك المناطق. ولا شك بأن لكل عصر فانتازماته.

هل للرغبة بهذا الجسد أو ذاك خلفية ثقافية حضارية؟

ـ لا شك بوجود صلة بين الخلفية الثقافية الحضارية والنظرة إلى تضاريس المرأة، وتالياً تهذيب فانتازم الرجل. على سبيل المثال كانت الأرداف الكبيرة هي المفضلة في عصر الجاهلية، وهذا مُعبّر عنه في الشعر العربي وبأسلوب غزلي بدائي جداً. وهذا الشعر شكّل تعبيراً وجدانياً عما يدور في تخيلات الشاعر. إذاً في المفهوم الثقافي كان هؤلاء الناس وفي تلك المرحلة بدائيي التعبير، واستمر وصف المرأة بالطريقة نفسها حتى نهاية العصر الجاهلي، حيث وصف أحد الشعراء معشوقته بأنها تسير على ست أقدام، مضيفاً الثديين إلى الأطراف الأربعة. فهذا الشاعر كانت له هوامات غريبة عجيبة.

ما هو دور الردفين والمؤخرة البارزة في منح المرأة جاذبية جنسية؟

ـ بحسب طبيعة المرأة الأنثوية، فهي تسعى دائماً لأن تقدم ذاتها بما يلفت الآخرين ويتركها في دائرة الاهتمام، وهذا ما يمنحها الرضى الذاتي والارتياح معاً. أن تُبرز أنوثتها فلسنا نقصد السوء، بل بالأسلوب الطبيعي المهذّب الذي تعيشه، وليس الصارخ، تماماً مثل إبراز شكل الشعر، الوجه والصدر. كذلك هي تحب من يتحدثون عن أنوثتها، جمالها وأناقتها. ومن ضمن العناصر الأنثوية التي تميزها الجلد الطري، الصوت الناعم، الشعر الطويل والتضاريس. وما نقصده هو الشكل الطبيعي الذي خلقه الله بهذا التكوين. وبالردّ على السؤال الأساس عن دور الأرداف والمؤخرة في الجاذبية الجنسية، ندخل إلى العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة، وكيف ينظر إليها، وهنا لا بد من خط أحمر عريض تحت جنسياً:

1ـ يهتم الرجل بكل العناصر التي تميز جسد المرأة عن جسده.
2ـ ينجذب للمرأة التي تعطي اهتماماً لشكلها وتُبرز أنوثتها.

والعناصر الجاذبة للرجل والتي تميز جسد المرأة عن جسده، وتُبرزه بشكله الجنسي، تتمثل بالصدر والردفين، إضافة إلى عناصر جمالية أخرى من وجه وبشرة وشعر. والأرداف والمؤخرة يقعان قريباً من المنطقة الوظائفية الجنسية على الصعيد التشريحي، ولهذا هما موضع اهتمام شريحة من الرجال أكثر من أي مكان آخر في جسد المرأة وذلك للسببين اللذين سبق ذكرهما، ونضيف إليهما الأنوثة البارزة.

هل من شأن الردفين والمؤخرة الكبيرة تحقيق مزيد من المتعة الجنسية للرجل؟

ـ ليس من صلة فيزيولوجية بينهما. ليس للمرأة ذات الردفين والمؤخرة الكبيرة مزيد من المتعة، وليس لها منحها للرجل. فقط هو الفانتازم لديه هو وليس المرأة. فإذا كان راغباً ومفضلاً لذات الردفين والمؤخرة البارزة فلا شك ستكون له متعة أكبر أو العكس.

لماذا الصلة بين خصوبة المرأة وحجم الردفين الكبير؟

ـ ليس من رابط فيزيولوجي مطلقاً، إنه الفانتازم كما سبق الذكر، وهو قديم متخلف ربط بين الأرداف الكبيرة وقدرة الإنجاب لدى النساء.

هل المعطيات التي غيـّرت النظرة في القرن العشرين، سلبية أم إيجابية بحق المرأة؟

ـ على مدار سنوات القرن العشرين كنا بمواجهة الكثير من المعطيات التي غيّرت النظرة للأرداف والمؤخرة. ففي الثلث الأول منه صارت المرأة تخرج إلى الشمس، تذهب إلى المسابح وتكتسب البرونزاج. وهكذا بدأ التنافس بين النساء على صورة الجسد الحقيقية وليس من خلال الملابس. وكان لعالم الأزياء المتنامي بشكل لافت أن يلعب دوره، ومن ثم انطلاق مسابقات انتخاب ملكات الجمال في ثلاثينيات القرن الماضي، ووضع مقاييس لتلك المسابقة، ومن هناك بدأت تجارة الأرداف. لدى المصممين ودور الأزياء تجارتهم القائمة على جسد المرأة. لهذا ليس من الطبيعي أن تكون تلك التجارة روتينية، فحينها سيكون التسويق والبيع محدودين. هم محكومون بالتجديد كي تبقى تجارتهم نشطة. ولاحقاً حدث التداخل بين مؤسسات الأزياء، مسابقات ملكات الجمال والميديا، وهكذا صارت أرداف النساء من ضمن الثقافة. هو المجتمع الغربي الذي يفرض ما يريده من تغيير وعبر الميديا على بقية الشعوب. إذاً هو موضوع مرتبط بتجارة الأزياء، بالتصاميم والموضة، والميديا أساسه كونها أيضاً واحداً من عوالم التجارة، وكل ما له مردود تجاري يصبح موضة قابلة لأن تتكرر.

قبل أكثر من ربع قرن كان الرجل صاحب المنكبين العريضين يثير اهتمام المرأة، في حين يهتم حالياً بتكبير مؤخرته من خلال التمارين الرياضية وهي باتت موضع اهتمام أنثوي. لماذا؟

ـ برأيي هما معاً غير لافتين للمرأة. إنها الميديا والتسويق للرجل الرياضي صاحب الجسد البارز العضلات. هي موضة بدأت منذ ستينيات القرن الماضي حين سادت المصارعة كرياضة كمال الأجسام. لكن السائد حالياً يختلف عنه في الماضي، إذ كان رياضياً طبيعياً، أما حالياً فهو أشبه بالكاريكاتور. هذا كلّه تأثير إعلامي وتسويق أكثر منه مؤثراً على طبيعة المرأة في ما ترغبه من الرجل، فهي معنية بالرجل جملة وليس تفصيلاً. بعكسه هو الذي يتفنن بالنظر إليها، حيث يستعمل كامل الفانتازم الذي أوجده الله له. أن يعمد الى تكبير مؤخرته ليس أكثر من تقليعة سخيفة. فلبعض النساء فانتازم على مؤخرة الرجل وليس بالضروري أن تكون كبيرة أو صغيرة، بل أن تكون متناسقة مع كامل الجسد.

حسن جوني

المؤخرة هي مركز الصبابة وليس الجنس

لماذا يرسم الفنان العربي المرأة بردفين ومؤخرة بارزة؟

ـ أولاً، في الشعر العــربي الذي يصف مشاهدات الذكورة للأنوثة كـان بحثاً عن جسد لـه أنوثـة كاملة، تماماً كما بحث اليونان عن النسب الرياضية في تكوين المرأة، وVenus De Milos كانت النموذج للتناسق الرياضي. وهذه النسب لا تُظهر المرأة في اليونان ذات مؤخرة وردفين بارزين، في حين بلغنا عبر الشعر العربي وصفاً لها بما يسمى البهكنة. من هي المرأة البهكنة؟ جاء في لسان العرب بما معناه في حال وقوفها تحت «الدوش»، وانسكاب الماء على ظهرها وبوصوله إلى مؤخرتها لا ينساب على فخذيها، بل يتابع نزولاً عمودياً نحو الأرض. الشاعر العربي رسم هذا المد الغريزي في رؤيته لشكل المرأة. وبما أن الردفين لديها ظاهران كما الثديين، وإمعاناً بالتحدي الجنسي الشعوري أو الشعوري الجنسي، يرغب الرجل بأن تذكّره تلك المرأة بالبهكنة عندما تسير أمامه. إنه الإرث التشكيلي لبنائيتها لدى الفنان العربي.

ثانياً، بما أن المرأة العربية هي امرأة الخدر وليست امرأة الخارج، فنصيبها من التكوين الجسدي النامي أكثر من اللزوم، شكّل نموذجاً للاهتمام الجمالي للفنان العربي برسمها. فهي التي شكّلت رؤيته المباشرة وغير المباشرة. عندما رسمها من خلال خياله تذكّر أن البهكنة هي الأكثر إثارة، فالمؤخرة هي مركز الصبابة لدى المرأة وليس الجنس. هذا على صعيد المفهوم، أما في الشكل، فنعم، الأرداف النافرة لدى النساء في التشكيل هي شكل نصفي لكرة فيها هذا الخط العمودي الملتوي الذي يشكل تحجيماً، ويزيد من أنوثة المرأة، ما يزيده بنظر الفنان التشكيلي.

ويضيف: لم تطرأ تعديلات على شكل المرأة في مخيلة الفنان التشكيلي برغم مرور الزمن، لأن الفنان العربي ما زال مفرطاً في الرؤيا الغرائزية للمرأة. وبين هلالين كأنه يعتبرها «وليمة» يجب أن يستمتع بمشاهدتها وبلمسها. أيضاً وأيضاً من حيث التشكيل الفني لا تزال المرأة الممتلئة تجسد الشكل النموذجي، بكل أسف.


جاك مارون موضة أفلت ثم عادت!

حصدت مسرحية فينوس «آلـهة الحب»، تمثيل بديع أبو شقرا وريـــتا حايك وإخراج جـاك مارون ما يقارب الـ 150 ألف مشــاهــــد في مسرحي مونو وبابل. مسرحية بحثت في الجسد والمتعة. وفيها شاهدنا ڤاندا بطلة العرض الممثلة ريتا حايك في ثوب يُظهر لها ردفين بارزين جداً. عن سبب هذا الاختيار، والبحث الذي أفضى إلى هذا الشكل للمرأة، وهل من رمزية جنسية له، قال المخرج جاك مارون: في النص ترتدي ڤاندا ثوباً من حقبة 1870. مصمم الأزياء في المسرحية حسن إدريس قام بأبحاث عن ملابس تلك الحقبة. وتقول ڤاندا خلال العرض للمخرج الذي جاءته من أجل الـ «كاستينغ» بأنها وجدت ثوباً يعود لتلك الحقبة. لا شك بأنها ملابس النساء حينها، وهنّ لم يكنّ على ودّ مع أجسادهن. لا أعرف إن كان خصام المرأة مع جسدها هو الدافع كي ترتدي القفص تحت الثوب. لم يكن لكل امرأة شكلها الخاص، جميعهن كنّ في الشكل نفسه. سيكولوجياً سبب ذاك التصميم للملابس في تلك الحقبة يعود الى عقدة لدى النساء من أجسادهن. في حين أن المرأة الحالية تهتم بجسدها، تذهب إلى البحر، وتقيم مقارنة بينها وبين نساء من كل أنحاء العالم وعبر الصور. بالإمكان ابتكار موضة أو حتى سرقتها. ثمة أسباب كثيرة للقول بأن المرأة الجذّابة في 2015 تتميز بخصر صغير، ومؤخرة نافرة نسبياً، لكن بالعودة إلى 1960 كانت هذه من ميزات مارلين مونرو. موضة أفلت ومن ثم عادت. إنه التاريخ يعيد نفسه، والكل يتأثر بالكل من حيث تطور الموضة، وللدعاية وأفلام السينما أن تفعل فعلها في الترويج لها، وللإعلام أن يكرر الموضة حتى لو كانت بعمر الـ 100 سنة... إذاً لا سبب لموضة ما، بل جملة أسباب.



.


صورة مفقودة

Rana Bishara - Palestine
 
أعلى