وليد يوسف عطو - الحياة الجنسية والزواج قبل الاسلام

ماهو زواج الرهط ؟
ماهو زواج الاستبضاع ؟
( الاسلام قد عجل بعملية الانتقال من الاتجاه الامومي نحو الاتجاه الابوي ) روبرتسون سميث
يبدو لنا ان هناك فرقا كبيرا بين المؤرخين الذين عاشوا في بدايات الاسلام , وبين المتاخرين منهم . لقد روى البخاري وابن حبيب البغدادي ( كتاب المحبر ) وابن سعد ( كتاب الطبقات ), ان الاسرة الاسلامية احدثت قطيعة مع الممارسات السابقة للاسلام في العلاقات بين الجنسين , وهم يعترفون بوجود عدة انماط من الزواج ذات طبيعة مضادة للنظام الابوي الى جانب الزواج السائد في العصر الماقبل اسلامي ( الجاهلي ) . حيث يتعلق الامر بالحالات التي كان الطفل فيها لايحمل نسب ابيه الحقيقي كما في زواج المتعة ( الزواج المنقطع . او المؤقت , او عقد الصيغة ) , او زواج المراة من عدة رجال ( زواج الرهط ) , او بالحالات التي كانت الزوجة تحتفظ بالحق المطلق في تطليق زوجها بحركة بسيطة , كاسدال ستار على باب مضجعها كناية عن نفورها من الزوج . هذه الممارسات قد حرمها الاسلام .
لقد حرم الاسلام كل ممارسة زوجية مخالفة لمبادئه , اي تلك التي يصعب تحديد الابوة في اطارها . حيث ان الاسلام حرم كل الممارسات الزوجية التي كانت تعطي للمراة الحق في تقرير مصيرها الجنسي .لقد قدس الاسلام هيمنة الرجل المطلقة .
لقد بينت الابحاث غياب كل نمط للزواج القائم على مؤسسة في عصر ماقبل الاسلام , بحيث ان الروابط الزوجية لم تكن تعتبر اجبارية في بداية الاسلام .وانطلاقا من المعطيات التي يقدمها ابن سعد , فان تعدد الزوجات لم يكن متواجدا في مكة او في يثرب , حيث كانت مجتمعا فلاحيا بالاساس . كما لايوجد اي دليل يؤكد ان تعدد الزوجات كما عرف بعد الاسلام كان متواجدا في المدينة قبله . وهو النظام الذي يتزوج بموجبه رجل من عدة نساء وينفق عليهن في دار مشتركة , او في دور متعددة .
تستخلص الباحثة جو ترودسترن خلاصات مماثلة عن مكة مضيفة :
( من الممكن ان رجال مكة كانوا يتزوجون من نساء ينحدرن من القبائل البدوية , الا ان هذه الزيجات كانت ذات طابع مؤقت , او ان الزوجة تظل مقيمة في ديار قبيلتها , كما انه لايوجد دليل على ان رجلا كان ينفق على اكثر من زوجة واحدة في ان واحد .) .
تلفت الباحثة الانتباه الى احتفاظ المراة قبل الاسلام بحريتها في اطار العلاقة الزوجية . ويغدو التعدد في هذا الاطار مؤسسة جد مختلفة عنها في اطار زواج يكون للرجل فيه مطلق السيادة , بحيث يمكن تواجد تعدد الزوجات بموازاة حق المراة المماثل في تعدد الازواج , وبذلك يصير بامكانها الارتباط باكثر من رجل واحد .
لقد عقد هاشم الجد الاكبر للرسول محمد زواجا بالمدينة ظلت فيه الزوجة متمتعة في حق تقرير مصيرها . تربى الطفل الذي كان ثمرة الزواج وهو عبد المطلب مع امه . كان هاشم مقيما بمكة لكنه تزوج خلال احد اسفاره الى المدينة بسلمى بنت عمرو , فانجبت له ولدا هو عبد المطلب . وعاد هاشم الى مكة تاركا الطفل مع امه .وبعد موت الاب توجه اخوه الى المدينة , قصد استرجاع الطفل الذي غدا شابا ليعيش في كنف عشيرة ابيه , واحتاج العم في ذلك الى مفاوضات مع الام المعنية استغرقت ثلاثة ايام لتقرير مصير الشاب الذي اعلن انه لن يوافق عمه الا اذا اذنت له والدته بذلك .وقد وصفت المصادر سلمى بانها : ( كانت لاتنكح الرجال لشرفها في قومها حتى يشترطوا لها ان امرها بيدها , اذا كرهت رجلا فارقته ) . ويفسر الؤرخون المسلمين تمتع المراة بحقها في تقرير مصيرها بانتمائها الى الفئة العليا في السلم الاجتماعي ( كزواج خديجة من محمد )
مقالتنا (زواج خديجة من محمد )

يبدو ان حرية المراة في الزواج واصرارها على تقرير مصيرها كانا مستحيلين بدون مؤازرة اهلها لها
( مقالتنا – وضع المراة عند العرب قبل الاسلام)
ومقالتنا : وضع المراة عند العرب قبل الاسلام – ج2 )

وقد ظلت هذه الحرية متواجدة على الرغم من السيادة المتصاعدة للاتجاهات الابوية في المجتمع العربي خلال الفترة التي عاش فيها الرسول محمد حيث شاع زواج السبي او الشراء . وقد ترتب عنه بنية مرتكزة على حق الر جل في التعدد الذي كان يمثل فكرة جديدة في تلك الفترة , كما يدل على ذلك موقف الرسول المعارض له . لقد عارض محمد قرار صهره علي الزواج من امراة ثانية على فاطمة الزهراء ) لا اذن ثم لااذن ثم لااذن , الا ان يريد ابن ابي طالب ان يطلق ابنتي وينكح ابنتهم ,فانما هي بضعة مني ...) .
لقد عقد والد الرسول محمد زواجا اموميا على امنة بنت وهب وغادرها بعد زواجه منها , وذلك ماجرت عليه العادة اذا ما قرر الرجل التزوج من امراة تقيم مع عشيرتها بعد الزواج . ولكن اكثر الحالات تمردا ضد التعدد تتمثل في موقف سكينة بنت الحسين احدى حفيدات الرسول محمد المتاخرات . فكلما تزوجت اشترطت الحفاظ على سلطتها المطلقة , لذا وضعت الشروط التالية قبل زواجها من زيد بن عمر :
( وشرطت عليه ان لايغيرها , ولا يمنعها شيئا تريده , وان يقيمها حيث خلتها ( بكسر الخاء ) ام منظور , ولا يخالفها في امر تريده .
يلاحظ روبرتسون سميث في كتابه ( القرابة والزواج في الاسلام ) ان القرنين السادس والسابع الميلاديين شكلا مرحلة انتقالية في تاريخ القرابة العربية . وهو يرى ان مجيء الاسلام رافقته مجموعة من العلاقات الجنسية التي تسير في اتجاهين : الاول امومي يطلق عليه زواج الصديقة , والاخر ابوي ويطلق عليه زواج البعل او زواج الملكية ( من التملك ) . وقد نقل الامام البخاري في مؤلفه ( الصحيح ) عن عائشة اربعة انماط من الزواج في الاسلام :
1- النوع الاول , وهو الزواج الاعتيادي والسائد حاليا .
2- نكاح الاستبضاع : حيث يرسل الرجل زوجته بعد ان تتطهر من طمثها الى رجل اخر بمواصفات جسدية او ذهنية . فيعتزلها الزوج ولا يمسها حتى يتبين حملها من الر جل الغريب . فاذا تبينت حملها اصابها الزوج اذا احب ,وانما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد .
3- نكاح الر هط :وهو نكاح امراة مع عدة رجال من 3 – 9 رجال , والمراة التي تمارس هذا النوع من النكاح تدعى ( مراهطة ) . فاذا حملت ووضعت طفلها تجمع رجالها او ازواجها اليها ثم تقول :
قد عرفتم الذي كان من امركم , وقد ولدت فهو ابنك يافلان , وتسمي من احبت باسمه , فيلحق بها ولدها لايستطيع ان يمتنع به الرجل .
4 – يجتمع الناس فيدخلون على المراة لاتمنع من جاءها , وهن البغايا كن ينصبن على ابوابهن رايات تكون علما , فمن ارادهن دخل عليهن , فاذا حملت احداهن ووضعت حملها جمعوا لها , ودعوا لهم القافة ثم الحقوا ولدها بالذي يرون , فالتاطته به ودعي ابنه لايمتنع من ذلك , وهذا الزواج الذي حرمه الاسلام .
تقول فاطمة المرنيسي : يبدو ان ابوة الدم تعتبر غير ذات اهمية في ثلاثة انماط من بين الانماط الاربعة . ويترتب على ذلك غياب مفهوم العفة فيها ( 2 – 3 – 4 ) . وفي نمطين منها نجد تعدد الازواج , حيث كان للمراة الحق في الارتباط بعدد من الازواج .
وهناك نمط اخر يشير اليه البخاري وهو ( المتعة ) ( او الزواج المؤقت , او المنقطع , او عقد الصيغة ) كان يخرق مبداين اساسيين للنموذج الامثل للعلاقة الجنسية في الاسلام وهما :
1- يعطي طابعه المؤقت والشخصي قدرا من الحرية للمراة يوازي حرية الرجل , سواء فيما يتعلق بعقد الزواج او فسخه , في حين يمنح الزواج في الاسلام هذه الحقوق للرجل دون المراة , ويجعل موافقة المراة خاضعة لموافقة زوجها , ويحد من حريتها في الطلاق ويجعلها رهينة بقرار القاضي .
2- يترتب على هذا النوع من الزواج قواعد ابوية مخالفة للقواعد التي يرتكز عليها الاسلام في هذا المجال , خاصة القاعدة التي تفرض ان يكون الاب المعترف به اجتماعيا هو الاب الذي انجب الولد من صلبه . يصفه روبرتسون سميث :
( ليس زواج المتعة في النهاية الا راسبا من نمط الزواج المرتبط بقانون الامومة الذي حرمه الاسلام وعده موازيا للزنى , بما انه لايمنح الزوج ذرية شرعية تعترف بها قبيلته , ويكون لها حق الارث داخل هذه القبيلة .
لقد كان الاطفال ينتسبون الى قبيلة الام , وكانت النساء يتمتعن بحريتهن الجنسية في الارتباط باكثر من رجل واحد او الانفصال عنه , وذلك خلال فترة واحدة او تباعا . لقد كان بامكان المراة ان ترتبط برجل واحد وبشكل مؤقت كما هو الشان في زواج المتعة , او ان تستقبل عدة ازواج في فترات مختلفة , وذلك حين كانت قبائلهم الرحل او قوافلهم تتوقف بالمكان الذي تقيم فيه المراة . وكان الزوج يستانف سفره بعد ذلك . كما ان الوحدة الاساسية كانت تتكون من الام وابنائها في عشيرتها .
ظل الارث اللساني للماضي الامومي متواجد حتى يومنا هذا . فلفظة ( الرحم ) هي التي تستعمل بكثرة للتدليل على القرابة , ولفظة ( بطن ) تطلق على فرع من القبيلة . ومن لفظة ( ام ) استقر مصطلح( الامة ) .
لايعني تجرد النساء من حق الارث قبل الاسلام انهن كن محرومات من الاموال كما يعتقد بذلك بعض الباحثين والمؤلفين الاسلاميين .لقد كانت مكانة القبيلة وشرفها رهينتين بحمايتها للنساء وتوفير العيش الرغيد لالهن . وهناك من يفترض بان العديد من المؤسسات الاسلامية كانت استجابة للحاجات الجديدة التي ترتبت عن تفكك التقاليد القبلية الجماعية ووسيلة حماية ضد انعدام الضمانات الناتج عن ذلك . وتعدد الزوجات مثلا يشكل احدى هذه المؤسسات . فالرسول الذي اهتم بمصير النساء المطلقات والارامل واليتامى , قرر خلق نظام مسؤول يمكن من ربط النساء الوحيدات بمجموعة اسروية يحميهم فيها رجل لايكون قريبا فحسب ولكنه زوج . ويدعم هذه النظرية ان القران الكريم قد شرع التعدد بعد هزيمة احد التي لقي فيها الكثير من المسلمين حتفهم .
لقد هدف محمد الى اعادة دمج النساء في وحدات تضامن جديدة بعد ان جردن من حماية القبيلة لهن , حتى لايبحثن عن الحماية في علاقات جنسية مؤقتة يعتبرها الاسلام زنى .
ان فعاليات هذه المؤسسات تبرزها الطريقة التي نجح بها الاسلام في توحيد الميول الجمعية والفردية المتناقضة , وتوجيهها لبناء نظام اجتماعي يعد من اكثر الانظمة استقرارا في حينها في الجزيرة العربية ..لقد وجهت الميول الجماعية نحو الجهاد الاسلامي , اما الميول الفردية فقد عبرت عن نفسها اساسا في مؤسسة الاسرة التي مكنت من خلق روابط جديدة , وطرق جديدة لتمرير الممتلكات معززة بضبط صارم لحرية المراة الجنسية .


المصدر :
كتاب ( ماوراء الحجاب – الجنس كهندسة اجتماعية ) , فاطمة المرنيسي – ترجمة فاطمة الزهراء ازرويل – ط 4 – 2005 – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب .


.

صورة مفقودة
 
أعلى