محمد البوعيادي - فتَاةُ الرَّصِيفِ الزَّهْرِي

آن رأيتكِ في الرَّصِيفِ
تذكَّرتُ كُـلَّ ما كَـاَنَا..
الليلَ، والكأسَ، والنّجمَ سَهرَانَا
تذكَّرتُ صوتكِ المخمليَّ يدندنُ ألحاَنَا
ثم يخبُو باكياً كشيخٍ هزّهُ الماضِي
فراحَ يحكِي أشجَانَا
تذكرَّتُ حينَ حضنتُ رُوحكِ الثَّكلَى
وقرأتُ لكِ من رواية الدفءِ
فظلَّت نجومُ الرّبِّ تَـرْعَـانَا
تذكّرتُ فلفَّنِي الليلُ ..وكدتُ أهْمِي
ونسجَ اليأسُ في القَـلْبِ جُدرَانَا
كيفَ تبِيعينَ حُلمَنَا الزَّهريَّ
ولمْ يزلْ دفءُ شفاهِكِ في عُنُقِي
ولمْ يزلْ ثغركُ يتلمّظُ من شَبقِي
وما زالَ صَوتكِ يهزُّ فِيَّ أركانَا؟
كيف تبِيعينَ البحرَ للرملِ
و تبيعينَ الفجرِ للّيلِ
وتترُكينَ الصُّبحَ وَسْنَانَا؟
أهانَت الضمّاتُ في عينيكِ
حتّى تحرقِي ذِراعاتِهَا الحُلوة
أمَا عادَ لعطرِ الهمسِ سِحرٌ؟
أم هوّنَكِ اللّيلُ …فَـهَــانَا ؟
هذِي الخيوطَ التي على كتفيكِ مُسْدَلةُ
ووجهكِ الغارق في زيف المساحيِقِ
تكْسُوكِ أحزَانَا..
هذِي التنانيرُ القصيرة
وعُطوركِ الرخيصة ويأسكِ القتّالُ
جعلُوا الرجالَ عليكِ آلهةٍ ..
وجعلوكِ قُرْبَانَـا ..
وأنَا بينكمَا نصفُ مُنتحرٍ
أشيِّعُ الليلَ في خبلٍ
وأُقَضِّي الصُّبحَ سَـكْـرَانَا
لماَ كلّ الكلام الذي قلتهِ ؟
لماَ كلّ الشعور الذي شَعرتِهِ
لمَا كلّ الجنونِ الذي وعدتِنِي ؟
أكان زُوراً وبُــهْـتَــانَا؟
لقدْ عشتُ قبلكَ ضائعاً بغيرِ بوْصلةٍ
و لكلِّ النهودِ جعلتُ أثْـمَــانَا
كنتُ ربّ نفِسي بِدُونِكِ وكنتُ قُرصَانَا
ثم جئتِ كخطفِ العطرِ مُنتشياً
وتلَــوْتِ الوِرْدَ في أذنِي
وسرقتِ الليلِ من وسَنِي
وجعلتِ القلبَ حَيْـرانَا ..
لا تختبِئي خلف الرَّصِيف
انظري في العينِ مآساتِي
وفِي مرايَا السياراتِ ..
انظرِي ما صِــرْتِهِ الآنَــا..
لمَ الهُروبُ..هذا الرصيفُ يعرفَنا ..
سرنا عليه معاً..
وهذي الكراسِي تعرفُنَا..
كم توسّدْنَاهَا حِـيـنَ لُقْـيَــانَا..
تمعّنِي خيوطَ اليَـأسِ في وجهِي
لا تُـشيحي عَنّي والدَّمْـعُ رقراقٌ
لن يجعلَ الدمعُ مِـنْـكِ إنسَانَا
هل خُنتكِ؟ ما خنتكِ
أخذلتكِ؟ ما خذلتكِ..
فلماذا قتلتِ الأوركيدِ إذا
ودُسْت زهرَ الليمونِ وكَان الزّهرُ ريَّـــانَــا؟
توَقِّفِي..لستُ أريدُ العِتابَ هُنَا
ضاع العتابُ في كؤوس الليل
فكلُّ كِلمةٌ قلْــتِـهَا في الماضِي
تَجرَّعـتُهَا.. وَبِــتُّ سَـهْـرَانَا
نحنُ أضعنَا وِجْهَتَنَا
وأنتِ يا فِتنَتِي قَـتَـلتِ كِـلاَنَا ..
توقّفِي قليلا..واتلِ على الشّفاهِ القاحِلاتِ سلاَماً
وادفِنِي في الثَّــغْـرِ قَــتْــلاَنَا…
 
أعلى