نادية خلوف - الحاجةُ، والرغبةُ

ولدنا برغباتٍ غريزيةٍ تحكمُنا . جميعُها هامةٌ . ومن أهمِّها غريزةُ الجنسِ . هو رغبةٌ وحاجةٌ ضروريةٌ من أجلِ استمرارِ الحياةِ ، وهنا نحن نرغبُ بالجنسِ ونحتاجُهُ أيضاً . لكن في لحظةٍ ما . تتطورُ رغبتنا هذهِ لتصبحَ شهوةً لا نستطيعُ إيقافَها . فتسيطرُ علينا ونكونُ عبيداً لها . لا نتمكنُ من ضبطِها . إنَّها الشهوةُ التي سيطرتْ علينا ، ونظرنا إليها وكأنّها حاجةٌ لنا . وبابُ الشهواتِ لا حدودَ لهُ فليسَ هي شهوةُ الجنسِ فقط ، بل شهوةُ المالِ والسلطةِ والجمالِ وعدِّدْ ما شئتَ من الشهواتِ التي تعرفُها والتي لا تعرفُها ، ويجري العملُ على تسويقِها في مرافقَ تستطيعُ الحصول عليها بأساليبَ متنوعةٍ ، وإذا عرفنا أنهُ لا يمكنُنا القضاءَ على الرغباتِ . إنّه على الأقلِّ يجبُ أن لا ندعَها تخضِعُ عقولَنا لعبوديتِها .
قد يكونُ الفارقُ بسيطاً بين الحاجةِ والرغبةِ يشبهُ خيطاً رفيعاً يفصلُ بينهما . كلُّ البشرِ لهم حاجاتٌ قد تكونُ أساسيةً مثلَ : المأكلِ والمشربِ والمسكنِ . هي حاجاتٌ يسعى الجميعُ لتحقيقِها . لكنّها في النهايةِ متوفرةٌ في الطبيعة . يمكنُ الحصول عليها في أغلبِ الأحيانِ . يوجدُ احتياجاتٌ خاصةٌ لكلِّ شخصٍ غيرُ تلكَ الاحتياجاتِ الأساسيةِ .تختلفُ هذه الاحتياجاتُ من شخصٍ لآخر. قد يشعرُ أحدُ الأشخاص أنّه لم يشعرُ بالاكتفاءِ ويرغبُ في التعويضِ لنفسِهِ من أجلِ أن يشعرَ بالسعادةِ . يذهبُ للنوادي والسهراتِ الماجنةِ . يحاولُ الشعورَ بالسعادةِ . قد يقودهُ السيرُ وراءَ هذهِ الرغباتِ إلى الهاويةِ فيقعُ في دائرةِ إدمانٍ ما كالكحولِ والمخدراتِ والجنسِ ، وبدلاً من أن يحصلَ على السعادةِ . يحصلُ على الأرقِ والقلقِ وعدمِ الارتياح .
أحياناً نعتقد أنّ ميولَنا التي تطفو على السطحِ من أجل الترفِ والعبثِ بحثاً عن الاكتفاءِ تزدادُ . وفي لحظةٍ ما نراها قد طغتْ على الرغبةِ في تلبيةِ الحاجاتِ الأساسيةِ الهامةِ في الحياةِ منطلقةً بشكلٍ متصاعدٍ لتصبحُ حاجاتنا تتجاوزُ المعقولُ تصبحُ رغباتٌ جامحةٌ تدمرُ داخلنا . لو رأينا الأطفالَ كيفَ يصبحون سعداءَ . هم يكتفون بالغذاءِ وبعض العنايةِ من الأم. ليس من أجلِ أن يكونوا نجوماً في فيلم سينمائيٍّ. بل لأن الاكتفاءَ بالحاجاتِ الأساسيةِ أشعرهم بالفرحِ والسعادةِ . هم لا يسألون إن كان لديهم ثروةٌ . لا يبحثون عن حاجاتٍ أخرى . الفرقُ بين الحاجةِ والرغبةِ يشبهُ الفرقَ بين الحبِّ والجنسِ ، فالحبُّ والجنسُ حاجةٌ يجب أن يشعرَ الإنسانُ بالاكتفاءِ منهما . إذا كان الجنسُ هو تعبيرٌ عن الحبِّ بين رجلٍ وامرأة فإنّه ليس دائماً يكونُ الحبُّ ممثلاً بالجنسِ . قد لا يحتوي الجنسُ في بعضِ الأحيانِ على مشاعرَ حقيقيةٍ . إنما يدورُ ضمنَ دائرةِ ” المتعةِ الجنسيةِ ” التي ليسَ لها في النهايةِ علاقةٌ بالحبِّ .هو فارقٌ كبيرٌ جداً لكنهُ بنفسِ الوقتِ صغيرٌ جداً يفصلُ الاثنانِ. – ذلكَ الخيطُ الرفيعُ – .
جميعُنا لنا حاجاتٌ ورغباتٌ . حاجاتُنا قد يكونُ بإمكاننا تلبيتها ، لكنَّ رغباتِنا لا تشبعُ ، ولا يمكنُنا إشباعَها لأن الرغبةَ تزداد كلما أردنا أن نشبعَها أكثرَ برغبةٍ أكبر. الأمثلةُ كثيرةٌ على ذلك ليس في الحبِّ فقط . بل في جميعِ ميادينِ الحياةِ . لنفترضَ أننا نريدُ الذهابَ إلى متجرٍ ما ، وفيهِ رأينا عروضاً مغريةً شعرنا أنّها كلُّها تلزمنا – أي نحتاجها – لكن عندما اشتريناها . لم نستعملْ إلا بعضاً منها . أغلبُها لم يكنْ لازماً لنا . أي رغبْنا بحاجاتٍ كثيرةٍ لا نحتاجُها كلُّها . مدمنٌ على الكحولِ قالَ: “لم أكنْ أشربُ من قبل . لكنّني شعرتُ في لحظةٍ أنَّ هذا ما أحتاجُهُ تماماً ” هل فعلاً كانَ يحتاجُ لهذا ؟ إنهُ ذلكَ الفرقُ البسيطُ بينَ الحاجةِ والرغبةِ . معَ أنَّ الرغباتِ قد تكونُ محفزةً لنا في بعضِ الأحيانِ من أجلِ التغيراتِ الضروريةِ التي تساعدُنا على تحقيقِ أحلامنا . إلا أنها أحياناً تقودُنا إلى الدمار .
الرغباتُ موجودةٌ عندَ الإنسانِ والحيوانِ . الحيواناتُ رغباتُها توجهُها إلى النجاحِ للتلاؤمِ مع البيئةِ ، لكنَّها غرائزُ موجهةٌ مسبقاً . أما الإنسان فإنّهُ يستطيعُ أن يوجهَ غريزتهُ للنجاحِ وإنّ عقلَ الإنسانِ الباطنِ إذا زرعَ الإنسانُ فيهِ فكرةً يصبحُ عملُهُ تحتَ تأثيرِ قوةٍ عاقلةٍ خفيةٍ توجهُهُ لإنجازِ ما يريدُ من الرغباتِ والأهدافِ والطموحاتِ. لماذا لا نستعملُ هذهِ الطريقة ونوحي لعقلِنا الباطنِ بأفكارٍ نطمحُ أن نحققَها في هذهِ الدنيا ؟
نحنُ بشرٌ لذا فإن رغباتِنا أحياناً تُنسينا مراكزَنا الاجتماعيةِ والعائلية وننجرفُ بخفةٍ وراءَ جلسةٍ ممتعةٍ فيها تعليقٌ ونكتةٌ . نجدُ المبررَ لأنفسِنا كي لا ننتزعَها من لحظة مجونٍ . نحن نبرُر لأنفسِنا ما تفعلُه أو بمعنى آخر نبررُ رغباتَنا . . نعتبرُ أّنها كانت في لحظةً ما ضروريةً لنا . إذا انفتحتْ بوابةُ الرغباتِ ستكون الكارثةُ لأنّ الرغباتِ ستكونُ سيفاً مسلطاً على رؤوسِنا . حيثُ سنسيرُ وراءَ شهوةِ السلطةِ والجنس والمالِ . ننسى أنفسِنا مسجونةً داخلَ هذهِ الرغباتِ ، ثمَّ يغزونا الألم وأمراضُ العصرِ التي تسببَ بها جعلُ أنفسِنا عبيداً لشهواتِنا ! !
نحنُ بحاجةٍ إلى الكثيرِ من الأشياءِ . الهواءُ والماءُ والأشياء الأساسية الأخرى . لكن البعض منا يشعرُ بحالةِ عوزٍ شديدٍ . كلّنا نريدُ الدعمَ العاطفيَّ مثلاً . لكنَّ أغلبَنا يكتفي بالدعمِ الموجودِ، بينما هناكَ قلةٌ تحتاجُ لدعمٍ أكبر . ويكون لديهم العوز لذلكَ
إنّنا نحلمُ بالمالِ والسلطةِ والجنسِ وأن يكونَ كلُّ شيءٍ نرغبُ بهِ بين أيدينا . نتمسكُ بمتعنا المشروعةِ وغيرُ المشروعةِ . دونَ أن نميِّزَ بينها . وبهذا قد ننسى حاجاتنا
الحقيقيةِ . الذي يميزُ الحاجةَ عن الرغبةِ هو داخلُنا فقط . إذا وضعنا يدنا على قلوبِنا ونظرنا بصفاءٍ روحاني وعقليٍّ إلى ما نقدمُ عليهِ من أقوالٍ أو أفعالٍ، سنستطيعُ التمييزَ بين الأشياء . علينا أن نتعلمَ كيفَ نعيشُ معَ رغباتِنا دونَ أن نلجمَها كي نتمكنَ من تحقيقِ أحلامنا ، ودونَ أن نتركَ لها الحريةَ لتجمحَ وتقفزَ إلى أماكنَ قد تسببُ لنا هزيمةً ودماراً . الرغبةُ ولدت فينا . لا يمكنُ إلغاؤها ، ولا يوجدُ فائدةَ من إلغائها . بالعكسِ تماماً . علينا أن نعترفَ برغباتِنا أمامَ أنفسِنا . أن لا نخجلَ منها . ولا نحولُها لشهوةٍ تسيطرُ على عقولِنا فنكونُ عبيداً لها ! ! !



- عن موقع ألفلحرية الكشف في الكتابة والانسان


.

e86020344bed6c355329d6bde4fef300.jpg
 
أعلى