قَيْس بن الخَطِيم - ردَّ الخليطُ الجِمالَ فانصرَفوا

رَدَّ الخليطُ الجِمالَ فانْصَرَفُوا = ماذَا عليَهِمْ لوْ أنَّهُمْ وقَفُوا
لوْ وقَفُوا ساعةً نُسَائِلُهُمْ = ريثَ يُضَحِّي جِمالَهُ السَّلَفُ
فِيهِمْ لَعُوبُ العِشاءِ آنِسَةُ الـ = ـدَّلِّ عَرُوبٌ يَسُوءُهَا الخُلُفُ
بينَ شُكُولِ النساءِ خِلْقَتُهَا = قَصْدٌ فَلا جَبْلَةٌ وَلا قُضُفُ
تَغْتَرِقُ الطَّرْفَ وهْيَ لاهِيَةٌ = كأَنَّمَا شَفَّ وَجْهَهَا نُزُفُ
قضَى لهَا اللهُ حِيْنَ صَوَّرَها الـ = ـخالِقُ أنْ لا يُكِنَّهَا سَدَفُ
تَنَامُ عَنْ كُبْرِ شَأْنِهَا فإذَا = قامَتْ رُوَيْدًا تَكَادُ تَنْغَرِفُ
حَوْراءُ جَيْدَاءُ يُسْتَضَاءُ بهَا = كأنَّهَا خُوطُ بَانَةٍ قَصِفُ
تَمْشِي كَمَشْيِ الزَّهْرَاءِ في دَمَثِ الـ = رَّملِ إلى السَّهْلِ دُونَهُ الجُرُفُ
ولا يَغَثُّ الحديثُ ما نَطَقَتْ = وهو بِفِيهَا ذُو لَذَّةٍ طَرِفُ
تخْزُنُهُ وهوَ مُشْتَهًى حَسَنٌ = وهوَ إذَا مَا تَكَلَّمَتْ أُنُفُ
كأنَّ لبَّاتِها تَضَمَّنَهَا = هَزْلَى جَرَادٍ أَجْوَازُهُ جُلُفُ
كأنَّها دُرَّةُ أحاطَ بهَا الـ = ـغَوَّاصُ يَجْلُو عنْ وَجْهِهَا صَدَفُ
يا رَبِّ لا تُبْعِدَنْ دِيَارَ بَنِي = عُذْرَةَ حَيْثُ انصرفْتُ وانصَرَفُوا
واللهِ ذِي المسجِدِ الحَرامِ ومَا = جُلِّلَ مِنْ يَُمْنَةٍ لَهَا خُنُفُ
إنِّي لأهواكِ غيرَ كاذبَةٍ = قدْ شُفَّ مِنِّي الأحشاءُ والشَّغَفُ
بَلْ لَيْتَ أَهْلِي وأَهْلَ أثْلَةَ في = دارٍ قريبٍ مِنْ حيثُ يُخْتَلَفُ
هَيهاتَ مَنْ أهلُهُ بيَثْرِبَ قدْ = أَمْسَى ومَنْ دُونَ أهلِهِ سَرِفُ
أَبْلِغْ بَنِي جَحْجَبَى وقَوْمَهُمُ = خَطْمَةُ أنَّا وَرَاءَهُمْ أُنُفُ
وأَنَّنَا دُونَ مَا يَسُومُهُمُ الْـ = ـأَعْدَاءُ مِنْ ضَيْمِ خُطَّةٍ نُكُفُ
إنَّا وَلَوْ قَدَّمُوا الَّذي عَلِمُوا = أكبادُنَا مِنْ وَرَائِهِمْ تَجِفُ
نَفْلِي بِحَدِّ الصَّفِيحِ هامَهُمُ = وَفَلْيُنَا هامَهُمْ بِهَا عُنُفُ
لَمَّا بَدَتْ غُدْوَةً وُجُوهُهُمُ = حَنَّتْ إلينَا الأرْحامُ وَالصُّحُفُ
لنَا مع آجامِنَا وحَوْزَتِنَا = بينَ ذُرَاهَا مَخَارِفٌ دُلُفُ
يَذُبُّ عَنْهُنَّ سامِرٌ مَصِعٌ = سُودَ الغَوَاشِي كأنَّهَا عُرُفُ
كَقِيلِنَا للمُقَدَّمِينَ قِفُوا = عَنْ شَأْوِكُمْ والحِرَابُ تَخْتَلِفُ
يَتْبَعُ آثارَهَا إذَا اخْتُلِجَتْ = سُخْنٌ عَبِيطٌ عُرُوقُهُ تَكِفُ
 
شرح الأصمعيات للشيخين: أحمد شاكر وعبد السلام هارون


68
وقال قيس بن الخطيم *

1 رد الخليط الجمال فانصرفوا = ماذا عليهم لو أنهم وقفوا
2 لو وقفوا ساعة نسائلهم = ريث يضحى جماله السلف
3 فيهم لعوب الشعاء آنسة الـ = دل عروب يسوؤها الخلف
4 بين شكول النساء خلقتها = قصد، فلا جبلة ولا قضف
ــــــــــــ
(*) ترجمته: هو قيس بن الخطيم بن عدي بن عمرو بن سواد بن ظفر بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن أوس بن حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف. كان شاعر الأوس، وبينه وبين حسان بن ثابت منافسات، وذكر أصحاب المغازي أنه قدم مكة فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وتلا عليه القرآن فقال: إني لأسمع كلامًا عجبا فدعني أنظر في أمري هذه سنة ثم أعود إليك؛ فمات قبل الحول. الإصابة 5: 288 والأغاني 2: 154 – 164 والخزانة: 168 – 169.
جو القصيدة: يقولها في حرب كانت بينهم وبين بني جحبي وبني خطمة، ولم يشهدها قيس وكانت في عصره، وإنما أجاب بذكرها شاعرًا منهم يقال له درهم بن زيد بن ضبيعة. والأبيات ذكرها صاحب الأغاني 2: 162 – 169.
وقد صدر قصيته بالنسيب، واستغرق في ذلك 18 بيتًا، ثم ذكر أن قتالهم لبني جحجبي وخطمة، بنو عمومتهم، إنما اضطروا إليه اضطرارًا، فقد كان الحنين إليهم يخالط القسوة عليهم. ثم فخر -- وكثرتهم وعزتهم وسطوتهم في الحروب.
تخريجها: هي في الأوربية برقم 49 وديوان قيس بن الخطيم 16 – 20 مع زيادة بيت وخلاف -- في الترتيب. و1 – 4، 7، 5، 8، 6، 10، 11، 19، 21، 23، 22، 27، -- زائد في الأغاني 2: 163. و1 – 6 في منتهى الطلب 2: 101. و2 في اللسان 11: و4 فيه 13: 103/ 11: 192. و5 فيه 11: 82، 239/12: 158. و8، 7 زائد في الأغاني 2: 161. و12 في اللسان 4: 48/ 10: 376. و24 فيه 11: 6.
(1) الخليط: القوم الذين أمرهم واحد. وكثر في أشعارهم ذكر الخليط لأنهم كانوا ينتجعون الكلأ فتجتمع منهم قبائل شتى. ردوا جمالهم من الرعى ليرتحلوا.
(2) ضحى جماله: رعاها بالضحى. السلف: القوم المتقدمون ينفضون الطرق.
(3) العروب: الضحاكة، والمتحببة إلى زوجها.
(4) شكول: جمع شكل، وهو الضرب. القصد: الوسط بين الطرفين. الجبلة، بفتح الجيم: -- والقضف: النحيفة.


5 تغترق الطرف وهي لاهية = كأنما شف وجهها نزف
6 قضى لها الله حين صورها الـ = خالق أن لا يكنها سدف
7 تنام عن كبر شأنها فإذا = قامت رويدا تكاد تنغرف
8 حوراء جيداء يستضاء بها = كأنها خوط بانة قصف
9 تمشي كمشي الزهراء في دمث الـ = رمل إلى السهل دونه الجرف
10 ولا يغث الحديث ما نطقت = وهو بفيها ذو لذة طرف
11 تخزنه وهو مشتهى حسن = وهو إذا ما تكلمت أنف
12 كأن لباتها تضمنها = هزلى جراد أجوازه جلف
13 كأنها درة أحاط بها الـ = غواص يجلو عن وجهها صدف
14 يا رب لا تبعدن ديار بني = عذرة حيث انصرفت وانصرفوا
15 والله ذي المسجد الحرام وما = جلل من يمنة لها خنف
ـــــــــــ
(5) تغترق الطرف: تشغله بالنظر إليها عن النظر إلى غيرها؛ لحسنها. النزف، بضم النون: الضعف الحادث عن النزف، وحرك الزاء للشعر.
(6) السدف: ظلمة الليل. يقول: إذا كانت في ظلمة أبصرت ولم تسترها الظلمة، لإشراقها.
(7) عن كبر شأنها، أي لكبر شأنها، أي لا تنهض لحاجتها، هي مخدومة. تنغرف، في هامش ش «تسقط».
(8) الحور: شدة بياض العين وشدة سوادها. والجيداء: الطويلة العنق في حسن. والبان: شجر. والخوط، بضم الخاء: الغصن. قصف: خوار ناعم يتثنى.
(9) الزهراء، في ش «الزهراء البقرة الوحشية». الجرف: ما تجرفته السيول وأكلته من الأرض.
(11) أراد بالأنف الطريف.
(12) اللبة: وسط الصدر والمنحر. تبدد الحلى صدر الجارية، إذا أخذه أكله. وفي شرح ديوانه «هزلي جراد، هو شيء يصاغ على هيئة أوساط الجراد». الجلف: جمع جليف، وهو الذي قشر. ابن السكيت: كأنه شبه الحلى الذي على لبتها بجراد لا رؤوس لها ولا قوائم.
(13) يحلو، من الجلاء، وأصله الخروج من البلد.
(15) جلل: كسى. اليمنة، بفتح الياء وضمها: ضرب من برود اليمن. الخنف، في شرح الديوان «أراد أن لها جوانب وحواشي».


16 إني لأهواك غير كاذبة = قد شف مني الأحشاء والشغف
17 بل ليت أهلي وأهل أثلة في = دار قريب من حيث يختلف
18 هيهات من أهله بيشرب قد = أمسى ومن دون أهله سرف
19 أبلغ بني جحجبي وقومهم = خطمة أنا وراءهم أنف
20 وأننا دون ما يسومهم الـ = ـأعداء من ضيم خطة نكف
21 إنا ولو قدموا الذي علموا = أكبادنا من ورائهم تجف
22 نفلي بحد الصفيح هامهم = وفلينا هامهم بها عنف
23 لما بدت غدوة وجوههم = حنت إلينا الأرحام والصحف
24 لنا مع آجامنا وحوزتنا = بين ذراها مخارف دلف
25 يذب عنهن سامر مصع = سود الغواشي كأنها عرف
26 كقيلنا للمقدمين: قفوا = عن شأوكم، والحراب تختلف
27 يتبع آثارها إذا اختلجت = سخن عبيط عروقه تكيف
ـــــــــــــ
(16) الكاذبة: اسم للمصدر، كالعافية، وفي هامش الشنقيطية «غير ذي كذب»؛ وهي راية الديوان. الشغف، بضمتين، جمع شغاف، بالفتح، وهو غلاف القلب؛ وبفتحتين: غلاف القلب.
(17) أثلة: اسم صاحبته. يختلف، الاختلاف: التردد.
(18) سرف، في هامش الشنقيطية «موضع» وهو موضع على نحو ستة أميال من مكة.
(19) بنو جحجبي وبنو خطمة: بطنان من الأوس. أنف: جمع أنوف، وهو الشديد الأنفة.
(20) في المطبوعة «ما يسوءهم». نكف، في هامش الشنقيطية: «نستكنف لهم».
(21) تجف، من الوجيف، وهو الاضطراب.
(22) فلى رأسه: ضربه وقطعه. الصفيح، أراد به السيوف العريضة. بها، أي بالصفيح.
(24) الآجام: الحصون. في المطبوعة «بآجامنا» وتقرأ روايتنا بوصل الهمزة ومد العين، وهي الديوان واللسان. المخارف: جمع مخرف، وهو الحائط يخرف منه الرطب. وفي هامش الشنقيطية لاختراف لقط التمر. دلف، في شرح الديوان «أي تدلف بحملها تنهض به».
(25) سامر: رجل أو قوم يسمرون ليلاً. وفي المطبوعة «ساهر». المصع: الشديد، واللاعب. سود الغواشي، يعني الغربان. عرف، في شرح الديوان «يريد عرف فرس في تتابعها وكثرتها». صلب الشنقيطية «غرف جمع غريف. ومن روى بالعين غير معجمة يعني عرف الفرس».
(27) اختلجت: جذبت. يقول: يتبع آثار الجراحات دم سخن. العبيط: الطري.
[شرح الأصمعيات: 196-198]
 
أعلى