برحو بوزياني - المرأة… أصول الدونية في الخطاب الديني

“ضمير” تدعو إلى قراءة جديدة للتراث الإسلامي انطلاقا من معايير حقوق الإنسان

كسرت “ضمير” المسكوت عنه في موضوع المرأة والدين، وفتحت القضية “الطابو” لنقاش هادئ شارك فيه العديد من المختصين، في مقاربة متعددة الأبعاد القانونية والفكرية والمجتمعية، للمرجعية الدينية، والتي أصبحت طاغية بكل تداعياتها في الخطاب الإعلامي والسياسي.

وإذا كان البعض يقول إن الأديان تنادي بالمساواة بين الجنسين، فإن واقع الحال هو استمرار العديد من المفارقات بين ما تقوله النصوص المقدسة وكيفية تفسيرها في الواقع الفعلي، والتي تكرس التمييز على أساس الجنس، والذي يفسره العديد من الباحثين بأن مصدره قراءات دينية متزمتة تتناقض مع مقاصد الدين التي تدعو إلى تحقيق العدل على الأرض.

ويجمع العديد من الباحثين والباحثات على ضرورة القيام بقراءة جديدة للتراث الديني الإسلامي، انطلاقا من المعايير الدولية لحقوق الإنسان، تعيد للمرأة اعتبارها.

عصيد: هيمنة الخطاب الذكوري في النصوص

أكد أحمد عصيد، الناشط الحقوقي والأمازيغي، ونائب رئيس حركة “ضمير”، أن”الفقهاء لا يعترفون بأن المرأة أصبحت قوامة على الرجل في بعض الأحيان، خاصة أننا نجد أن نصف الأسر تعيلهم امرأة، والأغلبية الناجحة في الامتحانات يكن نساء، وهذا ما لم يستوعبه عقل هؤلاء الفقهاء لحد الآن”، مشددًا على هيمنة الخطاب الذكوري في النصوص المقدسة، وإعطاء أولوية الذكر على الأنثى.

وأوضح عصيد أن هناك قراءات للدين لا تراعي أحوال الإنسان، وضرورة الوقت، مضيفًا أن الفقهاء غالبا ما يؤولون الدين بطرق قديمة لا تساير التحولات السوسيو – ثقافية، متسائلا “هل الدين هو الغاية أم الإنسان؟”، ليجيب بأن هناك أمثلة عديدة تمت فيها الاستهانة بالكرامة الإنسانية، بسبب تأويلات دينية قديمة.

وقال عصيد “نحن نحس بشعور مأساوي، يتم فيه توظيف المعتقد والنصوص الدينية بطرق تكرس الميز بين النساء، وكذا الممانعة في إقرار المساواة بين الجنسين”.

جسوس: استعمال مكثف للدين لتكريس الحيف

أوضحت سمية نعمان كسوس، الباحثة في علم الاجتماع أن المرأة المغربية ما زالت تعاني التهميش والحط من كرامتها، ما دام موضوع المطالبة بالمساواة في الإرث والحديث عن هذا الموضوع يعتبر من المحرمات، مضيفة أن “المرأة كان لها الحق في أيام أجدادنا أن ترث، وأن يتكفل بها إخوانها ماديا من ميراثهم الشخصي ويحتفظوا بميراثها إلى غاية زواجها لكن في عصرنا الحالي من سيقوم بهذا الفعل لا أحد”.

ودعت كسوس في عرض بعنوان “ميراث المرأة المغربية بين تعاليم الإسلام والممارسة”، إلى “استدارك مجريات التاريخ الذي ظلم المرأة”، لافتة إلى أن هناك “استعمالا مكثفا للعنصر الديني، وكل ما هو مقدس لتكريس الحيف ضد المرأة”، ولعل مسألة تقسيم الإرث بين الرجل والمرأة في الفقه الإسلامي مثال بارز على الحيف والإقصاء.

وأضافت الباحثة السوسيولوجية أن اجتهاد العلماء في تحديد المدة الزمنية لإمكانية إفطار الصائم، وهو على سفر، رغم أن القرآن لم يحددها، يجب أن تطبق على موضوع الإرث كذلك، خاصة في بعض الشروط المتعلقة في حالة المرأة التي توفي زوجها وترك لها بنات فقط لا يمكنهن أن يرثن، حتى وجود رجل معهم يرث بالتعصيب عليهن”.

ووقفت كسوس عند التناقضات التي يسقط فيها المجتمع في تفسيره للدين على هواه، مضيفة “لا يعقل أن يجرم القرآن العلاقات الجنسية والخيانة الزوجية على الرجل والمرأة على حد سواء، في حين أن المجتمع يحاسب المرأة دون الرجل”.

ودعت الباحثة إلى ضرورة إعادة النظر في نظام الإرث في الإسلام، ووضع نظام عادل لتوزيع الميراث ينصف المرأة بعد الضرر الذي لحقها وما يزال يطولها في عملية توزيع الإرث.

الخمليشي: المشكل في تفسير الدين

أكد أحمد الخمليشي، مدير مؤسسة دار الحديث الحسنية أن المشكل ليس في الدين، لكن في طريقة تفسيره، موضحا أن مراكمة تجارب إنسانية انتهت بعرف يخص طائفة معينة بفهم الدين، وهي ما أطلق عليها لاحقا رجال الدين، “هذا الإرث الإنساني وصلنا، كمسلمين، فأصبح لنا مجتهدون يدعون فهم الدين، ويحاولون احتكار مشروعية تفسيره”.

وأوضح الخمليشي أن موضوع المرأة والدين مرتبط أساسا بالشق التفسيري، لأن التفاسير التي تحط من كرامة المرأة عموما لا تعني الحقيقة، بل ترتبط بالثقافة السائدة والشعور العام، فالعنف مثلا كان عاديا في العصور السابقة، لكنه اليوم مجرم بسبب تطور المعرفة الإنسانية.

وأوضح الخمليشي أن إلغاء الاختلاف شيء غير ممكن، لكن تدبيره متاح اليوم بفضل المؤسسات الدستورية التي يحتكم إليها، ما يتيح التعايش بعيدا عن العنف اللفظي والمادي، معتبرا أن اتساع المعارف الذي تحول اليوم إلى هاجس ومقصد يمكنه المساهمة في فهم النصوص الدينية بطريقة تساير العصر.

الديالمي: المقصد الديني هو الإنصاف

دعا عبد الصمد الديالمي، عالم الاجتماع إلى تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، وتجاوز النظرة الدونية إلى النساء في عدد من التشريعات.

واعتبر الديالمي أن مسألة المساواة بين الجنسين تتطلب إصلاحا كبيرا، ووضع حد للفوارق التي توضع بين الجنسين، استنادا إلى ما يتوفر عليه كل منهما، موضحا أن رؤية الدين للمرأة تقوم، بشكل ضمني، على أنها ناقصة عقل ودين، وأن لها وضعا أقل من الرجل”.

ويرى الديالمي أن الاجتهاد يجب أن ترافقه رغبة من العلماء في تجاوز هذه النظرة التي تنقص من المرأة، موضحا أن ذلك يتطلب مجهودا من نوع خاص، سواء على المستوى العلمي أو السياسي.

وأضاف عالم الاجتماع أنه في عدد من النصوص في القرآن والسنة ما يعزز النظرة الدونية للمرأة، مشيرا إلى أن “المساواة بين الجنسين ليست مقصدا من مقاصد الشريعة، التي تقوم أساسا على الحفاظ على الدين والنسب والملكية والعقل، فيما يبقى المقصد الضمني هو الإنصاف وليس المساواة، وهذا ما جعل الإسلام محط انتقاد من قبل عدد من العلماء الغربيين، الذين اعتبروه دينا للرجال فقط”، حسب تعبيره.

ويرى الديالمي أن تفاعلات هذا الموضوع بدأت في القرن الماضي، أولها كان من قبل علال الفاسي، الذي كتب “النقد الذاتي”، واعتبر أن الإسلام بريء مما يقوم به المسلمون، خاصة في ما يتعلق بالمساواة. كما دعا إلى منع تعدد الزوجات، واعتبر أن الحجاب ليس واجبا دينيا، وإنما تقليد اجتماعي.

ولم يفت الديالمي الإشارة إلى أن مدونة الأسرة جاءت ببعض المكتسبات لصالح المرأة، خاصة في ما يتعلق بالزواج والولاية، لكنها حافظت على مبدأ القوامة، داعيا إلى عدم حصر الإنتاج القانوني في الفقه، وتجاوز المذهبية.

الكحل: شرعنة الظلم الاجتماعي

أكد سعيد الكحل، الباحث في الحركات الإسلامية أن الفقه الإسلامي ابن بيئته الاجتماعية، وترجمان لأعرافها، وبقدر انغلاق البيئة، بقدر انغلاق الفقه وتشدده.

وأوضح أن المرأة تمثل أولى المواضيع التي أنتج حولها تراث فقهي زاخر، وقد اجتهد الفقهاء والأئمة لملاءمة الدين مع الأعراف الاجتماعية وشرعنتها، ومن ثم، نقل قيم البداوة من المجال الاجتماعي إلى المجال العقدي، وبذلك انطلقت عملية “بدونة” المجتمعات التي فتحها المسلمون، وأخضعوها لأعرافهم، رغم المقاومة التي أبدتها المجتمعات التي عرفت بانفتاحها واحترامها للمرأة.

وقال الكحل إن المسلمين فهموا تكريم الإسلام للمرأة فهما شاذا جعلوا من إذلالها تكريما، ومن قهرها تعظيما، فغالوا في تكبيلها وتبخيسها، حتى عدها كثير من الفقهاء والأئمة في مقام البهيمة من حيث النجاسة والضعف والتنذر.

وأكد الكحل أن فضل ما تحقق من كرامة وحقوق وآدمية للمرأة في العالم الإسلامي يعود إلى الحركة النسائية التي ناضلت ومازالت تناضل لرفع الظلم والعنف والتهميش عن النساء الذي تكرسه التشريعات القانونية فضلا عن الفتاوى الفقهية .

إعداد: برحو بوزياني
 
أعلى