أحمد هيبي - ما هي المرأة؟

هل صحيح أنّ الأنثى هي الأصل؟
تقول الدكتورة نوال السّعدواي: إنّ الأنثى هي الأصل، في كتاب يحمل هذه العبارة كعنوان. إنها تقول إنّ الكائنات الحيّة، وبضمن ذلك البشر يُولَدون إناثا. أمّا الذكر فهو يتكوّن بعد ذلك. إنّ الذكر متحوّر عن الأنثى. والأنثى هي السّابقة إذن. والسعداوي تخالف بذلك، مُستندة على دلائل علميّة كما تقول، القصّة الدينية المشهورة عن خلق حواء من ضلع آدم. حيث أنّ آدم في قصّة الخليقة هو السّابق، وحوّاء هي اللاحقة. ولكن الكاتبة التي أرادت إضفاء الأهميّة على الأنثى بجعْلها الأصل، أخطأت الهدف. فما دامت الأنثى هي الأصل، والذكر هو صيغة جديدة مختلفة عن الأنثى، فإنّ الذكر هو صناعة أكثر إحكامًا. الذكر هو الخاصّ الذي ينجم عن العام. تمامًا كما أنّ الكعك هو صيغة مُحوَّرة عن الخبز العادي. وهو لذلك أشدّ إحكامًا وأغلى سعرًا من الخبز. إنّ الرّجل هو امرأة - إذا وافقنا السّعداوي على كلامها - امرأة نبت لها شعر في وجهها وفي كلّ أنحاء جسمها، وبدّلت نعومتها بخشونة، وتصلّبت عظامها، ونمت شواربها وازدادت قوّة، وإنْ قلّتْ جمالا. إنّ الرّجال لا يرغبون أن يُصبحوا نساء. وهم بذلك يخالفون نظرية السّعدواي، التي لو كانت صحيحة لأحبّ الرّجال أن يعودوا إلى طبيعتهم الأنثوية يومًا ما. وقد يقول قائل إنّ ذلك يعود إلى ظروف اجتماعية وتقاليد صارمة تمنع الرجال من العودة إلى مصاف النساء، أو التشبه بهنّ، حيث أنّ تشبُّه الرّجال بالنساء كان عارًا في معظم الحضارات الإنسانية، حتى أنه يصبح من علامات السّاعة، أيّ القيامة، في التراث الإسلامي.

شهادة تفوُّق
إنّ الرّجال يشكرون ربّهم لأنهم لم يُخلَقوا نساء. وهناك صلاة بهذا المعنى يصلّيها رجال اليهود كلّ يوم مُقدّمين خالص الشكر للرّب الذي لم يخلقهم نساء، بل خلقهم رجالا كما هم. وعلى أيّة حال فإنّ الرّجال في عدم رغبتهم في التحوُّل إلى نساء إنما يخالفون النساء في هذه الصّفة. فالنساء يرغبن في أن يصبحن رجالا، حتى لو لم يصرحن بذلك، دون أن يعني ذلك أنهن يتخلّين عن أنوثتهن، بل يحتفظن بها كاملة وربما طاغية. ذلك أنّ أنوثة المرأة هي جُلّ ما تملك. بينما الرّجل ينظر إلى ذكورته كشخص حصل شهادة تفوُّق علّقها على الحائط ثم نسيها. يستطيع الرّجل أن يخرج إلى العمل أو الشارع وهو مُهمل اللباس، "مخربش" الشعر، بدون مساحيق وألوان .. ولكن المرأة لا تستطيع. إنّ الأنوثة هي عنوان المرأة. وأنوثتها ينبغي أن تكون بارزة للعيان ظاهرة حتى من تحت النقاب عند من يرتدين النقاب. وهناك فارق جوهري آخر. فالأنثى هي موضوع جنسي مُتحرّك، في أعين الرجال والنساء على حدّ سواء، ولكن الرّجل قلّما يُعبّر عن كوْنه موضوعًا جنسيًا. فإذا حصل ذلك كان موضوعًا جنسيًا بالنسبة للمرأة فقط. وتستطيع أن تفحص الأمر جيّدًا عندما ترى مرأة غادرها شبابها وجمالها، وحوّلتها السّنون إلى عجوز مُجعّدة. إنها تفقد قيمتها كأنثى. إنّ شكلها يصبح مضحكًا، صدرها المجوّف يثير الشفقة، إنْ لم يكن الإشمئزاز. ورجلاها اللتان كانتا تضاهيان رجلي "مارلين مونرو" تحوّلتا إلى حطبتين، وقد فقدتا جاذبيتهما. أنظر إلى شفتيها، أو إلى شواربها .. إنّ هذا المنظر يثيرك وكأنك ترى شخصًا يسير بالشقلوب. يكفي أن ترى عجيزتها "المبعجرة" ككرة وقعت تحت مدحلة، لتشاهد بأمّ عينيك ما حدث للشابة المتأنقة إيّاها. إنّ المرأة تتحوّل شيئا فشيئا إلى رجل. وبالفعل، إنك ترى على شاطىء البحر، أو في المستشفيات امرأة عجوزا وزوجها وقد تحوّلا إلى شخص واحد. وصارا يشبهان بعضهما كلّ الشبه. وبهذا يختلف الرّجل عن المرأة. عندما يشيخ الرّجل يظلّ مقبولا نوعا ما. فهو لم يفقد جاذبيته الرّجولية إلى هذا الحدّ الذي البالغ الحدة. بقي صدره هو هو، وبقي الشعر ينبت على وجهه كما كان دائما. أمّا رجلاه فهما مُقوّستان أصلا. ولكنهما الآن ازدادتا قبحًا زيادة في الدرجة، ولم تتحوّلا إلى غير ما كانتا عليه. إنّ الرّجل العجوز لا يتحوّل إلى امرأة، كما تتحوّل المرأة العجوز إلى رجل. وينبغي ملاحظة السّبب من زاوية واحدة فقط. فالرّجل لم يكن موضوعًا جنسيا، ثم تخلّت عنه جاذبيته الماضية. كلا. ولكن الرّجل كوْنه لا يحمل هذه الصّفة، يجعله في أعين الكثيرين - في عيني على الأقل - كالشيء الذي يصفه المثل بأنه لا يُؤكَل ولا يُلعَب عليه. أنظر إلى رجل يعتبرونه وسيمًا، أو يجد حظوة عند النساء، إنك لا تحسده على جماله، فجماله مهما بلغ لا يضاهي جمال فتاة فاتنة .. ولكنك تحسده لو استطاع الوصول إلى قلوب العذارى صغيرات العقل. راقب أيضًا تلك العروض التي يُقدّمها الرّجال كعروض الأزياء - إنك لن تصاب إلا بالدّهشة من هؤلاء الشباب الذين يحسَب الواحد نفسه أبولو، حتى أبولو نفسه لا تصل جاذبيته ركبتي أفروديت. هذه هي الحقيقة. خذ أيضا ملابس الرّجال: إنها مضحكة وينقصها ذلك التنوُّع الذي يميّز ملابس المرأة. حاول أن تلاحظ رَجُلا وزوجته يسيران في الشارع، وابدأ بعدّ قطع القماش التي يرتديها كلّ منهما. لسوف تشفق على الرّجل، إنْ لم تسخر منه. ثم راقب ذلك المنديل "الهفهاف" الذي يقبع على رقبة المرأة، والذي لا تعرف المهمّة المحدَّدة التي يقوم بها، إلا أن يكون لغطرسة الأنوثة وعنجهيتها. . عند المرأة تجد تنوّعًا وذوقا رفيعًا في الهندام، لا تجده عند أكثر الرّجال المتأنقين. أترك المنديل جانبا وتركز في الأساسيات: إنك واجد العجب العجاب. فتحت الجاكيت الخفيف الذي تكون مُستعدّة أن تلبسه حتى في الصّيف، هناك قميص طويل يخفي تحته بلوزة لا تعرف الحاجة اليها بالضبط. ولكنك لو تأملتها لعرفت أنها بالكاد كافية أن تستر جسد طفل عمره 10 سنوات. وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، فتحْت البلوزة ما تحتها. من أين للرّجل هذه الجِنان المطرّزة والحواشي الفضفاضة الناعمة التي لو وجدها مُلقاة بالطريق لمرّ عليها مرّ الكرام؟ وإليك هذا المثال البسيط: راقبْ امرأة اضطرّت مرّة عند النوم أو أثناء العمل أن تلبس ثياب زوجها. إنك ترى تلك الثياب وقد تحولت الى مهزلة، وأصبحت فجأة عنوانا للفقر والعوز. ولكن وحتى وهي في تلك الحالة تغدو - وقد لبستها الأنثى - ترفل بالحياة الدافقة.

أوجه الشبه بين الأطفال والنساء
إنّ السّعداوي صادقة في نقطة واحدة. إنّ الأطفال الذكور أقرب إلى الأنوثة منهم كبارًا. فشعورهم مُدلّاة كشعور الإناث. وحتى أصواتهم لم يداخلها ذلك الصوت الأجشّ الخشن كقضيب من الخشب في طود من الصّوف. من أجل ذلك جعلت بعض الحضارات، وأوّلها حضارتنا العربية الإسلامية من الغلمان موضوعًا جنسيًا. حتى أنّ رجلا محترمًا كابن سينا، يفاضل في مقال رزين له بين إتيان الأنثى وإتيان الغلام جنسيًا، ويصل إلى نتيجة أنّ إتيان الغلام أكثر متعة، وأكثر نفعا. ولكن دعْنا من ذلك، فهذا يثير الإشمئزاز. إنّ الأطفال الذكور أكثر شبهًا بالنساء، من أجل شيء آخر هو البراءة. إنّ النساء يظهرن أكثر براءة من الرجال وهذه قاعدة. ولكن ككلّ قاعدة تكون شواذها أشدّ فظاعة.حتى أنّ الشرّ التصق بالعجائز من النساء، فيقال عجوز شمطاء. ولا يقال ذلك عن الرجل أبدًا. وبالنسبة للبراءة تظهر نساء العالم وكأنهن رمز البراءة الكوني. وهن يُحسبن مباشرة مع الأطفال في قائمة واحدة، ويُعامَلن معاملتهم. حتى أنه يحذر في الحروب قتل النساء والأطفال. أمّا الرّجال فما من مانع من تقتيلهم جميعًا. وإلى هذا الحدّ تبدو النساء وكأنهن ضمير العالم المعذب. ويكفي أن نتذكّر أنهن المرضعات. ثمّ إنهن اللاتي يحملن الأطفال، ولذلك فإنهن كأمّهات يحظين بأكثر من المجد الذي يحظى به الآباء أضعافا مُضاعَفة. ولا يهمّ أنّ النساء قد نبتت لهن قرون في القرن الماضي، وفقدن كثيرًا من مظاهر الدّعة والبراءة، بل وحتى مظاهر الأنوثة والأمومة التي كانت تميّزهن، فإنهن لا زلن يحظين بالقوانين التي تحميهن، وتدافع عنهن أمام أزواجهن أو رؤسائهن في العمل أو مجرد مغازليهنّ في الشارع - أكثر مما تحمي الرجال. والعجيب أنّ الذين يسنون هذه القوانين في البرلمانات هنّ النساء أنفسهن، وقد تمكّنّ من تقلّد مقاليد السّلطة بدلا من الرجال في كثير من البلاد. إنّ النساء يصبحن شيئا فشيئا ليس فقط العنصر الأجمل الذي يعتني بصحّته ويهدر الأموال الطائلة في سبيل أناقته وإطالة عمره، بل أيضا العنصر الأقوى .. فماذا تبقى للرّجال إذن زيادة على قبحهم، غير ضعفهم المخزي؟

النساء أطول عمرًا!
الرّجل يعيش أقلّ من المرأة حسب جميع الإحصائيات. ونادرًا ما ترى رجلا فقد زوجته، أمّا العكس فهو أكثر حصولا في العادة. والقليلون فقط يعرفون السّبب. فالمرأة التي تشكو كثيرًا، إنما تحظى في نهاية الأمر بعناية مُركَّزة أكثر من الرجل الذي يصبر على آلامه. وبكاء المرأة يساعدها كثيرًا في استعادة توازنها النفسي، بينما لا يحظى الرّجل الذي يزدري البكاء - هذه الهبة الرّبانية - فتسوء حاله. وعلى الرّغم من أنّ العضو الجنسي للرّجل بفضل تكوينه المغلق يحمي المنطقة التي تعاني منها المرأة دائما، والتي تكون عندها مصدرًا للإلتهابات، والدّماء النازفة كلّ شهر، والحرقان، إلا أنّ الأمر يسير في غير صالح الرّجل في هذا الأمر أيضا. والواقع أنّ تجويف المرأة،والذي يظلّ مصدرًا للألم والشكوى وحتى المرض من قبل المرأة (وكلكم تعرفون ما أعني)، إنما يعود عليها بالفائدة في النهاية. فجسم المرأة يطرد بواسطة هذا التجويف جميع الدّماء الفاسدة التي تجمّعت فيه. وبعد أيام من العادة الشهرية يعود جسمها ليبدو سليمًا مُعافى كجسم الحصان. هكذا يستردّ جسم المرأة توازنه أيضا، بالإضافة إلى روحها. أمّا الرّجل فإنه يبدو كالقُجّة المغلقة، أو كالكوخ الذي أحكم سده بالمسامير.

سرعة هلاك الرّجال
ثمة سبب آخر لسرعة هلاك الرجل. فالجنس يوهن قوى الرجل. ويقال أنّ السّائل الذي يهدره الرجل بدون حساب؛ أنقى من الدماء التي تجري في عروقه. ومن جهة أخرى فإنّ كاتبًا عالما كالجاحظ أرجع سبب قوّة البغال وطول عمرها إلى انعدام ممارستها الجنسية. أما العصافير، وهي تكثر من السّفاد (الفعل الجنسي)، فإنّ حياتها قصيرة - برأيه. والجنس الذي يُهلك صاحبه هو الجنس الذي يمارسه الذكر لا الذي تمارسه الأنثى. لأنّ الأنثى تلعب دورًا سلبيًا في العملية كلها. فهي أوّلا لا تفقد الماء العذب. ولكنها تتلقاه. كذلك - ويا للسّخرية - فهي أقدر على مُمارسة هذا الفعل من الرّجل. فهي تستطيع في هذا الميدان أن تهلك أعتى الرّجال. إذ لا يطلب منها فعل الكثير. أمّا الرّجل فإنه لن يستطيع أن يحرك ساكنا بدون صلابة الحديد. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ المرأة، وهي عادة ما تعاني من مشاكل الوصول إلى الذروة، تستطيع أن تمثل هذا الدور بكل راحة ضمير. فليست هي التي تسكب "الماء". إنّ الرّجل لا يستطيع أن يجاري المرأة في كلّ ما يتعلّق بالجسم أو بأمور الصّحة. خذوا أيضا كتل السّمنة عند الرجل البدين وقارنوها بمثيلاتها عند المرأة البدينة. عند الأوّل تتكوّر هذه الكتل الشحمية، طبقات طبقات، فوق بطنه، وتضغط على صدره، وتشكّل خطرًا قريبًا من القلب. أمّا المرأة فإنها تحفظ كلّ شحومها الزائدة في ردفيها، بعيدًا عن القلب والأماكن الحسّاسة في الجسم. وفي ذلك منفعة لها أيّة منفعة. طبعًا هناك الحديث عن قوّة الرّجل البدنية والتي تجعله مُحاربًا في الصف الأوّل، مُدافعًا عن الوطن، وعاملا يسعى منذ الفجر إلى تحصيل قوت أولاده وامرأته، وهي نفس القوة التي تجعله مُغتصبًا أيضا. ولكن أيّ فضل للعضلات في عالم لم يعد يستطيع رجل أن يرفع إصبعه في وجه امرأة؟


.
[SIZE=6]د. أحمد هيبي [/SIZE]
 
أعلى