حسين ليشوري - الكلام الفاخر في نقد الأدب الفاجر.. أُمَّةٌ في الحضيض تستمرئ أدب المراحيض

1. مما أحفظه من كلام الأستاذ العبقري الأستاذ عباس محمود العقّاد، رحمه الله و غفر له، صاحب العبقريات الشهيرة، أنه قال:" إذا أردت أن تعرف قيمة مجتمع ما من الحضارة فانظر إلى جامعاته و صحافته لأنهما مرآة ذلك المجتمع" أو كما قال لأنني قرأت كلامه هذا أو فيما معناه منذ عقود ثلاثة على أقل تقدير و الذاكرة خوّانة فأنا أحاول هنا تسجيله بالمعنى و ليس باللفظ للأمانة.

2. و هذا الكلام صحيح تماما، فالجامعات تظم خيرة أبناء المجتمع من حيث التعليم أو هكذا يجب أن تكون كما أن الصحافة بمختلف أجهزتها هي لسان حال المجتمع تعبر هن همومه و انشغالاته أو هكذا يجب أن تكون بيد أن ما نلاحظه على جامعات الأمة العربية و صحافتها بمختلف وسائلها أنها تعكس صورة الأمة الرديئة المقرفة مع وجوب استثناء الشذوذ في هذه و تلك و الشاذ يحفظ ولا يقاس عليه كما يقال في اللغة العربية عموما أو في نحوها خصوص، فما يحدث في الجامعات العربية من ألوان الفساد لا يمكن تصوّره أو تصويره لفداحته و فظاعته، و ما تقوم به وسائل الإعلام من إجرام في حق الأمة كبير و خطير و مفزع و مدمر للقيم و النظم ما صغر منها و ما عظم.

3. و من وسائل الإعلام الحديثة و المستعملة بكثرة يعجز العادُّون عن عدها و المحصون عن إحصائها هذه المواقع في الشبكة العنكبية و القنوات التلفزيونية الفضائية المختلفة و التي أتاحت للناس فرصا لم يكونوا يحلمون بها أو يتخيلونها للتعبير عن آرائهم أو أهوائهم أو ميولهم أو شهواتهم المختلفة مهما كانت معقولة أو مقبولة أو منبوذة أو فاسدة أو شبهاتهم المتنوعة، و حديثي هنا عن المواقع العربية في الشبكة العنكبية و ليس عن القنوات الفضائية الحرة أو المقيدة.

4. لقد وجد كثير من الناس ولاسيما الموهوبون منهم في الأدب بأنواعه فرصا للتعبير عن مواهبهم لم تتح لهم في الوسائل التقليدية المعروفة، الصحف الورقية أو النشر في الكتب، فوجدوا في المواقع بمنتدياتها و ملتقياتها مجالات رحبة لا تعد و لا تحصى لنشر كتاباتهم أيا كانت قيمتها من حيث أدبِيَّتُها أو شكلها و هنا مربط الفرس كما يقال ؛ لقد أبرزت المنتديات الأدبية كتابا و أدباء و شعراء مغمورين في بلدانهم إن سبق لهم النشر فيها كما عرَّفت بموهوبين حقيقيين جدد كانوا يحلمون بالنشر و الظهور، و هذا كله جميل و جيد.

5. وجد الكُتّاب بمختلف مستوياتهم حتى المدَّعون منهم في المنتديات الفرص السانحة لنشر كتاباتهم المختلفة و أتيحت لهم إمكانية البروز و الظهور و الخروج من المحلية الضيقة إلى العالمية الواسعة فصار الواحد و هو جالس في قريته النائية أو حيّه المنسي في بلد ما لا يكاد يُعرف إلا من أهله أن يُقرأ في بقاع الأرض البعيدة، و قد اختُصرت المسافات بحيث صارت القارات متجاورات كأنها على مرمى حجر من الكاتب بل هي أقرب إليه من أهله في غرفة مجاورة لا يفصله عنهم إلا جدار أو بعض جدار، و بهذا القرب المدهش يكتب الكاتب شيئا في منتدى ما فإذا بالرد أو التعليق يأتيه من مكان لم يكن يسمع به أو يتخيل أن قارئا ما يقرأ له فيه و هذه من عجائب "النّتّ" و بركاته الكثيرة.

6. بيد أن الكُتّاب ليسوا في مستوى واحد من حيث جودة الكتابة صياغة و مضمونا و كما أتاحت المنتديات المختلفة فرصا للموهوبين الحقيقيين أتاحت للمدّعين و المبتدئين و المرضى النفسانيين و المنحرفين أخلاقيا الفرص نفسها سواء بسواء، و لا سبيل إلى تمييز الأدباء الموهوبين متمكنين كانوا أو مبتدئين يجب تشجيعهم و الأخذ بأيديهم ليتطوروا و يتحسنوا عن المرضى النفسانيين أو المنحرفين إلا بنقد الكتابات التي ينشرونها و تمحيصها و الحكم عليهم من خلالها فينصحون أو يحظرون من النشر إذ السكوت عنهم جريمة نكراء قد تساوي جريمة الكتابة الداعرة إن لم تفقها إجراما.

7. و مما لاحظته شخصيا و أنا أتعامل منذ 2008 مع المنتديات و الملتقيات الأدبية العربية أننا لا ندري مع من نتعامل أو مع من نتحاور، لأن "النّتّ" يمكِّن الكاتب أو الكاتبة من قول أي شيء في أي شيء متى شاء و كيفما شاء من وراء حجاب كثيف يستحيل اختراقه أو هتكه فوجد الكثير من المرضى النفسانيين و العديد من المنحرفين أخلاقيا منافذ لنشر تفاهتهم و بث شذوذهم في العالم لا رادع لهم من قانون و لا دافع من أخلاق و لا وازع من دين يحجزهم عن الفساد و الإفساد و يفعلون ما يفعلون و يأتون ما يأتون تحت تسميات مخترعة و ألقاب مبتدعة فإن حظروا، أو طردوا، مرة عادوا مرة أخرى أو مرات بلقب جديد أو اسم مغاير أو كنية مموهة كأنهم يعودون من النافذة بعدما طردوا من الباب و هكذا ... فإن فطن لهم فطردوا كلما عادوا وجدوا في المنتديات "العربية" الكثيرة الأخرى مآربهم و استمروا في فسادهم و إفسادهم إلى أن يعييهم السعي و ما هو بمعييهم ما داموا يحملون هذه الجراثيم الأخلاقية في قلوبهم و ضمائرهم.

8. و لا ينقضي العجب من كاتبات عربيات، أو هكذا نظنهن، "يتنقبن" بِكُنى، جمع كنية، جميلة عادة و يتسترن وراء ألقاب راقية رنانة أحيانا لينشرن فضائحن "الأدبية" (؟!!!) تحت عنوان "البوح" أو "الفضفضة" أو الحرية أو ما شئت من مبررات و هن في هذا كله كالمومسات العاهرات يغيرن أسماءهن ليتمكن من ممارسة مهنتهن الرخيصة بكل "حرية" مبررات لجوءَهن إلى التستر وراء الألقاب و استخفاءَهن وراء الأسماء المستعارة بخوفهن من محيطهن أو مجتمعهن "المتشدد" و الذي يضيق عليهن المنافس فلا يستطعن البوح و النوح بما يختلج قلوبهن من رغبة في الدعارة الخيالية أو الفعلية فيكتبن ما يتمنين فعله و يعبرن عما يحلمن به بكل ... حرية (؟!!!).

9. و هذا كله على ما فيه من انحراف و طيش يمكن فهمه أو حتى تبريره إما نفسيا أو اجتماعيا لكن ما لا أستطيع فهمه أو استساغته هو ما تلقاه هؤلاء الكاتبات المريضات نفسيا و المنحرفات أخلاقيا من قبول و تشجيع و تأييد من الأدباء و النقاد رجالا كانوا أو نساء في المنتديات و الملتقيات "العربية" المحترمة و التي كما أتصورها ما قامت و ما أسست إلا لأداء رسالة أدبية راقية أو للقيام بمهمة حضارية سامية تسهم في النهوض بالأمة العربية من الحضيض إلى القمة أو قريب من القمة ثم يأتي من يواصل المسيرة إلى النهاية إن كانت هناك نهاية ما في الحضارة أو في التحضر.

10. سبق لي هنا عام 2009 نشرُ مقالة بعنوان "الأنواع الأدبية : تصنيف جديد" اقترحت فيها كما هو واضح من العنوان نفسه إعادة تصنيف الأنواع الأدبية ليس حسب قوالبها أو صيغ تعبيرها و إنما حسب أغراضها و أهدافها، فاقترحت تصنيف الأدب في خمسة أصناف هي كما وردت في آخر مراجعة أو تصحيح لتلك المقالة الرائدة: 1: الأدب السّاحر (أو الفاخر، الآسر)، 2: الأدب السّاخر (أو النّاخر، القاهر)،3 : الأدب السّافر (أو الظّاهر، الجاهر)، 4 : الأدب الشّاخر (أو الفاتر، السّادر)، 5: الأدب الخاسر (أو الدَّاعر، الفاجر).

11. و بعد مرور خمس سنوات تقريبا من نشر تلك المقالة أرى أنني، و بكل تواضع، كنت محقا في اقتراحي ذلك و قد فشا الأدب الداعر أو الفاجر أو الخاسر فشوا مقلقا لا لشيء إلا لأنه وجد سوقا رائجة في المنتديات و الملتقيات و قد قال أحد الأدباء الظرفاء عن الأدب الداعر أو الفاجر أو ما يسميه بعض المتحذلقين بالأدب "الإيروسي"، نسبة إلى Eros إله الهوى في الأساطير الإغريقية البالية، و هذه النسبة، "إيروسي"، أخف من النسبة المشابهة "إيروتيكي" المستقرضة خطأ من الأعجميتين الإنجليزية erotic و الفرنسية érotique، و هذا الأدب "الإيروسي"، في الحقيقة أدب رخيص منحط له في العربية من اسمه نصيب، و هو أجدر بأن يُسمى "أدبَ المراحيضِ" بحيث يجب ألا يُقرأ إلا فيها لموافقته المكان من حيث مضمونُه و من حيث قيمتُه و من حيث غايتُه.

12. نعم، إنه لأدب لا يجوز قراءته إلا في المراحيض و هو "أدب فيروسي" فتاك بالنفوس و الأخلاق، و لا ينقضي العجب من أمة تتمرغ في الحضيض في شئونها كلها تستمرئ هذا "الأدب" الرخيص و هي فرحانة سعيدة نشوانة كأنها حلَّت مشاكلها كلها و لم يبق لها سوى الاستمتاع ... بالأدب "الإيروسي" السافل تتلذذه أو تستمرئه، هذا و للحديث بقية إن شاء الله تعالى لفضح كثير من الممارسة الفاسدة في بعض المنتديات العربية أو الملتقيات الأدبية التي يحاول بعض المرضى النفسانيين تحويلها عن غايتها النبيلة و الانحراف بها عن رسالتها الجليلة.


البُليْدة
* حسين ليشوري
أُمَّةٌ في الحضيض تستمرئ أدب المراحيض
أو الكلام الفاخر في نقد الأدب الفاجر


المصدر : ملتقى المبدعين والادباء العرب
 
ح

حسين ليشوري

أشكر لكم نشر موضوعي المثير هذا، وليتكم ذكرتم مصدره حتى يتسنى للمهتم متابعة كتاباتي.
تحياتي.
 
أشكر لكم نشر موضوعي المثير هذا، وليتكم ذكرتم مصدره حتى يتسنى للمهتم متابعة كتاباتي.
تحياتي.

حضرة الاستاذ الكريم حسين ليشوري
يطيب لنا في الانطولوجيا السرد العربي أن نشكركم على تفضلكم بهذا التعليق على هامش مقالكم الجميل الذي يعكس وجهة نظر حول هذا اللون من الابداع المثير والاشكالي في آن ،
نحييكم ونرحب بكم ، ونشد على ايديكم ونتمنى المزيد من العطاء والتألق واطيب المنى
 
أعلى