فيليب سولرس - عودة إلى نص إباحي لشهواني الثورة الفرنسية ميرابو.. ت وت: عبد الله كرمون

عمدت جريدة لوموند مؤخرا إلى إطلاق مبادرتها المتمثلة في إعادة اكتشاف أمهات الكتب الإباحية والإيروسية، وذلك ببيع طبعة جديدة للكتاب المعني مع الجريدة بثمن رمزي، ُأعدت لهذا الغرض، ثم بانتداب كاتب معين للحديث عنه في ملحقها الثقافي. فيما يلي ترجمة لمقالة الكاتب الفرنسي المعروف فيليب سولرس حول ميرابو عنونها في الأصل ب«ثورة شهواني». ولابد أن أشير إلى أن المجال لا يسمح هنا للتعليق على كل لحظات القرن الثامن عشر التي قد نصادفها فيما سيأتي، لذلك اكتفيت بوضع بعض الملاحظات الوجيزة حيث ارتأيت لزومها.
أونوريه غابرييل ريكوتي، الكونت ميرابو (1749_1791) هو أحد كبار الثقافة والتاريخ الفرنسيّيْن المغمورين. إنه ثوري، لكن ليس بالمعنى اليعقوبي (Jacobin). ما جعله يؤدي ثمن ذلك الخطأ غاليا. إذ أدرج ضمن الكتاب المغضوب عليهم (في ما أسميه بسرداب المكتبة الوطنية. المترجم). وهذا هو ما جعله في نظري أكثر أهمية من المشاهير الرسميين.
أعد بودلير في أخر أيام حياته مقدمة لكتاب «العلاقات الخطيرة» (حرفيا) للاكلو. وتفتق ذهنه عن هذه العبارة اللامعة: «الثورة هي من صنع الشهوانيين.» بمعنى أخر، فمناهضة الثورة والإرهاب كانا من صنيع الأتقياء. هذا هو ما حدث إخفاؤه عنا.
إن ميرابو، أكبر خطباء الثورة، هو أيضا كاتب بورنوغرافي، بعمق فلسفي طبعا. وصِلته بالماركيز دي ساد مفروغ من أمر ورودها (باستثناء ما يخص الميولات الفظة). إلا أن موضوعه يتمثل في تربية البنات. ويشكل أحد الملامح الهامة والمجهولة للفلسفة الفرنسية.
كيف تكتسب الفتيات العقل؟ لقد اشتغل لافونتين على هذا السؤال (ويتم ذلك عن طريق الجنس حسب حكاية هذا الأخير. المترجم). ولم يتم نشر هذه الفكرة بشكل ثوري إلا في فرنسا الأنوار وحدها. الأتقياء (القتلة) كانوا يقرؤون روسو. ولم يكن بمقدورهم قبول ميرابو.
كان ميرابو عنيفا وانفعاليا. وقد سعى أبوه إلى سجنه بإل دو ريه بسبب مجونه وحياته المتهتكة وهو بعد ملازم خيالة في السنة السابعة بعد عقده الأول. ليتم إرساله بعد ذلك إلى منطقة اللورين ثم إلى كورسيكا. كما حبس ثلاث مرات فيما سيأتي: بموناسك، بقصر إف وبحصن جو على مقربة من بونتارلييه (منطقة لودوب. المترجم).
كان ميرابو على الصعيد الفلسفي فيزيوقراطيا، بمعنى أنه كان يعتقد بأن على الطبيعة أن تنظم العلاقات الاجتماعية.
فمفردة philosophique (فلسفي) تتضمن كلمة sophie (صوفيا). ذلك أنه فر إلى أمستردام رفقة واحدة اسمها صوفيا تبلغ العشرين من عمرها خطفها من زوجها المسن الماركيز دو مونييه. ما جعله يعتقل من جديد في فانسان لمدة ثلاث سنوات. وهناك كتب رسائل(ه) إلى صوفيا (التي كانت حاضرة في ذهني وأنا أكتب (بورتريه اللاعب)، حيث ليس لشخصيته النسوية المركزية والايروسية إلا أن تدعى صوفيا).
تخاصم ميرابو مع عائلته، وانتقل بذلك للعيش في لندن سنة 1784. وشرع يهتم بشكل جدي بالسياسة. إذ أُرسل في مهمة سرية إلى بروسيا. وكانت له مراسلات مشفرة مع الذي سوف يصير تاليرون فيما بعد (سياسي فرنسي 1754_1838. المترجم).
يظهر كتابه «التاريخ السري لبلاط برلين» سعة معلوماته وغرابتها. وقد انتخب ممثلا للشعب في إكس أون بروفانس لدى إطلاق المجالس الاستثنائية في فرنسا (وهي مؤسسة في ظل الملكية تتشكل من ثلاث فئات النبلاء، الإكليروس والشعب، وضعت وقتئذ للتداول في شؤون البلد. المترجم) وأسس صحيفة المجالس الاستثنائية. وتُعرف عنه كلمته الشهيرة: «نحن هنا بفضل إرادة الشعب، ولن نغادر إلا بحد الحراب.»
فميرابو مشايع لملكية دستورية على الطريقة البريطانية. فهو جد شعبي غير أنه معتدل. كان له لقاء سري مع ماري أنتوانيت في سان كلو خلال شهر مايو/أيار سنة 1790، بغية نصح لويس السادس عشر. وقد كافأه القصر دون أن يأخذ برأيه (غلطة كبيرة).
هل كان ميرابو ذميما؟ ما قد يتنافر مع اسمه الجميل الذي يعني جمال النظرة. غير أن أهل زمانه تحدثوا عن "قبح عظيم ورائق".على أي، فخُطبه كانت تلهب سامعيه. وشاء عصره أيضا أن يكون مجونه المستمر هو ما أنهكه. وتوفي، بالفعل، بعد الثانية والأربعين من عمره، في اليوم الثاني من شهر أبريل/نيسان سنة 1791.
وقامت الجمعية التأسيسية (ثالث مجلس للثورة حينها. المترجم) بنقله إلى البانتيون (مدفن عظماء فرنسا المشهور بباريس. المترجم). ولكنه سوف يعاد إخراجه منه بعدما تم اكتشاف تكسبه من الملك والملكة. سوف أكون شخصيا مع قرار إعادته إلى البانتيون نظرا لعبقريته.
يمكّن كتاب «الستارة المُزاحة» (حرفيا) من التعرف على فن ميرابو وعلى الحمولة الفلسفية لأفكاره. فما يطالب به مدهش في الواقع، وذو راهنية كبيرة في عصرنا، عصر سلفية عنيفة.
دعا منذ المفتتح إلى طرد كل من «أصحاب الرقابة، الورعين، المنافقين، المجانين، متصنعي الحياء، النساء القبيحات والنساء الشرسات». وهي شرذمة كبيرة. وتأتي البرهنة فيما بعد، عن طريق الأسلوب السائد في القرن الثامن عشر، أي الاعتراف بواسطة الرسائل. وتحكي لورا لصديقتها في الدير إيجيني، عن تربيتها الغريبة.
بماذا يتعلق الأمر؟ يتعلق بنكاح محارم بين الأب والابنة. واحتال ميرابو بأن يجعل الأب ليس والد البنت وأنه غطى بذلك عن كون زوجته كانت قد حبلت حينما تزوج بها. وهنا بلغ التفكه مبلغه: فمادام الأب لم ينجب ابنته فالجنس الذي سوف يمارس معها لن يكون إلا محبذا.
لا يبعد الدير عن صخب المجتمع فقط، لكنه يمكّن أيضا من «الأسباب المحفزة لخيال مهتاج في حياة الانطواء والخمول». إنه سجن، لكنه سجن موائم للإثارة. في كل الأحوال، ف«نشوة النساء في كل مكان، تروم الخفاء والسرية.» إنه مبدأ ربما قد ضاع منا العلم به. ماتت الأم، وصارت البنت حرة، فأبوها يعشقها وهي تعشقه، سوف تمضي لورا إذن من اكتشاف إلى اكتشاف مساعَدة في ذلك من طرف وصيفتها ليسيت البالغة تسع عشرة سنة من عمرها.
سوف أدعكم تقرؤون الكتاب. لكن أن تستطيع فتاة ما (أو امرأة فيما بعد) أن تعلن، بسبب تلك التربية الفاضحة جدا بأن «الحسد والغيرة غريبان عن قلبها»، لهو أمر نادر. إبطال الحسد والغيرة إذن أمر ممكن؟ وهو ما أراد ميرابو أن يبرهن عليه.
الأب هنا فيلسوف. وابنته هي التي وصفته بذلك: «هو رجل فذ، فريد، وفوق كل ذلك فهو فيلسوف حقيقي.» أما عضو أبيها فهو، بالنسبة إليها، «تحفة حقيقية». «كان كل شيء، مذ ذاك، بالنسبة إلي، مصدر ضياء. وبدا لي أن العضو الذي كنت ألمسه كان المفتاح السحري الذي فتّق فجأة إدراكي.»
ندرك (ولا ندرك كما ينبغي) بأن ميرابو كان مناصرا حازما للاستمناء، خاصة بشكل ثنائي، فالعادة السرية التي يمارسها شخص لوحده تؤدي إلى «خسارة هائلة». وما يثير الاستغراب في «الستارة المزاحة» هو التحذير من الإفراط في الجنس، والذي يعتبر تخريبا مثله مثل إيقاع الحمل بالمرأة رغم أنفها أو الذي يحدث في غير أوانه. للجنس إذن وظيفة معرفية، لكن بدون هذه المعرفة يكون طرا متلفا أو مثيرا للخبل.
خلاف ذلك، «فكل شيء، إذا كنا نحب بحنو وبكثير من الشغف، (يكون) لذة، سحر ومُتعة.»
إن ميرابو جد دقيق فيما يقوله: فهو يثير كل المواقف تكريما للفلسفة الحقة. فلسفة يمكننا القول عنها بجرأة بأنها نسوية مع احتمال إثارة احتجاج الذين أو اللائي يعتقدون بأنهم استوعبوا معنى هذه الكلمة. وتم الاحتفاء هكذا بالسحقاية الأكثر رصانة، وقد صدر هذا البوح من الأب نفسه. هذا الأب، على كل، هو أنموذج جديد يحتل مكان الرب القديم. تكمن إذن جرأة ميرابو في كون شعريته الحسية هي، في الآن نفسه، سياسة ثورية. كانت آخر كلمات لورا الموجهة إلى إيجيني بعد موت أبيها هي: «لننس العالم يا صديقتي اللطيفة، وعلينا ألا نراعي سوى ذاتينا.» والمغزى في كل ذلك هو أنه ليس في حياة أية امرأة سوى رجل واحد: أبوها. وأفضل ما يمكنها أن تفعله به، بشرط أن يكون فيلسوفا فرنسيا، هو أن تحصل على لذتها معه، وتكون طبعا في أتم العلم بما تأتيه.



.
* عن إيلاف


.

farid belkahia
صورة مفقودة
 
أعلى