سعيدة بنسليمان - الجنسية والبيدوفيليا في التاريخ الإسلامي: علامة استفهام

عرف التاريخ الإسلامي منذ بداياته، قصصا مختلفة الأشكال والأنماط حول الجنس، سواءً الغيري أو المثلي. نجد هذه القصص تعجّ بها مجموعة من الكتب التي ألّفها فقهاء معروفون، ككتاب رجوع الشيخ إلى صباه في القوة على الباه لمؤلفه الإمام أحمد بن سليمان بن كمال باشا وكان صنفه بإشارة من السلطان سليم الأول وأتم طباعته في سنة 903 هـ، وكتاب الروض العاطر في نزهة الخاطر وهو كتاب تعليمي جنسي، من تأليف أبو عبد الله محمد بن محمد النفراوي فيما بين عامي1410 و1434 بناء على طلب من السلطان عبد العزيز الحفصي سلطان تونس، وذلك لإثراء الكتاب الصغير “تنوير الوقاع في أسرار الجماع” لنفس المؤلف. وهذا الكتاب كان مخاطبا السلطان ليس لضعفه بل لأن السلطان هو من طلب كتابته وذلك واضح من بداية كل باب ف ” أعلم يرحمك الله”. وكتاب “نواضر الأيك في معرفة النيك” هو مؤلفٌ منسوب للإمام السيوطي، عبارة عن ملخص لكتاب “الوشاح في فوائد النكاح“. يدور موضوعه حول الجنس والأوضاع الجنسية. ولم يجد المؤلف حرجا في تسمية الأشياء بأسمائها، فهو صريح في استخدام اللفظ الدال على أعضاء الجهاز الجنسي للذكر والأنثى والمستخدم في الكلام العام، أو ما يسمى بعورات الجسد، كما أنه صريح بتلفظ أسماء العملية الجنسية ووصفها وصفا كاملا وصريحاً. كتب وغيرها عديد لا يسعني الورق هنا لذكرها جميعها، زيادة على ترجمة كتاب كاماسوترا الشهير إلى العربية.
هذا واشتهر بعض الشعراء المسلمين في العهد العباسي والأموي، بميولاتهم المثلية، فهذا الشاعر أبو نواس، فصيح العرب في زمانهن يقول: “نكحت واستنكحت وذقت اللذتين.“* في إحدى نصوصه الشهيرة. وها هو ابن أبي البغل –في غُلاميته- يقول: “وإلا فالصغار ألذ طعماً، وأحلى إن أردت بهم فعالاً“، في مدحه الغلام الأمرد (الذي لم تنبت لحيته بعد). وفي هذا الباب ورد عن أبي هريرة: “نهى رسول الله أن يحدّ الرجل النظر إلى الغلام الأمرد”. كذلك، نهى بعض الفقهاء عن مجالسة المردان. قال في ذلك إبراهيم النخعي: “مجالستهم فتنة وإنما هم بمنزلة النساء”. وإذا أراد الشعراء التغزل بالجارية كانوا يصفونها بالغلام يقول الجاحظ في تعليق له على الشعر المنتشر في عصره “إن من فضل الغلام على الجارية أن الجارية إذا وُصفت بكمال الحسن قيل‏:‏ كأنَّها غلام ووصيفةٌ غلامية‏”. في شعر منسوب إلى والبة بن الحُباب‏ يصف فيه جارية، يقول:
“لها زيُّ الغلام ولم أقسْها/ إليه ولم أُقصّر بالغلام”.
ويقول شاعر:
“لها قدّ الغلام وعارضاه/ وتفتير المبتَّلة اللعوب”
ويقول آخر:
“وصيفة كالغلام تصلح للأمرين كالغصن في تثنّيها/ أكملها الله ثم قال لها لما استتمَّت في حسنها‏:‏ إيها”.
وها هو أحد أبرز شعراء العهد العباسي يذهب إلى التغزل بالمعاشرة الملتحين عكس بالباقين الذي أجمعوا حول مغازلة الأمرد، إنه أبو تمام الذي دافع عن وطء الملتحي قائلاً: “قال الوشاة: بدت في الخد لحيته/ فقلت: لا تكثروا ما ذاك عائبه/ الحسن منه على ما كنت أعهده/ والشَّعْرُ حرز له ممن يطالبه“.
وفي زاوية أخرى، بعيدا عن العراء والأدباء العرب، نجد في التاريخ الإسلامي مجموعة من الخلفاء (السلاطين) الذين تتابعوا على الحكم في كل العهود الحكم: الأموي والعباسي والعثماني، اشتهروا بميولاتهم المثلية، وقد قيل عن معاوية بن أبي سفيان ممارسته إياه. إلا أن خلفاء آخرين اشتهروا أكثر، إلى حد لا تخلوا سيرهم من ذكر ذلك حولهم.
perfumedفي العصر الأموي اشتهر الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك بذلك، وصفه السيوطي في كتابه “تاريخ الخلفاء” بأنه “الخليفة الفاسق أبو العباس” وقال عنه شمس الدين الذهبي في كتابه “تاريخ الإسلام”: “اشتهر بالخمر والتلوّط”. بعد قتله، قال أخوه سليمان بن يزيد: “لقد راودني عن نفسي”.
وذكرت الأبحاث أن العباسيين أنفقوا مبالغ طائلة لاقتناء الخصيان واستخدامهم ، وكان أول خليفة اشتهر بتعلقه المفرط بالخصيان هو “الأمين” ابن هارون الرشيد ، فكان له غلام يدعى “كوثر”..، ولما هاجم “المأمون” “الأمين” خرج كوثر ليرى الحرب، فأصيب في وجهه، فمسح الأمين الدم عن وجهه وقال: “ضربوا قرة عيني ومن أجلي ضربوه.” وكان الأمين يرفض النساء والجواري ويفضل مرافقة الذكور..
وامتد الأمر أيضا إلى القضاة، حيث اشتهر به القاضي “يحيي ابن الأكثم”… وأيضا القاضي “الجرجاني” وشهرته بحبه للغلمان (البيدوفيليا)، فيقول احد الباحثين: كان الجرجاني صديقا للوزير الأديب “صاحب بن عبادة” ومقربا منه الذي اشتهر هو الآخر بتلك العادة. فكانت الغلامية (البيدوفيليا) في العصر العباسي أمراً متفشياً بين جميع طوائف الشعب ولا يحاسب عليه القانون، ويمارس في العلن وليس في الخفاء فقط، ويجاهر به بل ويحترمونه.. فاعترفوا بممارستهم له ولم ينكروه.. فلماذا ينكره البعض الآن؟!!
أما في العصر العثماني فكان خصيان الخلفاء العثمانيين من البيض والسود..أما البيض فكانوا يأتون بهم من البلاد الأوربية التى احتلوها، وكان مهمتهم خدمة الخليفة والسهر على راحته، وكانت أعمارهم تتراوح بين الخامسة عشر والخامسة والعشرين.. وكانت ممارسة الجنس معهم أمرا عاديا.
أما عن تلك العلاقة المثلية بين النساء فقد وردت بدورها في مختلف الكتب الإسلامية، مثلها مثل المثلية الذكورية، في كتاب روض الخاطر لأبي عبد الله محمد بن محمد النفراوي، تحكي إحدى القصص الواردة فيه عن رجل جعل امرأته تعاشر امرأة أخرى، فلما سُئل عن ذلك، قال: إن هذا الأمر يعلّمها قيمة “الأير”. فيتضح أن أمر ميول المرأة إلى أخرى من جنسها كان محمودا عند العرب، ولو وقف بعض الفقهاء عمد تحريمه، إلا أنه كان مشاعا مثله مثل الميول الذكوري في الفترة الزمينة التي سُميّت بالعهد الذهبي الإسلامي، وها نحن نقرأ في سنن الترمذي الحديث التالي: حَدَّثَنَا هَنَّادٌ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: “قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ حَتَّى تَصِفَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا..” قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وقد جاء في كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري /كتاب الحدود –الاستمناء باليد/ص1223 ) مفاده أن من نكح يده، و تلذذ بها، أو إذا أتت المرأة المرأة فلا يقام حد في هذه الصورة بإجماع العلماء، لأنها لذة ناقصة والواجب التعزير على الفاعل حسب ما يراه الإمام زاجراً له عن المنكر.
فتكون نقطة استفهامنا التي عنونا بها نصنا، لماذا ينكر البعض كل هذه القصص غيرها،؟ هل هو هروب من الواقع، أم عدم رضا عن تاريخ ينتسبون إليه؟
*هذه العبارة مشكوك فيها: لم نجدها في ديوانٍ له، وليست موزونة.


.


صورة مفقودة
 
أعلى