فتحي بن الحاج يحيى - حدّوثة تونسيّة

منذ مدّة غير قصيرة لم أنزل العاصمة وتحديدا أرباض المدينة العتيقة. آخر زيارة كانت بمناسبة أيّام قرطاج السينمائية التي تقف حدودها عند "سينما الحمراء" قبالة "مْدَقّ الحلفاء".
هذه المرّة تجاوزتُ المدى فتخطيت "نهج زرقون" إلى حيث يُفضي نهج زرقون للعرِّيفين من بني وطني أو الوافدين الجدد منهم على العاصمة ولا سيما الشباب الباحث عن أفق دون اكثراث بتعريفه العلمي على أنّه خطّ وهمي كلّما اقتربتَ منه بَعُدَ عنك.
اليوم هو الأربعاء، وهو اليوم الثالث الموالي للذكرى الثالثة والعشرين ليوم التغيير المبارك.
كان بيني وبين موعدي المسائي مُتّسع من الزّمن لممارسة نشاطنا الوطني المفضّل في قتل الوقت ومراوغة الضّجر. وقفت أمام جمّازة بيضاء معلّقة من صنف "الدِّنْقري" الصينية صناعة وابتكارا. وبحركة لا شُعورية تلمّست قماشها بشيء من الحنين والبائع يُحدّق في شخصي بكلّ بوقاحة ويستعرض ملامحي وهيأتي. كان مستلقيا على كرسيّه ولم أفهم إن كان غاضبا منّي لإزعاجه في راحته أم تلك طريقته في فرز الزّبون الجادّ من المتفرّج المتطفّل.
كنت أحمل في يدي كتابا اقتنيته للتوّ من بائع كتب قديمة على رصيف "نهج الدبّاغين"، وهو مطبوع بالآلة الراقنة رغم دخول المطبعة إلى بلادنا منذ عام 1860 زمن الصادق باي.كان عنوانه "خطب وبيانات المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة – المجموعة الأولى لعام 1956- نشر النادي المركزي للحزب في 25 أوت 1965.
لم ير البائع عنوان الكتاب لأنّ هذا الأخير كان داخل كيس بلاستيكي من الصنف الرّديء جدّا، ولكنّ البرنامج الألكتروني الذّهني لصاحبنا اشتغل بسرعة بائع في نهج زرقون ليستنتج أنّه أمام مثقّف ترنّ أشواقه إلى "الدنقري" الصيني، والأكيد إنّه عرف الكثيرين من هذا الصّنف في سنوات السبعين والثمانين من القرن الماضي قبل أن يتحوّلوا اليوم إلى شبه سلعة نادرة، فتلقّفني على الفور :
- تحِبّْ وُحَيْدَه كحلاء ؟ (هل تريد واحدة سوداء).
أجبته بالنّفي وتمتمت بتمنياتي له بعون اللّه وهممت بالانصراف، فسدّ أمامي الطّريق بلباقة وحَلَفَ عليّ أن أدخل الحانوت لأقيس واحدة من النّوع الرّفيع وهو يقسم بأغلظ الأيمان أنّها هديّة بسعر "المضرّح" (المزيّف) فشكرته وهو يلحّ بأنّها "آفار" (فرصة) سأندم عليه لو فرّطت فيه.
قلت : - مانيش ناوي نشري، خوك حوّاس، برّه ربّي يعينك. (لا أنوي الشراء، أتجوّل فقط، كان الله في عونك). فأعاد قيسي طولا وعرضا ثمّ أفصح عمّا يخالجه من تخمينات بصوت حَرِصَ أن يكون مسموعا من المارّة وسائر جيرانه من التجّار.
- يا خويا كي جَايْ تْفَهْرَدْ في روحِكْ في "عبداللّه قشّ"، عْلَاشْ تُنْفَخْلِي فيهم لِيَّا آنَا ؟ ( إن جئت بغاية الترويح عن نفسك في "عبد اللّه قشّ" فما بالك تتهافت عليّ).
أربكتني خاطرته لأوّل وهلة ولكن سرعان ما سكنت خاطري. ابتسمت في نفسي – وله أيضا، بالمناسبة- ثمّ تركته وحاله وكمّلت مشواري إلى حيث مقام الوليّ الصّالح "سيدي عبد الله قشّ" وأنا لا أفقه شيئا من أمر انتصاب البورديلات (المواخير) حذو الأولياء والصلاّح وقد سبق أن انتصب آخر تحت حماية "سيدي بن نعيم" بإحدى الأرباض الأخرى من المدينة، وهل الأمر محض صدفة أم هو طلب حماية وبركات من قبل البنات، أم هي شماتة الفرنسيس فينا بتدنيسهم لمقدّساتنا بين أفخاذ قِحابنا إذ يبدو، بالنسبة للفرضية الأخيرة، إنّ أغلب مواخيرنا قد أقيمت زمن الحماية، والأمر يحتاج إلى غوص في أعماق تاريخ البلاد تَقَصِّيًا للحقيقة إذ لا أظنّ إنّ هناك من الأمور ما هو أعمق.
***
وإحقاقا للحقّ فإنّ الحكاية لم تبدأ على السِّيرة التي ذكرت لذا أعيد وطأها بما هو إلى الأمانة التاريخية أقرب وإلى النزاهة الفكرية أفضل إعلاء للحقّ وإزهاقا للباطل وهو ما يذكّرني بذلك المناضل القومي المنزع الذي جمعتني وإيّاه الصّدفة في ضيافة سلامة أمن الدّولة في منتصف السبعينات وكان كتب ذات يوم على حائط زنزانته بعُقْب سيجارة، أو ما شابه ذلك، وبخطٍّ بالكاد يُقرأ، "قُل ظهر الحقُّ وزَهَق الباطل إنّ الباطل كان زَهوقَا". ولمّا قرأ أحد المفتّشين الآية وهي على تلك الحال من الإبهام، وقد سقط منها بعض ألف و ما تيسّر من النّقاط، لم ينتبه إلى مرجعيتها القرآنية بقدر ما استوقفته الاعتبارات الأمنية، وكان وقتها مسلسل "المفتّش طاهير" الجزائري رائجا عبر ثقافتنا التلفزية، نزل في المربوط عفسا ورفسا ليقتلع منه اعترافاته عن ذلك البطل الذي لم تكشف عنه الأبحاث وهو يصيح فيه "آش كون ربّو ها البطل زهوفة ؟".
أكيد إنّ صاحبنا المحقّق كان غاضبا على نفسه أكثر من غضبه على الفقير لربّه موضوع المعالجة إذ هو يحفظ عن ظهر قلب، بحكم مهنته، جميع الوجوه المشبوهة في الجمهورية من أمثال عبد النّاصر، وعفلق، ولينين، وستالين، وغيفارا، وماركس وإنجلز الذي اتّضح فيما بعد أنّه ليس بزوجة ماركس كما كان يعتقد صاحبنا في بدايات مسيرته الموفّقة ألخ...
حدث ذلك في الزّمن الغابر أمّا اليوم فقد عنّ في خاطري، وأنا أتسكّع في شوارع المدينة، أن أقوم بزيارة فجئية إلى "سيدي عبد اللّه قشّ" بمناسبة الحدث السعيد الذي أتى ذكره في التوطئة. قلت لأرى ما آلت إليه الأوضاع اليوم، لاسيما وأنّ المدينة العتيقة ما فتئت تحظى بالرعاية والحنان في سعي دؤوب لإقامة الميزان بين الأصالة والتفتّح. وهل ثمّة أفضل من ذلك الموقع لتجسيد هذا المبدأ ؟
والحقيقة إنه حال اقترابي من المكان انتابتني هواجس لأسباب غامضة لعلّ أوضحها أن أدخل بعين الذي لا ناقة له ولا جـمل في إتيان هذا الحيّ الفاضل الذي لو اعتمدت ملائكة الرّحمان في حسبانها علم التحليل النفسي في التنفيس عن الكرب، والتعويض عن البؤس، والتخفيف من الكآبة الجماعية (ولعلّ لفظ "الكبّي" بالدارجة التونسية هو إلى الحقيقة أقرب لاختصاره البليغ لمجموع مصطلحات نفسانية جمّة كالجمع بين الإحباط وفقدان الأمل وانسداد الأفق وغيرها من المشاعر التي تنتهي إلى منح صاحبها هويّة فرديّة داخل هويّة جماعية تعلّمت مع الزّمن كيف تصرّف اليأس دون بلوغ الانتحار) لكانت هذه الملائكة أغدقت من الحسنات والفضائل على صاحباته بما يجعلهنّ أقرب منزلة إلى النبيّ يوم الجنة من شهداء العقيدة ومشايخ الإفتاء.
هاجس آخر استبدّ بي إذ خشيت على نفسي وأنا أتنقّل بين صبايا الحيّ أن يطرأ ما يُحْمَدُ عُقباه كأن يَعِنّ للجمل إتيان النّاقة وينفلت الهوى من عُقاله... فله الكمال وحده.
لحظتها بادرتُ بِتَلَمُّس "الدّنقري" الأبيض الآنف الذّكر وجرى ما جرى من حديث مع البائع الملحاح. وجميع ما وصفت تمّ على نحو ما وصفت دون زيادة أو نقصان.
ودون زيادة تلكّؤ، دخلته آمنا، وانشرح صدري لما لمسته من فائق العناية بالبنات العاملات بعزيمة وتفان يَنْدَى لهما جبين الموظف الحكومي وغير الحكومي لا سيّما ونحن شعوب احتار في أمرها الغرب واليابان عن سرٍّ في العلاقة بيننا وبين العمل، فراحوا يؤلفون الكثير عن الفارق بين عدد ساعات الحضور وساعات العمل الفعلي، والإنتاج والإنتاجية، والمردود والمردودية وغيرها مما يقع تحت طائلة سوسيولوجيا العمل وسلوكيات الشعوب. حتّى إن بعضهم ذهب إلى اتهام الشمس وحرارة الطقس عندنا، وأرجع البعض الآخر السبب إلى أصولنا العربية بصفتنا شعوب تجارة نعرف كيف نجمع المال ونعدّده دون حاجة إلى معرفة كيف تُنتج الثروة، وقيل أيضا إنّ التسلطية السياسية لا تدع المجال لانخراط الفرد بقلب وربّ في مشروع وطني يحفِّز فيه حبّ العمل كقيمة معنوية وهلمّ جرّا من الأقوال التي لا يسع المجال لجردها في موضوع الحال.
***
الدَّرْبُ يتكوّن من ثلاثة أزقّة ضيقة وبعض تفرّعات تَحُفُّ بها بيوتٌ صغيرة على حالةٍ طيبة من النظافة. بيوت مزوّدة بالماء الصّالح للشّراب والكهرباء وربّما الأنترنات، جدرانٌ مزخرفة بمربّعات من خزف الصناعات التقليدية الأصيلة وغير ذلك من أساسيات الحياة ومُكمِّلاتها ومُحلِّياتها. لا علاقة بتاتا بمناطق الظلّ ولا بمناطق الشمس الحارقة. هناك مجهود يُذكر فيُحمد لحساب السلط المحلية والوالي وشيخ المدينة من حيث تهيئة الفضاء بما يشجّع على الإقبال، والتّقابل، والقُبَل، ودعم الحركية الاقتصادية في المدينة العتيقة وهي مسألة كثيرا ما أرّقت أخصائيي التهيئة الحضرية داخل المدن العتيقة في تفكيرهم حول إعادة الحياة إليها لا فقط من خلال صيانة معالمها ومبانيها وعمرانها وإنّما بإيجاد ديناميكية اقتصادية تُبقي للمدينة العتيقة دورها الوظيفي الذي ما انفكّ يتضاءل لفائدة المدينة الحديثة...هكذا يقول الأخصائيون وهكذا فكّروا في تشجيع المشاريع الصغرى التجارية والحرفية ولا أدرى إن كانوا أدرجوا في لوائحهم أقدم الحرف وأعرَقها وأكثرَها مردودية.
صبايا وبعض متاصبيات يقفن على الباب للتفرُّج على الغادين والرّائحين في الاتّجاهين من شباب وكهول لا سبيل إلى معرفة ما يجول في خواطرهم بين متجوّل مجانيّ، ومتلذّذ افتراضي، ومتردّد لأسباب تعود إلى ارتفاع قيمة الدينار بحكم نَدْرَتِه في جيوبنا مقابل هبوطه أمام العملة الصّعبة عند جيراننا من ناحية الشمال، وبين مُنقبض بسبب تراكمات الكبت الحبيس الذي لم يَعُدْ يعرف بأي السُّبُلِ يتنفّس.
قلّة من المتعوّدين يعرفون ما يريدون فيشقّون طريقهم بثبات إلى حيث تُفضي الأبواب.
وحدهُنَّ البناتُ يعرفن تماما ما يُردن، وجميلٌ أن توجد في هذا البلد فِئَةٌ ولو كانت قليلة...للأسف، تعرف بوضوح ما تريد.
واحدة على الباب قمحية البشرة، سوداء الشعر، ممشوقة القدّ تعلو وجهها ابتسامة خَفِيَّةٌ يصعب فكُّ دلالتها... ودلالها. مررت أمامها في المرّة الأولى متظاهرا بعدم الانتباه إلى وجودها وقد أعجبني فيها ما خُيّل إلي أنّه بعض تهكُّمٍ على الدُّنيا وأهلها، وأعجبني فيها خاصّة جمال القسمات والبدن وإغراء نظرتها إلى الأشياء المتحرّكة أمامها في أشكال آدمية. أَكْمَلْتُ تجوالي إلى آخر الزُّقاق وعدت أدراجي وأنا أبحث عنها بناظري فلمحتها من بعيد تلمحني وكأنّها قارئةٌ في ما أنا بصدد كتابته دون أن تفتح الكتاب. عندما وصلتُ أمامها مدّت يدها وسحبتني برفق:
- هَيَّا تْجِي نْشَيّْخِكْ يا طْفُلْ.
قالتها بكثير من الرقّة والطفولة ومِسحة دلالٍ غيرُ مبالَغٍ فيها بما يَنْفي عن الجملة أي أثرٍ لسوقِيَّةٍ ما قد تتراءى للقارئ الذي لم تُسعفه الأقدارُ سماع هذه الكلمات تخرج من بين شفتيها الْحُلوتين.
أسعفتني البديهة بجوابٍ مُرتجل لم يُعجبني في الحين ولكن في مثل هذه الأحوال لا سبيل إلى شَطْبِ ما زلَّ به اللّسان. قلت لها :
* ماجِيتْشْ على هذا (لم آت لأجل هذا)
قالت : - إمّالا عْلاَشْ جَايْ يا بابا ؟ (لأجل ماذا أتيت إذن ؟)
ثمّ تراجعت خطوة إلى الوراء ليتسنّى لها تَفَرُّسي بالكامل قبل أن تقول :
* إنْتِ مُوشْ مِنْهُمْ ! (أنت لست منهم)
قالتها بصيغة الواثق باللّه وبنفسه وفيها تخوّف من أن تكون فِراستها خاطئةً وهي الدّارِيَة بما يُعْتَمَلُ في النّفوس وما يجول في الخواطر تجاوزًا لكلّ الأستار والأقنعة لكثرة ما عرفت من رجالٍ وكشفت عن خبايا في لحظات هشاشة الفحولة بين أحضان الأُنثى وانهيار اللُّعبة الذّكرية عندما يصير الواحدُ عاريًا.
لم أشأ أن أسألها عن المعنِيِّين بضمير الجمع الغائب لحضورهم الأكيد في جميع ثنايا مُدننا ومُنعطفات طرقنا وحَيْثيَّات حياتنا، لابسين كانوا أم مُسْتَتِرين.
أعجبتني الحكاية فتثاقلت في التنحّي من أمامها حتى انتبهَتْ إلى الكتاب في يدي، فهمسَتْ في أذني :
- ما تقوليشي صَحَافي زَادَه ؟
قلت بصوت مذعور : - واللَّهْ لا، وخرجت الكلمات من فمي صادقةً وكأنّي أدفع عن نفسي تهمة مُريبة فصدّقتني وازدادت حيرتها. نظرَت في عينيّ بشيء من الحنق، ربّما لأنّ المساومة طالت في نظرها وبدأت تيأس منّي كحريفٍ مُفترض أو ربّما لأنّها ترفض أن تجد نفسها في موقفٍ غامضٍ يتجاوز قُدرتها على السَّيطرة عليه.
قالت بنوع من الحدّة : - بجاه ربّي آش جاي تْنَيِّكْ هوني ؟
قلت : - جاي نطلّ، نحبّ نتهنّى عليكم. (جئت أزوركم لأطمئن على أحوالكم)
قالت : - لاَبَاسْ علينا، ابكي على هَمِّكْ وهَمّْهُمْ. واتجهت بنظرها صوب عابري السبيل وراء ظهري.
* آهَمْكا هَايْمِينْ... ضَارِبْهُمْ الصبَّاطْ... مُوشْ عَارْفِينْ وِينْ يْحُطُّوهْ...آمَا أَحْنَا الحمدُو للّه
ابتسمتُ لها ولامستُ خدّها بلطف وانسحبتُ إلى حالي. وصلني صوتها في ظهري وهي تقول :
- خْسَارْتِكْ، السَّاعه ما احْلاَكْ.
لم أتجرّأ على الالتفات إليها، خِفت أن أعود فأتورّط معها لمجرّد انسياقي وراء واجب الفحولة في إقامة الحجّة واستبعاد الشُّبْهَة.
كان بودّي أن أُطيل الحديث أكثر وأن أجالسها وقتا أطول. لم أكن أحمل فكرة مُسْبقة عمّا كان يمكنني التّحادث فيه معها ولم أُخطّط للمجيء إلى هنا لغرض ما، فلا الاستطلاع الصحفي كان مُدرجا في نِيَّتي ولا البحث السوسيولوجي من اختصاصي ولا لذّة الجنس تستهويني في مثل هذه الأحوال رغم أنّي لما كنت تمالكت عن مراودتها لو التقيتُ بها في غير تلك الظُّروف لفرطِ ما أعجبتني فيها أشياءٌ يصعب وضعَ أسماءٍ عليها.
***
يحدث أحيانا أن يجد المرء نفسه أمام مفارقات وتناقضات مؤرِّقة لاسيّما إذا ما استعصى عليه فهمها فتتحوّل إلى مأزق فكري أو امتحان أخلاقي يصعب التخلّص منه كأن تجد نفسَك أمام رفيقٍ مناضل يتحرّش بفتاة تشتغل معه في نفس المنظمة الديمقراطية فلا تعرف إن وجب الوقوف وقتها مع الثورة أم مع الضحية وأنت تعلم علم اليقين أنّ الثورة ما جُعلت إلاّ لنصرة الضحايا بقدر ما تعلم أنّ في الانتصار للمعتدَى عليها إحباطا للقضية وتوفير ملفّ على طبق للخصم.
وقد تأخذ المفارقة وجها آخر كأن تكون متشبّعا بأفكارٍ وأدبياتٍ ومواقفَ، سياسيةٍ كانت أم اجتماعية أم أخلاقية، تُفضي بك إلى اعتبار بنات الهوى (وللعربية في تعريفهم قاموس إدانة مسهب يتراوح بين المومس والعاهرة والقحبة والبغي وبائعة الهوى والغانية ألخ... مقابل انعدام مثل هذه المرادفات لطالب حلاوة المعصية من الذّكر) ضحايا المجتمع فتتشكّل في ذهنك صورة الْمُرْغَمَة على الشيء والمذعِنة لمشيئة الأقدار ولسلطة قوّادها أو "الماكرو" - على حدّ العبارة التونسية الدارجة- ويستعرض ذهنك شريط الذّاكرة حول كلّ ما يَمُتُّ بصلة إلى التي تحمل قَدَرَها كَفَنًا لأوجاعها فتراها "تمشي وقد أثقل الإمْلاق ممشاها" وغير ذلك مما يؤسّس لثقافة "العبرات" التي زخر بها أدب الواقعية واعترافات أعداد كبيرة من بنات الهوى سواء وردت هذه الاعترافات عبر السينما أو الرواية أو البحث السوسيولوجي أو المقال الصحفي.
جميع هذه التعبيرات أسهمت في تشكّل صورة نمطية عن بنت الهوى نحملها في وعينا، كمثقفين خاصّة، تصل حدّ نسيان الذات البشرية الواقفة وراء النموذج بكلّ ما تمثّله من فرادة. فلطالما حملنا مفاهيم البروليتاريا، والشعب، والعامل، والنقابي، والرفيق، والعدوّ، والإسلامي، والمحجّبة وإلى غير ذلك من التصنيفات الْمُنَمْذَجَة حتى أصبح التعرُّف عليهم في شخصٍ بذاته أمرا صعبا ومُرهقا أيّما إرهاق.
***
جمعتني الصّدفة في سهرة ما مع شابّة تونسية آيةً في الجمال والرقّة. كانت تتحدّث بكلّ أرْيَحِيَّةٍ وتتنقّل برشاقة وسط الصالون وتتحدّى دون تشنّج بعض الصَّحابة من اللائكيين أمثالي رغم أنّها كانت ترتدي حجابا خمريا. لم يُحرجها شُرب الْمُدامة من قبل الحضور، ولا خَدَش مسامِعها بعض نِكات وتعليقات مالحة. تصرّفْتُ بالطريقة التي خوّلت لي التّواجد حِذوها صُدفة طمعًا في رُبّ تواجُدٍ (بالمعنى اللّغوي الصحيح للكلمة أي تبادل الوجد) وقلت :
- موشْ حْرَامْ عْلِيكْ تْعَاكِسْ في الخالق ؟
فأجابتني، وقد ظنَّت أنّ المقصود هو وجودها في هذا المكان :
- لهم دينُهم ولي ديني.
قلت :
- موشْ هذا قصدي، شوف قدّاش ربّي عَدّا وقتْ يصنع فيك وعامِلْ كِيفْ، وإنت مْغُطِّيَه ها الشّيْ، موش حرام عليك ؟
كنت أحاول أن أجرّها ببصري إلى زاوية من الصالون يقبع فيه كائن من نوع الذي نفخ اللّه فيه روحه بشيء من الزِّرْبَةِ (التسرّع) فاستوى خليقة كان من المفروض أن تستأثر بمزيد من وِسْعْ الْبَال وجُهْدٍ أفضلَ في الإتقانْ حتى يستوي بين البشرِ الميزانْ.
ابتسمَتْ وفي بسمتها مسحة شقاوة بريئة، ونزل الكلام عليها بردا ودفئا. فاجأتني رَدَّةُ فعلها وكنت متخوّفا أن تمُانعني فإذا بها رَضِيَّةٌ. قالت :
- كانْ جِيتْ في بْلاَصْتي رَاكْ تْقَمِّطْتْ في ها البلاد موش تِتْحَجِّبْ بركه. (لو كنت مكاني لارتديت قماطة وليس مجرّد حجاب).
بقية الحديث دار حول حكايتها وكيف تركب الحافلة يوميا من أمام بيتها بإحدى الأحياء الشعبية البعيدة إلى حيث مقرّ عملها بالعاصمة، وعددِ المرّات التي تعرّضت فيها إلى المضايقة وهي محصورة بين ذكور الرجال الملتفة حولها في زحام الحافلة فضلا عن حُلو الألفاظ التي يُتقنها التونسي في باب البذاءة وتتلقّاها البنت كضريبة تحرّرها من قيود الفحولة. حكت لي عن طول المسافة التي تقطعها الحافلة وهي تقيسها بكمّ المهانة التي تعيشها وأنهت حديثها قائلة وهي تضحك :
- اللّه غالِبْ، بابا ماعَنْدُوشْ كَرْهْبَه باشْ يْوَصِّلْني. (للأسف أبي لا يملك سيارة ليرافقني).
وأقْسَمَتْ أنّها من يوم ما وضعت الحجاب أصبحت مسافة الأمان قائمة بينها وبين ذكور العرب. تغيّرت أشياءٌ كثيرة في نظرة الذّكر إليها، أو على الأقلّ في تصرُّفه معها، وكأنّ ستارَ لاَ َمَسَاسٍ أُسْدِل بين جسدها و بين الأوتاد المنتصبة على مدى تراب الوطن. هكذا تحوّلت من أنثى إلى حريم لمجرّد إعلانها راية السَّلام.
كنت أستمع إليها وأنا أبحث في جعابي عمّا يجعلني منسجما مع وجهة نظري في الموضوع، فلا يمكن أن تَسْقُطَ في حافلةِ نقلٍ عمومي، مهترئة ومكتظّةٍ ذكورًا، مُجْمَلُ قناعاتي وتُمَّحى من الذّاكرة صورة بورقيبة يميط في حركة رمزية لحافا ضاربا في الزّمن ومشبعا رمزية عن وجه امرأة تونسية من وسط ريفي.
قلت لها : أتعلمين إنّه لو بادَرَتْ كلّ بنت مثقّفة وحلوة مثلك بارتداء الحجاب فسنصل إلى مشهد تصير فيه أختُك غير المحجبة مشارا إليها بالبَنان كعاهرة لا لشيء سوى بحكم قانون العدد وبقائها وحيدة تقاوم الشارع والبهامة القادمة علينا بخطى متسارعة ؟
وأضفت : أنت صغيرة وقد يكون غاب عنك عناءُ المسيرة لتعويد التونسيين على قبول الاختلاط بين الذّكر والأنثى في التعليم والشغل والشارع. في بلاد إسلامية أخرى لا تزال مدارس البنات ومدارس الذكور قائمة، وهم يقيمون أماكن خاصّة بالحريم والعائلات في المطاعم والمقاهي، وتُهيّأ شواطئ لا تؤمّها سوى النّسوة، والجدل لم ينته بعد عن جواز سياقة السيارة للأنثى، وغير ذلك من مظاهر الأبارتايد. فالقضية ليست شعاراتٍ ومواقفَ مبدئية جامدة بقدر ما هي مقاومة يومية يدور رحاها على أرض الواقع وتُلعب رهاناتها في مستوى الرمزيات.
بدا عليها اقتناع ببعض ما أوردت بدليل تورّد خدّيها. كانت تنظر إليّ بكثير من الانتباه وعيون حالمة ولكن سرعان ما عادت إلى شقاوتها، ربّما لرفضها تحمّل مسؤولية قضية كبرى ستظلّ تدفع يوميا ثمن فواتيرها في انتظار انتصار الثورة. قالت :
* أنا يْسَاعِدْني باش يَعْملو كَارْ (حافلة ويمكن أن تعني أيضا حُظْوَة ؟ !) للنساء وكار للرِّجال ويقُصُّو النزاع... ثمّ ضحكت وقالت بغنج :
* كِيمَا في الحْمَّاَمْ… تْحِبّْنَا زَادَه مْعَ بْعَضْنا في الحمّام ؟
لم أجرأ على قول نعم، في ما يخصّنا نحن الاثنان بالذّات، مخافة أن ينزلق الحديث من الفكري إلى الحميمي. ناولتها كأس ليموناضة ونهرتُ رفيقا ثقيل الظلّ كان لا يكفّ عن اجترار قوالبه عن حرية المرأة طالبا منه أن يحتفظ ببلادته لنفسه أو أن يسعى جاهدا لتطبيق قوالبه مع زوجته و تجاه جنسانيته.
***
ذات يوم، رويتُ هذه الحادثة إلى صديقة من النساء الدّيمقراطيات. تركتني أكْمِل الحكاية رغم انزعاجها الواضح لدى كلّ محطّة من محطاتها. كنت أحسب أنّها بصدد حسبان عدد محطات الحافلة تماثلا مع صاحبة الحكاية فإذا بها تصيح في :
* Ah non, c'est grave ce que tu dis (خطير كلامك هذا).
أجبتها :
* رفيقتي العزيزة، أنا لم أفعل سوى سرد ما قالته البنت. والأمر أزعجني بقدر ما أزعجك لكن لأسباب مختلفة أو ربّما هي نفسها. لقد أحدثَتْ هذه الفتاة شَرْخًا في قوالبي وقواربي وكان بودّي أن تُقدّم لي الأسباب التي أريد سماعها أي أن تقف على مسافة الـ"آنْتِيتَازْ" (anti-thèse) لِتَصُحَّ "تَازِي" كأن تقول لي : جاء هذا في القرآن أو لا علاقة للشيء باستعباد المرأة، فأفحمها بتفسيراتنا التاريخية الوضعية عن منشأ الحجاب في الإسلام، وحادثة عائشة التي خرجت تتبوّل ليلا فعاكسها شباب الحيّ، واختلاف التقاليد بين مكة والمدينة، ودوغمائية عمر بن الخطّاب وغلوّه، وتفاسير علم التحليل النفسي في مادّة الاستلاب واستبطان الهيمنة الذكورية من قبل النساء عبر التاريخ ألخ... لكن المؤسف في الأمر أنّها كانت تردّد في كلّ مرّة :
* جَرِّبْ أَطْلَعْ في الكار وانتِ مْرَا وسِيرْتُو مِزْيَانَه (حاول أن تركب الحافلة وأنتَ امرأة وجميلة كمان)، بما يفيد حتما أنّه من المستحيل أن أفهم.
كانت تعرف نفسها مزيانة وتُريد أن تظلّ كذلك وقد يكون نفذ حِيلُها أمام الهدم اليومي لذاتها. هذا آخرُ ما استطعتُ عليه من استنتاج، وأوّلُ ما بدأ يصنع ثُقْبًا في مَسَلَّماتي التي كنتُ أنام عليها هانئا.
***
غادة "عبداللّه قشّ" ضربتني بدورها من حيث أتت ضربة الفاتنة المحجّبة. الاثنتان ترفضان اختزال ذاتهما في ما يسهّل قراءتهما كظاهرة اجتماعية-سياسية، فالأولى لا تريد أن تلعب دور الضحية... حتّى يسهل تبنّي القضية، والثانية ترفض أن تنسُج حِجابها من تعاليم السماء وبلادة الفقهاء بل حوّلته أداة تحرّر من غرائز البلداء أو بالأحرى دِرعا يَقِيها غزوات الصعاليك.
السيناريو الذي أشتغل به، وقد شارفت الستين من العمر، لم يعد صالحا. هكذا قالت لي الفاتنات.
أصبح لزاما إعادة كتابة جميع ما خططتُ لأدنوَ من الحقيقة مِقدار ما أمكن الاقتراب منها إذ بانت الحقيقة أشدَّ غموضًا من ابتسامة صبية واقفة على الباب تبيع هوًى فتَفْلُت منها لحظةُ هوَى لعاشقٍ يجوب ماخورا ولا يبغي جنسا.
آش جاَيْ يْنَيِّكْ هْنَا ؟
ذلك هو السؤال وقد جاء في أبسط ما يمكن اختزاله من كلمات تحمل جميع ما يُحيل إلى رحلة البحث عن المعنى.
***
ونفس هذا السؤال، إذا ما صُغناه بلغة عربية فصيحة وأدخلنا عليه قَدْرًا من التهذيب الذي يفرضه تَجُنُّبُ خَدْشِ المشاعر ورفع نسبة التَّخَلُّقِ، يجدر طرحُه على كلّ التونسيين سواء الذين شاركوا بنسبة 99% أو لم يشاركوا لأسباب متعدّدة منها المرض والجحود وعدم الاعتراف بالجميل وانعدام الحسّ الوطني والاستقواء بالخارج واستسقاء مطر لا نرى له غيوما في الأجل القريب على الأقلّ ألخ...
- إلى أين نحن ذاهبون ؟ أو على أيّ معنى نبحث ؟ وهل نحن نبحث أصلاً عن معنى ما ؟
على مدى العشرين سنة ونيف الأخيرة أفضت الحالة التونسية إلى تكوّن مشهد يصعب نكرانه حتّى من قبل صنّاعه. صار التونسي مَثَلُه مَثَلُ أشعب الطفيلي يجد نفسه يقتات من زيْجَة المال والسياسة دون أن يكون مدعوّا لها وهو لا يدري من الذي تزوّج من ؟
أسماءٌ بعضُها قديمٌ في عالم المال والأعمال وأخرى جديدة لم يكن لها قبل عَشْرِيَّتَيْن وجودٌ يذكر في قوائم الثراء نجدها اليوم تتربّع على عرش الثروة في مجال البنوك والطيران والمغازات الكبرى ووكالات السيارات والأدوية والتصدير والتوريد والبورصة والسياحة ووسائط الإعلام ألخ... هذا بالنسبة للنّشاط الشّرعي فحسب.
نسقُ الصُّعود في السُّلَّم المالي والاجتماعي أسرع من أن يقدِر خبراءُ الاقتصاد والمال على تفسيره، وكميَّات السِّلع المهرَّبة في الأسواق الموازية يصعب عدم القبول بأنّ حركتها لا تخضع إلى تنظيم عقلاني ربّما يفوق تنظيم حركة السلع الشرعية ذاتها. وهذه معضلة أخرى في عدم جدوى القوالب النظرية والنظريات الاقتصادية في تفسير ظواهر نُعايشها يوميّا، ونتعوّد عليها، ونَتَنَاساها، ونتعامل معها دون القدرة على تغيير شيء ولو قيدَ أُنملة.
سُئِل، يوما، أحد أكبر أغنياء العالم عن سرّ ثروته. قال : عرقُ الجبين يا أخي. كنتُ صغيرا مُعْدَمًا. اشتريتُ يومًا تفّاحة بنصفِ دولارٍ فلمّعتها وبعتها بدولار واحد ثمّ اقتنيت اثنتين وبعتهما بدولارين وهكذا دواليك حتّى...صاهرت فلانا فكان ما كان (تقول الصيغة الأمريكية للحكاية : حتّى مات والدي وترك ثروة كبيرة) وأنا إلى الصيغة الأمريكية أمْيَلُ حتّى لا يعاد عليّ سؤال أبي مرّة ثانية. كان يومها جالسا قبالتي في بارلوار سجن 9 أفريل المندثر وهو لا يفهم سِرَّ وجودي على أرض الوطن والحال أنّ آخر عهده بي أواصل دراستي بباريس، قال لي:
* آشْ مْوَصّْلِكْ لَهْنَا ؟
أذكر أنّني أجبته وقتها : ما جِيتِشْ وَحْدي يا بابا، البَرْكَه فيهُمْ هوما اللِّي وَصّْلُوني.
ولأنّي لا أودّ إزعاجهم مجدّدا واستغلال كرمهم فسأكتفي بهذا القدر من التساؤل البريء عسى تأتينا الأيّام بما لم نَعْلَمِ.
***
بعض الملاحظات وردت من أحبّة قريبين دأبتُ على إطْلاعهم على ما أكتب قبل نشره. فيهم من أهل التاريخ والسينما والأدب الفرنسي والعربي والقانون (من باب التّحسّب). وقد أشار إلي صديق ثَبْتٌ في باب التاريخ، كما يقال قديما، بأنّ مواخيرنا الوطنية سكنت منذ القرن التاسع عشر، وحتّى قبله بكثير، أكثر من نهج يحمل اسم وليّ صالح، فعلاوة على "سيدي عبد اللّه قشّ" الذي كان وقتها وقفا على اليهوديات و"سيدي بن نعيم" المذكور آنفا، آوى بدوره كلّ من "سيدي بلحسن"، و"سيدي عيّاد"، و"سيدي زُهِير"، و"سيدي مردوم" ألخ... بناتهم ليُطْعِمَهُنّ من جوع، ويُؤْمِنَهُنَّ من خَوْفٍ. وكم وددتُ أن يُطلعنا التاريخ على رأي أهل المدينة وقتئذ، وإن كانت بركاتُ أوليائنا الصّالحين في شخص بناتهنّ قد مسّت مشايخ ذلك الزّمان من المالكية والحنفية.
صديقة أخرى من جماعتي طلبت منّي أن لا أختم المقال بالسياسة رغم أنّني أتيته بـ"السّْيَاسَه" وأضافت بأنّ الرّابط -إن كان ثمّة من رابط- بين مختلف المشاهد أو الاستطرادات هو حيرة الحكومة أو السلطة بين بنت عبد اللّه من جهة وبنت الخمار من جهة أخرى.
يكفي أن نُقابل عددا من الإجراءات بآخرَ من الإنجازات حتى ترتسم صورة مفادها "اللي يفهم يجي...".
تونس ترفع تحفّظاتها عن مزيد من بنود اتفاقية كوبنهاقن حول إلغاء جميع مظاهر التمييز ضدّ المرأة بما يفترض تَبِعاتٍ لا تقدر حتّى المعارضة السياسية شبه العلمانية تحمّلها من مساواة في الإرث واعتراف القانون بحقّ التونسية بالتزوّج ممن أرادت مسلما كان أم غريغيا، وتونس ما فتئت تطوّر تشريعاتها في مجال المساواة بين الجنسين وحماية حقوق المرأة، وتونس تجيز قيام بنك إسلامي يشتغل خارج مناطق الرّبا المحرّم شرعا مع الإبقاء على جميع البنوك الأخرى المفسدة في الأرض، وتونس ترخّص في إذاعة "موزاييك" الخاصّة ثمّ "شمس" بعد أن شجّعت أيّما تشجيع إذاعة الزّيتونة الدليل السياحي على طريق الجنّة، وتونس تستقبل بحفاوة الشيخ القرضاوي الذي طالما اتّخذ من هذا البلد المضياف نموذجا للتفسّخ الأخلاقي والحياد عن الدين القويم، وتونس تعلن حملة بوليسية مكشوفة ضدّ الحجاب وتصدر المناشير لمنعها في الإدارة والمعاهد والكليات، وتونس تعلم أنّه لا واحد تقريبا من السّاهرين على تطبيق هذه الإجراءات ليس له في البيت زوجة أو أمّ أو بنت محجبة بما في ذلك الأوساط العليا من القرار ألخ...
قلت لكم "اللي يفهم يجي...".
ربّما يصبح الحديث أسهل عن تونس وتونس الأخرى ولكنّ الغريب في الأمر أنّ مصدر القرار واحد أحد.
هل هناك تجاذب قوى داخل السلطة أم وعي حادّ بفنّ المعادلة بين الأصالة والتفتّح، أم هو قَدَرُ الحكومة في فتح رجليها وتمطيطهما في ما يشبه حركة الجمباز المعروفة بـ"الغروند إيكار" بين الحرمين الشريفين والبنك العالمي ؟
تساؤل بريء آخر سيظلّ مُشَرَّعًا عسى أن يُسعفنا كلّ من استطاع إليه سبيلاَ بأجوبة شَرْطَ أن لا تنزل علينا قوالبَ جامدة ومبادئ محنّطة ولُغةَ حَطَبٍ.





صورة مفقودة


Binet-Ouakka Fatima
 
أعلى