كريم اسكلا - الطقوس الجديدة للأجساد بالمجتمع المغربي.

I- تقديم
أفيقــوا علينا، فإنـا رُزئـنا = بعيد السحيـر قبـيل الشـروق
ببيضـاء غـيداء بهنـانــة = تضـوع نشرا كمسك فتيـــق
تمايل سكرى كمثل الغـصـون = ثنتـها الرياح كمثل الشقيــق
بردف مهول كدعص النـقــا = ترجرج مثل سنـام الفنيـــق
فما لامنـي في هواها عـذول = ولا لامني في هواها صديقــي
ولو لامني في هواهـا عـذول = لكان جوابـي إليـه شه قــى

ابن عربي. ذخائر الأعلاق، شرح ترجمان الأشواق،

نقترح في هذه الدراسة سؤال "الجسد" في المجتمع المغربي، ليكون موضوعا للنبش العلمي، وباقتراحنا هذا، فإننا نراهن على اختراق إحدى زوايا المجتمع الأكثر مقاومة لنظرة العلم المتفحصة. بالتالي نراهن على هامش واسع من المغامرة والمخاطرة... لكن أيضا هامش من اللذة تغذيه الجرأة المعرفية...

فقد ظل سؤال "الجسد" سؤالا مؤجلا، سؤالا محرما تعوقه أسباب معيقة للعلوم الإنسانية و أخرى معيقة لهذا السؤال بشكل خاص, إذ سعت المؤسسات الاجتماعية (الأسرة، المدرسة، المسجد،...) إلى ضبط وإخضاع "الجسد" لمنطق الشرع ,والورع ,والعقل. من ثم كانت كل الأمور المرتبطة ب"الجسد" الغير مد جن والغير مهذب أمورا مذمومة ومرفوضة.

إن الحذر من البعد الليبيدي والغريزي كان واضحا من خلال تكريس الثنائيات الضدية: الجسد/الروح، الجسد/النفس، الجسد/العقل... لكن ومع موجة الحداثة ، ثم ما بعد الحداثة، رُفع شعار "تحرير الجسد" ورد الاعتبار له، وبتعبير نيتشوي "الإنصات إلى رنات وموسيقى الجسد"§§. لتبرز بذلك ﺇحتفائية بالقيم الحسية كرد فعل مضاد لأقانيم الميتافيزيقا المسيحية-الأوربية.

يقول (هشام العلوي) إن: «علماء الكلام والصوفية، لم يتصوروا وجودا للقدسي خارج دائرة الجسد، سواء في صفاته أو في أفعاله»[1]، كان هناك قبول ,إذن، بالإنسان بشقيه الروحاني والجسماني . لكن يبقى هذا الطرح مفارقا لبعض أشكال تبخيس "الجسد" للبحث عن يوتوبيا الروح . ليبقى سؤال الجسد/الروح... سؤالا إشكاليا أيضا على مستوى الفكر الإسلامي، و/ أو على مستوى الميتافيزيقا الإسلامية-العربية.

إن سؤال "الجسد" يعتبر مدخلا مهما لفهم العديد من العلاقات الاجتماعية، إذ تشكل العلاقة مع "الجسد" علاقة مع الذات، ومع الآخر. مع الذات، بما أنه يعتبر "وجبة دسمة" تتغذى عليها العديد من الأساطير والمواقف والتمثلات الاجتماعية، والإيهامات المطبوعة باللذة الايروسية. ومع الآخر, حيث لا يمثل عالم الوشم والألوان والزينة والأزياء والإيماءات... سوى ترجمة للهوية والانتماء الاجتماعي للأفراد .

لابد وأن سؤال "الجسد" ينفتح على حقول معرفية عديدة ومتشعبة من فلسفة ، سيميولوجيا،انتروبولوجيا، بيولوجيا، طب... مما يجعل منه دون شك موضوع "خلاص" على حد تعبير (جون بودريار ) . لكن اتساع رقعة العديد من الظواهر الاجتماعية المرتبطة به بشكل أو بآخر، كالموضة، العمل الجنسي، البورنوغرافيا، جراحات التجميل،... تجعل منه مطلبا اجتماعيا أيضا .هكذا يمسي سؤال "الجسد" مطلبا ابستيمولوجيا واجتماعيا في الآن نفسه.

نطرح، إذن، سؤال "الجسد" مستحضرين أفقين اثنين:

* محاولة تجاوز إحدى انزلا قات بعض الأبحاث حول "القضية النسائية"، التي لا تتحدث إلا عن الجسد الأنثوي، وكأن الجسد الذكوري لا يشكل موضوع سؤال. وتكون بذلك لا تخرج عن نمط المعرفة العامة والأحكام المسبقة السائدة من خلال التقسيم الجنسي للأدوار الاجتماعية.

* محاولة الإتيان بفهم جديد للإنسان، بإعادة تجديد التفكير في العلاقة بين الطبيعة والثقافة، بين الفطري والمكتسب، لنتساءل مثلا ما هي الحدود بين "الجسد الفطري" و"الجسد المكتسب"؟ وكذا مساءلة العلاقة بين الفرد والمجتمع، تلك العلاقة التي تمكننا من التساؤل حول الاستعمالات الاجتماعية للجسد وعلاقتها بالتراتب الاجتماعي. وكذا التساؤل عما إذا كان "الهابتوس الجسدي" أو "تقنيات الجسد" إحدى البنيات المستدخلة خلال عملية التنشئة الاجتماعية؟ وكيف يتم ذلك؟...

إن هذا يعزز لدينا فكرة أن هذا البحث لا يعدو أن يكون خطوة أولى نحو التأسيس لمشروع كبير للبحث في سؤال "الجسد" في المجتمع المغربي.

«ترتكز المهمة إذن ،سوسيولوجيا الجسد والعلوم الإنسانية بشكل عام، على إنارة مناطق الظل،بحماسة يجب أن تكون الموجه لأي بحت ،لكن طبعا بعيدا عن وهم و استيهام الضبط المطلق ، دون أن نهمل كذلك كلا من التواضع و الاحتراس ،و كدا الابتكار الذي يجب أن يسوس أي تمرن على التفكير».

D. le Breton, La sociologie du corps,[2]

II-تحديد المشكلة السوسيولوجية :

إن صعوبة التحديد الدقيق لما نود دراسته، مهد لنا السبيل إلى التنسيق العلمي الموضوعي للمشكلة السوسيولوجية التي نرنوا دراستها، وذلك بأن سلحنا بمبدأ النسبية، أي الاكتفاء بما في إمكاننا النظر فيه.

يقف " الجسد" كموضوع للدرس عند حدود مجموعة من العلوم، أو حيث يتصارع ويتآكل الباحثون ،إن جاز لنا استعارة كلام (مارسل موس)[3]. ومن هنا يستمد موضوع "الجسد" ﺇلتباسه وإبهامه وصعوباته.

***

إنها أبعاد بقدر ما تتباعد وتتنوع بقدر ما تتشابك وتتوحد، بالتالي تبرز الأهمية العلمية التي تسعى هده الدراسة الاتصاف بها : محاولة التموقف الاستراتيجي ما بين النزعة الشمولية والنزعة التجزيئية المغالية، فالرهان من جهة هو عدم الإغراق في النزوع إلى امتلاك والقبض على كل أبعاد الظاهرة ، والانتباه إلى المطلب المابيعلمي من جهة أخرى .

« يبدو وكأن الإستراتيجية الكبرى للثقافة هي إستراتيجية التعليب... جدران من الجهات العشر... أبواب محكمة الإغلاق و رغبة مطمورة في عري ماجن لجسد مكبل بألبسة استعارية» .

عبد الحميد بن داوود، التشظي[4]،

1) وهج الأسئلة :

ظل سؤال "الجسد" إلى وقت قريب حبيس ثنائية : المناولة الفيزيولوجية من جهة، والمناولة الفلسفية من جهة أخرى، ولم يعلن عن نفسه كموضوع للانشغال العلمي إلا مع الابحات والدراسات اﻷنتروبولوجية و السوسيولوجية الأولى (جورج زيمل -1901-[5]G.Simmel-،روبير هيرتزR.hertz [6]-1928- مارسل موس M.Mauss[7]-1934-...)

ليأخذ "الجسد" مكانة ملائكية في الأسئلة المطروحة في العلوم الإنسانية، خصوصا انطلاقا من ستينات القرن العشرين، ذلك في سياق الحركات النسائية والشبابية ... وجملة من التغيرات السوسيوثقافية و السوسيواقتصادية التي عرفتها أوربا في تلك الفترة[8].

لم يظهر الاهتمام "بالجسد" من لدى الباحثين المغاربة إلا في فترة لاحقة – فترة السبعينات والثمانينات –مع باحثين )عبد الكبير الخطيبي، فوزية بلخياط[9] ...) كان لهم الفضل في إثارة الانتباه إلى ضرورة مساءلة "الجسد" في المجتمع المغربي بآليات العلوم الإنسانية .

مكن هذا المخاض من تبلور مثن مهم حول سؤال أو أسئلة " الجسد" بصفة عامة، أو حول "العلاقة بالجسد" وارتباطها بالوضع الاجتماعي –موضوع دراستنا في هذا المقام- هدا المثن الذي ألفينا أنفسنا نكاد نصاب أمامه " بالدُوَار"، أولا نظرا لتعدد أبعاد الموضوع، ثانيا تعدد المناولات المنهجية التي تناولته، ثالثا تداخله مع العديد من الظواهر الأخرى.

2) الشبكة المفاهيمية:

لا ضير في أن نعيد تحديد ما نود دراسته تحديدا "دقيقا" ، دفعا لرغبة دفينة تنزع إلى الخوض في كل شيء، وذلك احتراما لضرورة علمية، محبطة بعض الشيء تفقد معها الظاهرة الاجتماعية كليتها ، لكنها مفيدة عمليا.

يتمحور اهتمامنا في دراسة نوع العلاقة التي يؤسسها الفرد المغربي بالجسد، وكذا ارتباط نوع هذه العلاقة بالانتماء الاجتماعي وبالتحولات السوسيوثقافية التي يعرفها المجتمع.

لابد،عند هذه اللحظة، من التعريف الإجرائي للمفاهيم الأساسية الموجهة للبحث:"الجسد"، "العلاقة بالجسد".

1– في مفهوم "الجسد" :

إن «جسد التشريحيين يخالف جسد الفيزيولوجيين أو علماء الأحياء، والجسد كما تصوغه المؤسسة الطبية والعلمية يغاير صياغات مؤسسات أخرى سياسية أو إعلامية أو جمالية أو دينية أو رياضية، وهلم جرا ... بحيث يغدو الجسد أجسادا مفهومية»[10] إنها،إذن، الصعوبة الكبرى التي تواجه أي محاولة لتحديد المفهوم، إضافة إلى أن كل مشتغل في ذات الحقل يصوغ مفاهيمه الخاصة، هكذا ، وحسب التعريف المعجمي : فالجسد : «جسم الإنسان ولا يقال لغيره من الأجسام، ولا يقال لغير الإنسان جسد من خلق الأرض»[11] فجسم الشيء حقيقته، نلحظ أن الجسم والبدن، والجسد ترد مترادفة، ليكون الجسد : «هو جماعة البدن» ويكون « بدن الإنسان هو جسده»[12] في هذا الصدد يرى الأستاذ (فريد الزاهي) أن «الانتقال من الجسم إلى الجسد إلى البدن هو انتقال ممكن ومفتوح ولا يخضع لأي تراتبية معينة»[13].

يعبر الجسد corps- ،أيضا ،عن الجزء المادي في الكائن الحي، عن مجموع الأعضاء البشرية، وذلك في مقابل العقل والروح[14].

إن الوقوف عند الجانب العضوي البيولوجي للجسد نجده أيضا في أبحاث بعض الدارسين المحسوبين على السوسيوبيولوجيا مثلا، والدراسات الطبية والبيولوجية التي تنزاح نحو "الجسد العالمي" أي الجسد باعتباره معطى متماثل ومتساوي عند الجميع[15]. إن هذا الطرح هو الذي سعت الأبحاث المبكرة في الانتروبولوجيا والسوسيولوجيا إلى تفنيده، وذلك بإبراز الجسد الأنتروبولوجي – الاثنوغرافي – الثقافي ... في مقابل الجسد البيولوجي، إذ تخلص تلك الدراسات إلى القول بأن المشي، الرقص، الأكل، الجماع، الجلوس، الوقوف، النوم ... أشياء طبيعية مسألة غير دقيقة تماما[16]. فالتنفس ذاته واقعة ثقافية، كما يعلن ( سبير-(Saphir 1967[17].

«إن الجسد هو المجال حيث يتواجه الاجتماعي والفردي، الطبيعي والثقافي، النفسي والرمزي»[18]. إن هذا التشابك يبرز اكثر عند طرح ثنائية الجسد/الروح حيث يحظر الأسطوري، الثقافي، الرمزي ... يقول(مالك شيبل) بأن الجسد هو «الشكل الذي تأخذه الروح لكي تتمظهر وتتجلى، سواء تعلق الأمر بالإنسان أو بالملائكة، أو الجن، أو كان مجرد تمثيل للخيال الإبداعي»[19].

تساءل الانتروبولوجيا والسوسيولوجيا ... "الجسد" باعتباره لغة ومساحة للمعتقدات، إنه «جسد للغة والمعتقدات، والأساطير أكثر منه جسد تشريحي، مقارب عبر قياسات بيولوجية، مما يعطي الاستقلالية لاستعمال هذا الجسد الأنتروبولوجي في المنظور الوجودي، وفي السياق التداولي. إنه قطعا جسد للاثنولوجيا: جسد مكان وموضوع تمثلات لا جسد جاف و مخبري. إنه جسد حي –un corps vit-»[20] . لكن( دافيد لوبروتون)[21] يميز بين الجسد في المجتمعات الغربية، فهو عكس المجتمعات التقليدية، جسد منشق ومنفصل عن الجماعة. وعن الكوسموس، وعن الطبيعة، بل عن الفرد ذاته. يقول «إن الجسد، المنفصل عن الفرد، أصبح موضوعا للتشكيل، والتعديل، و النمدجة، حسب الذوق اليومي المراد من قيل الفرد، بهذا المعنى يعدل الفرد، لا مظهره فقط، بل ذاته عينها، يرتبط الجسد إذن بقيمة غير قابلة للمنازعة. لقد ثم إلباسه غطاء سيكولوجيا –Il est psychologise- وأصبح مكانا قابل للسكن بسبب هذا الملحق –الروحاني والرمزي-»[22]

نستخلص من جملة كل هذا، تعريفا إجرائيا لما نقصده بالجسد في دراستنا هذه:

¨ الجسد ليس معطى طبيعي، باعتباره مجموعة من الأعضاء التشريحية، بل هو مكتسب اجتماعي يتم بناءه عبر التفاعل الاجتماعي.

¨ الجسد، جسد للتمثلات، للمعتقدات، للأساطير... يختلف حسب السياقات الانتروبوثقافية.

¨ الجسد، ليس حالة، بل هو سيرورة متحولة ومتغيرة كل لحظة حسب التحولات الاجتماعية داخل المجتمع.

2 –في مفهوم "العلاقة بالجسد" :

يستعمل مفهوم" العلاقة بالجسد" كمرادف لمفهوم العناية بالجسد، كما يستعمل للدلالة على جملة تصورات ومواقف و تمثلات الأفراد حول الجسد: أو قد يستعمل أيضا كمرادف لمعنى تقنيات الجسد عند( مارسل موس)، أو الهابتوس عند ( بيير بورديو)... مما يعطي هذا المفهوم ميزة الشساعة والالتباس.

سنحاول هنا أن نقدم تعريفا إجرائيا لما نقصده "بالعلاقة بالجسد" :

نقصد بالعلاقة بالجسد جملة العمليات، "الطقوسrites -" ،التي يكون موضوعها الجسد، سواء تعلق الأمر بعمليات إبراز المظهر الخارجي، أو ما قد يظهر على أنه طقس علاجي، صحي، ﴿الحمية، معالجة الأمراض الجلدية، رياضة،...﴾ أو ما قد يبدو أنه سلوكات اعتيادية في الحياة اليومية ﴿الأزياء، الاستحمام، الحلاقة...﴾ وصولا إلى العمليات الجراحية التجميلية... لأن كل تلك السلوكات تبقى رهينة المعنى الذي يعطيه لها الأفراد فاستعمال "الحناء" مثلا يقصد منه الحماية من المرض، أو العلاج من مرض، كما قد يقصد منه الإغراء والتزيين.

تختلف العلاقة بالجسد، ادن ، حسب المعنى الذي يعطيه الأفراد لسلوكاتهم نميز بين نوعين من العلاقة:

- علاقة أذاتية –Relation Instrumentale-[23]: حيث استعمال وظيفي يستعمل الجسد كأداة لها عدة وظائف ومهام. يحظر المرض مثلا كمعيق عن العمل الفزيائي للجسد. كما لا ينفصل الجسد عن الفرد وعن الجماعة وعن الطبيعة، بل هو امتداد لكل ذلك.

- علاقة نرجسية –Relation Narcissisme-[24]: تعرف هذه العلاقة استثمارا نرجسيا تضخيميا للجسد، إنها حالة متقدمة للنزعة الفردية، علاقة فيها الكثير من التنبه إلى الجسد، عكس العلاقة الأذاتية ينفصل الجسد حتى عن الفرد ذاته.


-3السؤال المركزي والفرضيات :

يعلمنا " الفقه السوسيولوجي سُنة" حميدة في البناء العلمي للبحث تتعلق بحصر موضوع البحث بسؤال مركزي يتسم بالوضوح ،والدقة ،والقابلية للإنجاز. لهذا ارتأينا أن نصوغ المشكلة التي نحن بصددها في سؤال كما يلي:

هل العلاقة بالجسد في المجتمع المغربي علاقة أداتيه أم نرجسية ؟

نقترح مباشرة أجوبة مؤقتة عن السؤال المركزي-فرضيات-، أجوبة سوف نختبرها ميدانيا :

- العلاقة بالجسد علاقة أذاتية عند الفئات الاجتماعية الدنيا، وعلاقة نرجسية عند الفئات الراقية.

- حضور الجسد كرأسمال عند بعض الأفراد يعبر عن أزمة هوية.

يعتبر الصراع ضد الأفكار المسبقة، العملية المتجددة والمستمرة طيلة مراحل أي بحث، ويعتبر الميدان المختبر الذي يعرف أقوى لحظات مصارعة تلك المعرفة المكتسبة من خلال الألفة مع العالم الاجتماعي.

إن الحذر من البديهي ومما لا يمكن الشك فيه... هو المبدأ الذي سعينا إلى استحضاره في مرحلة هامة جدا، خصوصا بالنسبة لباحث مبتدئ، لازال "يتعلم الحبو" نحو عوالم البحث العلمي، إنها مرحلة الاختبار الميداني لجملة من المعطيات التي تجمعت لدينا خلال مسار البحث

« ألا يحمل تحويل الجسد إلى معطى شبقي تناسلي، بدعوى "تحرير الجسد"، ألا يحمل بين ثناياه تكريسا للجسد باعتباره محرما و تابو يراد اكتشافه من خلال ثقوب و فتحات الأبواب الخلفية. كأن الحداثة عوض أن تخلص الجسد من أساطيره كرستها بل و صنعت له أساطير جديدة » .

III-استنتاجات

1- الجسد والمقدس [25]:

1-1- العناية بالجسد كسلوك اعتيادي .

يبدو وكأن العناية بالجسد باعتبارها نظافة اعتيادية معطى طبيعي عند أغلب عينة البحث، إنها سلوك يومي طبيعي...[26] لا يتم الحديث هنا عن الجسد إلا باعتباره مظهرا خارجيا، أي أن العناية بالجسد هنا هي أبراز لمظهر خارجي نظيف.

إن هذا التطبيع الاجتماعي يجد له سندا دينيا لدى( 18/10)[27] من المبحوثين، يقول (ك.م.) 25 سنة، عاطل: "النظافة من الإيمان، والله جميل يحب الجمال... حتى أن الدين يوصي بالاهتمام بالنظافة، لأداء العبادات من غُسل ووضوء مثلا" إن ممارسة الطقوس الدينية هنا مرتبطة أشد الارتباط بالتعبير الجسدي، أي أن الجسد يجب أن يكون "طاهرا" [28] بل أن السلوكات المرتبطة بالنظافة الاعتيادية على هذا المستوى: مثل الوضوء والغسل...[29] أي جملة من الضوابط والقواعد الواجب احترامها، يجعلنا نسلم بضرورة إعادة التفكير في ثنائية الجسد/ الروح، إذ أن الجسد هنا يخضع لكل ما يمكن أن يعيشه الفرد من إكراهات وتصورات ومواقف، عموما لكل ما ينطوي تحت الثقافة.

نجد في المقابل، أيضا فهم لهذه العناية الاعتيادية، فهما أقرب منه إلى الفعل العقلاني القصدي، دون أن تكون له حمولة قيمية. تقول (ح.أ) 24 سنة، معلمة : "... عادي جدا... بعد يوم طويل من العمل والجهد لا بأس من أخد –دوش- حمام للاسترخاء وتنشيط الدورة الدموية".[30]

1-2 - العناية كسلوك ايروتيقي [31].

تمت الإشارة في سياق الحديث عن العناية بالجسد إلى الحمام العمومي LE Bain عند

( 18/16) مبحوث. إذ تتم زيارة الحمام العمومي سواء بشكل دوري (كل جمعة، كل سبت أو أحيانا أو حسب مناسبات معينة).

تتحدث الدكتورة( تراكي زناد (T. Zannad[32] عن الحمام العمومي باعتباره مؤسسة اجتماعية تصنف ضمن أهم العناصر المكونة للمجال في المجتمعات الإسلامية ، إذ هناك جملة من القواعد والطقوس المصاحبة لعملية الاغتسال في الحمام من استعداد على مستوى جملة من المواد والوسائل.

يحظر الحمام كفضاء ايروتيقي- فضاء لطقوس العناية وطقوس العلاج..-: «مكان للرطوبة بامتياز، وفرة للماء من جهة، وجو لصيانة متميزة للحرارة والدخان. كل ذلك مؤمن بجدران...

وإضاءة تخترق زجاجا سميكا على العموم» [33]. إنه فضاء مشحون جدا، فضاء حميمي. تقول (أ. أ) 20 سنة طالبة: " الحرارة ... رطوبة... التقاء مع فتيات ونساء ... ممتع جدا... أنا أنسى نفسي أنسى كل شيء"، إنه مكان/زمان الجسد بامتياز.

الحمام أيضا فضاء طقوسي ديني، مرتبط بلحظات النفاس والحيض عند النساء، والغسل من الجنابة عند الرجال [34]. إذ أن (18/8 )من المقابلات تربط بين الحمام والممارسة الدينية.

يشير كل من (مالك شيبل) [35] و(الرازي نجاة) [36] إلى نظرة تستحضر الجسد الأنثوي كمدنس. ففي الزمن الذي تعلن فيه المرأة عن تميزها عن أنثويتها، تنتابها مشاعر النجاسة والقذارة، نجاسة لا شك وأنها نتاج اجتماعي ترسخ عبر سيرورة تاريخية طويلة.

لكن ما نود الإشارة إليه هو حضور إحساس القذارة والنجاسة أيضا عند الذكر. فخروج المني منه يستوجب طقوسا للتطهير، كما أن بحث الذكر عن الأنثى / البكارة، عن المرأة التي لم يلمسها ذكر قبله، قد يستبطن إحساسا لا واعي بأن الرجل مصدر تلويث، إنه يبحث عن المرأة التي سيطمثها –يلوثها- هو وحده.

بالتالي فإن الغسل/النظافة، خصوصا في فضاء الحمام، يعتبر تطهيرا ضروريا. وكأننا بصدد طقوس التطهير كما في المجتمعات البولونيزية- Polynesien ، كما أشار إليها R.Caillois) ) في دراسة عن الطقوس الجنسية للتطهير عند قبائل الطانكا Thongas ليخلص إلى أن المبدأ المحرك لتلك السلوكات هو الاعتقاد بأن الفرد مدنس بالموت عبر مصدر حياته. هكذا يعتبر الفرد حامل لنجاسة عبر الشيء الذي يعطيه الحياة [37].

2- طقوس الاعتناء بالجسد [38]: بين الركح والكواليس[39] .

2-1- الماكياج : لعبة الأقنعة .

أشارت (9/7 )من المبحوثات إلى استعمالهن لمواد تزينية بشكل أو بآخر، قد تكون مواد طبية أو طبيعية ”كالحناء، زيت...“ إنها جملة من الوصفات ذات الطبيعة العلاجية –الغذائية- الجمالية، يصبح الماكياج Maquillage مثلا، بهذا المعنى ملتبسا، حيت أن «فائض الإنتاج في العناصر التجميلية، وإبداع تقنيات جديدة للتزيين، والاعتبارات الإشهارية تمكنت من جعل معنى "الماكياج" معنى واسع، وغير دقيق، لقد ارتبط بالجمال، بالطب، بجراحات التجميل، وأحيانا بالغذاء... إن بعض المنتوجات تفرض التساءل حول أين تنتهي العناية الصحية-العلاجية وأين يبدأ البحث عن الأناقة والجمال. لنفهم أن الجمال يؤكل أيضا، لكننا لا نعرف متى نكون سليمات ومتى نكون أنيقات–Coquette-»[40].

تقول (س.م) 24 سنة، تعمل بإحدى الأسواق الممتازة: "الآن هناك وفرة وتنوع في مواد العناية بالجسد، مواد تصنع على أعلى مستوى، لم يعد الماكياج مثلا من "الكماليات" إن (9/5) من المبحوثات يستعملن مواد تزين بعلم و رضاء عائلاتهن، في حين أشارت (9/2 )إلى أنهن يخفين ذلك عن أسرهن. لكن ما الهدف من هذا؟ تقول (ج.ج) 20 سنة، خادمة في البيوت: "أنه التمتع بصحة جيدة وإرضاء الذات هذا كل شيء... لا يمكن أن أكون سعيدة بجسد كله تورمات أو جسد غير متناسق، بل حتى أن المجتمع لن يكون سعيدا بذلك" إن هذه الفتاة التي التقيناها ب "آيت أورير" ، وذات المستوى الاجتماعي الضعيف، كسرت في تفكيرنا الاعتقاد بأنه من المفروض أن نجد فتيات من مستوى اجتماعي ضعيف أو متوسط تصرف أموالا باهظة في الاعتناء بجسدهن/مظهرهن الخارجي، ذلك لنفهم أن العناية الايروتيقية بالجسد لا تميز طبقة أو فئة اجتماعية، بل وجدنا انه يكفي إذن أن نساءل المعنى الذي يعطيه الفرد لسلوكاته، إن هذا ما أكدته لنا أستاذة في التعليم الإعدادي، 23 سنة: "...كل واحد وكيف يعتني بجسده سواء كان غني أو فقير... ماذا تسمي وضع الكحل، الحناء، الزعفران، السواك ، الوشم... كلها عناية بالجسد عند النساء القرويات، بل أكثر من هذا حتى لدى الذكور ماذا نسمي الاهتمام بحلاقة الشعر والذقن وإبراز العضلات... إنه أيضا عناية... إغراء ربما" تقول (س.م): "...هناك فتيات يضعن الحجاب، لكن مثلا يكون ضيقا، ويضعن مواد تجميل خفيفة وكحل على العينين... إنه تزيين (صمت) إثارة للانتباه أيضا، وحتى التي تضع النقاب ربما هي دعوة للرجال لاكتشاف ذلك المخفي".

لقد أكدت (9/2 ) أنهن لا يستعملن المواد التجميلية إطلاقا وذلك مبرر بحكم قيمي أخلاقي يحرم الإغراء والتبرج. إن هاتين المستجوبتين متمايزتين من حيث المستوى الدراسي (ابتدائي/ثالثة جامعي) ومن حيث الانتماء الاجتماعي (آيت اورير/جليز). لكنهما تتفقان على أن المرأة/الفتاة الفاضلة لا يمكن أن تتزين إلا في مجال آمن وسري ولأجل إرضاء زوجها فقط[41].

هل التجميل خاصية نسائية؟ هل يتعلق الماكياج بعالم المرأة الأنثى فقط؟ أم أن الذكور يواجهون هذا الموضوع بالإخفاء؟ إذ لم ترد إشارة واضحة إلى تجميل أو استعمال مواد معينة يقصد منها التزين لدى عينتنا من الذكور (9/8)، رغم أن البعض تحدثوا عن اعتنائهم بتسريحة الشعر، وحلاقة الذقن، عطور، ملابس. يقول (و.ب) مثلا، 20 سنة، صاحب صالون للحلاقة والتزيين: "رغم أن الناس يربطون الزينة والاهتمام بالجسد بالنساء، لكن هناك مجال أيضا للذكور (...) وممارسة رياضة تقوية الأجسام أو فقط رياضة الجري لإبراز العضلات المفتولة والواضحة رمز الرجولة". يرد هذا الكلام متناسبا مع إشارة للدكتور (مالك شيبل) إلى أهمية رمزية اللحية والشارب في المجتمعات المغاربية. إذ لا ترتبط بمعنى الرجولة فحسب، بل بالمروءة أي بالرجولة الكاملة[42]. أو كذلك من خلال حديثه عن الأنف وارتباطه بالأنفة L'honneur [43]أو بشكل عام مختلف عناصر الوجه التي تتحول من عناصر بيولوجية مرفولوجية إلى اختراقات ثقافية للجسد وعبر الجسد.

إن ميلاد ثقافة الزينة والاعتناء الانثربو-ثقافي الطاعن في القدم بجمال الجسد، نقل الجسد الإنساني من حالته الأداتية إلى حالته الاستمتاعية الليبيدية. اذ مرت من استخدام الأعشاب إلى إمبراطوريات الموضة الحديثة. إن الانتباه إلى المعيش اليومي مثلا لبائعي و رواد الأعشاب العلاجية في حلقات خاصة في جامع الفنا بمراكش مثلا[44] أو متاجر خاصة بطب الأعشاب يزودنا بمثن هام لم يتم الانتباه إليه بعد على مستوى الدرس الانتروبولوجي والسوسيولوجي.

يراد لثقافة ما أن تركن إلى الهامش الاجتماعي ، أي إلى ذلك المجال المحتضن للمحرم، بالتالي تكون محتضنة لأعمق ركائز السياقات الانتربوثقافية: نتحدث هنا عن ذلك الخطاب المتسرب من أبواب المجتمع الخلفية: النكتة، السب و الشتم – [45]Injure ... أي خطاب يتناول الجسد الخاص: خطاب حول قِصر أو عدم انتصاب العضو التناسلي لدى الذكور، ظهور أعراض فيزيولوجية مصاحبة للإفرازات المهبلية لدى الإناث، صغر الخصيتين، صغر أو ضخامة الثديين، شعر أطراف الجسد[46]،... إنه معيش يومي لابد وأنه سيقربنا من فهم المخيال الاجتماعي. لكن الأكيد أنه يتطلب دراسة متأنية.

إن ما بهمنا ، الآن ، هو أن المرأة على هذا المستوى تطالب بالعناية بنفسها بجسدها بجمالها حتى ترضي جمهور الذكور على وجه الخصوص. وكأننا بصدد مازوشية أنثوية، أو بصدد إعادة إنتاج قيم النظام الاضطهادي بتواطؤ من المضطهد ذاته. ليكون استعمال الماكياج و عدم استعماله انخراطا في لعبة الأقنعة الاجتماعية بشكل أو بأخر.

كما أن إماطة اللثام عن المعيش الشبقي لمجتمع الذكور قد ينبئ بالتباس عميق على مستوى الهوية الجنسية، باستحضار المراوحة والتأرجح الملحوظ بين مسلكيات تعتبر ذكورية وأخرى تعتبرت أنثوية.

2-2 - الأزياء : لعبة التصنيفات :

لم يكن الزي منفصلا عن الجسد خلال كل الاستجوابات التي قمنا بها ، وكأنه حين نتحدث عن الزي فإننا نتحدث عن الجسد، إن للزي وظيفة إظهار وتمييز [47]على مستويات عدة: الجنس، السن، الثقافة، الدين ،الانتماء الاجتماعي...إنها لعبة التصنيفات بكل وضوح . إننا في المجتمع المغربي مثلا يمكن أن نميز ما بين "الحايك" الصحراوي، و"الحايك" الصِويري، والأزياء المميزة لسكان الأطلس المتوسط كقبائل دادس (ممتدة ما بين مدينتي وارززات والراشدية): "تاسبنيت Tasbniyte - "، " تاشطات Tachtate- " ... أو القفطان والقبعة الخاصة بساكنة جبال الريف بشمال المغرب...[48]

إن ما يهمنا، اللحظة، هو أن هناك « نزعة قطيعية متصاعدة في مجال اللباس، وأن هذه القطيعية تتوقف على نوع من التبعية التي تجعل البعض يتخذ نمطا من اللباس، ومن ثمة الجسم، مثال ذلك لباس الشباب والشعر الطويل ونماذج الاقتداء المختلفة بمختلف النجوم » . لقد أشار

( 18 /6 ) من المبحوثين بينهم فتاتين إلى حرصهم على ارتداء ملابس بماركات محددة ، إما رياضية تحيل على رياضيين نجوم معينين أو فنانين سينمائيين . في حين أن البعض لا يبدي أي اهتمام بنوعية ملابسه. يقول (م.م) 25 سنة، سائق سيارة أجرة: "... في الحقيقة لم يسبق لي أن فكرة أصلا في ما الذي يحدد نوعية ملابسي... ربما زوجتي... استعمل أي شيء يكون نظيف ومتناسق هذا هو المهم" ، و يؤكد (ص.أ) 25 سنة طالب جامعي أن : "هناك من يبالغ في نوعية الملابس مثلا، هناك ملابس باهظة الثمن رغم منظرها العادي، هناك من يهتم بماركات معينة دون غيرها أنا أكتفي بالملابس المتوفرة في الأسواق بأثمنة متوسطة، جد متوسطة"

لا تتحدد الحساسية تجاه الزي ، بالجنس، حيث أن ( 9/5 ) من الذكور يظهرون اهتماما واضحا بنوعية الأزياء التي يستعملونها. وإن كانت نسبة الإناث، على هذا المستوى، أعلى (9/8). كما لا تتحدد بالانتماء الاجتماعي بشكل مباشر، إن الأزياء التي يفوق ثمنها ألف درهم للقطعة مثلا، نجدها في الأحياء الراقية، كما قد نجدها أو نجد مثيلا لها في الأحياء الدنيا والمتوسطة. كما انه لا يتحدد بالمستوى الدراسي . ألا يعتبر هذا، على الأقل على مستوى الظاهر، اتجاه نحو التوحد وانتفاء التراتب الاجتماعي ، أي شكل من أشكال تخفيف التمايز الاجتماعي. أم أنه إخفاء اجتماعي لمقدار التضاد و التراتب داخل المجتمع؟ إن هذا الانخراط العام في موجات موضة الأزياء، قد نجد له فهما في ما يسميه ( بيير بورديو ) الهابيتوس الفردي، فقد يتعلق الأمر باستعدادات ناظمة و منتظمة لدى الأفراد باعتبارها حاجات اجتماعية لتأكيد الاندماج الاجتماعي.

تتفق أغلب المقابلات التي تحصلنا عليها مع ما يشير إليه (رولان بارط) في حديثه عن الاتجاه نحو « إلغاء الفرق بين الجنسين في اللباس، فالجسم –اللباس- يفقد تمايزه والجسم يتحرر من اللباس. ويعود العري إلى الظهور في مرونة وفسحة اللباس المنفتح بسهولة»[49].

لا يهمنا هنا الوقوف عند أنواع الزي التي يتجه إليها الأفراد، وإنما نريد أن نشير إلى أن وسائل الإعلام –الثورة الإعلامية المعلوماتية، وانفتاح السوق الاستهلاكية... قد عولمت - أنماط من اللباس/الجسد . إذ لا بد وأنها تحدث رجات عميقة في نمط العيش ونمط الاستهلاك داخل المجتمع المغربي[50]. وإن كان قولنا هذا يتطلب بحثا ودراسة مستفيضة ومتفرغة إلا أنه يمكن أن نشير إلى ضرورة استحضار هذا البعد على هذا المستوى.

إذا كنا نشهد استعمالا مرنا ومتحرر للجسد الكاشف حتى عن أعضاء الجسد المحملة بالمحرم Tabou بالتالي محمل بالأساطير، أو ما يسميه (مالك شبل) "تابو العورة"[51] نشير مثلا إلى البطن، الثديين، الأرداف، السرة... بالنسبة للإناث، وشعر الصدر، العضلات المفتولة... بالنسبة للذكور. فإن هناك اتجاه أيضا نحو "إخفاء" هذا "الجسد" بكامله خصوصا الجسد الأنثوي، وذلك بجملة من التصورات التي تزيحه نحو المسكوت عنه انطلاقا من تفكير أخلاقي قيمي. لكن واقع الممارسة اليومية يزودنا بالتباس يتعلق بالفهم الذي يعطيه الأفراد لممارساتهم. في هذا الصدد تقول (ح.ا) 24 سنة، معلمة: "إن الحجاب نوع من الاعتناء بالجسد، نوع من الإغراء... إظهار للعفة...للطهر... إظهار للبكارة والعذرية- تضحك-" . يمكن أن نلحظ أيضا أن المجتمع لا يسعى إلى إخفاء الجسد الذكوري في الحين أنه قد يكون هو أيضا موضوع استيهامات سواء من قبل النساء أو الذكور. هل الحجاب إذن حجب أم كشف؟ لكن ألا يعتبر ذلك دليلا على أن حتى النص الديني يفسر انطلاقا من وجهة نظر مجتمع الذكور؟ وهذا ما قد يكون دفع ( Germaine Tillon ) إلى القول بأن الدين الإسلامي ليس بالضرورة هو المتحكم في فرض الحجاب على النساء بالمقارنة مع ظاهرة الغيرة الذكورية التي تميز هذه المجتمعات[52]..

يرى ( بيير بورديو) أن التقسيم الاجتماعي/ الجنسي المنحاز إلى الذكر يمكن اعتباره شبه عام في جميع المجتمعات، رغم أنه نتاج اجتماعي لسيرورة تاريخية ، إن الذكر هنا كائن ذو شرف وعزة، باستحضار عدم افتراق امتيازات الشرف عن السلطة داخل المجتمع. إن ذلك التقسيم نجد له تعبيرا في الطقوس، في البنية المجالية لدور السكن، إذ هناك تميز بن المنزل والعالم الخارجي (الحقول)... إن ذلك يفسر ويرتبط بالتمثلات الرمزية حول الجسد، وبعلاقات الهيمنة بين الجنسين، أي بين مهيمن ومهيمن عليه، -إن حديث ( بورديو) هذا كان خلاصة دراسة حول المجتمع الجزائري (القبائل Kabyle-) ليبرز بذلك كيف أن التقسيم الجنسي للعمل، عكس التصور البيولوجي- المورفولوجي، لا يتعلق بعوامل بيولوجية: جينات وهورمونات... بل إنه بناء اجتماعي[53].

إن المهم بالنسبة ل(بيير بورديو) هنا، ليس نفي الجوانب البيولوجية، وإنما إبراز أهمية البناء الاجتماعي للجسد، إذ أن الفرد يستدخل ويجسد- Incorporer مجموعة من النظم وطرق السلوك، والحكم، والكلام،... بطريقة لا واعية، -بهذا المعنى فإن المهيمن عليه يستدخل دونيته الاجتماعية بتجسيدها، على شكل عدم المهارة الجسدية الخجل، الحشمة... "إن المجتمع يشرعن علاقة الهيمنة بدمجها في طبيعة بيولوجية، التي هي ذاتها بناء اجتماعي ثم تطبيعه"[54]. يمكن ان نستفهم أيضا هل النزوع إلى تغيب مجموعة من المقاطع عن اللباس يعبر عن تجاوز مجموعة من الأساطير المقيدة للجسد أم هو تكريس لها؟

3- رهانات العناية بالجسد :

خلصت الدكتورة (عائشة بلعربي) في دراستها عن العناية الجسدية لدى النساء إلى تصنيف مختلف رهانات تلك العناية تصنيفا تقريبيا Categories approximative - لكن له أهمية إجرائية، ففي الوقت الذي حاولنا الاستفادة منه حاولنا التجديد فيه والإضافة إليه قدر الإمكان، تبعا لخلا صات دراستنا هذه:

3 -1 - الجسد الهوية :

يتم بناء الجسد اجتماعيا، أي باستحضار الآخر، ليبدو وكأن الجسد حامل لهوية ذاتية وهوية غيرية في نفس الآن. إذ هناك حوار بين الفرد وجسده الخاص، إذ يستمتع الفرد بجسده ويحدد نفسه انطلاقا منه، من جهة، ومن جهة أخرى هناك تحديد للجسد انطلاق من نظرة الآخر، إنه " الظهور بمظهر لائق" كما تقول إحدى المنحوتات. أي الظهور بالمظهر الذي يعتبره المجتمع لائقا.

يمكن أن نقول أن هذا التصنيف يجمع ما بين ما تسميه (د. عائشة بلعربي) الجسد كموضوع خاص والجسد كطعمِ[55]Appat . لأننا نرى أنه يصعب التمييز ما بين الفردي والاجتماعي في هذا الصدد، بل إن التفاعل الاجتماعي هو الذي يبني ويؤسس العالَََم الاجتماعي[56].

يمكن أن نشير مثلا إلى الإعاقات الجسدية أو امرض المنغولية باعتبارها أحد أمراض الصبغيات chromosomes- les، اومتلازمة داون –Syndrome-Down... إن هذه "الأمراض" ،إذن ، لها جانب بيولوجي صرف، لكن هي أيضا إعاقة اجتماعية، بما أن المجتمع يضع تصورا للجسد النموذج، وكل خارج عنه يعتبر معاقا جسديا ، في حين أنه معاق اجتماعيا قبل أن يكون معاقا جسديا[57].

إذا كانت الأنثى تستلذ بآلامها مقابل شهادة الشرف كما تقول (د. دامية بنخويا)[58] فإن الرهان على التقدم العلمي في ميدان الطب لتجاوز آلام الولادة مثلا[59] يعتبر رهانا غير مكتمل/غير إجرائي، لأنه يتضمن الفهم بأن ذلك الألم ألم طبيعي بيولوجي صرف.

إضافة إلى انه قد نجد "ألما" لدى الذكور يتحدد بشكل من " الاخصاء " و"الثقاف"... وتحريم السلوك الجنسي إلى لحظة "حاسمة" يجب أن يظهر فيها عن جدارته بتحمل المسؤولية، وبشهادة المروءة والرجولة. لا يحصل الذكر على شهادة الشرف رغم سلوكياته الجنسية إلا إذا توضحت ليلة افتضاض بكارة عروسه[60].


3-2 - الجسد الأيروتيقي[61]:

نبرز هنا أن الجسد يكون موضوع استهلاك من طرف الآخر، هذا الآخر هو آخر متعدد ومفتوح، قد يكون مغايرا في السن، وفي الجنس وفي الانتماء، كما أن علاقة الاستهلاك هذه ليس تناسلية بالضرورة, بل إنها جنسية لذية .

تقول(ن.ا), 24 سنة,سكرتيرة في مقاولة "إذا كنت تعني طرق عنايتي بجسد أو بنفسي ، لأن الاهتمام بالجسد و الظهور بمظهر لائق، لابد وأنه يعطي استرخاء أو إرضاء للذات، وشعورا بالارتياح... " وغير بعيد عن ذلك يقول (و.ا) 18 سنة، طالب جامعي: "بعد أخذ حمام ساخن،... أجد سعادة كبيرة في النظر إلى جسدي، في المرآة... عضلات متناسقة، قوام رشيق... ربما هذا هو الشكل الذي يتمناه كل شاب في مثل سني".

رغم قلة عدد المبحوثين (18/4) الذين ابرزوا علاقتهم اللذية بأجسادهم. إلا أن المهم عندنا هو إبراز هذا الجانب "السيكولوجي" المتعلق بهامش واسع من المكبوتات و الإحباطات النفسية .

وكذلك، يظهر الجانب الجنسي في علاقة الفرد بأجساد الآخرين، فإذا كانت هناك عناية بالجسد من أجل إرضاء الذات،إذ تكررت تيمه "إرضاء الذات " لدى) 18/10)من المبحوثين (9/7 إناث، 9/3 من الذكور). لقد أشار أغلب الذكور إلى أن سلوكاتهم تلك شيء عادي واعتيادي، وسائد في المجتمع. بالتالي هناك عناية بالجسد من أجل إرضاء المجتمع، أي من أجل تعريف الذات من خلال الجماعة.

لكن هناك أيضا انتظارات للفرد من الآخر، أي ما يجب أن يكون عليه الآخر ليلبي حاجياتـ(نا) النفسية والاجتماعية، يقول (م.م) 25 سنة، سائق سيارة أجرة: "أنا لا أحب المرأة السمينة لا أعتقد أنني سأجد معها راحتي نفسيا وحتى اجتماعيا" . تقول (ح.ح) 25 سنة، "في مجتمعنا هناك تبخيس للفتاة النحيفة الرقيقة... كعمود الإضاءة... فالسمنة رمز الجمال والوضع الاجتماعي الرفيع" [62].

لقد تحدثت لنا (ح.ح) 25 سنة،و التي يعود أصلها إلى مدينة العيون ، عن ظاهرة السمنة لدى النساء، باعتبارها رمزا للمرأة الكاملة ورمزا لانتمائها إلى أسرة راقية اجتماعيا واقتصاديا ، أن المثير للاهتمام هنا هو أن ظاهرة السمنة ليست نتاج لنمط السلوك الاستهلاكي الاعتيادي ، بل أن هناك قصدا وسعيا لتشكيل جسد الفتاة على شاكلة معينة[63]، إذ أن ساكنة الجنوب المغربي خصوصا كما تؤكد لنا (ح.ح) يرفع من قيمة و من شأن الفتاة السمينة، فهناك عدة طرق و وسائل لتشكيل هذا الجسد كما هو مرغوب فيه: مثل عملية " التبلاح " Al-Tiblah، "والحكين " Al-Hgine... وهي عمليات تجبر فيها الفتاة على تناول أطعمة بكمية كبيرة جدا (ثمر، شحم ولبن و لحم الإبل ، كسكس مجفف...) أي جملة من الوجبات الغذائية الدسمة ،و تخضع الفتاة للراحة كما لا تتعرض للشمس... كما يتم ضربها بعيدان رقيقة في مناطق الساقين والساعدين والردفين بغية انفصال الجلد عن العظام... إن الغاية هو بروز أعضاء الجسد وذلك إضافة إلى شراب من الأعشاب يساعد على تنظيف الأمعاء ، كما يمكن غسل الأمعاء بإفراغ كميات من الماء المالح فيها عبر المخرج ...

إن كانت المرأة تبدي حساسية ما تجاه الجسد، فإن الذكور كذلك، نجد مثلا أشكال وطرقا للاهتمام بالعضو التناسلي ومعالجة المشاكل التناسلية –العجز أو البرود الجنسي، إبراز العضلات[64]... رغم أن مقابلاتنا لم تزودنا بتفاصيل حول هذه العوالم بصفة جريئة.

3-3 - الجسد الاستهلاكي:

ينتج الإنسان/الجسد ثقافة اقتصادية استهلاكية باستمرار. إن حاجياته لا حدود لها، غذائية مثلا، لكن حتى الغذائية منها يجب أن تتمتع بمواصفات بما أنها تتحول وتتبدل كل حين، وكذا حاجيات تزينية... إنها كلها حاجيات متحولة تبعا لسوق الاستهلاك.

لقد لاحظ كل من (بودريار) و (لوفيفر) « زيادة في أهمية العناصر الثقافية على علاقات الإنتاج الحالية[65]، وكأنه لا يمكن للمرء أن يفهم الظواهر الاجتماعية دون الفهم الجيد للدور الخاص بالثقافة وثقافة إنتاج السلع والخدمات. يقول (بودريار)[66] في كتابه -نظام الأشياء- إن الأثاث التقليدي كان يميل إلى أن يكون شخصي الطابع تعبيريا ودالا على التاريخ العائلي، على الذوق والتراث، أما الأثاث الحديث، فهو على العكس من ذلك أكثر وظيفية، أكثر قابلية للتحرك، أكثر مرونة مجرد من العمق والرمزية والأسلوب الشخصي» .

يقول (و.ب) 20 سنة ، صاحب صالون حلاقة: "أنا استعمل كثيرا ملابس رياضية xxxx بذلك أعلن تميزي، وانتمائي إلى مجموعة من الأفراد في العالم الذين يحبون فريق xxxx لكرة القدم" ضمن هذا السياق أشار حوالي( 18/10) من المبحوثين إلى استعمالهم لأزياء تحدد انتمائهم، وذوقهم السياسي أو الفني أو الديني...

يعتبر (بودريار) الأزياء علامة من علامات ما بعد الحداثة، حيث يرى أن العلاقات الاجتماعية أصبحت مخترقة بواسطة الصور الزائفة وذلك لأن عارضات وعارضي الأزياء أصبحوا يحددون طبيعة الأزياء وأشكالها. وإضافة إلى عروض الأزياء ويرى ( بودريار ) أن فنون الإعلان وعمليات التجميل تعتبر تفوقا لكل أشكال التعبير السطحي[67]. ربما هذا ما يعبر عنه (م.م) 25 سنة في قوله: "هذا زمن المظاهر"الزواق".

يعتبر الجسد حجر الزاوية في" كل " إشهار، خصوصا الجسد الأنثوي، بل أيضا في ما يطلق عليه "أغاني الفيديو" فالجسد حاضر بكثافة، دعاية لسلعة، سواء سلعة مادية (سيارة، شقة...)، أو معنوية (أفكار، مؤسسات...) إن حضور الجسد الأنثوي هنا، ضارب في أعماق الميتولوجيا الإنسانية، انه جسد للإغواء والإغراء وجسد للخصوبة والتقديس في نفس الآن. إنه استثمار أبدي لجسد الأنثى باعتبارها محاكية لعشتار أو لافروديت أو لايزيس[68]، أو لحواء، أو لعائشة قنديشة[69]... كلها تغري الذكر لتسوقه إلى فقدان اصالتة. لكنه أيضا استثمار ابدي لجسد الذكر باعتباره محاكيا للسماء، أو لكوبيدون[70]، أو لآدم... انه يغري الأنثى بما أنه الأصل والمخصب والمكمل.

من خلال المقابلات التي أجريناها، وردت مواقف متعددة من قولة شعبية تتحدث عن العلاقة بين المظاهر وجوهر الفرد[71]. أشار( 18/16) من المبحوثين إلى أن الأساسي في الفرد ليس مظهره/جسده وإنما جوهره وقيمه وأخلاقه وطريقة تعامله، رغم أن ثلاثة (3) منهم أشاروا إلى ضرورة الربط بين المظهر والجوهر باعتبار أن المظهر يعبر عن كنه شخصية الفرد وعن ذوقه. لكن ما كان مفاجأ هو قول من ( ) 24 سنة، ربة بيت: "جوهر (داخل) الثمرة عظم".

4- أنواع العلاقة بالجسد :

يعود تحديد نوع التمثلات والمواقف تجاه الجسد انطلاقا من الطبقات الاجتماعية إلى السوسيولوجيا البورديوزية، اذ يعتبر (بيير بورديو) الهابتوس الجسدي تحيين عملي للهابتوس العام. باعتبار الهابتوس قاعدة توجيه للسلوك مرتبطة بالوضعية الاجتماعية[72].

عبر التواصل الصامت يتم استدخال وتطبيع العالم الاجتماعي والنظام الاجتماعي. إذ يتم التعلم والفهم/ Apprendre et comprendre- بواسطة وعبر الجسد بشكل غير واعي، على هذا المستوى نفهم لماذا ترد جملة "هذا شيء عادي" لدى كل أفراد العينة( 18/18). نعم إنه "العادي" البديهي، الطبيعي... الذي يجب فهمه وتفسيره.

إن هذا "العادي " يخفي عوالم من التصورات المخيالية.. l'imaginaire social- فمن أجل التمييز بين "نحن" و"هم"، بين "أنا" و"هو" يتجه الأفراد والجماعات إلى تقنيات الوشم الاجتماعي مثلا، باعتبارها انسقة دلالية سميائية يتعرف من خلالها الجميع على جسد الفرد ووضعه الاثني والاجتماعي. بل حتى داخل نفس الجماعة، يساهم التراتب الاجتماعي في إبراز فئوية جديدة، ليتم التمييز أيضا على مستوى الاختلافات الجنسية، الطبقية، الدينية،...

خلص (بولتانسكي) من خلال "قراءته" (لبيير بورديو) [73] إلى أن الطبقات الشعبية يعقدون علاقات آلية و اداتية بالجسد، فمثلا« يعتبر المرض عطلا في النشاط "الفيزيقي" النشاط المهني خصوصا، إن الشكوى التي توجه للطبيب تصاغ غالبا على أنه "نقص في القوة"، إن المرض إذن ينزع من أفراد هذه الفئات القدرة على جعل أجسادهم مجرد استعمال، مهني خصوصا، مألوف»[74]. فقط هناك استحضار الجسد باعتباره آلة outil تفترض منها الجودة في الوظيفة والتحمل. التسامح الكبير مع المرض بـ"الصبر".

إن الأفراد ذوو المهن اليدوية والحرفية من عينتنا (9/3) بناء، ميكانيكي، نجار، أبدو حساسية نسبية تجاه أجسامهم، فارتباطهم بأعمال ترتكز على الجهد العضلي الآلي، لا يلغي إبداء عناية خاصة بأجسادهم. خصوصا بعد الانتهاء من العمل وفي المناسبات. لكن هذا يبدو أكثر لدى النساء (9/5) إذ رغم وضعيتهن الاجتماعية والاقتصادية المتدنية (خادمة بيوت وربة بيت من آيت أورير، أرملة خياطة تعيل أسرة من 4 أبناء تسكن بسكن عشوائي،...)

تقول (ج.ج) خادمة بيوت: "أحيانا أستعمل بعض المرهمات للحفاظ على بشرتي فكثر الغسيل والعمل تسبب لي الحساسية في اليدين والقدمين...". كما تقول (ح.ح) 25 سنة: " عندما نذهب إلى الحمام نضع الحناء، الغسول، المسواك الزيت للشعر... الحالة عيانة لكن نحمدوه ونشكروه خصنا نعيشو حياتنا ونخلقوا فرحنا" .

في نفس السياق تتحدث (ح.ا) عن كيف كانت، كغيرها من الفتيات، على حد تعبيرها، حين كانت تلميذة في الإعدادي، كانت تخرج من بيتها بوزرة طويلة، وما أن تنزوي قليلا بعيدا عن المنزل حتى تبدأ مرحلة التزيين والتجميل وارتداء ملابس عصرية، أحيانا تكشف عن الساقين والسرة... تقول: "ربما الآن أصبحت أفهم أكثر ما كنت أفعله ، إذ أن الحياة التي نعيشها مختلفة تماما عن تلك التي نراها في الأفلام المكسيكية والفيديو كليبات..." . إن هذا الكلام يبرز بشكل جلي إحدى أثار الثورة الإعلامية[75]. فقد أصبح الفرد مشحونا بجملة من الصور وأنماط السلوك ونماذج للترف والحياة الرغيدة، ونماذج للسعادة والنجاح... لا تتماشى بشكل تلقائي مع نوع الهابتوس الذي يمتلكه الفرد. فالسلوك الذي ينتظره منه المجتمع ليحقق اندماجه ونجاحه الاجتماعي لا يناسب وليس نتيجة لمساره الشخصي، مما يفرز حالة من الاغتراب والاستلاب. فالإتيان بسلوكات ما لا يعني بالضرورة اكتساب الهابتوس المناسب لها. فالمهم هو الاستعمال المشروع للمنظومات الرمزية، أي القدرة على تحويل العالم والتأثير فيه. «إن أذواق واشمئزاز الأفراد مدينة لمسارهم الاجتماعي ولوضعيتهم في لحظة معينة تصبح بالتالي محددا اجتماعيا يسم ويعلن عن الانتماء الاجتماعي للوكيل الاجتماعي/ Agent إلى جماعة ما. (العمال، البرجوازيين الصغار، البرجوازيين الكبار، الأغنياء الجدد...) أي جماعة تتميز بانسجام الأحكام الجمالية»[76].

قد يكون واضحا جدا، مقدار الانتباه والتنبه الذي يبديه من اعتبرناهم خلال الدراسة فئات اجتماعية راقية، واقعيا يمكن اعتبارها فئات اجتماعية متوسطة (موظفون، أطباء، أساتذة، أبناء أصحاب الشركات، أبناء مقاولين عقاريين...).«إن أنشطتهم المهنية باعتبارها أنشطة نظيفة و"فكرانية" أي أنها لا تتطلب لا قوة ولا كفاءة فيزيقية خاصة.



.

صورة مفقودة
 
أعلى