محمد أبو معتوق - الجنس في الأدب

الجنس صِنوُ القداسةِ. والحياةِ. والفنْ الجميل. وهو شطران... شطر يؤلف بين الروح والتوق والحنين, وشطر يؤلف بين الجسد والمفارق.. والعناق العميق.

والجنس: اتحاد في الآخر لتمجيد الوحدة.. وتشكيلها من جديد في إهاب حياة جديدة مختلفة ومؤتلفة مع آخر بعيد. والجنس ضالة المؤمن في اكتشاف الكينونة ومعنى التوحيد وهو من طرف آخر ضالة الضال... وهو يبحث في سواه عن نظيره وحبيبه ليتوارى داخله أو يضلَّ فيه. لذلك انشغلت به الأمم والديانات والحضارات والفلسفات... وطقسوا له.. فمنهم من أشاعه وأباح معناه ومقاصده وأوغل فيه. ومنهم من منع إباحته وأحاطه بالحذر والقوانين خوفاً من اختلاط نَسبِ المواليد. وبذلك نزع عنه شرط المتعة الوقتية وأدخله في الضرورة وأبعده عن أن يكون غاية في ذاته, ولذاته ليتماهى في معنى القداسة ويبتعد عن التقديس. لذلك انقسم الناس في الجنس. وأعلى كلُّ طرف من شأن دعواه وحجته فيه. وإمعاناً في أهميته وضبطه تحدثت النصوص المقدسة عن الجنس. وتشكلت في المخيلة الشعبية نصوص موازية, تسربت إلى الحكايات الشعبية والملاحم والأساطير... وفي عصور الكتابة اللاحقة حفلت المدونات الأدبية من شعر ومسرح ورواية وقصة.. بالجنس بوصفه مادة جاذبة لا يستكمل النص فتنته وألقه دون تناوله والحديث فيه, فمنهم من رفع الجنس في نصوصه إلى سُدّةِ الحب العذري.. ومنهم من جعله غاية في ذاته فأهوى به إلى أرض الشدِّ والجذب وتبعات الجوع والسرير. منهم من أسرف ومنهم ومن تعفف ومنهم من أعلن التعفف وأضمر التهتك وتمادى فيه «وهذا نمط من الناس في البلاد التي لا تحض على الحرية.. واسع الانتشار... وله ضراوة وتأثير. لذلك حصل الالتباس, بين كلمة (أدب) وكلمة (إبداع). وتعالت بين ظهرانينا الأصوات الزائفة التي تخلط بين معنى (الأدب) كنمط حذر ومحافظ من أنماط السلوك الاجتماعي.. وبين مفردة (إبداع) كنمط من أنماط الكشف والابتكار والبحث عن الحقائق الكبرى والنوازع وتحويلها إلى خطاب فني وأدبي رفيع. ولم يتوقف هذا الالتباس «عند حدود» وأدخل النص الذي يتحدث عن الجنس من بوابة التكفير والارتهان لفوضى الغرائز واعتبره المعتدلون نصاً قليل التهذيب. وأُدخل النص الذي يتظاهر بالحشمة والموعظة في بوابة الأدب الرجعي البليد. وهكذا أمعن كل طرف في التصدي للآخر وشجب دعواه والتمثيل فيه. ولعل الناظر إلى تراثنا الأدبي القديم, يحس بحضور اتجاهين في مراودة الجنس والحديث عنه. اتجاه القصيدة الجاهلية... التي أطلقت الحديث عن الجنس من قمقم المخاوف والمحاذير.. فاخترق الزمان والمكان وظل حياً في النصوص والنفوس, وأما الاتجاه الآخر, فهو اتجاه (الشعر العذري) الذي دفع التحريم أصحابه لرفعه إلى مرتبة الحب الصادق النقي.. كمحاولة منهم لجبِّ الفتنة والإمعان في التصعيد... وبذلك أصبحت النظرة العابرة واللمسة الخفيفة واللقاء الخاطف... أقصى ما يطمح إليه العاشق ويريد. وقد عاضد هذا الاتجاه من الحب العذري.. الكثير من شعراء المتصوفة. حيث أصبحت المرأة في شعرهم.. ذروة الجمال الذي أفاض به الخالق على الخلق فازدهت به الحياة ونهض معنى التوحيد. أما في أدبنا الراهن. من شعر ومسرح وقصة ورواية. فقد تباينت مواقف المبدعين كما تباينت من أزمنةٍ بعيدةٍ وعقود. لقد أدرك الكثير من الأدباء أن الجنس في الأدب ضرورة. كما هو في الحياة... والحياة والنص دون جنس لا ينهضان ولا يرقيان غير أن بعضهم نقله من خانة الضرورة وحوّله إلى غاية وأمعن في هتك أسراره ومراميه، وقلل من شأن الحب فيه. لذلك تردّت نصوصهم.. بعد أن أمعنوا في اللهاث خلف التفاصيل التي تقلل من شأن الجنس وتنهك عنصر الحياة والحب فيه. وصار من حقنا على هؤلاء أن نقول: الجنس ضرورة كالحياة المستمرة وليس غاية كاللحظات العابرة التي تحرك الغرائز ولا تنهض بالمواجد والحب العظيم.



.


صورة مفقودة

هنري ماتيس
 
أعلى