عبد الغفار كمال - الحب عند القدماء

الحب أشعاره لا تنتهي منذ القدم فكل من وقع فيه نوعان :
الصريح : امرؤ القيس وغيره نجد الوجد والمغامرة من أجل المتعة واللذة بلا ألم قلبي أو نفسي بل راحة وسعادة في الفوز بالمغامرة .
أما أصحاب الغزل العفيف : فهم في غيبوبة ذهنية ونفسية وعقلية عن الواقع يصل بهم الحب والوجد والعشق والهيام للجنون ثم الموت سواء موتا عن واقع الحياة ومخالطة الناس وتحقيق أي نفع وبين الموت المرضي الهزال والأصفرار والنحول ثم الجفاف والموت ، وهؤلاء هم وصمة في جبين الإنسانية التي خلقها الله حتى لو كان هذا الحب في الله فقد وصل للحلول والاتحاد الحلجي وهو ما ليس بصورة صحيحة للحب الإلهي المرسوم في مخالطة الناس والبشر وتحمل الأذى والشر منهم وفي دعوة الأنبياء وفي قصص القرآن ، أما التوهان عن البشر في حب أنثى فهذا شرك بالله لأنه جعلها إله تعبد يهيم في عالمها بعيدا عن الناس ، وليس هذا نقصا من حق المرأة التي تسلب عقل الرجل بل العيب في الرجل الذي يرفعها لمكانة الإله ، المرأة مخلوق جميل خلقه الله لآدم ليخرجه من الحزن ويسليه ويسر عند النظر له ويذيل الوحشة منه ، لا أن يجعلها كل ما في الأمر فمن خلقها أجمل ، وخلق لكل إنسان ما يسره من جمال يتعلق به مثل خيل سليمان التي شغلته عن ذكر الله ، ومثل الإبل انظر كيف خلقت ؟ والسماء والنجوم والأرض والزهور والفاكهة والهوايات وغيرها من الأمور التي يتعلق بها الإنسان حتى تصرفه عن الفراغ العقلي في التفكير في صورة غمرأة أحبته ، ولو خدع بذلك فلماذا يأكل ويشرب ويعيش فليمت إذن ، ولكن أغلب المرض النفسي أنه لا يريد علاجا ويترك نفسه ليصعب على محبوبه حتى يرق له وما وجدنا أمراة ذابت من العشق في رجل ولا كتبت الهيام والوجد وغيرها ، ولكن من اندمج مع محبوب فهو بسبب الشفقة أو الرغبة لديها أو ضعف الشخصية في الانجرار لدهاء الرجل مع رغبتها ، وما زليخة يوسف ببعيد سجن يوسف سنين ما أخرجته من السجن وما تعذبت ببعده ولا ماتت بل عاشرت وخلفت وأنجبت وعزمت وضحكت ، الأمر كله أن شاعر الحب العفيف يريد الضياع لأنه فشل في التوافق مع علاقات متنوعة من البشر ، لو تعددت علاقات هؤلاء الشعراء بعيدا عن جو البداوة وعادات إخفاء المرأة وتدليلها وغيرها ، ما حدث ذلك ، ولعلنا نرى في قرى مصر المرأة تخرج ثديها لترضع في الشارع ، وما جذبت رجل ولا معتوه يتغذل فيها ، والمعتوه الهائم على وجهه يتلصص ويتخفى وهو مريض نفسي نريد علاجه بالتوافق مع الصحاب والأقران ، فمن اعتزل أصحابه في الجامعة ليحب على إنقراد وترك الصحاب فهذا لديه خلل فيه منذ الصغر في البعد والعزلة ، وليس معنى الكلام الاختلاط والفحش والعري ، أبدا ولكن هو إخراج العاشق من العزلة والتلصص والوحدة والهروب والابتعاد عن الناس أشعار الغزل قريبه من الحب الإلهي كلاهما في وادي والحياة التي يريدها الله هي الامتزاج والتحمل والعمل والحياة وليس الحبس في محراب الترهات في عين ونهد ومشية وكلام ولمسة المرأة وأثرها ولو انشغل بالعمل والتقدم وإصلاح الحياة والاهتمام بمساعدة الآخر لصرف وقته في الفائدة التي يدفعنا الله لها وهي صلاح الدنيا لصلاح الآخرة .
حدثني صاحبنا أبا بكر (...) أن يوسف بن هارون الشاعر المعروف بالرمادي كان مجتازاً عند باب العطارين بقرطبة، وهذا الموضع كان مجتمع النساء، فرأى جارية أخذت بمجامع قلبه وتخلل حبها جميع أعضائه، فانصرف عن طريق الجامع وجعل يتبعها وهي ناهضة نحو القنطرة(...)، نظرت منه منفرداً عن الناس لا همة له غيرها فانصرفت إليه فقالت له: مالك تمشي ورائي؟ فأخبرها بعظيم بليته بها. فقالت له: دع عنك هذا ولا تطلب فضيحتي فلا مطمع لك في النية ولا إلى ما ترغبه سبيل فقال: إني أقنع بالنظر. فقالت: ذلك مباح لك، فقال لها: يا سيدتي: أحرة أم مملوكة؟ قالت: مملوكة. فقال لها: ما اسمك؟ قالت: خلوة. قال: ولمن أنت؟ فقالت له: علمك والله بما في السماء السابعة أقرب إليك مما سألت عنه، فدع المحال. فقال لها: يا سيدتي، وأين أراك بعد هذا؟ قالت: حيث رأيتني اليوم في مثل تلك الساعة من كل جمعة. فقالت له: إما أن تنهض أنت وإما أنا، فنهضت نحو القنطرة ولم يمكنه أتباعها، يقول: فوالله لقد لازمت باب العطارين والربض من ذلك الوقت إلى الآن فما وقعت لها على خبر ولا أدري أسماء لحستها أم أرض بلعتها، وإن في قلبي منها لأحر من الجمر. وهي خلوة التي يتغزل بها في أشعاره، ثم وقع بعد ذلك على خبرها بعد رحيله في سببها إلى سرقسطة
كتاب طوق الحمامة أو طوق الحمامة في الألفة والألاف هو كتاب لابن حزم الأندلسي وصف بأنه أدق ما كتب العرب في دراسة الحب ومظاهره وأسبابه. ترجم الكتاب إلى العديد من اللغات العالمية.
واسم الكتاب كاملاً طوق الحمامة في الألفة والأُلاف. ويحتوي الكتاب على مجموعة من أخبار وأشعار وقصص المحبين، ويتناول الكتاب بالبحث والدَّرس عاطفة الحب الإنسانية على قاعدة تعتمد على شيء من التحليل النفسي من خلال الملاحظة والتجربة. فيعالج ابن حزم في أسلوب قصصي هذه العاطفة من منظور إنساني تحليلي. والكتاب يُعد عملاً فريدًا في بابه.
يشمل الكتاب نصائح وفوائد كبيرة يوزعها في أبواب، فمثلا في باب من أحب من نظرة واحدة يحذر من الوقوع في الحب في الوهلة الأولى ويسرد قصة أحد اصحابه:

طوق الحمامة كثيراً ما يكون لصوق الحب بالقلب من نظرة واحدة. وهو ينقسم قسمين، فالقسم الواحد مخالف للذي قبل هذا، وهو أن يعشق المرء صورة لا يعلم من هي ولا يدري لها اسما ولا مستقراً، وقد عرض هذا لغير واحد

طوق الحمامة
.قسم ابن حزم كتابه طوق الحمامة إلى ثلاثين بابا بدء بباب علامات الحب وقد ذكر منها إدمان النظر والإقبال بالحديث عن المحبوب والإسراع بالسير إلى المكان الذي يكون فيه المحبوب والاضطراب عند رؤية من يحب فجأة وحب الحديث عن المحبوب بالإضافة إلى الوحدة والأنس بالانفراد والسهر.
باب ذكر من أحب في النوم وذكر فيه كثرة رؤية المحبوب في المنام ثم باب من أحب بالوصف وفيه ذكر وقوع المحبة بأوصاف معينة حتى لو لما يرى المحبوبين بعضهما فقد تقع المحبة لمجرد سماع صوت المحبوب من وراء جدار.
باب من أحب من نظرة واحدة وفيه ذكر وقوع الحب في القلب لمجرد نظرة واحدة ثم باب من لا يحب إلا المطاولة وفيه ذكر المحب الذي لا تصح محبته إلا بعد طول كتمان وكثرة مشاهدة للمحب ويصرح المحب بحبه بعد مقابلة الطبائع التي خفيت مما يشابهها من طبائع المحبوب ثم ذكر باب من أحب صفة لم يستحسن بعدها غيرها مما يخالفها وذكر فيه أنه من أحب صفه كانت في محبوبته لم يرغب بصفة غيرها فمن أحب شقراء الشعر مثلا لا يرضى بالسوداء الشعر.
باب التعريض بالقول وذكر فيه أن أول ما يستعمله أهل المحبة في كشف ما يجدونه إلى أحبتهم بالقول إما بإنشاد الشعر أو طرح لغز أو تسليط الكلام.
باب الإشارة بالعين وذكر فيه إشارات المحبوب لمحبوبه بالعين فالإشارة بمؤخرة العين الواحدة تعني النهي عن الأمر وإدامة النظر دليل على التوجع والأسف وكسر نظرها دليل على الفرح والإشارة الخفية بمؤخرة العين تعني سؤال وترعيد الحدقتين من وسط العينين تعني النهي العام واعتبر ابن حزم أن العين أبلغ الحواس وأصحها دلالة وأوعاها عملا عن بقية الحواس.
باب المراسلة وذكر فيه المراسلة بالرسائل وقد ذكر فيه صفات الرسائل بين المحبين وشعورالمحب بالسرور عند تلقيه رسالة من محبوبه.
باب السفير وذكر فيه صفات الوسيط بين المحبوبين كالكتمان والوفاء للعهد والنصح ثم باب طي السر ويذكر فيه صفات المحب حين يخفي حبه كجحود المحب إن سئل والتصنع بإظهار الصبر ويكون سبب الكتمان الحياء الغالب على الإنسان وحتى لا يشمت به الأعداء.
باب الإذاعة وتحدث فيه عن أسباب إذاعة الحب ويكون ذلك حتى يظهر صاحب هذا الفعل في عداد المحبين ويكون ذلك بسبب غلبة الحب ثم باب الطاعة ويذكر فيه أسباب طاعة المحب لمحبوبه وفي باب المخالفة أسباب مخالفة المحب لمحبوبه مثل غلبه الشهوة.
باب العاذل وفيه ذكر اللوم للمحبوب وأثره في النفس ثم باب المساعد من الإخوان وفيه ذكر صفات الصديق المخلص الذي يعلم بأمر المحبوبين ويكتم السر ثم باب الرقيب وفيه ذكر صفات المراقب للمحبوبين ومحاولة الرقيب إظهار سرهما والبوح بوجودهما ثم باب الواشي وقد ذكر فيه صفات الواشي الذي يريد القطع بين المتحابين والإطلاع على أسرار المحبوبين وذكر الوشاة الكاذبين وذكر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأقوال والأشعار التي تنهى عن الكذب.
باب الوصل وفيه ذكر وصل المحبوب والمواعيد بين المحبوبين وانتظار الوعد من المحب ثم باب الهجر وذكر فيه هجر المحبوب لمحبوبه عندما يكون هناك رقيب حاضر وقد يكون من اجل التذلل وقد يكون من أجل إبعاد الملل أو بسبب العتاب لذنب يقع من المحب.
باب الوفاء وفيه ذكر وفاء المحب لمحبوبه وذكر صفات الوفاء بين المحبوبين ثم ذكر باب الغدر ثم ذكر باب البين وهو افتراق المحبوبين عن بعضهما وذكر صفات مفارقة المحبوبين لبعضهما ثم باب القنوع وذكر فيه قناعة المحب بما يجد إذا حرم الوصل بين المتحابين وذلك من خلال الزيارة بين المتحابين من خلال النظر والحديث الظاهر ثم باب الضني وقد ذكر فيه معاناة المحب بعد فراق محبوبه وعلامات الضعف التي تصيب المحب بعد الفراق ثم باب السلو وقد ذكر فيه اليأس الذي يدخل إلى النفس من عدم بلوغها أملها وقد قسمه ابن حزم إلى النسيان والملل والاستبدال.
باب الموت وذكر فيه الموت بسبب الحب وذكر قصص من ماتوا من أجل مفارقتهم من يحبون.
باب قبح المعصية وفيه ذكر العفة وترك المعاصي والابتعاد عن موافقة الشيطان والابتعاد عن الفتن والفجور وغض البصر والنهي عن المعصية وذكر الزنا في القرآن والأحاديث النبوية الشريفة.
باب التعفف وقد ذكر فيه البعد عن المعصية والفاحشة والخوف من الله وقد ذكر أبيات شعرية تحث على التعفف.


Charles-Louis-Muller_Beaute-Orientale.jpg
 
أعلى