محمد المصطفى - هل سافو أول شاعرة في تاريخ الأدب الإنساني !

تفرد..
في تاريخ الإنسانية لم يعرف الأدب العالمي شاعرة أخرى قبلها، هي الشاعرة اليونانية (سافو- sappho)، إذ لم تلحق بها شاعرة إلا بعد وفاتها بمئات السنين، عاشت في الفترة بين 610 و 560 قبل الميلاد، واشتهرت بالتعبير الحار عن الحب في صورته السامية، قامت بفتح أول مدرسة عرفها التاريخ، لتعليم الفتيات فنونا مختلفة منها الشعر والسلوك المهذب والموسيقى والرقص، وكانت فيها المدرسة الوحيدة.

لم يمنعها اهتمامها بعاطفة الحب من أن تكون صاحبة مشاركة في الحياة العامة وكان لها نشاط سياسي مؤثر، عرضها للنفي مرتين الأولى وهي في التاسعة عشرة والثانية وهي في الحادية والعشرين. بقي من أشعارها القليل، ولمصر فضل في ذلك، ففي عام 1897 وجد الباحثون في بعض توابيت الفيوم، التي تحوي الأوراق، عددا من قصائدها المعروفة للآن.

اهتمام..

"كانت سافو امرأة فذة عجيبة، لأني لا أعرف أنه قد وجدت في جميع العصور التي وصل إلينا علمها امرأة أوتيت معشار ما أوتيت من النبوغ في فن الشعر"، هذا ما نقله (يول ديورانت) في المجلد الثاني من كتابه "قصة الحضارة" عن المؤرخ اليوناني الكبير (سترابون)، أما ديورانت فيقول عنها "إن الأقدمين إذا ذكروا لفظ الشاعر فإنهم يعنون (هوميروس)، كذلك لفظ الشاعرة يعنى به سافو"، وقد شهد عصرها، والعصور التالية لها في تاريخ اليونان اهتماما بإنتاجها الأدبي، إذ كانت تلحن أشعارها وتغنيها، وأضافت للأوزان الشعرية المعروفة في عصرها الوزن السافوني المعروف للآن، وكان (صولون) وهو واحد من المشرعين الأوائل، وحاكم أثينا يقول عنها "أتمنى أن أحفظ شعر سافو قبل أن أموت" أي أنه اعتبر شعرها قمة السعادة، وفيما كان (سقراط) أعظم الفلاسفة يسميها (الجميلة)، وكان (أفلاطون) أنبغ تلاميذ سقراط يهتم بأشعارها أيضا ويقدرها.

أسطورة..

"إن ربات الشعر تسع.. ألا ما أعظم غباءهم، فليعلموا أن سافو ابنة مدينة لسبوس هي العاشرة "هذا ما قاله عنها (سقراط)، حيث اعتبرها إحدى ربات الشعر، وهو ما أدى بالبعض إلى اعتبار سافو أسطورة يونانية، ونظرا لما يكتنف حياتها من غموض، كذلك أشعارها التي روي أن الكنيسة أحرقتها، وما نطالعه في قصائدها حين تصور تلميذاتها وصيفات الآلهة المتوجات بأكاليل من الورود، كذلك القيثارة التي صممتها لتصاحبها عندما تغني قصائدها بين الناس، أما ما صورها للناس في العصور التالية كأسطورة، فهو محاولات الرسامين لتناولها في لوحاتهم، حيث ظهرت من خلالها كأسطورة يونانية، بالإضافة إلى أشعارها الباقية التي لا تزيد عن ألف بيت.

شذوذ..

اسم سافو تصادفه في الدراسات النفسية عن تاريخ السلوك الشاذ عند النساء، لأنها من أبناء مدينة يونانية اسمها لسبوس، واسم المدينة هو مرادف كلمة الشذوذ عند المرأة (lespanism)، ومنسوب إليها، وتتهم به سافو، وقد ساعد في إطلاق هذه الصفة عليها علاقتها القوية المشحونة بالعواطف الجياشة بين تلميذات مدرستها مما عزز إطلاق هذه الشائعة ضدها، ومما يدعم هذه الشائعات ما بقي من كتابتها، خاصة قصيدتها لـ (أفيس) ومما تقوله فيها "لقد أحببتك يا أفيس منذ زمن بعيد"، كذلك ما كتبته تحسد زوجها "إنه سعيد ذلك الرجل الذي يجلس بالقرب منك ويستمع إليك.... وأنت تتحدثين حديثك الفضي وتضحكين.." وكذلك "لأني إذا رأيتك لحظة قصيرة خشع صوتي من فوري، وانعقد لساني، وسرت في ضلوعي نار يحس بها من حولي، ولا تبصر عيناي منها شيئا وتطن في أذني أمواج من الصوت عالية ويتصبب جسمي عرقا فيجري أنهارا، وترتجف جميع أعضائي ويصبح لوني أكثر اصفرارا من لون العشب في الخريف، وتنتابني آلام الموت المترصد لي فأضطرب وأضل في سكرات الحب.."، ونهاية القصيدة كتبت "لن أرى أفيس بعد اليوم ولا فرق عندي بين هذا وبين الموت". أما أفيس فقد تركت المدرسة وهي تقول "واحسرتاه ما أتعس حظنا أقسم لك يا سافو أن فراقي إياك كان على الرغم مني". أما الباحثون المحايدون فينفون عنها هذه التهمة.

انتحار..

رغم أن الحضارة الإنسانية عرفت شاعرات كثيرات، إلا أن سافو ظلت ألمع اسم في تاريخ الأدب النسائي - ولم تكن أسطورة-، تناقلت الروايات ما يذكر موتها منتحرة بسبب أزمة عاطفية، وقيل أنها أحبت بحارا يدعى (فايون) وحالت الظروف دون إتمام الزواج. ويصدق البعض هذه الروايات ويرفض البعض الآخر ذلك، وبقيت شخصيتها تحمل بعض التفرد الذي أدى بالحاقدين عليها إلى القيام بمحاولات لتشويهها، ولكن تاريخنا الإنساني خلدها أيضا كشاعرة حساسة محبة ومقدرة للجمال.

من أشعارها

عندي طفلة جميلة..
شبيهة بالورود الذهبية..
"كلايس".. هو اسمها..
وهي كل شيء بالنسبة لي..
كل شيء
ولا أبدلها بثروة "ليديا" الفاتنة..
ولا "لسبوس" الرائعة الجمال..
فيما إذا خيرت بينها.. وبينهما..!
إنها كل شيء بالنسبة لي..
وستبقى كل شيء على الدوام..!

من قصيدتها لـ فايون

إذا كان القدر قد حرمني من جمال الجسد..
وطول القامة..
وبياض البشرة..
يا حبيبي.. البحار الجميل "فايون"..
فإن نبوغي في الشعر يعوضني عن هذه العيوب جميعا..
وإذا بدا لك أن قوامي ضئيل..
أو أنني أحمل مقياس اسمي الصغير..
فلا تنظر إلي نظرة الاحتقار..
ذلك أنني حقا ضئيلة الحجم..
سمراءُ البشرة..
قصيرةُ القامة...
متوسطة الجمال..
إلا أنني أتقن فن الحب..
أيما إتقان..

ومن قصيدة أخرى

من الناس من يحب المال..
ومنهم من يحب جيوش الفرسان..
وهي عائدة من ساحات القتال لتعلن النصر على الأعداء..
ومنهم من يعتقد أن أجمل شيء على الأرض هو رؤية جحافل المشاة..
أو السفن الحربية..
أما أنا..
فإن أجمل شيء عندي هو ما يحبه القلب..
هو أنت وحدك : يا حبيبي "فايون" الذي أحلم أن أكون معه..
وبجانبه على الدوام..
لنقضي العمر سوية..
وإلى الأبد..!




- محمد المصطفى / كاتب مصري





صورة مفقودة
 
أعلى