عادل نعمان - حاكموا التراث بتهمة إشاعة الفجور والمجون!

هذا بلاغ وإنذار للقائمين على الأخلاق من الانحطاط والاندثار، وتحذير للحريصين على الحياء من الانحلال والانحدار، وذلك بمصادرة كتب التراث الزاخر بإيحاءاته الجنسية الرقيعة والخليعة، منها الصريحة والقبيحة، والتى تهدر حياء نسائنا وبناتنا وأولادنا، فهى عامرة بما لذ وطاب من أفخاذ النساء ونهود العذارى والقبلات والتأوهات، وما دمنا نحبس الكُتاب بتهمة إشاعة الفاحشة والترويج لها، فاحبسوا أو ارجموا كتب التراث، ففيها رجال يمتطون النساء ويعتلونهن ويطأونهن بين السطور وتحتها. وجب علينا الآن أن نصلح ما أفسده أجدادنا، ونحاكم كتب التراث بتهمة إشاعة الفسق والفجور، وكشف المستور من عورات الرجال والنساء. قدموا كتب التراث إلى حبل المشنقة وإعدامها، واحكموا على أجدادنا بتهمة الحماقة وقلة العقل، قرأوها ولم تفلت ألسنتهم، احتجوا على المكتوب، ولم يجرّموه ولم يحبسوه، وطالعوه ولم يتحرشوا. أما فى عهدنا الرقيق العفيف فلم نقرأ، وفلتت الألسن والجوارح، وامتدت الأيدى على نهود النساء فى الشوارع، وتفاخرنا بالعفة والحشمة، وهى هاربة من حجابها إلى الحانات ليلاً ونهاراً. كتب التراث العربى والإسلامى مزدحمة بالجنس، ولا يخلو كتاب تراثى تاريخى أو أدبى من الحديث عنه، فهو فرد من عائلة يسهر كل ليلة ولا ينام، بل هناك كتب ومراجع خاصة للجنس، مثل «الروض العاطر فى نزهة الخاطر»، و«رجوع الشيخ إلى صباه فى القوة على الباه»، و«تحفة العروس ومتعة النفوس»، و«نزهة الألباب فيما لا يوجد فيه كتاب»، وألف ليلة وليلة»، و«الأغانى» لأبى الفرج الأصفهانى، و«عيون الأخبار» للدينورى، و«العقد الفريد»، و«قرى الضيف وثمرات الأوراق»، و«الإمتاع والمؤانسة»، و«البيان والتبيين»، وهناك كتب تُنسب للسيوطى، منها: «شقائق الأترج فى رقائق الغنج»، و«الإفصاح فى أسماء النكاح»، و«ضوء الصباح فى لغات النكاح»، و«نزهة المتأمل ومرشد المتأهل».

وغيرها من كتب تراثنا الإسلامى، والمراجع والمدونات الفقهية والكتب الفقهية مثقلة بمواضيع جنسية بحتة، مثل آداب النكاح الشرعية، وأحكام الحيض والنفاس، وعلامات البلوغ عند الرجل والمرأة، وأنواع السوائل الجنسية، هذا فضلاً عن التفاصيل الدقيقة للحياة الجنسية (مص اللسان، الملاعبة قبل المضاجعة).

الألفاظ الجارحة للحياء فى أوانها لم تكن خادشة للحياء فقط، بل كانت دامية للحياء. الغريب أنها لم تحبس ولم تصادر فى أوانها. هذه عينة كتب الحنيفية فى كتاب تنوير الأبصار (جواز أن ينظر الرجل إلى امرأته إلى ما ظهر منها وما بطن، ولو إلى فرجها بشهوة وبغير شهوة). أبويوسف القاضى فى عهد هارون الرشيد يقول: «سألت أبا حنيفة عن الرجل يمس فرج امرأته، وهى تمس فرجه، ليتحرك عليها، هل ترى فى ذلك بأساً؟ قال لا». فى كتب البخارى أحاديث ما أنزل الله بها من سلطان، وأشك فى صحتها تماماً، إلا أنها مكتوبة ويتمسك بها المسلمون، يروى حديثاً عن عائشة (كنت أغتسل أنا والنبى من إناء واحد، كلانا جُنب، وكان يأمرنى، فأئتزر فيباشرنى، وأنا حائض».ويروى أيضاً عن «ميمونة»، قالت: (إن الرسول إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها، فائتزرت وهى حائض وباشرها)، فكيف يباشر الرسول زوجاته وهن حائضات، وهو مأمور باعتزالهن فى المحيض، وله أزواج غيرهن يباشرهن فى الوقت الذى يراه. ولا أتصور أن تكشف نساء النبى حياته الخاصة على الناس، وحدث ولا حرج عن حديث أم سالم، فقد تبنته وزوجها وهو صغير، فلما كبر تحرج منه، فلما سألت النبى نصحها برضاعته حتى يكون ابنها من الرضاعة، وأكملها البخارى بأن السيدة عائشة أخذت بها، ولما كانت تحب أن يدخل عليها أحد من الرجال كانت تأمر أختها أم كلثوم وبنات أخواتها بأن يرضعنه من أثدائهن. ولا أدرى كيف لأى امرأة تغطى شعرها ووجهها وتفتح صدرها وتخرج ثديها لغريب ليلتقمه، والرجال بطبيعة الحال تواقون إلى صدور النساء، أليست متعة جنسية لا تحسب عواقبها على الطرفين، ومن يضمن حتى تكتمل الرضاعة بين رجل يمص صدر امرأة خمس مرات أن يحدث بينهما ما لاتحمد عقباه، ويكون هذا العمل تشجيعاً على ارتكاب الفاحشة. وهذا الإمام الغزالى يقول: «ثم إذا قضى الرجل وطره -شهوته- فليتمهل على أهله حتى تقضى هى أيضاً نهمتها، فإن إنزالها ربما يتأخر، فيهيج شهوتها، ثم القعود عنها إيذاء لها، والاختلاف فى طبع الإنزال يوجب التنافر). والإمام ابن القيم يقول عن الجماع: «ومما ينبغى تقديمه على الجماع ملاعبة المرأة وتقبيلها ومص لسانها، وكان النبى يلاعب أهله ويقبلهن، وقد نهى الرسول عن المواقعة قبل المداعبة».

ما يحكى فى ألف ليله وليلة صارخ، هذا أقلها: (عن الليلة 356: «أنه كان لبعض السلاطين ابنة، وقد تعلق قلبها بحب عبد أسود، فافتض بكارتها، وأولعت بالنكاح، فكانت لا تصبر عنه ساعة واحدة. فكشفت أمرها إلى بعض القهرمانات، فأخبرنها بأنه لا شىء ينكح أكثر من القرد. فاتفق أن قرّاداً مر تحت طاقتها بقرد كبير فأسفرت عن وجهها، ونظرت إلى القرد وغمزته بعيونها، فقطع القرد وثاقه وسلاسله وطلع لها، فخبأته فى مكان عندها، وصارا ليلاً ونهاراً على أكل وشرب وجماع، ففطن أبوها بذلك، وأراد قتلها».

الطريق إلى حرية التفكير والإبداع يستوجب الصبر عليه، مهما خرج منا شطط أو إسراف أو إسهاب أو كشف غطاء الجسد يتحسسه ويجسده ويشرحه ويداعبه ويضاجعه، فنرفض منه ما لا نقبله، ونقبل منه ما لا نرفضه، دون تكفير أو حبس أو عزل أو منع، والحكم فى النهاية للقارئ يقبل أو يرفض، يحكم عليه بالبذاءة أو بالأدب. وهذا حقه وليس سواه.



.

صورة مفقودة
 
أعلى