صلاح الدين خليل بن أيبك الصّفدي - كتاب كشف الحال في وصف الخال :

بسم الله الرحمن الرحيم
عفوك اللهم
الحمد لله على ما ألهم ، وتحقيق ما أشكل سببه وأبهم ، ودفع الأدب عدو الهمّ إذا همَّ في الليل بركوب الأدهم ، نحمده على نعمه التي جعلت الأديب لبيبا ، وأوجدت الأريب للطائف تِربا ، وللمحاسن ربيبا ، وخصت الشعراء بميل النفوس إليهم ، حتى كان البحتري لها وليدا ، وأبو تمام حبيبا ، ونشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، شهادة حلاوتها حُشيَت بكل قلب ، وطلاوتها أوجبت إباحة الحُسن لكل نَدْب ، وتلاوتها تأخذ على كل أذن إذناً داخل الضرب000
ونشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله خير ذي عمّ وخال ، وأشرف مَن عمّ الناس بالهدى ، فما أحد خلا الأشقياء منه خال ، وأفضل مَن بشرت به الأنبياء عليهم السلام في الزمن الخال 0
صلى الله عليه وعلى آله الذين حازوا جُمَل المعارف ، وفازوا بما نالوه من سعادة جرّت على المجرة أذيال المطارف ، ومازوا الخبيث من الطيب بذوقٍ إلى الحق قائد ، وعن الباطل صارف ، صلاةً مفاتح خزائنها تنوء بالعصبة ، وأزاهر بركاتها تُحلِّي باللآلئ ترائب كل تربة ، ما زان المداد بخال نَقطِه وجنة جيم ، وسلب قلب الهائم بخدّ كعاب ، أو بمقلة ريم ، وسلّم تسليما كثيرا / إلى يوم الدين ، وبعد : 2
فإني لمّـا رأيت الشعراء قد سلكوا في وصف الخال طرقا تشعبت، وأتوا فيه بتشابيه أخذت بمجامع القلوب وتلعَّبت ، وأداروا فيه على النفوس كؤوسا لا ترضى بمدام الشفق في زجاج السماء أن تحكي فضل ما كعَّبت ، آثرت أنْ أرقم وشائعه في برود هذه الأوراق ، وأجلب بضائعه السائمة في خمود خمولها إلى قائد قائم هذه الأسواق ، وأَجرّ جمائمه المغرِّدة على غصون الأقلام بفاضل الأطواق من كل مقطوع ألذ من نعمة موصول ، ومن كل موضوع ، يُحكَم بأنه على رأس القلم موضوع ، وعلى خدّ الطرس محمول ، وكل مصنوع كأنه بالقلب معقود ؛ لأنه من سواد العين محلول ، وكل مطبوع أرهفه حُسن النظم حتى بدا وهو مصقول ، وكل مسموع أوثقه القلب حفظا ؛ فتشهد أن المنقول معقول ، ولم أثبت فيها إلاّ ما راع وراق ، وشاع حُسنه وشاق ، وساق البواعث على نقله حتى قامت الحرب في تسطيره بين الأقلام على ساق ، ولم أودعها مع الجواهر وَدْعا ، ولم أجعل التركيك في مُنسجمها يُدعى بِدعا ، على أنني لا أدعي الإحاطة بكل ما نُظم دُرُّه ، وانسجم في حدائق النظم اليانعة درّه ، فإن الشعراء يهيمون في كل واد ، ويديمون الطرب / لكل واد، ويقيمون الأدب في كل ناد ، وتسوق فوارس غاراتهم غنيمة كل 3
فكر، أثبتها مَغْنى (وتَشُقُّ موارد أمطارهم عين كل زهرة ، أنبتها معنى ) بعد ما أذكرُ فوائد أمرُها مُهِم مقدم ، وسردها ألذ من كأس مولئت من المدام المفدّم ، يجد الفاضل نفعها نضّاً ، ووقعها غَضّا :
أندى على الأكباد من قطر الندى وألذّ في الأجفان من سِنَةِ الكرى
فجاء ذلك كله في مقدمتين ونتيجة :
المقدمة الأولى: في الخال لغة ، وما له بذلك من التعلق 0
المقدمة الثانية : في حقيقته معنى ، وسبب وجوده في الأبشار ، وما يدل عليه في اختصاصه في مكان دون غيره ، على ما يزعمه أرباب الفراسة 0
النتيجــــة : فيما جاء في ذلك من رقيق النظم وبديعه ، وجميل القول وصنيعه ، وبالله التوفيق ،(والهُدى منه) إلى طريق التحقيق 0

المقدمة الأولى
في الخال لغة ، وما له بذلك من التعلّق في الفوائد0
الخـال لغـة : هو النُّكتة السوداء في الجسد ، ويجمع على خَيَلان ، ورجل أَخيل : كثير الخِيلان ، وكذلك مَخيل ، ومخيول ، مثل مكيل ومكيول ، ويقـال أيضا : مخـول مثل مقـول ، وتصغير / الخـال خُيَيِّل عند من قال مَخيْل ، ومخيول وخُوَيْلٌ عند من قال 4
مَخُول ، والخال لفظ مشترك يطلق على معان منها : الخال أخو الأم ، والخالة أختها ، والخال الخُيَلاء ، يقال : رجل ذو خال : أي ذو خُيلاء ، ومنه قول الشاعر يذكر فحلا :
• خالُ أبيه لبني بناتِهِ *
يريد ما كان من الخيلاء في أبيه ، صار في بناته ، ومنه قول الآخر :
* والخالُ ثوبٌ من ثيابِ الجُهَّال *
والخال : الجمل الضخم ، أنشد ابن الأعرابي في نوادره :
غثاءٌ كثيرٌ لا عزيمة عندهم سوى أنَّ خِيلاناً عليها العمائمُ
شبههم بالإبل في أبدانهم لا في عقولهم 0
قال الشاعر :
* لقد عظم البعير بغير لب *
وكل شيء ضخم فهو خال ، ولذلك يقال للسحابة : خال ، قال الشاعر :
باتَتْ تَشِيمُ نَدى هرون مِن حَضَنٍ خالٌ يضيءُ إذا ما مُزْنُهُ رََكَدَ
والخال ضرب من البرود، وقيل هو من ثياب اليمن، وإياه عنى الشماخ بقوله في زائيته :
وثَوبان من خالٍ وتسعونَ دِرْهَماً على ذاك مفروطٌ من الجلدِ ماعِزُ
والخال : الرجل الحسن القيام على المال ، يقال : هو خالُ مالٍ وخائل / مالٍ إذا كان 5
كذلك ، (والخال : اللواء الذي يُعقد للأمير في الجيش ) ، والخال : ضرب من النبت ، والخال : الظّلع والغمز في الدابة ، ومنه قول الشاعر :
نادى الصريخ فَرَدُّوا الخيل قانيةً تشكو الكَلال وتشكو من حفاً خالا
والخال اسم مكان ، قال الزمخشري في كتاب الجبال والأمكنة والمياه : الخال : جبل تِلقاء الدثينة ، قال الشاعر :
أهاجك بالخال الحَمُول الدَّوافع فأنت لمهواها من الأرض نازعُ
انتهى 0
وقال ياقوت في كتاب المشترك وضعا والمختلف صقعا : ذات الخال : موضع آخر في قول عمرو بن معدي كرب :
* وهم قتلوا بذات الخال قيساً *
انتهى 0
والخالة : جمع خَائل من الخُيَلاء ، ومنه قول النمر بن تولب [ البسيط ] :
بان الشباب وحبُّ الخالة الخَلَبَة وقد صَحَوت فما في القلبِ من قَلَبَة
يريد جمع خائل وخالب من الخلابة 0 وقد نظم بعضهم هذه الألفاظ المشتركة في أبيات فقال :

أتعرف أطلالاً شجـونك بالخال وعيش زمان كـان في العُصُرِ الخال
لياليَ ريعـانُ الشَّبابِ مُسلَّـطٌ عليَّ بعصيان الإمــارة والخــال
وإذ أنا خِدنٌ للغَويِّ أخي الصِّبا وللغَزِلِ المزِّيح ذي اللهو والخـالِ
/و للخود تصطادُ الرجالَ بفاحمٍ وخــدٍّ أسيلٍ كالوذيلة والخــال 6
إذا رئمت ربعا رئمتُ رِباعها كما رئم الميثاء ذو الرّثية الخال
ويقتادني منهم رخــيمٌ دلالُهُ كما اقتاد مُهـراً حين يألفه الخال
زمانَ أُفدِّي من يَراحُ إلى الصِّبا بعمّيَ من فــرطِ الصَّبابةِ والخال
وقد علمت أني وإن مِلتُ للصِّبا إذا القوم كعُّوا لستُ بالرَّعشِ الخال
ولا أرتدي إلاّ المـروءةَ حُلَّةً إذا ظنَّ بعضُ القومِ بالعَصْب والخال
وإن أنا أبصرتُ المحُولَ ببلدةٍ تنكبتها واستَمْتُ خــالاً على خال
فحالف بخلقي كلَّ حلفٍ مهذبٍ وإلاَّ تخالفني فخـال إذاً خــال
وإني حليفٌ للسَّماحةِ والنَّدى كما احتلفتْ عبسٌ وذبيانُ بالخـال
وثالثنا بالحــلف كل مهنـد لمــا ريم من صُمِّ العظامِ به خـال
والشامة هي الخال ، وتجمع على شامٍ ، تقول : رجل مَشيمٌ ومشئوم ، كما قلت في مخيل ومخيول ، وما له شامة ، ولا زهراء ، أي ناقة سوداء ، ولا بيضاء ، والأشيم : الرجل الذي به شامة ، والجمع شِيْمٌ ، مثل أبيض ، وبيض ، هذا أصل وضع اللغة في الشامة ، أن تطلق على النكتة السوداء ، ثم غلب الاستعمال لذلك حتى أطلقت الشامة على النكتة من أي لون كان ، في أي لون كان أضعافَها ، ألا ترى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّـا نزلت [ يا أيها الناس اتقوا ربكم إنّ زلزلة الساعة شيء عظيم ] / إلى قوله 7
[ ولكن عذاب الله شديد ] ، قال عمران بن الحصين : أنزلت عليه هذه الآية وهو في سفر ، فقال : أتدرون أي يوم ذلك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ذلك يوم يقول الله لآدم : ابعَث بعثَ النار : قال : يا رب وما بعث النار ؟ قال : تسعمئة وتسعة وتسعون إلى النار ، وواحد إلى الجنة ، فأنشأ المسلمون يبكون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قاربوا ، وسددوا ؛ فإنه لم تكن نبوة قط إلاّ كان بين يديها جاهلية ؛ فتؤخذ العِدة من الجاهلية ، فإن تمّت وإلاّ كمِّلت من المنافقين ، وما مثلُكُم ومثل الأمم إلاّ كمثل الرَّقمة في ذراع الدابة ، أو كالشامة في جنب البعير ، ثم قال : إني لأرجو أن تكونوا رُبع أهل الجنة ، فكبَّروا ، ثم قال : إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة ، فكبروا ، فقال : إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة ، فكبروا ، قال : ولا أدري أقال الثلثين أم لا ، رواه الترمذي ، فانظر إليه صلى الله عليه وسلم كيف أطلق الشامة ، وجعلها في جنب البعير ، والبعير قد يكون أزرق وأحمر ، وغير ذلك ، وما غَرض إلاّ النكتة القليلة من أي لون كانت في جنب البعير من أي لون كان ، ألا تراهم يقولون : أرض الشام ، والشام جمع شامة ، وعدَّه ابن الأثير وغيره خمسةَ أجناد : الأول من الفرات جند قنسرين ، ثم جند حمص ، ثم جند دمشق ، ثم جند الأردن ، ثم جند فلسطين 0
/ قيل : وكل جند من هذه عَرْضُهَ من ناحية الفرات إلى ناحية فلسطين ، وطوله من 8
الشرق إلى البحر ، وقد ذهب بعضهم في تسميته إلى أنه سُمِّي شاما بشامات له ، يعني اختلاف أراضيه في ألوان ترابها ، وقد علمت أنّ بعضَ تُرَبه أبيض ، وبعضها أسود ، وبعضها أحمر ، وبعضها أصفر ، وبعضها أكدر ، ويختلف كل لون منها في ذاته بالأشدّية والأضعفية اختلافا كثيرا ، فصح أنّ اطلاق الشامة هاهنا لكونه نكتةً في الأرض ، إذ الشام بمجموعه لو كان لونا واحدا لكان كالنكتة الخفيّة في أديم الأرض ، ثم إنهم تجاوزوا في استعمال الشامة إلى أن أطلقوها على غير اللون ؛ فأطلقوها على كل شيء قليل في نوعه ، فقالوا : فلانٌ في قومه شامة ، إمّـا لمزيته عنهم بالكرم ، أو بالحِلم ، أو بالشجاعة ، أو بغير ذلك من الصفات الحميدة ، وما أحسن قول ابن الساعاتي :
[م0 الكامل ]
لولا صدودُكِ يا أُمامَهْ ما كنتُ أندُبُ عَهدَ رامَهْ
ولما وقفتُ على القدو دِ الهيفِ أسجَعُ كالحَمامَهْ
أبكي ليـالِي غِبْطَـةٍ كانتْ لخدِّ الشَامِ شَامَـهْ
فأطلق الشامة على لياليه التي قطعها بالشام ، لأنه استلذّ زمانها ، واستطاب أوقاتها من بين الليالي ، وكذلك بدون إطـلاق / الخـال على كل نكتة من أي لون كانت ، 9
قال الصابئ في خادمه رُشدٍ ، وكان أسود :
قد قال رُشْدٌ وهو أسود للذي ببياضه يعلو علوَّ الحــائن
ما فخرُ خدِّك بالبياض وهل ترى أنْ قد أفدتَ به مزيدَ محاسن
ولو أنَّ مني فيه خالاً زانه ولو أن منه فيَّ خـالاً شانني
فأطلق الخال على النكتة من البياض ، وقال جمال الدين ابراهيم الحنفي المعروف بابن إمام الحرمين :
وعاكس الليل وبدر الدجى بخدِّه والخال أهواه
فالبدر خال في مُحيّا الدجى والليل خال في محياه
فجعل البدر خالا ، وهو نكتة بين البياض والصفرة في سواد الليل ، وعكس هذا الشريف دفتر خوان ، فقال [ من السريع ] :
إنْ لَمَعتْ ليلاً نجوم السما بياضا على أدهمَ مُرْخَى الإزار
وأوجبَ العكسُ مثالاً لها في الأرض فالسود نجوم النهار
وما أحسن قول القائل في سوداء :
يا أبنوسَتي التي ألهو بها ما بال ثَغرك وحْدَهُ قد فُضِّضَا
أصبحتِ كلك شامةً مسودةً وبَسَمْتِ عنه فكان خالاً أبيضا
وذكرت بقول الصابئ آنفا قول ابن قلاقس في سعيد / السعداء وعليه تسلق 10
[ من الكامل ] :
إنْ كان كافور بمعجزِ أحمدٍ قد كان إنساناً لعين زمانه
فالدهر يعلم أنك الكحل الذي خلع الجمال به على إنسانه
ولَمَى مراشفهِ وخال خدوده وأحمُّ فوديـه وسِـرُّ جنانه
لون بوجه البدر فيه إشارة شانت سِواه ورفَّعت من شأنه
وكأنما عَلِقَ الشباب بحبه فأعــاره ما راق من رَيْعَانِهِ
قوله : خلع الجمال به على إنسانه ، يشير إلى قول أبي الطيب المتنبي في قصيدة يمدح بها كافور الأخشيدي :
فجاءت به إنسات عينِ زمانه وخلّت بياضا خلفها ومآقيا
وهذه نهاية الحسن في مدح أسود 0
رجع : وكما قالوا في الشيء المُسْتَلَذِّ أو المستجاد : هو شامة ، كذلك يقولون : هوخال ، قال أبو اسحاق ابراهيم بن خفاجة الأندلسي :
ولرب ليل ضمَنا وكأنه في خدِّ ذاك العصر حُسناً خالا
وقال أيضا [ من الطويل ] :
وما الدهر إلاّ صفحةٌ بك طلقةٌ لَثَمتُ بها من ليل وصلكَ خالا
فما أنْسَهُ لا أنسَ ليلا على الحِمى وقد رقَّ وضَّـاحا وراقَ جمالا
وقال ابن الساعاتي [ من البسيط ] :
/ غابوا وما فكرتي فيهم بغائبة فاللحظ للقلب لا للعين والأذن 11
وربما ليلةٍ كانت بقُـرْبِهـِمُ خالا لهوتُ به في وجْنَةِ الزَّمنِ
/ والحسنة أصـل وضعها في اللغـة أنها ضـد السيئة ، فنقلها العـرف والاصطلاح 12
فيما بين الناس إلى الخال ؛ إما لأنهم لمحوا المناسبة بينها وبين الحُسن في الاشتقاق وإمّـا لأنهم رأوها نكتة سوداء في الجسم الأبيض [فـ ] قالوا حسنة تفاؤلا ، كما قالوا للديغ : سليما ، وللمهلكة : مفازة ، فتفاءلوا للديغ بالسلامة ، وفي المهلكة بالفوز والنجاة منها ، على أنّ الرياشي قال : قلت لابن الأعرابي : إن الأصمعي يزعم أنّ المفازة إنما سميت مفازة تفاؤلا إلى اسم الفوز والنجاة منها ، وإنما هي مهلكة ، ومثل هذا التفلؤل قولهم للديغ سليما ؛ تفاؤلا إلى اسم النجاة ، فقال : ليس هذا بشيء ، إنما المفازة المهلكة ، يقال : فاز الرجل ، وفوَّز إذا هلك ومات ، قال كعب بن زهير :
فمن للقوافي شأنها من يحوكها إذا ما ثوى كعب وفوَّز جَروَلُ
فلو كان كما يزعم للزم أن يقال للمضلَّة مَهداة ، وللمعطشة مرواة ، وأما السليم فإنما سمي سليما لأنه أُسلِم لما به ، قال الرياشي : فذكرت ذلك للأصمعي ، فقال : لا يُقال : أُسلِم فهو سليم ، لأن مُفْعِلا لا يجيء منه فَعِيل ، فرددته على ابن الأعرابي ، فقال : هذا عمرو بن كلثوم يقول :
مُشَعشعةً كأنَّ الحُصَّ فيها إذا ما الماءُ خَلَطَها سَخِينا
وقد قيل ماء مُسخِن ، وسخين ، فحكيته للأصمعي ، فلم يقبله ، وقال :
/معنى سخينا : سَخِيَتْ أنفُسُنا من السخاء ، لا من السَّخن ، فنقلت قوله إلى 13
ابن الأعرابي ، فقال : قل له : فإنهم قد قالوا : شراب مُنْقَعٌ ، ونقيع ، وكلام مُبَرَّص وبريص ، وشيء مُبهم ، وبهيم ، وصبي مُؤتمٌ ويتيم ، والقوم كان دأبهم في الشتاء أن يشربوا الخمر بمزاج مُسخن ، فأوردت ذلك على الأصمعي ، فقبـله كله ، انتهى 0
قلت : كيف ذهب على الأصمعي ـ رحمه الله تعالى ـ مثل هذا ، حتى فسَّر سخينا بالسخاء ، فإن ذلك فاسد المعنى ؛ لأن سخاءهم لا تعلق له بمخالطة الماء للخمر ، إنما يتعلق السخاء باستعمالهم لها ، وسكرهم بها على ما هو مشهور في كلامهم ، ألا ترى إلى قول عنترة العبسي ، قال :
وإذا صَحوتُ فما أُقصِّرُ عن نَدىً وكما علمتِ شمائلي وتَكَرُّمي
يعني أرتاح إلى العطاء في الصحو ، كما أرتاح في السكر ، وقال الآخر :
• وإذا سكرت وهبت ما ملكت يدي *
وهذا أشهر من أن يستشهد له بشيء ، على أن الجوهري قال في صحاحه : سخينا : أي جدنا بأموالنا ، وقول من قال : سخينا من السخونة ، نصبٌ على الحال ليس بشيء 0
مما يتعلق بسخينا من الفوائد التي لا بأس بذكرها ، قال أبو الفضل بن جهور ، أنشد رجل أبا عثمان المازني :
/ عافت الماءَ في الشتاءِ فقلْنا بَرِّديه تصادفيه سخينا 14
ففكر ثم أنشده :
أيها السائلون لي عن عويص حار فيه الأفكار أن تستبينا
إنّ لاما في الراء ذات إدغامٍ فافصلها تر الجواب يقينا
قلت : البيت الأول في بادئ الرأي مستحيل المعنى في الظاهر ؛ لأنه يكون أمَرَها بتبريده ليصادفه سَخِناً ، وهذا تناقض ، وفي الباطن إذا فكّر فيه ذو اللب كان مستقيما ؛ لأن الأصل بل رديه ، فأدغم اللام في الراء ،( كما قـرئ قوله تعالى : [ كلا بل ران ] ، وهذه قاعدة في الإدغام بين اللام والراء ) إذا اجتمعا ، أيهما سبق بالسكون أدغم في الثاني ، سواء تقـدم الراء أم اللام ، كقـوله تعـالى : [ ينشر لكم ربكم ] ، ويعود للنطق بالثاني المدغم فيه ، وأما قوله : كأنّ الحُصَّ فيها بالحاء المهملة والصاد المشددة المهملة يريد به الزعفران ، أو الوَرس ، معناه أنها حمراء فإذا مُزِجت بالماء انسلخت الحمرة إلى الصفرة ، كما قال أبو بكر بن دريد :
وحمراءَ قبل المزجِ صفراءَ بعدَه بَدتْ في ثيابي نرجسٍ وشقائقِ
حكت وجنةَ المعشوقِ صِرْفا فسلَّطوا عليها مزاجا فاكتست لونَ عاشقِ
وأخذه ابن وكيع فقال [ مجزوء الطويل ] :
/ كأنّ الحباب المستدير بطوقها كواكب درٍّ في سماء عقيق 15
صببتُ عليها الماء حتى تعوَّضتْ قميصَ بَهارٍ من قميص شقيقِ
رجع ما انقطع : ولكنه قد غلب واشتهر استعمالهم الضد باسم ضده تفاؤلا في أشياء منها : قول العرب للغراب : أعور ، يتفاءلون له بذلك من كونه يُعْزى إلى البين ، وما أظرف قول ابن اللبانة :
وفي الغراب إذا فكرت مَغْربة من فرط إبصاره يُعْزَى له العَوَرُ
وقولهم للأسود كافور ، وقد طرَف ابن التعاويذي في قوله في مليحة اسمها هاجر :
فديْتُ مَن ترحمُ عُشَّاقَهـا وراحِمُ العاشقِ مــــأجورُ
ليستُ على دينِ الغـَواني تَرى أنّ وِصالَ الصَّبِ محظورُ
لا عَجبٌ إنْ سُمِّيت هَاجَرا قد سُمِّيَ الأسـْـودُ كــافورُ
وقال الوزير المهلبي رحمه الله :
فسمّوه مع القُربى غريباً كنور العين سمَّوه سوادا
وقال أبو إسحاق الغزي يهجو السَّمِيْرمي :
كمال سميرَمٍ للملك نقص كما سمَّيْتَ مهلكة مَفازة
لئن رفعت محلّته الليالي فكم رُفِعَتْ على كتفٍ جنازة
ومن هذه المادة أيضا الكُنى التي يستعملونها ، فيقولون للأعمى : / أبا البصير ، 16
وللأحدب : أبا الغُصن ، وقال بعضهم : إنّ الأبله العراقي الشاعر ، وهو محمد بن بخْيار إنما سمي الأبله لفرط ذكائه ، وكان له ميل إلى بعض أبناء أهل بغداد ، فعبر على باب داره ، فوجد خلوة ، فكتب على الباب [ هذه الأبيات ] :
داركَ يا بدرَ الدُّجى جنّة بغيرها نفسي ما تلهو
وقد رُوي في خـبرٍ إنّه أكثرُ أهلِ الجنّةِ البُلـه
وعلى ذكر الحسنة بمعنى الشامة ، فما أحلى قول القائل :
يارُبَّ سوداءَ تُجْلَى بحسنها الكلماتُ
كليلة الهجر تُنسى بوصلها السيئاتُ
ماذا يَعيبون منهـا وكلـها حسناتُ
أخذه من قول الشريف الرضي وقد أسرف بعض حاضري مجلسه في استحسان قول ابن الرومي في قصيدته القافية ، يصف فيها السوداء ، وهي مشهورة ، فقال الشريف أبياتا مليحة منها [ من الطويل ] :
سوادٌ يودُّ البرقُ لو كان رُقعـةً لجلدته أو شقَّ في وجهِه فمـا
سكنتِ سوادَ القلبِ إذ كنتِ شبهَه فلم أدرِ مِن عِزٍّ مَن القلبُ منكما
وما كان سهم الطرف لولا سوادُه ليبلـغَ حبـاتِ القلوب إذا رمى
إذا كنتَ تهوى الظبيَ ألْمَى فلا تعب جُنوني على الظبي الذي كلُّه لَمَى
/ المراد البيت الأخير ، وأخذ الشريف الرضي هذا المعنى من قول إبراهيم بن 17
سيّابة شاعر الأغاني ؛ لأنه كان يهوى جارية سوداء ، فلامه أهله فيها ، فقال :
يكون الخالُ في وجهٍ قبيحٍ فيكسوه الملاحةَ والجمالا
فكيفَ يُلامُ معشوقٌ على من يراها كلَّها في العين خالا
وقال آخر [ من البسيط ] :
أشتاقُ طُرَّتَها أم صِدْغَهَا ومعي مَنْ كلُّها طُرَرٌ سودٌ وأصْداغُ

/ المقدمة الثانية
في حقيقة الخال معنى ، وسبب وجوده في الأبشار ، وما تدل عليه الفِراسة من اختصاصه بمكان دون غيره
يعتقد الحكماء أنّ الخِيلان دمٌ ينبثق من بعض العروق ، ويحتبس في مكان يشفّ الجلد عنه ، فيُرى هنالك شامة ، كما يشاهد الخال فيمن حصل له في جسده رَضَّة ، فإنّ الدّم يحتقن تحت الجلدة ، يُرى أياما كالشامة إلى أن تقوى الطبيعة على دفعه ؛ فيتضاءل ، وتفنى مادته ، وفي الشامات ما يُرى أسود ، فإن كان الدم محترقا غلب السواد عليه ، كما يحصل لمن لازم الشمس مُتعرِّضا لها من دون حائل ، والأشديَّة والأضعفيَّة في السواد بحسب الاحتراق ، كما في بلاد النوبة والزنج ، وألوان أناسهما ؛ لقربهما المفرط من الشمس ، وكما في بلاد الهند ، ولون أناسه ؛ لاعتدال الكون من الشمس ، ألا ترى بُعد الصقالبة من الشمس كيف أثّر لونهم البياض الجصّي ، وفي الشامات ما يميل سواده إلى الحمرة ، فإن كان الدم غير محترق ، وهو في حالةٍ تشبه الغليان، كان اللون مائلا إلى الحمرة ؛ لأن هذه الحالة قريبة من الاعتدال ، فلا جرم [ أن ] يكون اللون في الجلد أبيض مشربا بالحمرة ، وفي الشامات ما يميل سواده / إلى الخضرة ، فإن كان الدم 19
يخالطه مع الاحتراق رطوبة ، كان اللون أخضر ، والسواد من السوداء المحترقة ، والحمرة من السوداء التي خالطتها الصفراء ، والخضرة من السوداء التي خالطها البلغم ، فإن قلت : ما بال بعض الخيلان يكون فيه الشعر ، وبعضها لا يكون فيه الشعر ؟ قلت الجواب أنه إنْ كان في الدم الذي تكونت منه الخيلان أبخرة دُخانية ، وكان الجلد معتدل المزاج ، نبت الشعر في الخيلان ، وإنما قلت ذلك ؛ لأن البدن حارٌ رطب ، وإذا عملت الحرارة في الرطوبة أثَّرت أبخرة ، والبخار من شأنه الصعود إلى سطح البدن ، فإذا حاول البخار الانفصال عن البدن لا بد وأن يُحدِث منافذ وأثقابا ؛ فإن كان البخار لطيفا رطبا انفصل من المسام ، وتبدد ، وإن كان البخار دخانيا يابسا غليظا فالجلد إن كان ناعما مسترخيا كجلود الصبيان ، لم يتولد فيه شعر ؛ لأنه إذا شقّ الجلد انفصل سريعا ، وعاد الجلد إلى اتصاله ، كما إذا طبخ النشا ، تجد البخار يخرج من موضع الغليان ، ثم ينسد الموضع بعد خروجه ، وأبين من هذا إخراج السمك رأسه من الماء ، يشق سطحه ، وإذا غاص رجع الماء إلى حاله ، وإن كان الجلد يابساً قَشِفاً كجلود الأشياخ لم يتولد فيه شعر أيضا ؛ لأن الشعر إذا شقَ الجلد حفظ اليبسُ ذلك الثقب ، وبقي مفتوحا ، فتفرّق أجزاء البخار ، ولا يجتمع بعضها إلى بعض / وإن كـان الجـلد معتدلا بين النعومة 20
واليبوسة كما في جلود الشباب ؛ لأن الشعر إذا شقّ الجلد لا يعود متصلا كما في النعومة ، ولا مفتوحاكثيرا كما في اليُبس ، فحينئذ يبقى ذلك البخار الدّخاني الغليظ في ذلك الثقب ، ثم لا يزال يلحقه بخار آخر بعده ، يدفعه إلى الخارج من غير أن ينقطع أصله ، لا جرم بقي بعضه مركوزا في الجلد بمنزلة النبات في الأرض ، وبعضه يظهر إلى خارج بمنزلة ساق النبات ، قلت : هذا تعليل حكميّ في وجود الخيلان ، والصحيح إنها من فعل الفاعل المختار تبارك وتعالى ؛ لأنها توجد في بعض الأناسي دون بعض ، بل في مكان خاص دون غيره ، وسائر الأبشار ليست صالحة لما علله الحكماء ، فبطل ما يدعونه ؛ لأن اختصاص أحد الأمكنة بالخال دون بعض مع الاستواء في سائر الجسد للقابلية دليل على أن الباري سبحانه وتعالى اختار أن يستأثر هذا المكان بهذه النكتة السوداء ، وهذا شأن الفاعل المختار ، لا صانع غيره ، وإذا عرفت هذا فأقول : إنّ أرباب الفراسة لهم كلام على الخيلان واختصاصها بمكان في الجسد دون غيره ، واستدل بعضهم على صحة هذا العلم بقوله تبارك وتعالى : [ إنّ في ذلك لآيات للمتوسمين ] وبقوله صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا فراسة المؤمن ) الحديث ، وبقول الشاعر :
/ فانظرْ إلى كفٍّ وأسرارِها هل أنت إنْ أوعدتَني ضائِري 21
وقد اخترت لذلك ما هو من كلام أبقراط في دلائل الخيلان ؛ لأنه قال : من كان على رأس أرنبة أنفه شامة ، لم يكد يعيش له ولد ، ومن كان برأس فرطوسته وهو وسط شفته العليا شامة ، كان مُحبا لإتيان الذكور ، ولم يكن ليأتيه من النساء ولد ، ومن كان على جبهته فوق أحد حاجبيه شامة كان محظوظا من النساء ، ومن كان له شامة بمنبت الشعر من أعالي الحاجبين منه كان شبقا محظوظا من الناس ، ومن كان على أحد جانبي أنفه في القصبة شامة كالعدسة ، كان شبقا محبوبا إلى النساء ، ومن كان في وجنته اليمنى شامة كالترمسة ، كان شحيحا ، ناقص الحظ من أهله ، ومن كان على وجنته اليسرى شامة كان كدّاحا شقيا ، ومن كان على إحدى أذنيه من ورائها شامة كان مبذرا سيء التدبير ، ومن كان على أحد جانبي عنقه شامة كان تقيا وفيا ، ومن كان على حلقومه شامة ، كان موسيقارا محبا للطرب ، ومن كان على كتفه من قبل وجهه شامة أو خيلان ، كان ذا حظ وسعة ، ومن كان على رأس كتفه الأيمن شامة مشعرة ، كان عاملا أو واليا ، أو ذا وجاهة ، ومن كان بين كتفيه شامة ، أو خيلان كالزرِّ محمرَّ اللون ، كان سعيدا، أو ملكا كبيرا، ومن كان على صدره / شامة ، وشامات كان وحيدا في أفعاله ،22
لا يقتدي بغيره ، ومن كان على ثديه الأيمن أو الأيسر شامة كان صديقا لمن صادقه ، محبا له ، ومن كان على سرته شامة أو أكثر ، كان نكاحا شديد الشهوة ، ومن كان على بطنه شامة ، كان شبقا محبا للنساء ، ومن كان على منبت عانته فوق الشعر شامة ، كان له أولاد ذكور كثيرون ، ومن كان على إحدى بيضتيه شامة ، كان محظوظا من النساء ، يولد له بنات كثيرة ، ومن كان له على جانبي ذكره شامة ، كان شبقا شديد الغُلْمَة ، ومن كان له على أحد عضديه ، أو زنديه شامة ، كان سفارا مرزوقا من الأسفار ، ومن كان على ظاهر أحد كفيه شامة ، كان تعيسا مُعذَرا ، ومن كان بإحدى أصابع يديه شامة أو شامات ، كان رديء الحظ ممقوتا سيء الأخلاق ، ومن كان على فخذه الأيمن شامة ، كان رئيسا في نفسه ، عظيما من العظماء ، ومن كان على فخذه الأيسر شامة ، كان سعيدا في المتاجروالأسفار ، ومن كان على صلبه شامةخضراء ، كان محبوبا إلى العلماء ، محظوظا منهم ، ومن كان على إحدى إليتيه خيلان أوشامة ، كان شديد الشهوة مُنقلبها ، ومن كان على إحدى ركبتيه شامة كان نشيطا على المشي صبورا على الأشياء ، ومن كـان على إحـدى ساقيه من بطونهمـا شامة ، كـان تعيسا ، ضنك المعيشة
/ والعيشة ، ومـن كـان له شامـة عـلى قدمــه ، كـان شقيا مُعَذَّرا ، 23
ومن كان بوجهه شامات ، أو ببدنه شامات كثيرة العدد ، كان ذلك لغلبة السوداء ، وكان كارها للنساء ، قليل الألف بالناس ، ومن كانت له شامة بقدر الحِمَّصَة أو أكبر سوداء أو خضراء في وسط ظهره على السِّلسلة نال أموالا جزيلة إرثا ، أو من الركاز ، هذا جملة ما وجدته من كلام أبقراط في هذا الفن ، والله أعلم بالصواب 0
/ وأحسن الخيلان ما زان الوجه ، وأحسن مكان في الوجه البَلَج بين 24
الحاجبين وهو قليل ، والخدود ، وأحسن ما في الخدود الخد الأيمن ، وأحسن ما في الأيمن صحنه ، وهو وسطه، وما كان في وسط الحنك ، وما دار حول الفم ، وأحسنه ما كان في وسط الشفة العليا ، ثم ما كان في مكان الأصداغ ، ثم ما كان في صفحة العنق ، ثم ما كان في الصدر مجال القلائد ، ثم ما كان قريبا من السّرة ، وما كان على ظاهر الكف ثم على الساعد ، وأحسنه ما كان في الجانب الإنسي ، ثم ما كان في الجانب الوحشي ، ثم ما كان على الأرداف ، ثم ما كان على الأفخاذ ، ثم ما كان في بطون الساقات ، ثم ما كان على ظاهر القدم في وسطه ، ولا يليق بالأنف شيء من الخيلان ، وكذلك الأذن ، وكذلك الأجفان ، وليس الخال في الجبهة بقبيح ، خصوصا إذا كان متوسطا ، وأحسن الخيلان ما كان مائلا إلى السواد ، أو إلى الخضرة ، وهو أحسن على الجسم النقي البياض المشرّب حمرة ، وأحسنها ما خلا من الشعر ، فإن كان الشعر في شيء منها فأليقه ما كان فيما قرُب من السوالف ، وأحسن ما كان دون الثلاث بطول ، أما إذا كانت الشعرات كثيرة قصيرة فلا ، وأحسن أشكال الخيلان ما / استدار ، وكـان كالعدسة 25
فما فوقها ، إلى فلق الحمّصة ، ولا يكون زائد النفور عن تسطيح الجسم ، ولا يستحسن كِبّر الخال في الوجه إلاّ إذا كان في صحن الخد ، فأما إذا كان في العنق ؛ فيستحسن كبره ، ولا سيما إن كان في الصدر ، وما دون ذلك إلى القدم ، ولا يستحسن كثرة الخيلان ، قال ابن سناء الملك :
والخدُّ بهجتُهُ بخالٍ واحدٍ ويَقلُّ فيه بكثرةِ الخِيلان
وقد يزيد على الواحد ؛ فيحسن في الوضع كما إذا كانت الشامات على وضع النَّسر الطائر في النجوم ، وهي على هيئة الأثافي ، كشكل مثلث ، متناسب الأضلاع ، أو يكون على وضع النسر الواقع كمنطقة الجوزاء ، وهي هيئة خط مستقيم ذي ثلاث نقط متساوية البعد ، فإن كانت متناسبة في المقادير كانت غاية في الحسن ، وهذا كله تعنت ، ممن لم يكن عنده هوى ولا ميل؛ لأن المُحِبَّ لا يرى شيئا أحسن عنده من الصورة التي مال إليها ، وعَلِقَ بها على أيّ حالةٍ وُجِدت ، وعلى أي وضع كانت ، قال الشاعر :
وكم في الناسِ من حَسَنٍ ولكنْ عليكِ لِشقْوَتي وقعَ اختياري
وهذا الشاعر أنصف في القول ؛ لأنه اعترف بأنّ غير محبوبه أحسن منه مع الكثرة ، ولكنه مال مع هوى نفسه إليه / وأما غيره فإنه تعالى وبالغ وادّعى أنه ظفر بمحبوب 26
هو الغاية التي لا مزيد عليها في الحسن والجمال ، قال أبو نواس [ المديد ] :
تُرِكت والحسن تأخذه تنتقي منه وتنتخِبُ
فانتقت منه طرائفه واستزادت فضل ما تهبُ
وإن كان أبو نواس تسلّق على المعنى ، وأخذه من قول بشار :
خلِقتُ على ما فيّ غير مُخَيَّر هواي ولو خُيِّرتُ كنت المُهذَّبا
ثم تناوله أبو تمام الطائي فأخفاه وقال :
فلو صَوَّرْتَ نفسَكَ لم يزدْها على مل فيكَ من كرمِ الطِّباعِ
وبشار وغيره أخذ أصل المعنى من قول عبد الله بن مصعب :
كأنك جئت مُحتَكِماً عليهم تَخّيَّر في الأبوة ما تشاءُ
وأخذه أبو الطيب فقصّر عنه لمّـا قال :
حبيبٌ كأن الحسن كان يُحبُه فآثره أو حار في الحكم قاسمه
وما أحسن قول مهيار الديلمي [ حيث يقول ] [ من الكامل ]:
وكأنما وَلِيَتْ خطائِطَ وجهِها يدُها فجاءت في الجمالِ كما اشتَهَتْ
أخذت وأعطت من ضياء الشمس ما احـ تَكَمتْ فجمَّعت الجمالَ وفرَّقَتْ
ملكت على بانات جَوٍّ أمرَها فلها الإمارة ما استقامت وانثنت
فإذا أرادت بالقضيب مساءةً وتنقَّمت حزما عليه تأوَّدت
/ وقلت أنا : 27
تعيبُ العاذلات وذاك جهلٌ محياك الذي بهرَ اللواحي
وما أعْوَزْتَ شيئا من جمالٍ كأنك قد خُلِقتَ على اقتراحي
وقلت أيضا :
مليحٌ حلا في كل قلبٍ وناظرٍ وكلُّ ضميرٍ نحوه يتلفتُ
أتى باختلافاتِ المُنى في جماله فما فيه ما يَسْتَدْرِكُ المُتَعَنِّتُ
(وهذا وأمثاله تصديق لقوله صلى الله عليه وسلم : [ حُبُّكَ للشيء يُعمي ويُصِمُّ ]، وما أحسن قول الراضي بن المعتمد من أبيات :
أستغفِرُ اللهَ لو قد صحَّ لي نظر لما أطّبتني دنيا مُرَّةُ النظر
لكن حَرصتُ فلم أُبصِر طريق هُدى إنّ الحريصَ لأعمى القلبِ والبصرِ )
/ وقد اختلف الشعراء في تشبيه الخال،وأنا أذكر الآن ما يجوز من التشبيه الواقع 28
في ذلك بحسب الإمكان ، فأقول: يجوزأن يشبه بنقطة لنون الحاجب ، وفيه تسامح (وبنقطة لخاء الخدّ، وبنقطة سقطت من قلم كتب نون الحاجب) ،وبنقطةعالية على تفاحة وبنقطة انحدرت من كحل الجفون ، وبكوكب كُسِف ، وبقطعة عنبر في مَجْمَر ، أو نَدٍّ ، أو مسك ، وبأثر شرارة وقعت في ثوب أطلس أحمر ، وبفحمة من نار ، وبجنَّان يحرس حديقة ورد ، وبنُكتة الشقيق ، وبملك من الزنج في حُلّة حمراء ، وبراهب يتعبد ، وببلبل في سياج العذار ، وبحبّة لفخِّ العذار ، وبحبة القلب وقد وقعت في نار الخدّ ، وبالحجر الأسود في كعبة الوجه الحسن ، وببلال يؤذن في صبح الغُرَّة ، وبكرة تلقفها صولجان العِذار ، وبختام مسكٍ لمُدام الريق ، وبذبابة وقعت على شَهد الريق ، وبمجرم في النار ، وبهندي تعبد بإلقاء نفسه في النار 0
/ ذكر من كان به شامة 29
في صفة النبي صلى الله عليه وسلم بين كتفيه خاتم النبوة ، قال جابر بن سَمُرة : مثل بيضة الحمامة ، يشبه جسده ، وقال غيره : مثل زرّ الحَجلَة وقال غيره : وحوله خيلان كأنهن الثآليل ، وقال أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد البستي في كتاب التقاسيم والأنواع : أخبرنا نصر بن الفتح بن سالم المربعّي العابد بسمرقند ، ثنا رجاء بن مُرَجَا الحافظ ، ثنا إسحاق بن إبراهيم قاضي سمرقند ، ثنا ابن جريج ، عن عطاء عن ابن عمر ، قال : كان خاتم النبوة في ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البندقة من لحم ، عليه مكتوب محمد رسول الله ، هكذا أورده ابن حبان ،( وشرطه في الكتاب أن لا يذكر من الأحاديث إلاّ ما صح عنده ، وهذا حديث عجيب ) ذكره بعض الحفاظ أنه موضوع ، ورجال إسناده معروفون بالثقة ، خلا شيخ ابن حبان فإنه لم يعرف حاله ، ولعله من وضعه ، وإن أحسنّا به الظن فنقول : إنه غلط ، ونقله من حديث الخاتم الذي كـان في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلى خاتم النبوة ، والله أعلم 0
[ وقال ابن قتيبة في كتاب المعارف : وكان في جبهة هارون شامة ، وفي أرنبة أنف موسى شامة ، وعلى طرف لسانه شامة ، وهي العقدة التي ذكرها الله عز وجل ، ولا يُعرف أحد قبله ولا بعده كان على طرف لسانه شامة ]
/ حسان بن ثابت الأنصاري : 30
قال الحافظ ابن عساكر: قال حسان للنبي صلى الله عليه وسلم لمّـا طلبه لهجـو قريش : لأسلنَّك منهم سلَّ الشَّعرة من العجين ، ولي مَقـولٌ ما أحبّ أنّ لي به مقول أحد من العرب ، وإنه ليفري ما لا تفريه الحربة ، ثم أخرج لسانه ؛ فضرب به أنفه ، كأنّ لسانه شجاع بطرفه شامة سوداء ، ثم ضرب به ذقنه ، وقال : لأفرينّهم فري الأديم فصبّ على قريش منه شآبيب شَرّ 0
أمير المؤمنين المأمون :
أبو العباس عبد الله بن أمير المؤمنين هارون الرشيد ، ذكر أصحاب الأخبار في صفته أنه كان على خدّه خال 0
[ أمير المؤمنين عبد المؤمن بن علي صاحب المغرب :
كان معتدل القامة ، أشهل العينين ، كثّ اللحية ، شثن الكفين ، طويل العقدة ، واضح بياض الأسنان ، على خده الأيمن خال 0
امرأة النعمان بن بشير الأنصارية الكلبية :
كانت قبله عند معاوية بن أبي سفيان ، فقال لامرأته ميسون : اذهبي فانظري إليها فذهبت إليها ، ثم نظرت ، ثم عادت ، فقال لها : ما رأيت ؟ فقالت : ما رأيت مثلها ، ورأيت خالا تحت سرّتها ، ليوضعن رأس زوجها في حجرها ، فطلّقها ، فتزوجها حبيب بن سلمة ، ثم طلقها ، فتزوجها النعمان ، فلما كان بحمص ، واحتزوا رأسه ، فقالت امرأته الكلبية : ألقوه في حجري ، فكان كما قالت ميسون 0
المعتضد بالله العباس أمير المؤمنين أحمد بن محمد الموفق بن الناصر :
كان في رأسه شامة بيضاء ]
محمد بن عمرو :
ابن الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، ولاه يزيد بن عبد الملك الكوفة ، كان يُعرف بذي الشامة ، وهو القائل يرثي مسلمة بن عبد الملك :
ضاق صدري فما يحنّ حِراكا عيّ عن أنْ يجيئه ما دهاكا
كل ميْتٍ قد اضطلعت عليه ال حزن ثم اغتفرت فيه الهلاكا
زائنٌ للقبور فيها كما كنـــ ت تزين السلطان والأفلاكـا
/ ذات الخـال : 31
[ جارية كانت للرشيد ، اشتراها بسبعين ألف درهم ، كانت أحسن الناس وجها ، ولها خال على خدّها ، لم ير الناس أحسن منه في موضعه ، ووعدها الرشيد يوما أن يصير إليها ، فلما صار إليها اعترضته حظية أخرى فدخل إليها ، وأقام عندها ، فقالت ذات الخال : والله لأغيظنه ، فدعت بمقراض، فقصت الخال الذي كان على خدّها ، فشق ذلك على الرشيد ، وقال للعباس [ بن الأحنف ] اعمل في هذا شيئا ، فقال :
تخلّصت ممن لم يكن ذا حفيظة وملت على مَن لا يُغيِّره حا ل
فإن كان قطع الخال لما تطلعت على غيرها نفسي فقد ظُلم الخالُ ] 0
جارية كانت محبوبة إلى إبراهيم الموصلي النديم ، ولـه فيها أشعار منها [ من الطويل ] :
أتحسب ذات الخال راجية ربا وقد سلبت قلبا يهيم بها حبا
وما عذرها نفسي فداها ولم تدع على أعظُمي لحما ولم تُبقِ لي لُبّأ
وتعتدُّ ذنبا أنْ أبوحَ بحبها وقد قتلتني لا نَعُدُّ لها ذنبا
فوالله لا أدري أسلمكمُ لنا أمرّ وأدهى أم إذا كنتم حربا
القرمطي صاحب الخال :
هو الحسين بن زكرويه ، رأس القرامطة ، كان اسمه الحسين ، فسمى نفسه أحمد بن عبد الله ، وأمره مشهور بين الإخباريين ، بعث المكتفي عسكرا لقتاله في سنة إحدى وتسعين ومائتين ، فالتقوا ؛ فانهزم ، وأُمسك وأتي به ، وطيف به في بغداد مع جماعة ، ثم قتل هو وهم تحت العذاب ، وكان القرامطة قد بايعوه بعد أخيه ، ولقبوه المهدي ، وكان شجاعا فاتكا شاعرا ، ولما قتل خرج بعده أبوه زكرويه ، فخرج إليه عسكر؛ فأُسر جريحا ، وكان ذلك في حدود الثلاثمائة تقريبا ، ومن شعر صاحب الخال ، أورده المرزباني :
متى أرى الدنيا بلا كــاذب ولا حروري ولا ناصـب
متى أرى السيف على كل مَن عادى علي بن أبي طالب
متى يقول الحقَ أهلُ النّهى ويُنصف المغلوب من غالب
/ هل لبغاة الخير من ناصر هل لكؤوس العدل من شارب 32
الرئيس أبو القاسم علي بن أبي توار :
رئيس زَوْزَن ، كان على ظاهر كفه شامة كبيرة ، قال فيها أبو القاسم أسعد بن علي البارع :
كفٌّ عليّ عندها التبر هان وللملك بها قَدرُ
كأنما الخال على ظهرها عنبرة قد مجّها البحر
الشيخ شهاب الدين أبو شامة :
عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الأصل ، الدمشقي الشافعي ، العلاّمة ذو الفنون ، صاحب التصانيف المليحة ، منها كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية ، وغير ذلك في القراءات والفقه ، إنما قيل له أبو شامة لشامة كبيرة كانت على رأس حاجبه الأيسر ، وطرّف مَن قال مواليا :
لي حِـبُّ يخجّل بلفتاتو ظِبا رامــهْ
أهـيف رشيق التثني مايس القامـة
يهوى الخلاف وهو في الفقه علاّمة
أفتى بقتلي حـبيبي ذا أبو شــامة
[وقلت مواليا في الخال :
يا خلّ لك خال كم خلّى كمثلي خـال
ولا خطر لي التسلي بل ولا لي خال
إلى متى القــدّ منك ما تخطّر خال
ولا رعى لي من الصّحب زمانا خال ]
/ الأمير بدر الدين بيليك : 33
أبو أحمد المحسني الصالحي ، عمل الحجوبية للملك المنصور مدة , وأُعطي بدمشق خبزا بعد التسعين ، ثم أعيد إلى القاهرة ، وكان عاقلا خيِّرا ، له ميل إلأى الخير وفيه دين ، روى عن ابن المقَيّر ، وابن رَواج ، وابن الحجميزي ، وتوفي سنة خمس وتسعين وستمائة ، وكان يعرف بأبي شامة0
محمد بن محمد بن أحمد :
أبو جعفر الشاماتي النيسابوري ، تخرج به جماعة من المتأدبين ، وله الخط المشهور المنسوب ، توفي سنة أربع وسبعين وأربعمائة 0
أحمد بن الفضل بن منصور :
أبو حامد الشاماتي النيسابوري ، سمع محمد بن رافع ، وأيوب بن الحسن ، وروى عنه أبو عبد الله الديناري ، وأبو الطيب الذهلي ، توفي 000
جعفر بن أحمد بن أبي عبد الرحمن النيسابوري :
أبو محمد الشاماتي الفقيه ، سمع إسحاق بن إبراهيم ، ومحمد بن رافع ، وإسحاق بن منصور ، وأبا كريب ، وأبا عبيد الوهبي ، ويونس بن عبد الأعلى ، وأحمد بن عبده الضبي ، وأبا موسى ، وبندارا ، وحدث عنه أبو عبد الله بن يعقوب وغيره ، توفي سنة اثنتين وتسعين ومائتين 0
/ حامد بن محمود بن معقل الشاماتي القطان النيسابوري : 34
وال أبي العباس الشاماتي ، سمع محمد بن يحيى ، وعبد الله بن هاشم ، وأحمد بن يوسف ، وغيرهم ، وروى عنه أبو العباس أحمد بن هارون الفقيه ، وأبو عبد الله بن دينار العَدل ، وغيرهما ، توفي سنة تسع عشرة وثلاثمائة 0
هؤلاء الشاماتية ، ما كان بأحد شامة ، وإنما نسبوا إلى ناحية ، هي بخراسان 0
سالم بن محمد بن سالم بن الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن صِصري :
القاضي أمين الدين أبو الغنائم التغلبي الدمشقي الشافعي ، ولد سنة أربع وأربعين ، وتوفي سنة ثمان وتسعين وستمائة ، كان على وجهه شامة كبيرة حمراء جميلة ، حدّث عن مكي بن علان ، وسمع خطيب مرو ، والرشيد العطار ، والرضى بن البرهان ، وإبراهيم بن خليل ، وجماعة ، وكان ناظر الخزينة ، وولي نظر الدواوين ، ثم إنه حج وعاد ، ولزم بيته ، وأقبل على شأنه 0

/ النتيجة 35
وهي تشتمل على ما جاء في ذلك للشعراء من المقاطيع العجيبة ، والمعاني الغريبة ، والمحاسن التي يتهلهل نسج الليالي والأيام ، وبرود هذه قشيبة ، وقد رتبت ذلك على حروف المعجم 0

قافية الهمزة
ابن الساعاتي [ من الكامل ] :
ولكم منيت بليلةٍ مسودةٍ ما دار ذكر البدر في أحشائها
سمحت بمن أهوى ولولا ضيقة الإعدام ما بخلت ببدر سمائها
ذو وجنة ما لاح ماثل خالهـا بل لاح أسود مقلتي في مائها
بعض المغاربة ، هو أبو تمام المغربي :
يا سالبا قمرَ السماء جمالَه ألبستني للحزن ثوبَ سمائِه
أضرمتَ قلبي فارتمى بشرارةٍ وقعت بخدِّك فانطفت في مائِه
أبو تمام ابن رباح الحجام المغربي أيضا :
يا حبيبا له الفؤادُ محلّ كيف تجفو وأنت في سودائه
كتب الحسن فوق خدِّك خالا فامّحى الشكل غير نقطة خائه
حسام الدين الحاجري :
/ ومهفهف في شعره وجبينه أمسى الورى في ظلمةٍ وضياءِ 36
لا تنكروا الخال الذي في خدّه كــلّ الشقيقِ بنقطةٍ سوداءِ
شهاب الدين محمد بن الخيمي :
وجَلَيْتَ حين بسمْتَ لؤلؤ مبسمٍ فضحَ الدُّجا والصبحَ من لألائه
وتركتَ قلبي في اللهيب كأنه خالٌ بخدك مثل نقطة خائه
ذهب اللهيب به فلم يترك سوى سودائه إذ كنت في سودائه
[ آخر :
أبرز وجهه الجميل وقالوا أي شيئ تحكي من الأشياء
قلت لله فيه سرّ خفي إذا يراه بدرا على البطحاء
جعلت فيه نقطة من سواد ليضاهي بذاك بدر السماء ]
وقلتُ :
ما عايَنَتْ عيناي أعجب منظرا فيما رأتْ من سائر الأشياء
كالشامة الخضراء فوق الوجنة ال حمـراء تحت المقلة السوداء

/ قافية الباء 37
ابن الساعاتي :
خطَّ كفُّ الحُسنِ نوني صدغِهِ نُقِّطت منَّـا بحباتِ القلوبِ
كيف لا أعجبُ من خيلانه شررا مُطْفَأةً وسط لهيب
وقال أيضا :
يبدو وللخيلان في وجناته معنىً يُحيِّر ناظرَ المُتعجِّبِ
وجهٌ كما سَفَر الصباحُ لثامَهُ فعلامَ فيه بقيةٌ من غيهبِ
وقال أيضا :
وَسْنانُ يحسنُ في العيون وما له حُسنى ويَعْذُبُ في القلوبِ مُعَذَِبا
ويزينُ نقطُ الخالِ خطَّ عِذاره والخطُّ يحسُن مُعجما أو مُعربا
الأسعد بن مماتى :
وشامةٍ في خدِّها شامةٌ تجمَّعتْ في خدِّها عقربا
وجمعها شامات وهي التي ياقلبُ حَذَّرتُكَ أن تضربا
شيخ الشيوخ شرف الدين :
قرأتُ خــطَّ عذاريه فأطمَعَني بواو عطف ووصل منه عن كثب
وأعربت لي نون الصدغ مُعجمةً بالخال عن نجح مقصودي ومطلبي
إبراهيم بن سهل المغربي :
/ وجهٌ يَفُضُّ عُرى التُقى تفضيضه منِّي ويُذهب عقله تذهيبه 38
يُذكي الحياء بوجنتيه حمرةً فيكاد ندُّ الخال يعبقُ طيبُه
آخــر :
أتدري لماذا أسأل العِذار عذار الحبيب وكم عقربا
رأى كرة الخال في خده فصاغ لها صولجا مُذهبا
فهــمَّ بها ثم لفّت يداه وقــال بمثلك لا يُلعـبا
محمد بن الصقر قاضي بلش :
إذا وصفوا حُسنَ اللمى واختطاطه وقالوا كمثل الصاد من خطِّ كاتب
أقول لهم ضادٌ لها الخال نقطةٌ فأصدقُ تشبيها ولستُ بكلذبِ
أبو بكر القهستاني :
بعمي وخالي ذاك الخال إنه ختامٌ على ماء الحياة لشاربه
فصفرة لوني من سواد عذاره وحمرة خدَّيه وخُضرة شاربه
آخــر :
في الساعد الأيمن خال له مثل السويداء على القلب
كــأنه من سبجٍ فاحـمٍ مركّبٍ من لـؤلـؤٍ رطبِ
شيخ الشيوخ شرف الدين عبد العزيز :
/ قرأت خطَّ عذاريه فأطمعني بواو عطف ووصل منه عن كثب 39
وأعربت لي نون الصدغ معجمة بالخال عن نجح مقصودي ومُطّلبي
حتى رنا فسبت قلبي لوا حظه والسيف أصدق أنباء من الكتب
وقلت :
له على حاجبه شامة تنزهت في الحسن عن عائب
مثل طواشٍ زاد في حمقه يعلو على الناظر والحاجب
وقلت مضمنا :
تعشقت ذا وجنة لم تجد لوردتها ناظري مشبها
وللمسك في وسطها حبة تفانى الرجال على حبها
وقلت أيضا :
بنفسي خده المحَمَّر أضحت عليه شامة شرط المحبة
كأن الحسنَ يعشقُه قديما فَنَقَّطَه بدينارٍ وحبَّه
وقلت أيضا :
ترحّلَ عن محبوب قلبي جماله وأصغى إلى داعي النوى وأجابا
وأقفرَ ذاك الخدُّ من كل بهجةٍ فهل كان ذاك الخالُ فيه غُرابا
وقلت في ذمِّه :
قال عِذاري قد زان خدِّي فقلتُ بل شانه وشابه
فقال خدي يزهى بخالي قلتُ دمٌ فوقَه ذُبابة
/ قافية التاء 40
أبو تمام بن رباح الحجام المغربي :
خدّك مرآة كل حُسنٍ تَحْسُنُ من حُسنها الصفات
ما لي أرى فوقه نجوما قد كُسِفَتْ وهي نيِّرات
ابن منير الطرابلسي :
لا تخالوا خاله في خدِّه قطرةً من صبغ مسك ?




صورة مفقودة

هنري ماتيس
 
أعلى