نرمين كحيلة - مفهوم الجمال فى الإسلام

(الحلقة الأولى)
كل يوم يضع لنا خبراء الجمال فى العالم مقاييس جديدة للجمال فبالأمس كان مقياس جمال الوجه أن يكون كامل الاستدارة كالبدر ليلة تمامه أما اليوم فقد تخلوا عن هذه القاعدة وقالوا لا يشترط فى الجميلة أن يكون وجهها مستديرًا..وقالوا قديمًا أن المرأة جمالها أن تكون أقرب إلى السمنة أى تكون ممتلئة القوام أما اليوم فقد تغيرت المقاييس وأصبحت عكس ذلك فأضحت النحافة هى علامة الجمال وكلما كانت العظام بارزة والجسد نحيل كانت المرأة أجمل ..وتنافست النساء من أجل الوصول إلى أقصى درجة من النحافة فمنهن من لجأت للرجيم ومنهن من اشترت دواء للنحافة ومنهن من مارست الرياضة من أجل إنزال وزنها.
و لقد حدّد المجتمع الغربي المقاييس التي تمثّل المرأة الجميلة، وهي أن تكون طويلة، رشيقة، شقراء . أما المجتمع العربي فكانت مقاييس الجمال الأساسية لديه الإمتلاء والبياض، الأنف الدقيق والعيون الواسعه الكحيلة و العنق الصافي الطويل والجسم الممتليء مع الشعر الأسود الطويل والبشرة البيضاء الصافية.

وكثير من الناس يعتقد أن البياض الناصع فى المرأة علامة جمال وأن العيون الزرقاء والشعر الأصفر من علامات جمال المرأة والرجل.. وكثيرًا ما لجأ مشاهير الفن إلى عمليات تجميلية لتتوافق أجسامهم مع المقاييس الجديدة للجمال وكلما تغيرت هذه المقاييس لجأوا إلى عمليات أخرى وهكذا.. فذات الشعر الأسود تصبغه بالأصفر وذات العيون السوداء تضع العدسات الزرقاء.. وهكذا.

والغربيون اليوم يفضلون الطول الفارع ويهتمون به كثيرًا كأهم مقاييس للجمال ، فكلما كانت المرأة طويلة كلما كانت جميلة.. أما في اليابان فهناك مقاييس مختلفه إذ يفضلون المرأة الناعمة الرقيقة البيضاء ، صافية البشرة والعنق ، هادئة الصوت والتي تكون قدماها صغيرتان ومشيتها رقيقة ومتقاربة الخطى وكانوا يعتبرون الطول عيبا لاميزة في المرأة أى أن أهم شئ فى المرأة اليابانية هى أن تكون صغيرة القدمين حتى أنهم يضعون أقدام الفتاة الصغيرة فى قالب حديدى حتى لا تكبر ولا تنمو أكثر من ذلك الحجم.
أما بعض الشعوب مثل الإسكيمو والهنود الحمر فيهتمون برائحة المرأة وبالذات رائحة الفم والجسم والشعرإذ يحرصون على وضع الزيوت العطريه والأوراق بالشعر مع مضغ بعض النباتات التي تطيب رائحة الفم وهم يختبرون رائحة فم المرأة وجسمها قبل خطبتها ومنها الخاطبة التي تقوم بمهمة شم رائحة المرأة المستهدفة .....

أما الفراعنة القدماء فقد اهتموا بالعيون الكحيلة أكثر من غيرها إذ بحثوا عن أجود أنواع الكحل لأن المرأة كلما ركزت على جمال عينيها أصبحت أكثر سحرا وجاذبيه واهتموا كثيرا بالعطور والأبخره ..... وهم أول من استخدم اللبان لتعطير الفم .........
أما بعض القبائل الأفريقية فيزيدون في مهر المرأة كلما ازداد سواد
بشرتها لأن ذلك ليس دليلا على الجمال فقط !! بل دليل على صفاء عرقها كما أنهم لايفضلون الشعر الطويل أبدًا إذ يقومون بحلق الفتيات تماما (( على الصفر )) حتى تبدو أكثر أنوثة وجاذبيه !!!!!! كما تعجبهم السمنةااا .....أى أن المرأة الجميلة فى نظر الأفارقة هى المرأة الصلعاء شديدة السواد السمينة.
أما قبائل منغوليا والتبت : تفضل العنق الطويل جدا حتى أنهم يضعون حلقات معدنيه على عنق الفتاة منذ ولادتها كل عام حتى يزداد طولها وقد تصل الحلقات لعدد كبير جدا حتى إن المرأة لتبدو كالزرافة .... لكنها الأجمل لديهم .....
أما في جنوب السودان وبعض الدول الأفريقية فتهتم بعض القبائل جدا بالشقوق التي يقومون بعملها على وجه المرأة منذ ولادتها كحماية لها !!... وكذا بطنها ويديها ويعتبرون المرأة غيرالمخمشة ناقصة وقد لاتصلح للزواج ,,,,,,

.



.


صورة مفقودة

-Comerre Leon Francois-Hindart3
 
(الحلقة الثانية)
إذن مقاييس الجمال فى العصر الواحد مختلفة من مكان إلى آخر فالطول المستحب فى بعض البلدان مكروهًا فى بلدان أخرى والامتلاء المطلوب فى بلد مكروهًا فى بلد أخر والبياض المفضل فى مكان غير محبوب فى مكان آخر...إذن فالجمال نسبى ؛ ما يراه البعض جمالاً يراه البعض الآخر قبحًا ودمامة..فما هو مقياس الجمال الحقيقى الذى لا يتغير ؟؟؟
إن خالق الجمال وهو الله سبحانه وتعالى قد حدد لنا مقاييس الجمال التى لا تتغير بحكم أنه الخالق المبدع وهذه المقاييس هى: بالنسبة للمرأة فإن المرأة الحوراء هى الجميلة ، والحور هو شدة بياض بياض العين وشدة سواد سواد العين وهى لذلك مكافأة المؤمنين فى الجنة أى الحور العين فلو كانت العيون الزرقاء أجمل لقال الله عزو جل أن نساء الجنة ستكون ذوات عيون زرقاء أو خضراء وأن شعورهن ستكون صفراء...
يقول أطباء العيون أن وصف حور العين فى القرآن فيه استحالة فى تحققه فى الدنيا لأن لون إنسان العين الذى نطلق عليه مجازًا أسود هو اللون البنى الداكن.. وهذا معناه أن لون العين كلما كان داكنًا كان أجمل وليس العكس، وقدفتن الشّعراء بسواد العين، إذ غدوا صرعى بسحره. قال جرير:
إنّ العيون التي في طرفها حورٌ = قتلننا ثمّ لم يُحيين قتلانا
فالرجل الذكى إذن هو الذى يختار عروسه بمقاييس الجمال التى وضعها الله وليس بمقاييسنا نحن..
وقديمًا كانت الأم أو الأخت تذهب إلى بيت العروس لتتفحص جسدها وأردافها وأسنانها وشعرها وبروز نهديها كأن العروس جارية معروضة فى سوق النخاسة.. رغم أنه لابد أن ينظر للمرأة على أنها إنسان له قيمة، هذه القيمة لا تستمدها من جسدها ولكن من دينها وعقلها وأخلاقها.. وقد قال عبد الوهاب فى أغنيته الشهيرة:
"وعشق الروح ليس له آخر أما عشق الجسد فهو فانى"
إذن فإن الجمال الحقيقى هو جمال الروح. لذا فقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:"تنكح المرأة ل...... و.... و.... فاظفر بذات الدين تربت يداك ولأمة خرساء سوداء ذات دين أفضل".
هذا الهوس العالمي بجمال المرأة تجاوز حدود المعقول.. وبدأ يتعداه إلى حدود غير طبيعية.. إذ أصبح البحث عن الجمال هاجس المرأة الأول والأخير حتى إنها أصبحت تقيم بجمالها ولا شئ غيره كما يحدث في مسابقات الجمال العالمية. وأصبح الأمر منتشراً لدرجة مريعة.. لدرجة أثرت في نفسية كثير من النساء والفتيات، فأصيب بعضهن بعقد النقص، والبعض بهوس تغيير المظهر ما بين فترة وأخرى، بينما البعض عانى من أمراض نفسية وعضوية بسبب ذلك
البحث عن الجمال.. بمفهوم الغرب.. وبدراسة حقيقة الاهتمام العالمي بمسألة الجمال أضحى حفل اختيار ملكة جمال العالم أو الكون حدثاً عالمياً تنقله كل وكالات الأنباء وجميع القنوات الفضائية.. لماذا كل هذا الاهتمام بجمال المرأة.. ولماذا أصبح الغرب أنفسهم يعارضون هذه الاحتفالات ويعتبرونها رمزاً للعنصرية وإهانة المرأة..
في وقتنا الحالي انتشر هوس كبير بحفلات ملكات الجمال، والذي انتقل من المجتمعات الغربية إلى مجتمعاتنا حتى غدا لكل مناسبة ولكل موسم ملكة جمال فتلك ملكة جمال العارضات، وتلك ملكة جمال السمراوات أو الشقراوات، و تلك ملكة جمال المراهقات أو الأطفال، والأخرى ملكة جمال الربيع وتلك ملكة جمال الريف وصولاً إلى ملكة جمال موسم البطيخ بل وملكة جمال القمامة!!..
ومن العمليات الخطرة التي تقوم بها بعض الطامحات للقب أن يقمن بإزالة الزوج السفلي من أضلاع الصدر في عملية جراحية خطرة حتى يضيق الخصر أكثر وتصبح أكثر مطابقة للمقاييس. ورغم أن ذلك يعرضهن لمتاعب صحية جمة فيما بعد.. إلا أن ذلك يهون لديهن في سبيل المال والشهرة..
إن مقاييس الجمال التى وضعها الله مجسدة فى النبى صلى الله عليه وسلم فقد خلقه الله على أجمل صورة فلم يكن شديد البياض والبرص ، يتلألأ نوراً و كان أسيل الوجه مسنون الخدين ولم يكن مستديراً غاية التدوير، بلكان بين الاستدارة والإسالة هو أجمل عند كل ذي ذوق سليم ، وكان حاجباه صلى الله عليه وسلم قويان مقوسان، متصلان اتصالاً خفيفاً، لا يرى اتصالهما إلا أن يكون مسافراً وذلك بسبب غبار السفر. وكان صلى الله عليه وسلم مشرب العينين بحمرة، وهي عروق حمر رقاق . وكانت عيناه واسعتين جميلتين، شديدتي سواد الحدقة، ذات أهداب طويلة - أي رموش العينين - ناصعتي البياض كان صلى الله عليه وسلم شديد السواد رجلاً، أي ليس مسترسلاً كشعر الروم ولا جعداً كشعر السودان وإنما هو على هيئة المتمشط، يصل إلى أنصاف أذنيه حيناً ويرسله أحياناً فيصل إلى شحمة أذنيه.فالشعر الناعم شديد النعومة الذى ليس به أية تموجات ليس جميلا بمقاييس الله بل الجمال أن يكون ناعما فى تموجات ولذا فإننا نجد مصففى الشعر العالميين يخترعون آلة لتجعيد الشعر الناعم حتى يكون جميلا. والبياض الناصع أيضا ليس جميلا ولكن البياض المشرب بالحمرة..
وقد قال الشيخ الشعراوى رحمه الله أن أذواقنا يجب أن تتغير حسب المقاييس التى وضعها لنا الله ورسوله والمتجسدة فى أوصاف الرسول وفى قوله أن الرجل إذا تزوج المرأة لجمالها فقط فهو خاسر خسرانا كبيرا لأن الجمال زائل ويمكن أن يكون نقمة على الإنسان "فعسى جمالهن أن يرديهن". وكثيرا ما فشلت زيجات لزوجات جميلات.
أما جمال الرجل فالمعروف أن فكرة الناس عنه هى أن يكون الرجل ضخمًا عريض المنكبين طويلا مسترسل الشعر لكننا لو نظرنا إلى زوجة موسى عليه السلام نجد أنها أحبت فيه قوته وأمانته فهى لم تقل لأبيها مثلا يا أبت استأجره إن خير من استأجرت الطويل العريض أو الوسيم الجميل أو ذو الشعر المنسدل على الجبهة فرغم أن موسى عليه السلام كان أسمر البشرة ذو شعر أجعد إلا أن المرأة استطاعت أن ترى فيه جمال آخر هو جمال الخلق والروح. فقد وجدت أن الأمانة هى أجمل كثيرا من جمال الوجه والملامح. وكذلك فإن الجمال الحقيقى ليوسف عليه السلام لا يكمن فى جمال خلقته بل فى جمال أخلاقه ودينه. وقد أوقعه جماله فى مشاكل عديدة فحين تغزلت فيه امرأة العزيز قال لها: آه لو رأيتنى بعد دفنى سوف تنفرين منى أما جمال الدين والأخلاق والروح فيستمران بعد الوفاة. وأعتقد أن الله عزوجل قد خلقه على هذه الصورة الجميلة ليلقن الناس درسًا أنهم لا يجب أن ينصب اهتمامهم على جمال الشكل ولكن الأهم أن ينظروا لجمال الأخلاق والدين وبالفعل فإن زوجة العزيز فى نهاية القصة قد تعلمت الدرس ووعته وكذلك النسوة اللاتى قطعن أيديهن وكل قارئ للقصة لا بد أن يعى هذا الدرس العظيم فقد جعلها الله قرآنا يتلى إلى يوم القيامة لنتعلم منها.

.
 
(الحلقة الثالثة والأخيرة)

كانت هناك امرأة سوداء ليست جميلة فتزوجها رجل وعندما رأى وجهها لأول مرة يوم العرس هرب منها فقالت له: لعل الله يجعل فيما تكره خيرا.. وتحمل المرأة وتمر الأيام وإذا بالمرأة تلد ابنا وتربيه تربية دينية حتى يكون فقيها ويراه الأب فيعجب به وهو لا يعلم أنه ابنه وعندما يعلم يعود إلى الأم ويتذكر قولها: لعل الله يجعل فيما تكره خيرا.. فيندم ويتعلم أن المرأة ليست بشكلها ولكن بدينها وأخلاقها وعقلها.
مر شاب بابراهيم بن ادهم (رضى الله عنه ) وهو يعظ الناس فقال الشاب لابراهيم بن ادهم يا ابراهيم انى احب فتاة جميلة فقال له يا بنى لا جمال تراه الا فانيا فاشغل نفسك بالجمال الاعظم تذوب في الوجود وتختلط بحقائق الامور فقال له الشاب يصف له جمال محبوبته فقال له آه لو رأيت عينيها أو دانيت وجنتيها آه لو رأيت ثغرها وهى تبتسم لكانت عذابك الدئم الذى تحبه
فقال له إبراهيم بن أدهم
يا مسكين آه لو رأيتها بعد الموت بلحظات وقد تغير لونها وشحب وجهها واصفر بياضها واهطل خدها لذهل عقلك وآه لو رأيتها بعد موتها بثلاثة أيام وقد تعفن جسدها ونتن ريحها وتمزق لحمها وسرح الدود فى ما كنت تشتهيه من محارمها فماذا أنت فاعل وقتها يا مسكين
يا فتى.
يحكى أنه في القرن الأول الهجري كان هناك شابا تقيا يطلب العلم ومتفرغ له ولكنه كان فقيرا وفي يوم من الأيام خرج من بيته من شدة الجوع ولأنه لم يجد ما يأكله فانتهى به الطريق الى أحد البساتين والتي كانت مملؤة بأشجار التفاح وكان أحد أغصان شجرة منها متدليا في الطريق... فحدثته نفسه أن يأكل هذه التفاحة ويسد بها رمقه ولا أحد يراه ولن ينقص هذا البستان بسبب تفاحة واحده... فقطف تفاحة واحدة وجلس يأكلها حتى ذهب جوعه ولما رجع الى بيته بدأت نفسه تلومه وهذا هو حال المؤمن دائما جلس يفكر ويقول كيف أكلت هذه التفاحة وهي مال لمسلم ولم أستأذن منه ولم استسمحه فذهب يبحث عن صاحب البستان حتى وجده فقال له الشاب يا عم بالأمس بلغ بي الجوع مبلغا عظيما وأكلت تفاحة من بستانك من دون علمك وها أنا ذا اليوم أستأذنك فيها فقال له صاحب البستان .. والله لا أسامحك بل أنا خصيمك يوم القيامة عند الله ..بدأ الشاب المؤمن يبكي ويتوسل إليه أن يسامحه وقال له أنا مستعد أن أعمل أي شي بشرط أن تسامحني وتحللني وبدأ يتوسل إلى صاحب البستان وصاحب البستان لا يزداد إلا اصرارا وذهب وتركه والشاب يلحقه ويتوسل إليه حتى دخل بيته وبقي الشاب عند البيت ينتظر خروجه الى صلاة العصر... فلما خرج صاحب البستان وجد الشاب لا زال واقفا ودموعه التي تحدرت على لحيته فزادت وجهه نورا غير نور الطاعة والعلم فقال الشاب لصاحب البستان يا عم إنني مستعد للعمل فلاحا في هذا البستان من دون أجر باقي عمري أو أي أمر تريد ولكن بشرط أن تسامحني عندها.. أطرق صاحب البستان يفكر ثم قال يا بني إنني مستعد أن أسامحك الآن لكن بشرط.. فرح الشاب وتهلل وجهه بالفرح وقال: اشترط ما بدى لك ياعم فقال صاحب البستان: شرطي هو أن تتزوج ابنتي! صدم الشاب من هذا الجواب وذهل ولم يستوعب بعد هذا الشرط ثم أكمل صاحب البستان قوله.. ولكن يا بني اعلم أن ابنتي عمياء وصماء وبكماء وأيضا مقعدة لا تمشي ومنذ زمن وأنا أبحث لها عن زوج أستأمنه عليها ويقبل بها بجميع مواصفاتها التي ذكرتها فإن وافقت عليها سامحتك.. صدم الشاب مرة أخرى بهذه المصيبة الثانية وبدأ يفكر كيف يعيش مع هذه العلة خصوصا أنه لازال في مقتبل العمر؟ وكيف تقوم بشؤنه وترعى بيته وتهتم به وهي بهذه العاهات؟ بدأ يحسبها ويقول اصبر عليها في الدنيا و انجو من ورطة التفاحة! ثم توجه الى صاحب البستان وقال له يا عم لقد قبلت ابنتك وأسال الله أن يجازيني على نيتي وأن يعوضني خيرا مما أصابني فقال صاحب البستان.. حسنا يا بني موعدك الخميس القادم عندي في البيت لوليمة زواجك وأنا أتكفل لك بمهرها فلما كان يوم الخميس جاء هذا الشاب فقال له أبوها: يا بني. تفضل بالدخول على زوجتك وبارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما على خير وأخذه من يده وذهب به إلى الغرفة التي تجلس فيها ابنته فلما فتح الباب ورآها.. فإذا فتاة بيضاء أجمل من القمر قد انسدل شعرها كالحرير على كتفيها فقامت ومشت اليه فإذا هي ممشوقة القوام وسلمت عليه وقالت: السلام عليك يا زوجي.. أما صاحبنا فهو قد وقف في مكانه يتأملها وكأنه أمام حورية من حوريات الجنة نزلت إلى الارض وهو لا يصدق ما يرى ولا يعلم مالذي حدث ولماذا قال أبوها ذلك الكلام.. ففهمت ما يدور في باله فذهبت اليه وصافحته وقبلت يده وقالت إنني عمياء من النظر إلى الحرام وبكماء من النظر الى الحرام وصماء من الاستماع إلى الحرام ولا تخطو رجلاي خطوة إلى الحرام. وإنني وحيدة أبي ومنذعدة سنوات وأبي يبحث لي عن زوج صالح فلما أتيته تستأذنه في تفاحة وتبكي من أجلها قال أبي أن من يخاف من أكل تفاحة لا تحل له سوف يتقى الله فى ابنته.وبعد عام أنجبت هذا الفتاة من هذا الشاب غلاما كان من القلائل الذين مروا على هذه الأمة. أتدرون من ذلك الغلام؟ إنه الإمام أبو حنيفة صاحب المذهب الفقهي المشهور.

هذه القصة نخرج منها بدروس:
أولاً: أن الأب أراد أن يتأكد من صدق إيمان الرجل لأنه لو مؤمن فعلا لن يهمه الجمال بقدر ما يهمه الدين ويُفهَم من القصة أن الأب قد عرض ابنته بأوصافها تلك على عرسان كثيرين قبله فلم يوافقوا، لكن نية هذا الشاب الصادقة جعلته يفوز بتلك الفتاة التى جمعت كل المحاسن خلقا وخلقا، ولأنه فقير فقد زوجه الله دون أن ينفق شيئًا وجعله يلتقى بذلك الرجل لأن نيتهما معا كانت الفوز برضا الله وفى نفس الوقت فاز الرجل بزوج صالح لابنته.. وكانت مكافأة الله لهما أن رزقهما بولد هو الإمام أبو حنيفة فيما بعد.. هل رأيتم قيمة أن الإنسان حين يهتم بالجوهر دون المظهر فإن الله يكرمه. فالشاب لم يطلب حتى أن يرى الفتاة ليعاينها ويرى هل تصلح له أم لا ؟ بل فكر فى الجنة وكيف يفوز بها حتى لو كان ذلك على حساب دنياه فكافأه الله.

فالذى يخطب امرأة مثلا وتتعرض لحادث فتفقد ساقها أو يدها أو تصاب بالعمى أو المرض فيتركها خطيبها.. فإن هذا يدل على أنه عشق جسدًا دون روح. فالجسد معرض للموت أو المرض أو الشيخوخة. أما الروح فهى باقية.

أما قصة عبد الله بن مسعود رضى الله عنه حين تسلق النخلة ليقطف منها الرطب فضحك الصحابة لدقة رجليه فقال لهم النبى صلى الله عليه وسلم: إنها عند الله أثقل من جبل أحد.. وكان أحد الصحابة أسود دميم فاتضن النبى ظهره وقال مازحا: من يشترى هذا العبد؟ فقال: إذن تجدنى كاسدا يا رسول الله.. فقال النبى: ولكنك عند الله غالى.
وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم". وقد قال الله تعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" ولم يقل : "إن أكرمكم عند الله أجملكم".

فليتنا نتعلم هذا الدرس ونعرف أن الجمال الحقيقى فى الدين والأخلاق والروح.


نرمين كحيلة
 
أعلى