فتيحة كحلوش - الموت حبا. قراءة تفكيكية في خطاب الحب في الأدب العربي القديم.. مجنون ليلى أنموذجا

في ظل عولمة الحب ، تشيّؤ المرأة ، وحشية الجنس ، ثقافة الصورة ومعها ثقافة العراء ، هل يستمر وجود الإنسان المحتاج إلى نصف جميل ، الحالم به ، المتخيل له ، الكاتب عنه ؟ هل يستمر وجود الإنسان العاشق ، المفتقد لموضوع عشقه ، الباحث عنه حقيقة أو توهما ، كيانا أو نصا؟ هل تبلّد مثل هذه الثقافة مسامات القلب أم تزيد الإنسان – العربي تحديدا الذي ينحدر من أصل كانت بعض قبائله إذا أحبت ماتت- غربة وتدخله في فضاء البحث عن ذاته المفقودة فينخرط في إعادة قراءة الموروث – كلاما وكلاما على الكلام –كتجربة عشقية جديدة عند" الدرجة الصفر للتاريخ "، وكشكل من أشكال لمّ أطراف الروح المبعثرة في زمن الإقامة على القمر و" نهاية الإنسان" ، وكتضميد للقلب المنهك الذي غرّبه الحب "التكنولوجي!" بعد أن أفسد عليه متعة الحرمان ولذة الانتظار...
أبعد من هذا وفي ظل هيمنة ثقافة اللّاانتظار والربح السريع والمعرفة العاجلة واللذة العابرة - عبر فضاء عابر ‍‍أو فضائية عابرة! – هل تتحقق الكتابة التي تتلذذ بالتأجيل وبجماليات الحب المستحيل ويتحقق معها القارئ الذي يغريه تأجيل المعنى ويعنيه إعمال الخيال؟
هذه المداخلة محاولة لإعادة قراءة بوح الذين ماتوا حبا، انطلاقا من تشظّياتنا الحديثة الفلسفية والفكرية والحياتية، إنها قراءة تفكيكية لخطاب الحب في الأدب العربي، تتسلح بالأداة الجديدة لمقاربة القديم الحميم حيث" أن الكتابة عن النص ما هي إلا ّاحتفال معرفي ، وأن الخطاب حول النص لا يمكن إلا أن يكون نصا هو ذاته ...وأن النص غير منجز مادامت قراءته متواصلة ، بل إنه في دلالاته يتضاعف مثل المتوالية الرياضية ، تبعا لتعدد القراءات " (1) وحيث العناية المطلقة بالغياب، الغياب الذي يخلق حالة من التوالد المعنوي أو التناثر الدلالي الذي يعبر عنه جاك دريدا Jacques Derrida بمصطلح dissémination (2) ، وهذه القراءة تستفيد من رعب العصر السريع لتقول نوستالجيتها الخاصة عبر نصوص تقطر بدورها حنينا وحبا و...موتا. العودة إلى المجنون هي عودة إلى الطبيعة الإنسانية المحضة في أعنف صور خضوعها للآخر المعشوق أبدا ، الغائب الحاضر ، العنيف المقدّس ، الجميل الذي يتولى قيادة الرحلة نحو الموت. وعلى هذا ستهتم المداخلة بقضايا متعددة في أثر المجنون نتدرج في مقاربتها وفق العناوين الآتية :1- L' amour et la mort (الحب والموت) اشتراك لفظي أم وعي وجودي ؟ 2 - ليلى والمجنون : من الذي أسطر الآخر ؟. 3- ليلى وعاء المكان . 4- ليلى ضيّقت بلاد الله .
5- ليلى الموت اللذيذ. 6- المجنون قتيل ليلى أم قتيل الله؟‍‍‍‍. 7- ليلى الحشر المريح.
1- الحب والموت (L amour et la mort ) اشتراك لفظي أم وعي وجودي ؟: قبل أن نفصل في الحديث عن مفاهيم الحب وعلاقته بالموت في التراث العربي نورد ملاحظة طريفة تتعلق بوضع اللفظتين في اللغة الفرنسية ، فاللفظتان تشتركان كما نرى في معظم حروفهما ، فكلاهما تتضمن الحروف ،m ،o ،r غير أن لفظة الحب amour تبدو و كأنها تتضمن لفظة الموت ، فالحب أوسع من الموت دالاّ ومدلولا ، الموت لحظة واحدة والحب عمر بأكمله بل سرد يمتد من مرحلة ما قبل الموت إلى مرحلة ما بعد الموت كما سنرى في الديوان، موضوع الدراسة . نقرأ في قاموس لاروس Larousse تعريف الحب كالآتي "l amour est un "élan physique ou sentimental qui porte un ètre humain vers un autre"(3)
ويعرف الموت في القاموس نفسه بأنه " cessation definitive de la vie" (4) . الحب اندفاع جسدي أو نفسي يحمله الكائن الحي نحو الآخر ، إنه الرغبة في الاتصال بالآخر الشبيه المختلف ، وهي رغبة غير محدودة لا في طاقتها ولا في زمنها ، بينما الموت هو التوقف التام عن الحياة ، هو الانفصال الأبدي عن الآخر وعن الذات أيضا.
إذا عدنا إلى التراث العربي الذي عنى بقضايا الحب عناية فائقة نقف عند ابن حزم الذي لطالما قدم توصيفا بارعا لحالات النفس العاشقة وجماليات الوصل ، يقول في باب الوصل: " ولولا أن الدنيا دار ممر ومحنة وكدر، والجنة دار جزاء وأمان من المكاره لقلنا أن وصل المحبوب هو الصفاء الذي لا كدر فيه ، والفرح الذي لا شائبة فيه ولا حزن معه و كمال الأماني ومنتهى الأراجي ولقد جربت اللذات على تصرفها وأدركت الحظوظ على اختلافها فما للدنو من السلطان ولا المال المستفاد ولا الوجود بعد العدم ولا الأوبة بعد طول الغيبة ولا الأمن بعد الخوف والنزوح عن الآل من الموقع في النفس ما للوصل ... وما ايراق النبات بعد القطر ولا إشراق الأزاهير بعد إقلاع السحاب الساريات في الزمان السجس ، ولا خرير المياه المتخللة لأفانين النوار ، ولا تأنق القصور البيض قد أحدقت بها الرياض الخضر ، بأحسن من وصل حبيب قد رضيت أخلاقه ، وحمدت غرائزه ، وتقابلت في الحسن أوصافه و انه لمعجز السنة البلغاء ومقصر فيه بيان الفصحاء " (5) وصل الحبيب في الدنيا يعادل بشكل ما جنة الرحمان ، و هنا منبع المفارقة الحب هو الجنة وهو النار في الوقت نفسه أو هو النار التي تؤول بصاحبها إلى الجنة. إما جنة الوصل أو الموت حبا ! وللموت حبا في تاريخ العرب القديم قصص لا تعد ولا تحصى حتى صار بطاقة هوية تعرف بها بعض القبائل نفسها " قال سعيد بن عقبة الهمداني الأعرابي : ممن أنت ؟ قال من قوم إذا عشقوا ماتوا . قال : عذري ورب الكعبة ! " (6) وقد ذهب الدارسون إلى تحليل الظاهرة مذاهب كثيرة تقترب أحيانا من التحليل العلمي، وتبتعد أحيانا أخرى فتصل إلى التوصيف الغيبي ( اللاهوتي أو الجنّي ) ، يقول المسعودي في مروج الذهب: " إن العشق طمع يتولد في القلب وتجتمع إليه مواد من الحرص ، فكلّما قوي ، ازداد صاحبه في الاهتياج واللجاج ، وشدة القلق وكثرة الشهوة . وعند ذلك يكون احتراق الدم واستحالته إلى السوداء ، والتهاب الصفراء ، وانقلابها إلى السوداء . ومن طغيان السوداء فساد الفكر ، ومع فساد الفكر تكون العدامة ونقصان العقل ورجاء ما لا يكون وتمني ما لا يتم حتى يؤدي ذلك إلى الجنون . فحينئد ربما قتل العاشق نفسه ، وربما مات غما ، وربما نظر إلى معشوقه فيموت فرحا أو أسفا ، وربما شهق شهقة فتختفي فيها روحه أربعا وعشرين ساعة ، فيظنون أنه قد مات ، فيقبرونه وهو حي ، وربما تنفس الصعداء ، فتختنق نفسه في تامور قلبه ، وينضم عليها القلب ، فلا ينفرج حتى يموت . وربما ارتاح ، وتشوق للنظر أو رأى من يحب فجأة فتخرج نفسه دفعة واحدة " (7) يحيل هذا النص كما نلاحظ على مختلف أشكال الميتات التي يتسبب فيها الحب والعشق.، ويدل على نفسية هذا العربي المتفانية في التعلق بالآخر تعلقا "غبيا" وساحرا يتلذذ فيه العاشق " بعبوديته " المطلقة ، وهي عبودية لن يحرره منها إلاّ الموت إذ الموت " هو اللحظة التي ينفلت فيها الفرد من كل سلطة " (8) ، ولقد كانت ليلى جبارة في الاستحواذ على المجنون الذي تحرر من ذاته كل التحرر عبر قبوله بهيمنة الآخر واستسلامه لفكرة العطاء العميق حدّ الجنون والحب المجنون حدّ الموت . لقد حافظ المجنون على " حيوانية" الذات رافضا أن يصقلها باعتدال الدين أو بتطرف الأنانية الإنسانية . يقول الكاتب الجزائري واسيني الأعرج في رواية تبحث عن هذا النوع من الجنون : " Ne gache jamais la partie folle en toi ، elle est la plus juste et la plus humainne" لا تفسد الشق الأهبل منك ، إنه الأكثر عدلا وإنسانية."(9) بالنسبة لموضوع قراءتنا ، نلاحظ أن الشاعر " ابتعد" في أشواقه حتى تساوى الحب بالمرض و عادل الحنين الجنون ، واختلط المجنون بالحيوان ثم كان الموت " ...ثم سنحت له ظبية فوثب يعدو خلفها حتى غاب عني وانصرفت ، وعدت من غد فطلبته فلم أجده ، وجاءت امرأة كانت تصنع له طعامه إلى الطعام فوجدته بحاله ، فلما كان في اليوم الثالث غدوت وجاء أهله معي فطلبناه يومنا فلم نجده ، وغدونا في اليوم الرابع نستقري أثره حتى وجدناه في واد كثير الحجارة خشن ، وهو ميت بين تلك الحجارة ، فاحتمله أهله فغسلوه وكفنوه ودفنوه" (10) . إن العدو خلف الظبية ، آخر أفعال المجنون حسب هذا النص السردي ، هو التعبير الرمزي عن الهروب من العالم الإنساني ممثّلا براوي هذه الحكاية والاحتماء بالحيوان كبديل مهم ، أليست شريعة الإنسان هي التي حرّمت عليه ليلى ، والطبيعة الحيوانية هي التي قرّبته منها حقيقة وتخيلا ؟ ثم إن الظبية هي رمز العودة إلى تلقائية الطبيعة الإنسانية بالنسبة لشاعر يجسد مرجعية القول بأن الإنسان حيوان عاشق.، هذا من جهة ومن جهة أخرى يمكن القول أن الظبية التي راح المجنون يعدو خلفها هي الخلاص الأخير ، إنها تتجه نحو المجهول ، والمجهول هو نهاية المكان الإنساني وبداية مكان آخر هو – في اللاّشعور - مكان الله حيث تقيم ليلى ربما وحيث اللقاء بها لا يتم إلا من خلال عتبة الموت . العدو خلف الظبية في الصحراء المجهولة هربا من الإنسان المعلوم صاحب الجغرافيا المعلومة هو طلب للموت والاستقرار الأبدي . وهنا نتساءل : ما العلاقة بين الحب والموت والشعر ؟
تعتمل في تجربة الحب عوامل كثيرة أهما عامل الشوق "ففي الشوق قوة افتقارية تجعله مبدأ للإبداع ، مبدأ للكتابة . الافتقار إلى وصل الحبيب وإلى " الألفة" هو الذي يدعو إلى تأليف الكلمات " (11) ، فلأن الحب في المجتمعات العربية خروج عن القانون الديني والاجتماعي فهو يجد متنفسه في الكلام الشعري الخارج بدوره عن العرف الاجتماعي في التواصل ، نظرا لانبنائه على مختلف أنواع الانزياحات الأسلوبية التي تضعه في موضع التقابل مع اللغة المتداولة . الأنا التي تحب وتعشق تدرك أنها ترتاد المغامرة فتستغل الكلمات في تأليف مغامر أيضا يتوخى إثارة المتعة والاستعاضة عن عنفوان الخارج ( المهدد بالخطر) بوطن لغوي يحتمل ما لا يحتمله ذلك الخارج و" القصيدة من هذه الوجهة هي التعبير عن فعل كوجيطو شعر الأنا- أشعر ، بحثا عن الوجود بما هو استيطان وإقامة دائمة . وهي فعل قصدي يحمل وعيا بشعرنة الوجود وإحداث منطقة جمالية ، يفصح من خلالها الكائن عن الإحساس بكائنات العالم " ( 12) وتترجم الأنا الشاعرة رغبتها في التلاحم، هي " المنفصلة التي تحن إلى الاتصال" (13) ، وإن أفصحت عن الخيبة و اللاّمتحقق كما سنرى . .الموت هو الانفصال عن الآخر كما أشرت سابقا، الانفصال عن اللذة والمتعة التي كأنما ارتبط حصولها بالحياة فقط، ولهذا قال الشاعر العربي قديما :
ألا أيها ذا اللائمي اشهد الوغى وأن احضر اللذات هل أنت مخلدي
فإن كنت لا تستطيع دفع منيتي فدعني أبادرها بما ملكت يدي
أرى الموت أعداد النفوس ولا أرى بعيدا غدا ما أقرب اليوم من غد
فلولا ثلاث هن من لذة الفتى وجدك لم أحفل متى قام عودي(14) الحياة بالنسبة لطرفة ثلاث لذات ( إكرام الضيف ، لذة الوصال مع المرأة ، لذة الخمر) والموت عدو لأنه حائط اصطدام هذه الملذات وتفتتها بتفتت الجسد الذي يؤدّيها ، ولهذا هو موضوع خصومة ومقاومة مستمرة ، تشكل الرغبة في " التلذذ" بالمرأة أحد أعظم أسلحة مقاومته . الحب عدو الموت ، لكن الموت يصير في تجارب أخرى درجة من درجات الحب أو قل إنه أعلى رتبة من مراتبه ، حيث لا يكتسب الحب مصداقيته إلاّ إذا توّج بالموت . لكي تثبت أنك عاشق عليك أن "تموت" . العشق الحقيقي هو الموت ، والشعر في الحقيقة شكل من أشكال الموت أيضا بما أنه انفصال يتبنين من داخل الرغبة في الاتصال ، وهو ما عبرت عنه الناقدة رجاء بن سلامة بقولها : " يمكن أن نعتبر الكتابة ذاتها نوعا من الموت. فهي خروج من هذا العالم وتضاعف للذات يسمحان لها بأن تستحضر موتها ، وبأن تحل في مواقع أخرى . إن ما يقوله الشاعر في شعره ينتمي إلى حد ما وبطريقة ما إلى عالم غير عالمنا . فكأن ناعي نفسه شعرا ينتقل بواسطة شعره إلى ميت يردد خبر موته في فضاء القصيدة ، بترديده للشكوى السّدمية ، بحيث أنه يموت " عن" الدنيا ، لكي يعود إلى الحياة بعد انتهاء القصيدة " (15)، والشاعر العاشق ينعي نفسه مسبقا لعلمه أن الآخر تمكن من دمه وتغلغل في أعماقه داءا عضالا ، وبما أن نهاية الداء العضال هي الموت المحقق آجلا أم عاجلا ، فهو يستمر في تأدية تجربة الاتصال / الانفصال في انتظار الموت حبا. أيّ سحر هذا ؟!.

2- ليلى والمجنون : من الذي أسطر الآخر ؟

تتشكل أسطورة المجنون ومن ورائها أسطورة ليلى عبر محوري المكان والزمان لتنشأ فلسفة للانتظار ، فلسفة للحب والموت ، فلسفة لتبذير الذات في سبيل الآخر . وفي كل هذا يلاحظ القارئ أن ليلى هي كل متخيل المجنون وكل محسوسه . ليلى هي كل الأمكنة ، كل الأزمنة ، كل الحياة ، كل الموت، كل اللغة وكل الشعر . فالمتتبع لشعر المجنون والمرويات التاريخية بشأنه مع ليلى والتي تبدو طريفة حدّ المأساة * يشعر أنه في جو أسطوري لا علاقة له بالحقيقة أو أنه بشأن رواية مجازية ساحرة تستقصي الخيالي الجميل والمستحيل المدهش فقط. ويتساءل القارئ في ظل هذا الفضاء من الذي أسطر الآخر : ليلى بسحرها جعلت من رجل بدوي عابر في الحياة شاعرا كبيرا أم المجنون بحسه الشعري الرقيق وبخياله العربي التضخيمي جعل ليلى الفتاة الشبيهة بكل الفتيات العربيات أسطورة ، امرأة ولا كل النساء؟ أورد الزبيدي في تاج العروس عن الأسطورة ما معناه : " يقال : هو يسطر ما لا أصل له ، أي يؤلف ، يقال سطر فلان على فلان إذا زخرف له الأقاويل ونمقها " (16) لعل الرغبة في " التنميق" والاستعاضة عن لذة الفعل بلذة القول كان وراء خلق فضاء للخرافة والبطولة في آن واحد . خرافة المحكي عنه وبطولة الحاكي ، لكن الأكيد أن الوضع الاجتماعي العربي الذي يقف ضد تزويج البنت لمن شبب بها كان العامل الأهم على الإطلاق في خلق أسطورة الشاعر العاشق والمرأة المعشوقة إلى حد الموت ، ما إن تجدّر حب ليلى في الفؤاد حتى استيقظت عوامل المنع وغذت ليلى محرمة على المجنون ، غذت نارا في القلب ورمادا في جغرافيا الشاعر أو ماء منفلتا بين أصابعه :
فأصبحت من ليلى الغداة كقابض على الماء خانته فروج الأصابع (17) هذا الانفلات هو الذي أسس لبلاغة ليلى حيث صار امتلاكها الوحيد يتم عبر النص ، بالقول الشعري فقط يلتحم المجنون بليلاه ، وبالقول الشعري فقط يؤجل المتكلم موته شوقا و اختناقا ، والتأجيل لا يعني الشفاء التام " سيظل السم الذي في الترياق مصاحبا للترياق بحيث أن المتداوي لن يشفى بل إنه سيؤجل موته ويديم علته ، سيعيش في حلقة مفرغة : الداء ينقله إلى الدواء ، والدواء ينقله إلى الداء ، وفي هذه الدائرة مكان للشعر " (18)، من ذلك المكان يعلن المجنون :
فما أشرف الأيفاع إلا صبابة ولا أنشد الأشعار إلاّ تداويا
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
لحى الله أقواما يقولون إننا وجدنا طوال الدهر للحب شافيا (19)
ليس الشعر والحال هذه ترفا كلاميا لكنه وسيلة حياة، الأمر الذي يدخله أيضا في باب الأسطورة ، والمجنون يعي ذلك جيدا فربما هذه الوسيلة هي التي جنبته الجنون رغم كنيته بذلك :
يقولون مجنون يهيم بذكرها و والله ما بي من جنون ولا سحر
إذا ما قرضت الشعر في غير ذكرها أبى– وأبيكم- أن يطاوعني شعري (20) ينفي المجنون عن نفسه أن يكون مجنونا ، أو مسحورا ليؤكد أنه فقط عاشق وأنه عاطل عن بقية الحياة، الحياة التي لا توجد فيها ليلى كيانا أو قولا شعريا. يلتقي في هذا النفي مع النبي (ص) " ويقولون أئنا لتاركوا ءالهتنا لشاعر مجنون بل جاء بالحق وصدق المرسلين "(21) . رسالة النبي ( ص) تنوير الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور ، رسالة المجنون الوحيدة الممكنة هي الحديث عن ليلى، فما قبلها ظلام وما بعدها ظلام إن لم يتحقق امتلاكه لها ، الحياة هي الكلمة والكلمة هي ليلى وليلى فقط . هكذا يغدو الشعر " تأسيسا لسكن الكينونة في العالم ، فتضحى اللغة الموطن الانطولوجي الذي يحمي الكائن ويضمن استقرار مشروعه التأسيسي ، وتعتبر بذلك الدليل الملامس لصيرورة الوجود" (22). المجنون أيضا اختار السكنى في ليلى ، إن لم يلبسها كجسد فهو يلبسها كلغة و إن لم يسكنها خيمته كزوجة له فهو يصنع لها من اللغة خيمة استعارية ، رافضا المدلول الجماعي لكنية الجنون التي تلصقها به القبيلة والتي يراد بها الانتقاص من إنسانيته ، معتدا بجنونه الخاص الذي يدخل تجربته في حيز الأسطوري الخارق والمدهش في الوقت نفسه ، يقول في موضع آخر :
يميل بي الهوى في أرض ليلى فأشكوها غرامي والتهابي
وأمطر في التراب سحاب جفني وقلبي في هموم و اكتئاب
وأشكو للديار عظيم وجدي ودمعي في انهمال وانسياب
أكلم صورة في الترب منها كأن الترب مستمع خطابي
كأني عندها أشكو إليها مصابي والحديث إلى التراب
.................................................................
.................................................................
على أني بها المجنون حقا وقلبي منها في عذاب (23)
يلغي الشاعر الحاجز بين ليلى ومكانها ، يسائل أشياءها كما لو كانت هي نفسها،ذلك أن صورة ليلى الحاضرة في النفس حية متوهجة هي التي تلغي الفراغ الماثل في المكان غير أن ذلك الإلغاء لحظي فقط والشاعر يعي ذلك لذا يعترف أن حبه لليلى أدخله ضربا من الجنون لكنه الجنون الواعي بذاته. مثل ذلك الوعي هو الذي يحول النصيحة بالسلوى إلى مسخرة بالنسبة للشاعر ، وتتعدد أوجه السخرية في أثر المجنون ، فهو يتوجه بها حينا إلى الآخر ( الأهل والمجتمع) ، وحينا إلى نفسه التي " تجرّأت" على أن توسوس له بهجران ليلى. يقول في الرد عن " الآخر" :
وقالوا لو تشاء سلوت عنها فقلت لهم فإني لا أشاء
وكيف وحبها علق بقلبي كما علقت بأرشية دلاء
لها حب تنشأ في فؤادي فليس له –وإن زجر- انتهاء(24)
وكم قائل لي أسل عنها بغيرها وذلك من قول الوشاة عجيب
فقلت وعيني تستهل دموعها وقلبي بأكناف الحبيب يذوب
لو كان لي قلب يذوب بذكرها وقلب بأخرى إنها لقلوب (25)

يقولون لو عزيت قلبك لارعوى فقلت وهل للعاشقين قلوب ( 26)
تسهم السخرية التي يمارسها الشاعر في رده على الناصح البائس ، في أسطرة شخصية ليلى ، فالشاعر يتمنى ساخرا لو كان له قلبان ليعلق بحب امرأة أخرى ، لكنه يمتلك واحدا فقط شبيها بغرفة حكم القضاء بانغلاقها الأبدي على ليلى ، ومن يستطيع رد القضاء. والحقيقة أن سخرية المجنون من وجهات نظر الآخرين نابعة من متخيّله الخاص الذي " تمركز" عنده، وجعله ذلك التمركز يلغي الآخر وقدرته على الإحساس والتدبر " لقد استمد مفهوم التمركز ، مكوناته من الدلالة المباشرة لEgocentricity التي تفرض غلبة وجهة نظر الذات وصوابها ، وهي متصلة بعالم الطفولة ، إذ تتجلى الأنانية المفرطة التي توافق مرحلة من نمو الطفل ، تجعله يركز العالم في أناه ، لأن وجدانه لا ينفتح على الآخرين إلا بقدر ما يكون هؤلاء مجموعة من العناصر في أفقه الذاتي ، فيصعب عليه أن يفهم الأشياء من غير منظاره الخاص ، ولا يعطي أي اعتبار للآخرين واهتماماتهم ، الأمر الذي يؤدي إلى أن يختلط لديه الموضوع بالذات " ( 27) كما يقول محمد عزيز الحبابي ، وهو قول لا ينطبق على قضايا الحضارة والتمركز فقط بل يخص كل شكل من أشكال القناعة المطلقة بتفوق الذات وتأخر الآخر بغض النظر عن هوية هذا الآخر، وهذا الاعتقاد المطلق "بوثوقية " النفس يبرر تكرار نصح الآخر على مستوى نص المجنون بالتخلي عن ليلى ، بينما يكاد ينعدم ذلك الأمر كفعل صادر عن النفس أو ذات الشاعر وحتى عندما نجد صدى الفكرة نجده كهاجس فقط ترده النفس في وجه العقل الذي يحاول عبثا التشبه بالآخر ، الخارجي ، البعيد ، المرفوض :
وحدّثت نفسي بالفراق أروضها فقالت رويدا لا أغرّك من صبري
فقلت لها :فالهجر والبين واحد فقالت : أ أمنى بالفراق وبالهجر(28)
لا لن يفيد عقل " المجنون " في إقناع قلبه " العاقل" ، نار البعاد أرحم من سعير الفراق الأبدي، وهذه المحادثة / المراودة لن يهضمها القلب العربي البدوي .
4- ليلى وعاء المكان :
يعيش المجنون ليلاه رحلة جغرافية متباينة المعالم تأخذ من الجاهلي تشبّته بالطلل كعتبة لاستعادة الذكرى وللبوح بالحب المفقود، وتأخذ من المسلم تشبّته ببيت الله كزيارة لابد منها للخلاص من الدنيا وذنوبها وأخذ تأشيرة الدخول إلى مكان الأمان المطلق ، على اعتبار أن الحج طهارة من كل الأدران . ما بين الدار / الطلل مدار الحياة الجاهلية وصنمها، ومكة / الحج مدار الحياة الإسلامية ومعبدها تؤسطر ليلى ، هي النار والجنة ، هي حرقة الحب التي لطالما اصطلى بسعيرها الإنسان وهو يمر بالديار ، وهي سكينة الرحمن التي لطالما ملأت الزائر لبقاعه المقدسة وحررته من عنف الخوف. الدار قاسية على المجنون ، موحشة تجسد الاغتراب ، والمكان في النهاية يفضي إلى الفناء ، لهذا لا نجد " تمجيدا" للديار في أغلب نصوص الديوان :
أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدار
وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديار (29)
الإنسان العربي إنسان عاشق ، مجنون حبا وتخيلا ، سواء تعلق الجنون بامرأة أم بالحب الإلهي – كما في شعر التصوف الذي هو شكل من أشكال التسامي والتعويض عن حب دنيوي فان بابتداع عشق أبدي - ، ولهذا فالعربي من الناحية الواقعية مستغرق في المكان الذي يربطه بموضوع عشقه : ديار الحبيبة أو محراب التعبد . " لابد " من المرور بالدار ليس لأن تقاليد القصيدة العربية تقول بوجوب الوقوف عند الطلل كخصوصية حضارية ، وليس لأن السامع في حاجة إلى لفت انتباه عبر الغزل باعتباره لائطا بالقلوب على حد تعبير ابن قتيبة ، ولكن لأن الديار هي المعبر ، هي الأمل في الرؤيا وفي إمكانية الاجتماع ، الدار تصير بمثابة رداء يغطي المحبوب ، فإن لم يظفر العاشق بمعشوقه فيكفيه أنه لامس رداءه ، الدار ليست مرغوبة لذاتها بل لما تحويه ، فهي وسيلة عزل ووسيلة احتواء في الوقت نفسه ، إنها ليست ال"عندي" بل " عند الآخر" بتعبير أبراهام مول Abraham.A.Moles (30) لذا يبدو الشاعر كأنه مجبر على حبها ، إنها تأخذ منه حبيبته التي لا يستطيع أن يمتلكها " عنده" في داره هو ولهذا فهي عدوانية تثير النقمة و الحسد تماما مثل الإزار الذي ضم ليلى :
أرى الإزار على ليلى فأحسده إن الإزار على ما ضم محسود(31)
الدار في الوقت نفسه عنوان مضبوط، معلم دال يجسد التواجد ويشكل حلم التلاقي ، ومن هذه الزاوية هي محبوبة ، جديرة بالمرور ، بالتقبيل ، بالمخاطبة :
خليلي مرّا بي على الأبلق الفرد وعهدي بليلى حبذا ذاك من عهد(32)
نلاحظ هنا استحضار جو امرئ القيس ( خليلي مرّا بي على أم جندب / لنقضي لبانات الفؤاد المعذب) (33) هذا الاستحضار يعكس التوحيد بين المكان والإنسان " فالمكان لا يوجد فينا إلا بما يملؤه" (34) ، وإذا كان امرؤ القيس يسمي حبيبته مختصرا المسافة في متخيل السامع ، فالمجنون في هذا المقام يحيل إلى اسم المكان أولا ، فالأبلق الفرد حصن مشهور للشاعر الجاهلي السموأل ، وكأنما النص يريد التأكيد على تاريخية "تعبّد" المكان ( الطلل) من جهة ، وهشاشة الإنسان العربي أمام الفضاء الذي حوى الأحبة من جهة ثانية، ثم تأتي ليلى كتكرار غرضه التوكيد و كمفتاح للتوسع في الكلام . ليلى تحضر دائما مرافقة لحضور الوجد والعذاب ، والمكان أيضا يحضر عدوانيا وأليما مادام لا يحقق التلاقي، الجغرافيا سلطة من سلطات المنع والتحريم مادامت تحول دون الاجتماع بليلى :
وإن قربت دارا بكيت وإن نأت كلفت فلا للقرب أسلو ولا البعد( 35)
في كلتا الحالتين ليلى بعيدة ، سواء أ قرب بيتها أم بعد ، ولهذا يأتي " الطلل" في شعر المجنون غالبا مستعجما يختزن دلالات الفناء والموت كما أشرت. نقرأ في موضع آخر من الديوان :
يا دار ليلى بسقط الحي قد درست إلا الثمام وإلا موقد النار( 36)
يهاجر بيت عنترة العبسي ( يا دار عبلة بالجواء تكلمي / وعمي صباحا دار عبلة واسلمي )(37) ليحل ببيت المجنون ، وعلى اشتراكهما في نداء ما استعجم تحتفظ طللية عنترة ببعض سبل التواصل لأن الرسم في النهاية تكلم ولو "كالأصم الأعجم " بينما يفارق بيت المجنون مرجعه ، فقد التي سبقت الفعل الماضي وأفادت التحقيق تؤكد أن الدار درست ولا ينفسح المجال أمام أي تخيل حميم يخص المكان أو الإنسان ، بل أكثر من هذا يرتبط الطلل بفكرة الموت . ليلى التي يفترض أن تنجب الحياة تميت الراوي موتا بطيئا ، المكان الذي تواجدت به يهيئ الراوي فقط للموت ، والموت يبدو قريبا ، فقد نخر الحب اللحم ووصل العظام وتموقع على بعد خطوة من الروح . المجنون هالك لكن هاجس الخلود يسكنه لذا يحل الشعر محل الدواء فيؤجل نهايته، هو الذي يروي الأشعار تداويا غير أن الحياة أعنف من الحلم وأقسى بكثير ، فها هو المكان يتواطأ في موضع آخر مع الزمان ليزيدا في فجيعة الراوي :
وأجهشت للتوباد حين رأيته وهلل للرحمن حين رآني
وأذريت دمع العين لمّا رأيته ونادى بأعلى صوته ودعاني
فقلت له أين الذين عهدتهم حواليك في خصب وطيب زمان
فقال مضوا واستودعوني بلادهم ومن ذا الذي يبقى مع الحدثان ( 38)
التوباد اسم جبل ، والعاشق مولع بسؤال الحي والجماد عن معشوقه . يقف الجبل كشاهد على زمن طيب لكن وظيفته لا تتجاوز ذلك وسيتحول إلى دليل ألم وحرمان ، لأن حركة الخيال بالنسبة للشاعر لا تتجه صوب الماضي الذي كان "طيبا" بل تتجه صوب الحاضر " فقلت" والزمن الحاضر ينطوي على الغياب والفقد ، مما يستدعي البكاء كمقاومة لحالة الامّحاء التام :
وإني لأبكي اليوم من حذري غدا فراقك والحيان مؤتلفان (39)
في مقابل غياب ليلى المأساوي عبر حضور الطلل في نص المجنون ، نقرأ صورا بهية للعشق، عبر عملية الدمج بين مكان الحجيج وموضوع العشق . يحافظ مفهوم الحج على مرجعيته الدينية في نص المجنون ، لكن ليلى ، ومن بعد ما أسطرها المجنون ، تقدس أيضا. أن يحج المسلم معناه أن يخلص نفسه من كل الخطايا ويصير أبيض من الداخل كما هو حاله من الخارج ، فالحج معبر للقداسة وفضاء للانتقال من وسخ الدنيا إلى طهارة الجنة . بالنسبة للمجنون الحج إقرار بهذا لكنه يضيف على خلاف بقية المسلمين مدلولا آخر للحج. الحج هو ما سبق لكنه لكي يتم ينبغي الوقوف عند ركن آخر من ابتداع الشاعر ، ركن ليلى :
إذا الحجاج لم يقفوا بليلى فلست أرى لحجهم تماما
تمام الحج أن تقف المطايا على ليلى وتقريها السلاما (40)
ليلى فوق الأنوثة ، فوق الدنيا ، ركن للعبور من الدنيوي الفاني إلى الأخروي الأزلي ، لذلك هي مقدسة قداسة الكعبة ، وقداسة عرفة ،وقداسة منى ..إن الحرمان من ليلى قدسها في منظور الشاعر ، فهي موضوع عشق، وموضوع رجاء، وموضوع خلاص في النهاية . أوليس العشق الإلهي هو هذه الرغبات المختلفة في نفس المسلم ، عشق الله والرسول من خلال عشق الأمكنة المقدسة ، والعيش بأمنية زيارتها كفرض يكتمل به إسلام المرء ، ثم الخلاص والطهارة الكبرى عبر الوقوف الفعلي بالبقاع المقدسة ؟ نجد هنا التسوية بين ليلى/ حياة الشاعر ومماته وبين قداسة المكان الديني ، وسوف يتجاوز المجنون في موضع آخر من رحلته الشعرية التسوية إلى التعلية ، فتصير ليلى بديلا عن مكان الله ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‌‌‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍:
وإني إذا صليت وجهت نحوها بوجهي وإن كان المصلى ورائيا (41)
كل الأمكنة مسكونة بليلى ، حتى أمكنة النسيان والتوحد التي هي فضاء للشفاء من كل حسرة ومن كل خسارة دنيوية تغدو ملكا لليلى ، ومع تصريح الشاعر بأنه نزيه" ما به إشراك " (42) إلا أن نصه يكرس تعالي ليلى حد الألوهية .
5- ليلى ضيّقت بلاد الله:

يتحدث نزار قباني في قصيدة بلقيس عن المرأة التي ضيّقت المكان فيقول :
بلقيس
أيتها الصديقة .. والرفيقة
والرقيقة مثل زهرة أقحوان ..
ضاقت بنا بيروت.. ضاق البحر ..
ضاق بنا المكان
بلقيس: ما أنت التي تتكررين ..
فما لبقيس اثنتان.. (43)
ولعل هذه الصورة مستوحاة من الفضاء القرآني "لقد نصركم الله في مواطن كثيرة و يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين " (44) ، لكن الملاحظ هنا أن نزار قباني ضائق بالمكان بعد فقدان بلقيس ، وكأنما هذه الأخيرة تعادل الفضاء ، ورحيلها يعني انعدام الفضاء وانتهاء بلاد الله - على اتساعها - . يرحل نص المجنون أيضا صوب الخطاب القرآني مستسلما لتعالي هذا الأخير ، ليقول أيضا بنهاية الأرض ، ليس لأن ليلى ماتت وحملت معها الجغرافيا ، ولكن لأن ليلى حية تقلص المسافة وتسجن الراوي في وجود محدود لا يتجاوز مساحة تواجدها :
ضاقت علي بلاد الله ما رحبت يا للرجال فهل في الأرض مضطرب (45)
كل البلاد الرحبة هي ليلى ، وبما أن ليلى محرّمة فالراوي محروم من الاضطراب في المكان ،"والاضطراب : الحركة "(46) .تتخذ شخصية ليلى بعدا استعماريا ، فهي على امتلاكها لكل الأرض لا تمنح الشاعر سوى فضاء للانغلاق عليها والاختناق بها، ولعل في هذا " كرطوازية" ما " تضع الرجل في موضع سجود للمرأة و تنزع عن هذه الأخيرة وجهها الإنساني " " (47) ليلى سرقت أرض الله وغربت قيس في أرضه باغترابها عنه :
فلا تحسبن الغريب الذي نأى ولكن من تنأين عنه غريب(48)
أغرب الغرباء من صار غريب الدار في وطنه . هكذا قال أبو حيان التوحيدي قديما ، ولطالما عانى الشعراء والمفكرون من غربة اللاّفهم واللاّتواصل ، لكن المجنون مغترب مختنق ليس لأن ليلى غريبة نائية عنه كما يصرح النص ، بل لأن ليلى معه في كل مكان ، قاهرة متسلطة تحرمه التواجد الطبيعي والحب الطبيعي والتلاقي في زواج طبيعي أيضا ، فحاله لم تحصل أبدا وهي شاقة على الاحتمال:
فلو أن ما بي بالحصى فلق الحصى وبالريح لم يسمع لهن هبوب(49)
هناك رغبة في التشبه بالحجر للتخلص من الآدمية ، لأن الآدمية تقتضي رهافة الحس والانخراط بالتالي في قصة عشق عواقبها دائما وخيمة بدءا بآدم الأول ومرورا بجميع الأوادم " العاشقة" من بعده . أكثر من شاعر تمنى " لو أن الفتى حجر" ، لكن الرغبة في التشبه بالجامد لا تنهي إشكالية المجنون مع ليلى . لو حلت معاناته بالحجر لانكسر الحجر ولانتصرت ليلى معشوقة مستبدة ، بإرادتها أو بإرادة سلطة المنع . نلاحظ هنا تعادلا بين سحر حب ليلى وخارقيته وبين سحر القرآن الكريم وخارقيته أيضا " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون" (50) ولسنا ندري مدى دراية المجنون بهذا التلاقي الدلالي وهو ينطق بهذا البيت ، وعلى كل حال حتى لو كانت هذه الدلالة متقصدة فالشاعر لا يتحرج من ذلك هو الذي سمح لنفسه بمشاطرة الإله في سن ركن جديد من أركان الحج ، ركن ليلى.
هناك رغبة في التشبه بالريح أيضا ، فالريح عابرة لا تعرف التمسك بالمكان ولا بالزمان ولا بالأشياء ولا بالأشخاص. آه لو كان المجنون ريحا ! إنه في العمق يتمنى لو كان كذلك فالريح تعني التغير ، التقلب ، العصف بكل ما يلاقيها ،غير أن حب ليلى إعصار وقديما قالت العرب " إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا" . لو حلّ حب ليلى بالريح لشلها ، أيّ بلاد أضيق من هذه التي تحكمها ليلى وتتبدى سلطتها في الشجر والحجر ، في الريح والمطر ، بل حتى في احتيال الشاعر لمواجهة سؤال الآخر :
واخجلتي من وقوفي وسط داركم وقول واشيكم من أنت يا رجل
فقلت حيران قد ضل الطريق به فأرشدوني فلي في حيكم شغل
فقال مر راجعا فليس الطريق كذا كيف احتيالي وقد ضاقت بي الحيل(51)
كل طرق الفقد يعرفها الشاعر ويضيق درعا بها ، فقط طريق امتلاك ليلى مرّ وصعب وخانق مادامت وسائط العاشق نفذت ، وحيله ضاقت به . كل الطرق تؤدي إلى ليلى وكل الطرق لا تؤدي إليها . هذه هي مفارقة العيش حبا والموت حبا . على هذا النحو يستمر الشاعر في " ضلاله" الأزلي رغم وعيه بذاته كما يجب أن تكون :
أظن هواها تاركي بمضلة من الأرض لا مال لدي ولا أهل
ولا أحد أفضي إليه وصيتي ولا صاحب إلا المطية والرحل
محا حبها حب الألى كن قبلها وحلت مكانا لم يكن حل من قبل (52)
يدرك الشاعر – رغم جنونه- أن الحياة تقتضي منه أهلا ومالا وولدا ، لكن هناك فرق بين الإدراك والقناعة ، هو الفرق بين ما يقوله النص صراحة وما يخفيه ليس بنية الإخفاء بل بجبر الانقياد إلى ليلى . في جملة محا حبها حب الألى كن ّ قبلها ، نجد الفعل "محا"- نحويا- ماضيا لكن دلالته لا تتوقف عند ما مضى حقا بل تحمل جموح الاستمرارية ، استمرارية المحو إلى الأبد . لقد تسلقت ليلى قامة القلب والروح ولم يعد في الإمكان هبوطها أو هبوط المجنون عن آخر درجات السلم . المعشوق والعاشق كلاهما في الأعلى ، ليلى موضوع العشق باعتبارها الأغلى أبدا ، والمجنون صاحب العشق باعتباره الأوفى أبدا ، الأوفى الذي رضي بعشق يسرق منه الحياة والولد والبلد ، ويترك ما تبقى منه عائما في اللاّمكان :
تعشقت ليلى وابتليت بحبها وأصبحت منها في القفار أهيم
وأصبحت فيها عاشقا ومولها مضى الصبر والغرام مقيم
............................................................................
............................................................................
وتنهشني من حب ليلى نواهش لهن حريق في الفؤاد عظيم (53)
ليلى بلوى ممتدة في الزمن ، ونار ممتدة في الفؤاد ، ووحش ممتد في المكان والمجنون محاصر بكل هذا ، وعندما تضيق الأرض حدّ الموت اختناقا تتسع السماء حدّ الأمل ، فيتحول الخطاب عن ليلى وبلادها إلى استجداء لله ، فما من خلاص أرضي في النهاية ، الخلاص هو رحمة الله ، إنصافا دنيويا أو موتا :
إلى الله أشكو حب ليلى كما شكا إلى الله فقد الوالدين يتيم (54)
الشكوى إلى الله لا تترجم علاقة عبودية مخلصة في حالة المجنون هذه ، لأنه لو كان الأمر كذلك لما وصل المجنون هذا الحد من التيه والضياع ، فالدين يمنح العبد حالة من الاتزان والوسطية والتعويض الدائم ، لكن الشكوى هنا هي ترجمة لحالة العبد الهائم الذي لم يعد يتحسس اتساع الأرض فراح يبحث عبثا عن ذلك الاتساع في السماء وهذه الصورة الشعرية التي تلخص الاختناق ضيقا بالأرض وبالمحبوب استعادها نزار قباني فيما بعد :
أشكوك للسماء
أشكوك للسماء
كيف استطعت ؟ كيف ؟ أن تختصري
جميع ما في الأرض من نساء؟؟ ( 55)
الشكوى بالنسبة للمجنون هي وجه آخر من أوجه البحث عن ليلى ، وسوف يجد الشاعر في فكرة الموت ملاذا آخر يحتمي به من ضيق الأرض.
6- ليلى الموت اللذيذ:
يتسع موضوع الموت، الموت حبا عند المجنون، فبعدما استحال اللقاء الحياتي مع ليلى حلّت محلّ ذلك الهاجس فكرة الموت . وتتخذ هذه الفكرة أشكالا متعددة ، الموت هدرا ، الموت لوعة ، ثم الموت حقيقة كما تروي كتب التاريخ الأدبي. يعبر المجنون في الغالب عن رضاه بموته في سبيل ليلى ، فنلاحظ التلذذ بذلك الموت وكأنما الموت على مذبح ليلى يحقق الحياة معها " و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" (56) . المجنون أيضا مجاهد قضيته ليلى ، أعداؤه الأهل والمجتمع ، ودربه التفاني في جهاده للظفر بالمعشوق أو لظفر القدر بحياة العاشق. لا فرق ، الفعلان يتعادلان من حيث القيمة ، ويفضيان إلى مآل واحد ، " الانتهاء" من ليلى بليلى مادام الموت أقرب إلى العاشق من موضوع عشقه :
متى يشفى منك الفؤاد المعذب وسهم المنايا من وصالك أقرب (57)
إن الأسلوب الاستفهامي لا يؤدي دوره المعهود في هذا البيت الشعري ، بل يحمّل الجملة دلالة الإخبار والتقرير، ويمكن استبدال الشطر الأول نثريا بالقول : الشفاء من حبك محال. إن علاقة المجنون بليلى علاقة مرضية تتجاوز المتعة بالآخر إلى التألم من جرّائه ، وتدريجيا تحول الألم إلى داء عضال يتهدد العاشق بالموت وتتضخم الفكرة في نفسه فيتخيل الموت ميتات وتأتي المنايا جمعا بدل " المنية" ، مع أن المنايا والمنية تتعادلان عروضيا، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على يقين الشاعر بكونه لا محالة هالك بسهام ليلى . لقد تآلف المجنون مع فكرة الموت حبا ، فصار يستعير لها شعريا الألفاظ العائلية الحميمة :
لقد عشت من ليلى زمانا أحبها أخا الموت إذ بعض المحبين يكذب (58)
يتلازم الحب والموت في تجربة المجنون تلازما جميلا. أن تحب ليلى معناه أن تقبل بموتك في كل لحظة ، والقبول لا يتم على مضض ، بل بحب أيضا،يقول صادق جلال العظم : " العشاق العذريين لا يطلبون الفكاك من ألم العشق على الإطلاق ، وإنما يعشقون الألم لذاته كجزء جوهري من تجربتهم ، وتتضح هذه الحقيقة في الأدب الغربي الرومانسي ، وليس في التراث العربي فحسب " (59) التلذذ بالألم يؤدي بعدها إلى التلذذ بالموت فيصير الموت رفيقا وصديقا ، بل أخا. الموت حبا في النهاية هو موت لذيذ يتسنى فقط لشهداء استثنائيين ، وتلك الاستثنائية هي التي جعلت الذوق العام يضعهم في خانة المجانين ، فالعاقل لا يبذّر نفسه في سبيل الآخر البعيد أبدا. يردف المجنون في القصيدة نفسها :
يقولون ليلى عذبتك بحبها ألا حبذا ذاك الحبيب المعذب(60)
من الطبيعي ألاّ يستعصي على من رضي بالموت حبا التواجد في الحياة عذابا ، يبدو المجنون مريضا نفسيا ، مازوشيا يتلذذ بتعذيب نفسه و تعمل هذه المازوشية في مستوى ما على تبرئة ليلى من ذنب القتل ، فيدعو لها الشاعر بالعفو والمغفرة :
عفا الله عن ليلى وإن سفكت دمي فإني وإن لم تحزني غير عاتب
عليها ولا مبد لليلى شكاية وقد يشكي المشكى إلى كل صاحب
يقولون تب عن ذكر ليلى وحبها وما خلدي عن حب ليلى بتائب (61)
أقصى درجات الموت حبا أن تتخلص من فكرة النفعية بالمعشوق ، وعندما يتخلص الفرد من تلك الفكرة يبرئ المعشوق من جفاه وظلمه ، يبرئه من الخيانة ، يبرئه من ذنب التسبب في موته ، يبرئه من كل شيء يشينه ، يخلق له فضاء هاجيوغرافيا ويعمل على مزيد من استهلاك نفسه في سبيل المحافظة على قداسة الآخر ،لكن التعبير عن استهلاك الذات العاشقة في سبيل الذات المعشوقة هو وجه من أوجه الاهتمام بالذات العاشقة نفسها فهي متعلقة بالأعلى لعلوها ، وهي متعلقة بالصعب المستعصي لاستعصاء ذوقها ، وهي متفانية في مشروع الموت لأنه موت بطولي.
6- المجنون قتيل ليلى أم قتيل الله :

أباح الله الحب والعشق في إطار مخصوص هو إطار العفة التي تتحقق عبر الزواج ، فالزواج يسمح بالحب " الصحيح " ويجنب المرء الحب والعشق الخاطئين ، وما عدا ذلك من العلاقات فهو ضرب من " الهوى" يحث القرآن على نهي النفس عنه " فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى" (62) إن العشق غير المقنن بالفاتحة رمز العقد الشرعي هو واحد من أشكال الهوى التي ينبغي على المسلم تجنبها و" نهي" النفس عنها ، ولهذا يقول ابن حزم متحدثا عن عفة المرء المسلم : " ...وأمّا استحسان الحسن ، وتمكن الحب ، فطبع لا يؤمر به ولا ينهى عنه ، إذ القلوب بيد مقلّبها ، ولا يلزمها غير المعرفة والنظر في فرق ما بين الخطأ والصواب ، وأن تعتقد الصحيح باليقين . وأمّا المحبة فخلقة ، وإنما يملك الإنسان حركات جوارحه المكتسبة"(63) إذا جاوز المرء الاستحسان والمحبة /الخلقة إلى " الخطأ" الذي يعادل العشق المجنون والمعبّر عنه بأنه القاتل سوف يدخل العاشق دائرة التحريم ، التحريم الاجتماعي الذي ازدادت مشروعيته حصانة بعد أن احتواه التحريم الديني للهوى والزنى والعشق " الحر" . ولعلنا نلاحظ في تجربة المجنون ضيقا بذلك التحريم ، الضيق الذي التبس بنوع من التحدي :
ذكرتك والحجيج لهم ضجيج بمكة والقلوب لها وجيب
فقلت ونحن في بلد حرام به والله أخلصت القلوب
أتوب إليك يا رحمن ممّا عملت فقد تظاهرت الذنوب
فأما من هوى ليلى وتركي زيارته فإني لا أتوب
وكيف – وعندها قلبي رهين- أتوب إليك منها أو أنيب (64)
الحج كما ذكرنا سابقا معبر لنزع جبة الذنوب ورميها وراء، لهذا يميل المسلمون إلى أداء هذه الفريضة بعد الفراغ من مشاريعهم الدنيوية ، ولئن جاءت هذه الفريضة كآخر ركن من أركان الإسلام - من حيث الترتيب – فأغلب الناس يؤجلها إلى الأخير أيضا حيث حكمة الكبر وثقل العمر لا يسمحان بالخطأ مجددا، وحيث الطمع في اتساع رحمة الله حتى تمحي كل الخطايا ، وتعود النفس مطمئنة إلى عالمها الحقيقي من هذا الباب يسافر بالمجنون إلى الحج* لعل قداسة المكان ومشاعر الخشوع للرحمن تنسيه ليلى ، غير أن ما يحدث يؤكد استفحال "داء " العشق عند المجنون وإصراره على الإسراف في مازوشيته ، فإذا كان العشق ذنبا محرما من قبل الله فهذا التحريم- ومع إقراره به- لا يعنيه " فاللذة تقع في الطرف المناقض للسلطة لذلك كانت ممنوعة دائما كما أوضح لنا التحليل النفسي" (65) إن وقوف المجنون بالحج لا يختزن الرغبة في التوبة أو السلوى في الواقع بقدر ما هو فرصة لتجديد التصاقه بليلى الشهية اللذيذة ، وكأنما يتحدى المجنون خالقه/ قاتله حبا : إذا كانت هذه المرأة معصية فما أحلى العصيان عبرها ، حبها ليس اختيارا يمكن التراجع عنه ، حبها قضاء وذنب مقدر على الشاعر سيقوده إلى الموت حبا والموت كفرا ! ولكنه سعيد بذلك القضاء ولا يطلب شفاء منه :
لئن كان يا ليلى اشتياقي إليكم ضلالا وفي برئي لأهلك حوب
فما تبت من ذنب إذا تبت منكم وما الناس إلا مخطئ ومصيب(66)
إن المنع والتحريم سواء كان إلهيا أم اجتماعيا يؤدي دورا عكسيا في حالة المجنون ، فكلما منع عن ليلى كلما ازداد طلبا لها ، وكلما هدد بالقتل تنفيذا للتعالي الاجتماعي الذي يكتسب بعض مشروعيته من الدين وبعضها الآخر من العادة والعرف كلما ازداد "كلفا "بها ، يقول :
وزادني كلفا في الحب أن منعت أحب شيء إلى الإنسان ما منعا (67)
الكلف واحد من أسماء الحب " كلف بالشيء كلفا وكلفة ، فهو كلف ومكلف : لهج به ، ...والكلف الولوع بالشيء مع شغل قلب ومشقه " (68) و تحصل المشقة عند انشغال القلب بالغائب و استعصاء شغل الجسد موضوع الكلف ، لو تحققت ليلى زواجا أو جسدا فارّا من أطر التحريم والمنع لما أرّخ الأدب لمجنون أباح قتل نفسه . فكل ممنوع مرغوب ، والمنع كوسيلة بدل أن ينهي المسألة ويغلق الحكاية يعمل على فتحها باستمرار على كثير من اللاّمتوقع ، ما كان مجرد شعور عابر يصير غاية تستحق النضال ولا تدخل في حيز الممتنع . تتزوج ليلى وفي زواجها يتمظهر جانب الردع الحاد والجاد للمجنون ، وتختلط الحقيقة بالمجاز ، الشاعر الذي كان يتكلم مجازا عن جنونه ويمنح الجماعة ذلك الحق أيضا يؤول إلى الهيام ،الشعر يستبق التاريخ إلى البوح بما سيحصل ، لقد تحول الحنين الأبدي إلى ليلى إلى جنون ، لقد حن الشاعرّ كثيرا ومن فرط ما حنّ جنّ وانتهي هائما مع الحيوانات و مجنونا بليلى ، ثم ميتا عشقا ، مقرّا بأنه آخر الموتى عشقا:
وقد مات قبلي أول الحب فانقضى فإن متّ أضحى الحب قد مات آخره (69)
بالفعل لقد جمعت مصادر الأدب ما لا يحصى من أسماء الذين ماتوا حبا في العصور القديمة ، وكلما تقادم الزمن كلما تراجعت ظاهرة الموت حبا . اليوم يعيش الإنسان المعاصر ثورة تكنولوجية عملت على رقمنة كل شيء ، الصورة والمعلومة و الإنسان والحب ، و تبعا لتلك الرقمنة شاع حديث النهايات والتناهي : نهاية التاريخ ، نهاية الأدب ، نهاية الإنسان، وفي ظل مفاهيم " الما بعد" و " الإنسان المرقمن" يحن القارئ الذي حاصره التشيؤ والجليد إلى معايشة قصة واحدة من هذه القصص الغارقة في الإثارة والأسطورية ، في عصر الآلة و التكنولوجيا الجارفة التي تتهدد الإنسان " بقيامة" غير إلهية ، تتهدده في صميمه سارقة منه هبله الجميل ، وحيه الخاص ،تاركة إياه رهينة " فالنجاحات المتسارعة للتطور الباهر للتقنية لا تترك أو تعطي انطباعا بأن الإنسان سيصبح سيد التقنية . فالحقيقة تؤكد أن الإنسان أصبح خادما للقوة التي تسيطر على كل إنتاج تقني من جميع الجوانب " (70) كما يذهب إلى ذلك الفيلسوف مارتن هيدغر ، وخدمة التقنية خدمة تباعد بين الإنسان وذات الإنسان بالقدر نفسه الذي تسهل به الحياة العملية حتى ليتساءل المرء الذي انخرط في الفضاء السيبيري الواسع– راغبا أو مكرها- أين " أناي" الجميلة ، الحالمة ، المتخيلة التي تشبه قليلا أو كثيرا شاعرا مجنونا نثر نفسه وجسده كتعبير عن التفاني المطلق في تجسيد رغبة الذات الباحثة عن وجهها الآخر أو صورتها الأحلى .
7- ليلى : الحشر المريح .

إن امتداد الحكي عن ليلى إلى أبعد من حياتها وحياة المجنون أمر ينم عن آمال المسلم بحياة أخرى يحقق فيها الإنسان ما سبق وأن تأجل ابتلاء من الله . هكذا تلتصق ليلى بكل شيء ، بالمكان في تنوعه ما بين فضاء للعيش وفضاء للعبادة ، بالزمن في سيرورته وامتداداته ما بين الزمن اليومي الدنيوي والزمن الأخروي الأبدي ، بالفكر في جهله وعربدته و إصراره على الإمساك بالمعشوق وفي هدوئه واتزانه واستسلامه لقضاء الله ، الاستسلام الذي لا يمنع من الحلم بفرصة أخرى في الحياة الحقيقية السرمدية مع ليلى ، لذا يتوسع الكلام عن الحشر . الحشر المخيف المرعب في المرجعية الفكرية والدينية العربية يحمّل في تجربة المجنون بدلالات منزاحة عن العرف مزيحة للهلع والخوف ، إنه منبع الخلاص من عذاب الوجد وهو نهر الالتحام بليلى في جنة الشوق ، أي دين أروع من هذا ؟!!
عليك سلام الله يا غاية المنى وقاتلتي حتى القيامة والحشر (71)
تتقابل عبارة " غاية المنى " في فضاء الإنشاد - الذي يعادل الفضاء النصي بالمصطلحات الحديثة – مع عبارة القيامة والحشر ، ليلى أقصى أماني المجنون تتحقق فقط في المكان الأقصى ، فالله لا بد أن يكون رحيما وأن يعوض الشاعر عن رحلته الدنيوية الشاقة التي أهدرها في تعبد ليلى و التعذب بها :
أيا حب ليلى لا تبارح مهجتي ففي حبها بعد الممات قريب (72)
الالتفات في التراث العربي أسلوب شغل كثيرا علماء البلاغة والمعنيين بتفسير الخطاب القرآني ، وهو شكل من أشكال النقل "... ويسمّى هذا النقل التفاتا عند علماء المعاني ، والعرب يستكثرون منه ، ويرون أن الكلام إذا انتقل من أسلوب إلى أسلوب أدخل في القبول عند السامع ، وأحسن تطرية لنشاطه"(73) و الالتفات ظاهرة لا يتوخاها " في كلامه إلا العارف برموز الفصاحة والبلاغة الذي اطلع على أسرارها" ( 74). يستغل المجنون هذا الأسلوب في البيت السابق فيلتفت عن مناداة ليلى والتحدث إليها إلى الإخبار عنها ، ينتقل من الشاهد إلى الغيبة بتعبير القدماء ، وكأنما الشاهد يتعلق بالحياة الحاضرة التي استحال اللقاء فيها بليلى وصارت للرجاء والتمني فقط لذا ينصرف عنه الشاعر متجها صوب الغياب ، الغياب الذي يعادل التحقق والجزم باللقاء"فالقرب نقيض البعد ، قرب الشيء بالضم ، يقرب قربا وقربانا أي دنا ، فهو قريب " (75) ليلى القريبة في دنيا الشاعر مبعدة عنه ، وسيدنيها الحب منه في فضاء الممات . الموت رمز النهاية والحسرة على ما لم يتحقق ، يقرّب البعيدين دهرا ويجمع شتات القلب الذي بعثرته صلابة الأيام ، لكنه ولا شك عائد إلى أصل تكوينه :
تعلّق روحي روحها قبل خلقنا ومن بعد أن كنّا نطافا في المهد
فعاش كما عشنا فأصبح ناميا وليس،وإن متنا، بمنقصف العهد
ولكنه باق على كل حالة وسائرنا في ظلمة القبر واللحد(76)
تذكر هذه الأبيات بالآية القرآنية " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا "(77) كما تذكر بحديث النبي عليه الصلاة والسلام " الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف"(78) كما تذكر بمأدبة أفلاطون وبأقوال بعض الفلاسفة المسلمين الذين ذهبوا إلى أن " الله جل ثناؤه خلق كل روح مدورة الشكل على هيئة الكرة ، ثم قطّعها أيضا ، فجعل في كل جسد نصفا ، وكل جسد لقي الجسد الذي فيه النصف الذي قطع من النصف الذي معه ، كان بينهما عشق للمناسبة القديمة ، وتتفاوت أحوال الناس في ذلك على حسب رقة طبائعهم "(79) ويتوقف القارئ هنا ليتأمل من جديد التكوين النفسي للشاعر " المجنون" : هل يعي هذا التداخل بينه وبين الفكر الديني والفلسفي ، وبالتالي هو "عاقل" تماما ومحق في ما فعل بنفسه طيلة حياته، أي أنه كان أكثر " تفانيا" في بحثه عن نصفه المنقسم عنه والذي لا شك أنه واجده بعد الموت في ظلمة القبر أم أن المجنون لا يمتلك هذه الخلفية الدينية ، وفي هذه الحالة على التاريخ الأدبي أن يصحح مصطلحاته ويعيد النظر في تجربة هذا الشاعر لأنه ينطق عن فلسفة وتأمل لا يتسنى إلا لقلة من الناس هم صفوة المجتمعات ، وإن غلب عليه تطرف الخيال لأنه بالأساس شاعر أو لنقل أنه عاشق متطرف في عشقه ، التطرف الذي يجعله يعتقد أن الشفاء من المعشوق لا يمكن التحقق حتى في الدار الأخرى ، التي اتخذت في شعره مكان الحلم الآمن :
لو سئل أهل الهوى من بعد موتهم هل فرجت عنكم مذ متم الكرب
لقال صادقهم أن قد بلى جسدي لكن نار الهوى في القلب تلتهب
جفت مدامع عين الجسم حين بكى وإن بالدمع عين الروح تنسكب(80)
العالم الآخر هو العالم الحقيقي ، عالم التلاقي بين الأرواح التي فنت أجسادها، لكن الروح في فلسفة الشاعر صورة مكررة عن الجسد ممثلة له في الحياة الأخرى بعد أن كان هو ممثلا لها في الحياة الدنيا . يتوقف الجسد الدنيوي بموته عن بكاء الحبيب فتتابع الروح مسيرته وأفعاله بحثا عن عناق الروح الأخرى ، النصف المنشطر ، وهذا يعني أن المجنون كان مفتونا بجسد ليلى فقط ، وبما أن المسافة بينه وبين الجسد كانت بعيدة والطريق بينهما حادة ومحفوفة بكثير من المخاطر كان هذا النص الشعري العاشق حدّ طلب الموت ، لأن الموت لا يعني الفناء في وعي الشاعر بل يعني البديل الجميل، البديل المنصف . هذا ما يجعل المجنون يعلن في صيغة تقريرية :
أحبك حتى يبعث الله خلقه ولي منك في يوم الحساب حسيب (81)
الله الذي هو مصدر السلطة التحريمية الكبرى لليلى على عاشقها ، يصير في ممات الشاعر نعم الوكيل ، هو الذي سيقرب العاشق من معشوقه ، رأفة وإنصافا ، رغم نقمة الشاعر على قضاء الله في مواطن أخرى من يأس النص وفلسفته أيضا ، ونقول فلسفة لأن النقمة جاءت في شكل برهان منطقي :
قضاها لغيري وابتلاني بحبها فهلاّ بشيء غير ليلى ابتلانيا (82)
كأنما الشاعر يود القول : لماذا يتلذذ الله بتعذيبنا ؟ لماذا هذا القدر القاسي؟ إن الله يعرف مسبقا أن ليلى لن تكون ملكا للشاعر فلم يبليه بهذه الرحلة الشاقة جدا وبتلك المرأة التي شقّ الشوق إليها دماغ الرّاوي فاختار في النهاية الاندفاع نحو الظبية كأليف حيواني بديل عن الإنساني الغريب ، وهي واقعة ترى فيها السلطة الاجتماعية والتاريخية أوضح تعبير عن جنون الشاعر ، وربما يرى فيها الإنسان المعاصر فلسفة تنحاز إلى الهامشي الجميل الذي أقصته سلطة المركز ، وإلى المنسي اللذيذ الذي حرّمته سلطة الذاكرة الدينية – التاريخية ، وإلى الجنون البديع الذي سخرت منه سلطة العقل فأبعدته عن " النموذجية" ببراعة اصطلاحاتها وقهرية معاييرها.
نشير في الأخير إلى أن أثر المجنون – بصرف النظر عن كونه رحلة شعرية كما أشرنا مرارا- هو بنية سردية قوامها السيرة الذاتية ، سيرة القلب العاشق ، في متعه الهاربة وجراحاته التي لا ينهيها الموت ، إذ أن الموت يشكل- بنيويا- لحظة تأزم الحكاية بالصياغة الكلاسيكية ، لكن المسرود له ( وليس السارد) يمارس باستمرار عودة إلى الخلف ليقرأ تفاصيل الأحداث التي ربطت العاشق بمعشوقه والتي لا تختص بزمن ما قبل الموت فقط ، بل تتجاوزه إلى استشراف ما وراء القبر وما يمكن حصوله من عدل في دنيا الغيب كتعويض عن الغياب الظالم في دنيا الحضور. وككل سرد ، تعج حكاية المجنون – كبطل وكسارد في الوقت ذاته- بكثير من التناقضات. هذه التناقضات تخص الآخر كما تخص الذات ، فليلى " كآخر " تمثل الحريق والماء ، وهي النار والجنة ، وهي الجميلة والمستبدة ، وهي منبع الرغبة في الحياة وفي الموت أيضا ، والمجنون كذات تمارس إلغاء نفسها هو المؤمن حينا الكافر أحيانا أخرى ، السعيد بتواجد ليلى في فضائه أو تواجده في فضائها ، الناقم على القضاء الذي قضاها له كموضوع عشق فقط لا كموضوع امتلاك ، وهو الذي يزعم الشفاء من الحب بالأشعار ثم تقوده الأشعار إلى مزيد من التذكر والتنكر ( تذكر الموضوع والتنكر للذات ) فتصير تلك الأشعار داءا بدل أن تكون دواءا ، وهو العاقل الذي ينفي عن نفسه تهمة الجنون ثم يصنع من نفسه مجنونا سعيدا بجنونه ، وهو الإنسان الباحث عن نصفه الإنساني الجميل والذي ينتهي فارّا نحو نصفه الحيواني مذعورا من عالم الإنسان ، وهو الشاعر الذي" أنشد" كلاما طويلا حوّله التاريخ إلى فصل واحد من فصول " رواية" المجنون ، وتنسج بقية فصولها من مرويات التاريخ الأدبي العربي التي تفيض بدورها بالاختلاف والتناقض، الأمر الذي يمكن أن يكون موضوعا لدراسة أخرى مستقلة.


* الموت حبا. قراءة تفكيكية في خطاب الحب في الأدب العربي القديم - مجنون ليلى أنموذجا-
الدكتورة فتيحة كحلوش / جامعة فرحات عباس- الجزائر


هوامش الدراسة :
1- عبد الله ابراهيم، سعيد الغانمي ، عواد علي : معرفة الآخر ، مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة ، المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء ، المغرب ، بيروت ، لبنان ، ط1 1990، ص70.
2- Voir Jacques Derrida M la dissemination ، ed du seuil ، Paris، France، 1972.
3- Dictionnaire encyclopedique petit Larousse ، librairie larousse ، Paris، 1980، p 38.
4- Ibid، p 602.
5- ابن حزم الأندلسي : طوق الحمامة في الألفة والألاّف ، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية ، رغاية ، الجزائر ، 1988، ص95-96.
6- السراج جعفر بن أحمد : مصارع العشاق ، ج2 ، دار صادر ، بيروت ، لبنان ، ص 186.
7- المسعودي : مروج الذهب ، ج3 ، تحقيق محممد محي الدين، مطبعة السعادة ، مصر ، 1948 ، ص381- 382.
8- ميشال فوكو : يجب الدفاع عن المجتمع ، ترجمة وتقديم وتعليق الزواوي بغورة ، دار الطليعة ، بيروت ، لبنان ، ط1 2003، ص 240.
9- الأعرج واسيني : شرفات بحر الشمال ، دار الفضاء الحر ، الجزائر ، ط1 2001 ، ص 61.
10- يوسف فرحات : ديوان مجنون ليلى ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، لبنان ،2003، ص 288.
11- رجاء بن سلامة : العشق والكتابة ، منشورات الجمل ، كولونيا ، ألمانيا ، ط1 2003 ، ص106.
12- عبد العزيز بومسهولي : الشعر الوجود والزمان . رؤية فلسفية للشعر ، افريقيا الشرق ، المغرب ،2002. ص 86.
13- ينظر :
Georges Bataille : L 'Erotisme، ed de minuit، Paris، France، 1957، p 20.
14- طرفة بن العبد : الديوان ، المكتبة الثقافية ، بيروت ، لبنان ، ص 32.
15- رجاء بن سلامة : العشق والكتابة ، ص 204.
16- مرتضى الزبيدي : تاج العروس من جواهر القاموس ، مج 6، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان ، 1994، ص 519.
17- يوسف فرحات : ديوان المجنون ، ص135.
18- رجاء بن سلامة : العشق والكتابة ، ص 194.
19- يوسف فرحات : ديوان المجنون ، ص203.
20- نفسه ، ص104.
21- سورة الصافات ، الآية36-37.
22- عبد العزيز بومسهولي : الشعر الوجود والزمان ، 43-44.
23- يوسف فرحات : ديوان المجنون ، ص37.
24- نفسه، ص14.
25- نفسه ، ص24-25.
26- نفسه، ص26.
27- عبد الله إبراهيم : المطابقة والاختلاف بحث في نقد المركزيات الثقافية ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، لبنان ، ط1 2004 ، ص 22.
28- يوسف فرحات : ديوان المجنون ، ص111.
29- نفسه، ص113
30- Abraham .A. Moles، Elisabeth Rhomer، La psychologie de l' espace . Casterman، Paris، France، 1978،p30.
31- يوسف فرحات : ديوان المجنون، ص 61
32- نفسه ، ص 68
33- امرؤ القيس : الديوان، لأبي الحجاج يوسف بن سليمان الشنتمري ، اعتنى بتصحيحه الشيخ بن أبي شنب ، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ، الجزائر ، 1994.
34- Abraham A Moles، E. Rhmer : La psychologie de l' espace، p 191.
35- يوسف فرحات : ديوان المجنون ، ص 69.
36- نفسه، ص96
37- عنترة العبسي: الديوان ، شرح يوسف عيد ، دار الجيل ، بيروت ، لبنان ، 2001، ص14.
38- يوسف فرحات : ديوان المجنون ، ص 192
39- نفسه ، الصفحة نفسها
40- نفسه ، ص 178.
41- نفسه، ص210.
42- نفسه ، الصفحة نفسها.
43- نزار قباني : قصيدة بلقيس ، منشورات نزار قباني ، بيروت ، لبنان ، ط4، ص42.
44- سورة التوبة ، الآية 25.
45- يوسف فرحات : ديوان المجنون ، ص 19.
46- ابن منظور: لسان العرب ،المجلد الأول ، دار صادر ، بيروت ، لبنان ، ص544.
47- Jean Claude Vadet : L'esprit courtois en orient dans les cinq premiers siècles de l'Hégire ، Maison neuve et Larose، Paris ، France،1962، p 11.
48- يوسف فرحات : ديوان المجنون، ص 29.
49- نفسه، ص 23.
50- سورة الحشر ، الآية 21
51- يوسف فرحات : ديوان المجنون ، ص 151
52- نفسه، ص 149
53- نفسه، 168.
54- نفسه، الصفحة نفسها.
55- نزار قباني: إضاءات ،منشورات نزار قباني ، بيروت ، لبنان ، ط1 1998، ص108.
56- سورة آل عمران . الآية 169.
57- يوسف فرحات ، ديوان المجنون ، ص16.
58- نفسه، ص18
59- صادق جلال العظم : في الحب والحب العذري ، دار العودة ، بيروت ، لبنان ، ط3 1981، ص 106.
60- يوسف فرحات : ديوان المجنون ،ص18
61- نفسه، ص ص38.
62- سورة النازعات ، الآية 37-41.
63- ابن حزم الأندلسي : طوق الحمامة ، ص 57-58.
64- يوسف فرحات : ديوان المجنون ، ص 31.
65- عمر أوكان : لذة النص أو مغامرة الكتابة لدى بارت، افريقيا الشرق ، الدار البيضاء ، المغرب ،1996، ص 51.
66- يوسف فرحات : ديوان المجنون ، ص 22.
67- نفسه، ص 137.
68- ابن منظور : لسان العرب، المجلد التاسع ، ص307.
69- يوسف فرحات : ديوان المجنون ، ص92
70- حسن مصدق : يورغن هابرماس ومدرسة فرانكفورت المدرسة النقدية التواصلية ، المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء ، المغرب، بيروت لبنان ، ط1 2005 ، ص101.
71- يوسف فرحات : ديوان المجنون ، ص 103.
72- نفسه ، ص 123.
73- السكاكي ( أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر محمد بن علي) : مفتاح العلوم ، مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر ، 1937، ص150.
74- ابن الأثير : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ، ج2، المكتبة العصرية للطباعة والنشر ، بيروت ، لبنان 1990، ص12.
75- ابن منظور:لسان العرب، المجلد الأول ، 662.
76- يوسف فرحات : ديوان المجنون ، ص70.
77- سورة النساء ، الآية 1
78- ابن حزم : طوق الحمامة، ص12.

79- رجاء بن سلامة : العشق والكتابة ، 305.
80- يوسف فرحات : الديوان ، ص19.
81- نفسه ، ص24.
82- نفسه، ص 204.




.
صورة مفقودة

Auguste Delacroix
 
أعلى