وليد مهدي - جاذبية الجسد الانثوي والذكري.. البديهيات الغامضة

-1-

موضوع ” الجاذبية ” والتأثير الجنسي شديد الحساسية حتى من قبل الاوساط العلمية في الغرب.. إذ يتم التعامل معه وكأنه بديهية مطلقة، حقيقة طبيعية لا تقبل التفسير سواء جاذبية انثى او جاذبية رجل.. لكن، لماذا صفات بعينها في جسد وسلوك الرجل تجذب وتثير الانثى (جنسياً)، وصفات معينة في جسد الانثى وسلوكها تثير الرجل (جنسياً)..؟؟

يحاول البعض النأي عن هذه التساؤلات تحت ذريعة إن تفسير المعنى ينطوي ضمن ” غائية ” تسير الكون والتاريخ الإنساني، إذ يميل رأي هذه الفلسفة غير المبالية باسباب تاريخية تطورية تكمن وراء تصميم المنظومة العصبية – السيكولوجية للإنسان بهذه الكيفية إلى الترويج لما يعتبروه وهناً في الرؤية العلمية..

فبرأيهم العلم لا يعتبر بالاسباب قدر ما يهتم بوصف الظاهرة، إذ تكتفي ثقافتنا أن تصف جاذبية انثى وتحللها في ضوء ما لقوة تأثيرها واساليبها دون ان تهتم باسباب اتخاذ الجاذبية هذه هذا المسار أو هذا المنحى في الإغراء والإثارة..

فعلى سبيل المثال , ينجذب الكثير من الرجال لمؤخرة الانثى البارزة وكذلك النهدين البارزين والفخذ المكتنز والشعر الاشقر، حتى باتت عمليات التجميل العصرية تسرف في ” صناعة ” هذه الصفات التي تثير الرجال دون ان يلتفت احد … لماذا هذه الجاذبية لهذه الصفات تحديداً ؟

وهل انجذاب ” بعض ” الرجال لصفات مناقضة كالصدر الصغير والجسم النحيل جداً للانثى ( كما بدأ يظهر في الحضارة العصرية مؤخراً ) هي ملامح شاذة في مسار تطور الوعي والنفس الإنسانية ؟

أم هي ملامح وسمات ” تطورية ” تكشف عن ولادة ” ميول ” جديدة وتقدير جديد للانثى العصرية من قبل رجال ” جدد ” و إناث ” جديدات ” بدأوا جميعاً في الظهور بتاريخ الإنسان ؟

-2-

ربما تهتم علوم الانثروبولوجيا بهذا الموضوع اكثر من علم السيكولوجيا، لكن الموضوع في حقيقته سيكولوجي من بعض النواحي ويؤثر في حياة و ثقافة الفرد بصورة مباشرة..

فالغاية من سمات معينة تصممها الطبيعة لاسباب، مثل الازهار والوانها الزاهية وعطورها الزكية، هي اكبر جاذب للحشرات وبالتالي اكثرها بواعث على ضمان ” خلط ” حبوب اللقاح مع مياسم الزهر حين تنتقل الحشرات من زهرة إلى زهرة، بمعنى، تلعب هذه السمات دوراً اساسياً في ” تطور ” الانواع النباتية عبر إعادة الخلط بين انواع مختلفة للنبات تنتمي لنفس الجنس قد لا تكفي الرياح وحدها والمياه لإعادة خلطها عبر مسافات بعيدة..

وكذلك الطعم ” الحلو ” أو المذاق المقبول للثمار، فالبذور مصممة أن لا تهضم في اغلب الاجهزة الهضمية للحيوانات الفقرية وتطرح مع فضلاتها كي تنبت مع السماد بابعد نقطة انتشار بفضل حركة الحيوان..

وهكذا، وجد الانثروبولوجيين ان صفات المؤخرة المكتنزة متوفرة اكثر في سكان افريقيا، ما يعني هي صفة بدائية من ناحية تطورية كون افريقيا هي منطلق الجنس البشري والإنسان المعاصر، ووجدوا ان بعض القبائل الافريقية الموجودة حالياً، و في مواسم الوفرة في الطعام تكتنز نسائها بطبقات سمينة من الشحوم في المؤخرة تعود هذه الطبقة للتناقص في مواسم الجوع والجفاف..!

ولو تصورنا مدة تطور الجنس البشري المعاصر التي تزيد على الثلاثة ملايين سنة مقارنة بالعشرة آلاف سنة الاخيرة التي هي عمر التاريخ الذي ندرك آثاره ولدينا تصور معين عنه، نفهم بعد هذه المقارنة أن صفات تطورية قديمة في الرجال والنساء على حدٍ سواء قد استبقاها التطور للحفاظ على النوع انسحبت لداخل حياتنا العصرية كصفات جاذبة ومثيرة يلفها السحرُ والغموض في آن.. !

فطول القامة والعضلات المفتولة للرجل هي صفات موائمة للبقاء وتحمل صعاب الطبيعة في العصور القديمة، و كانت سمات ” انتخابية ” للتناسل وانجاب اجيال تحمل هذه الصفات تختارها الانثى لابنائها، فيما هي اليوم الصفات ” الفضلى ” الغامضة للعديدات منهن..

ايضاً الصدور والمؤخرات العارمة للنساء، صفات تكشف عن اهلية الحمل والحركة وقابلية تغذية ” الاطفال ” باتم وجه من قبل الامهات يختارها الرجال لابنائهم وهم لا يشعرون..

نعم، الرجال والنساء يشعرون باثارة ومتعة إزاء هذه الصفات، ويساير نرجسية حضارتنا الفردانية (الشخصانية) شعورٌ بان هذه المتعة خطتها البيولوجيا الطبيعية المتطورة في سفر التاريخ لاجل المتعة وحدها دون اسباب أو سمات خاصة تنطوي خلفها..

إن قانون البيولوجيا التاريخي التطوري الاساس:

كل شيء من اجل الاجيال الجديدة، كل شيء من اجل الابناء ….!

ورغم إننا ناقشنا في سلسلة الجنس والتنوير بان ” المتعة ” في سياق التطور الطبيعي لا تعني الإنتخاب لاجل التناسل وحده وإنما تهيئة الإنسان لتحمل اعباء الحياة والشعور بان هناك ماهو ” ممتع ” إلى حدٍ يستحق ان نحيا لاجله، إلا إننا اليوم لا نناقش ” الجنس ” بصورة عامة ولا ” العشق ” بمفهومه العميق الواسع..

ما نناقشه فقط صفات الإثارة المظهرية للجنس، هي جميعاً سمات العصور ما قبل التاريخ سواء اكانت في الرجال أو النساء، ومشكلة حضارتنا المعاصرة وبسبب العولمة والإعلام الحر وتداخل الثقافات والحضارات مع بعضها وبداية اختلاط الاجناس من مختلف القارات في اميركا خصوصاً، مصدر إشعاع الثقافة العصرية الحديثة ما بعد المعلوماتية، بسبب هذا التداخل فإن تمجيد وإعلاء قيمة هذه الصفات التي يتأثر بها اللاشعور الإنساني الدفين المرتبط بذاكرة البيولوجيا الجينية والاجتماعية بات هو الطافي على السطح… جسد انثى

وتاثر ” هذا الجيل ” كثيراً وربما بدأ العالم، ولو لفترة عابرة على الاقل، يتزحزح نحو العودة إلى ” ذوق ” العصر الحجري ( شبه الشاذ ) في اختيار الانثى او الرجل، وكثرة المتصفحين من المراهقين والكبار لمواقع ” البورنو ” التي تروج لهذه الصفات تكشف عن جذور هذه الميول التاريخية التي تستفيق من مقابر اللاشعور بعد متابعتها باستمرار..

-3-

شخصياً، اجد نفسي كباحث غير ملزم بوصف الظاهرة، واسميته بشبه الشاذ لانه موجود ضمن سياق تطوري قديم..

و ما اود قوله هو ان مسار ” ذوق ” جنسي مأخوذ بفورة عصرية سببتها العولمة وثورة المعلوماتية يسير بتراجع ضد حركة التاريخ وعلى المثقفين من كلا الجنسين تامل هذا المشهد التراجعي بعناية..

فالنساء تعيش في تسابق محموم في اتجاهين متضادين:

اولاً : الاتجاه نحو الرشاقة وتخفيض الوزن..( نناقش هذا الموضوع في الفقرة القادمة لاحقاً )..

ثانياً : الاتجاه وراء عمليات التجميل الجراحي أو تعاطي ابر أو حبوب الهورمونات ومواد اخرى لتغيير شكل الصفات المظهرية ” الإنتفاخية ”، وكذلك يميل الشباب من الذكور إلى محاولة الحصول على مظهر عضلي بارز وواضح تماشياً مع فورة انبعاث ” ذوق ” ما قبل التاريخ في عصر ٍ تتجه فيه البشرية تقنياً إلى ما وراء المعلوماتية مفجرة ” عقلا ” جديدا يعيد تعريف الإنسانية..

ولعل اعتبار ” انجيلينا جولي ” اكثر الوجوه تقليداً في عمليات التجميل على مستوى العالم كما يقول اطباء الجراحة التجميلية يكشف لنا تداخل الصفات الإفريقية – الاوربية – الآسيوية المميزة لوجه هذه الممثلة، وكذلك ” حمى ” السيليكون التي نهجتها العديدات من ممثلات هولويود، إنما تعبر عن حالة من إعادة الخلط بين ” أذواق ” ما قبل التاريخ المتباعدة وذوق مابعد العولمة ” الكلي ”..

لا يمكن لفرد أن يقول أنا ضد شيوع هذا الذوق أو ذاك وإن اعتبر ” شاذا ً ”، شيوعه طبيعي فرضه تطور تاريخي وتداخل حضاري حث على العودة إلى ” اعماق ” الشعور والجينات المنتمية للتاريخ..

حتى لو استهجنت عقولنا هذه ” الرجعية ” لدى الاجيال الجديدة، لكنها مسالة ليست في يد احدٍ من حيلةٍ تجاهها، وعليه، الميول نحوها لا يمكن صده.. ولكن.. يمكن السيطرة عليه وتوجيهه، خصوصاً إذا عرفنا إن مسيرة ” التاريخ ” وفق منهج ماركسي معاصر للإنثروبولوجيا تتقدم نحو ” ذوق جنسي ” يختلف تماماً عن ” الذوق العارم ” العولمي السابق، وإن كان كلا هذين الذوقين وإن كانا يتعايشان معاً اليوم، لابد أن يسود في النهاية الاكثر حداثة والاكثر موائمة بينهما لواقع التطور العقلي والثقافي للجنس البشري..

-4-

لعل وجوه و أجساد عارضات الازياء مجرد نموذج لذوق جديد بدأت ولادته تواً , ذوق إيجابي يختاره الرجال يختلف عن سابقه ” الشاذ ” حسب اعتبارات ثقافتنا المعاصرة..

فهي لا تكشف كثافة شحمية ذات صفات انتفاخية، بل اضحى التخلص من الشحوم في حمى الرشاقة عبر العالم سمة ” تطورية ” جديدة، وكذلك المرأة الاكثر حداثة باتت تميل للرجل الأنيق المتكلم صاحب الجاذبية الشخصية اكثر من انجذابها لصفاته المظهرية التي لا تزال تؤثرها نساء المجتمعات البدائية والمراهقات..

إن هذه الميول الجديدة الاكثر جدة ربما لم تفرضها الذاكرة الجينية البيولوجية، قد تكون ذاكرة الحضارة الاجتماعية العصرية هي ارست دعائمها في ” العقل ” كمحتوى ثقافي عصري يقع للخارج من الارشيف الجيني – البيولوجي، وفي مقياس تطوري تأريخي، هذا الذوق يساوي قفزة الصعود إلى القمر ( برايي الشخصي ) لانه يخرج من ارشيف الحضارة وركامها المعنوي التاريخي وليس المادي البيولوجي.

وعموماً هي صفات تناسب التواصل الاجتماعي وتخدم بالدرجة الاساس انتقاء و تربية ” عقلية ” للاجيال الجديدة اكثر من الانتقائية و التربية الجسمانية لعصور ما قبل الحضارة، وعليه، المرأة العصرية والرجل العصري المنضمين تحت طائلة هذا الذوق الإيجابي ” الاجتماعي ” الجديد بات بحثهما ( من حيث لا يشعران ) منصباً في البحث عن صفات ذات طابع ” فني ” تخدم بالدرجة الاساس الذائقة العقلية التي تنعكس بدروها على تربية النشئ الجديد وثقافتهم التي تلعب دوراً اساسياً في تنمية الملكات العقلية..

وموضوع علاقة الملكات العقلية بسمات هذا الذوق الإيجابي شائك وطويل ويحتاج منا موضوعاً مفصلاً عن الذاكرة البيولوجية الجينية والذاكرة الاجتماعية الثقافية، لكن، يمكننا أن نوجز بعض الحديث بأن نقول إن صفات الرشاقة المظهرية في الانثى تنعكس غالباً ولا نقولُ دائماً عن شخصية ” رومانسية ”..

والرجال ذوي البدانة والجسد الضخم وكذلك النساء البدينات تعبر غالباً ولا نقول دائماً ايضاً عن محتوى هورموني عال، عن حاجة تغذية استثنائية، بطئ حركة نسبي وبالتالي بطيء استيعاب ذهني قياساً بالاجسام الاقل وزناً، ويمكن مقارنة هذا بفروق النشاط بين الحيوانات الكبيرة والصغيرة..

فعلى مدى التاريخ.. اجسام الكائنات الحية الناجحة تميل نحو الضآلة وإلا ما انقرضت الديناصورات التي يحاول البعض الترويج بأن انقراضها لم يكن إلا حدث عارض وغامض في التأريخ، ربما ليبرروا بقائهم فترة اطول والهروب من سيادة ” الآسيويين ” التي باتت قاب قوسين او ادنى..

كذلك صيحات الموضة والماكياج، ورغم إنها موجودة مع بداية الحضارة ربما بما يزيد على السبعة آلاف سنة، لكنها تؤشر دخول البعد الفني في الذائقة العصرية بقوة بعد التطور الحاصل في التقنيات ايامنا هذه..

فالفن، بما هو تعبير يحاكي اعماق الذائقة العقلية للإنسان، مؤكدٌ إن تطوره وكثرة الإهتمام به وتنويعه يؤدي إلى تنويع وإغناء ” العقل ” المعاصـر، و الاناقة والموضة دلائل كلية على ” ذائقة المجتمع الفنية ”.. والحديثُ ذو شجون، وله بقيـــة..~
 
أعلى