عبد الوهاب العزاوي - النهد معبودٌ غافل عن عذوبة أثره

كثيراً ما أحسّ بهول المفارقة بين التفكير في المرأة كشبقٍ متحرك، بالنظر الى ردفيها كأرجوحة شهوة، وبين التفكير فيها كجسد طبيعي، عادي. كأن أفكر في رائحة عرقها عند التعب أو الجهد الشديد. المفارقة بين أن أفكر في أعضائها الحميمية كطاقةٍ جاذبة عصية على التفسير، وبين أن تكون أنبوباً يُمِرّ دماً بضعة أيام كل شهر. هناك تفارقٌ شديد بين الحالتين يجري في أرض المتأمِل وليس في حقل الموضوع. أي الجسد نفسه. هنا يتبدى أن الغموض المتعلق بالحالة الأولى، هو جوهر الجذب: الماورائية الكامنة في الجسد، الوعود الخفية، سيل الأفكار والأحلام القديم العابر للجسد. التعلّق هنا تعلّقٌ بالجنس الكامن خلف الجسد. الجسد هنا بوّابة عبور، إلى جنّة خفية، أصل إليها لكني أعجز عن الحياة فيها. جنّة تُمسّ ولا تَستقّر. الشهوة لا تقبل الاستقرار، إنها متحركة وهذا من شروطها الأولية، النهد هنا يتكلم، يئنّ ببحة فاسقة، يتعرق بتلألؤ، يغوي على مهلٍ.
كثيراً ما كنت من المعارضين وبشدة لفكرة شواطئ العراة. لم أتفهم أن أرى نهداً جميلاً من دون أن أحتفي به. أو ببساطة أن أساوي بينه وبين ربلة الساق مثلاً؛ أن أغيّر معايير تقييم الأشياء من حقل الوقع النفسي إلى حقل الشكل أو الوزن مثلاً، أو ببساطة أكثر إجحافاً: أن أمنع نفسي من النظر والتقييم. كثيراً ما كنت أنتبه إلى أن الانفعال الذي يولّده نهدٌ ما، قد يكون أجمل من النهد نفسه. اللهفة الراكضة وراء معبودٍ لا يُدرِك بالضرورة أنه معبود. إلهٌ غافلٌ عن عذوبة أثره. هذا لا يُنقِص من جماله البتة، بل قد يجعله أكثر إغراءً. النهد هنا يصبح رمزاً أكثر من كينونة، يتعدد بتعدد النساء. لكن فرادته لا تنقص. لا توجد إيديولوجيا تقسم النهود طبقات اجتماعية تتصارع. النهد لا يتم التعامل معه إلا بشكلٍ مفرد، وهذا ما يحافظ على خصوصيته، ألقه، كبريائه، والأهمّ فرادته. كثيراً ما كنت أفكر في النهد بشكلٍ مفرد وبشكلٍ سكوني، بشيء يشبه لوحات عصر النهضة، أي بتكثيف العالم في لحظةٍ تملك كمونها الغني. التعامل مع النهد يتم كما نتعامل مع منحوتة بديعة، قد نرغب في شمّها أو لثمها. لكن التأمل يأخذ الحيز الأكبر، في حين أن التعامل مع النهدين معاً يختلف. هذه ليست قاعدة بالتأكيد. لكن الحركة تغدو أكثر حضوراً. تحضر في حالة النهدين العلاقةُ بينهما. تكميل أحدهما للآخر. البحث عن توازنٍ في المشهد، تكسره الحركة. من هنا تحضر الحركة بشكلٍ أكبر. أتخيل نهدين يتقاربان ويتباعدان أثناء مشيٍ سريع. لا يمكن النظر إلى النهدين من دون أن يحضر السهل الضيّق بينهما، العنق المُستثار. النهدان معاً نوعٌ من الاحتفال الضاجّ، في حين أن النهد الواحد نوعٌ من الرمز لعبادة. النهدان معاً دعوةٌ صارخة إلى الحركة، إلى الرقص، إلى التمرغ بينهما. في حين النهد الواحد دعوةٌ إلى التمهل، إلى الغرق اللذيذ. إذاً في هذا المعنى أفترض وجود تناقضٍ غير قابلٍ للحل. مع امرأةٍ مشتهاة، أنت ضائعٌ بين نهدٍ ونهدٍ وبين نهدين معاً، بين عالمين. مهارتُك تأتي في التمتع بهما معاً بدل أن تقع في تضادهما. الأجمل في كل التأملات السابقة، أنها متحركة ومتطورة وتخضع للتغير مع الزمن. الرغبة في ملامسة النهد في غضاضة المراهقة، والتصورات المفترضة عنه والمأخوذة بشكلٍ جمعي كجزء من ثقافة عامة، تختلف إلى حدود كبيرة عن تلك التي تتطور مع الوقت مع تعدد النهود. الخبرة المتراكمة في الاقتراب منه تغيّر من طبيعة العلاقة. الارتكاسات الناجمة لدى الأنثى عن هذا الاقتراب تغيّر في تطور العلاقة أيضاً. من المحزن أيضاً أن النمطية المتكررة في شكل الاقتراب وطريقته قد تؤثر أكثر من كل ما سبق.
العري على شواطئ العراة يشبه، وبقسوة، الثيابَ السود التي تطمس الجسد. العري هنا تغطيةٌ جائرة لجمال الجسد. فرضٌ قاتل على الآخر بتجاهل العالم الخفي المختفي فيه. أتخيّل هول المفارقة إذا أثير أحدهم وانتصب عضوه مثلاً أمام امرأة جميلة عارية على شاطئ عراة. الإثارة هنا مدانة إلى أقصى حدّ. ردّ الفعل الطبيعي يمسي مستهجناً إلى حدود غير قابلة للتصالح. إنها إيديولوجيا متطرفة كالتطرف الديني نفسه. إيديولوجيا تساوي بالقوة بين طفلة وامرأة ناضجة الجمال ومسنّة في الثمانين، تقول بيقين أعمى إن الجسد هو نفسه. تحصر النظر في الحقل الثاني الفيزيولوجي. أتخيل مشهدين، الأول لشخصٍ مثار على شاطئ عراة، والثاني لشخصٍ مثار في شارعٍ ما في مدينة محافِظة. في المشهدين ستُقال جملٌ قصوية تختلف في الصوغ، ولن تختلف في المضمون. الأولى ستركز على العقد النفسية والتخلف. الثانية ستركّز على الحرام والفسق. سيتفق الطرفان على الضحية نفسها. الجسد سيعود إلى سجنه مرةً أخرى.



.


صورة مفقودة
 
أعلى