ضياء البوسالمي - ماهي البورنوغرافيا ؟.. تاريخ البورنوغرافيا

تاريخ البورنوغرافيا ( ج1)

البورنوغرافيا هي محور حديث الجميع و الكلّ "يستهلكها" و منهم من يفعل ذلك عدّة مرّات في اليوم، فالإنسان مهووس "بِاٌلبُورْنُو". سنسعى من خلال هذا المقال/التّحليل أن نفكّ رموز هذا العالم المليء بالأسرار و هو عالم مُركّب و مُعَقَّد على عكس ما يظهر للمشاهد العاديّ.
لا توجد حياة بدون جنس، إنّه واجب الوجود فالإنسان كلّما طوّر تكنولوجيا جديدة إلاّ و إستعملها ليحوّل ما يبهره إلى مشاهد. و قد تكون الصّور في بعض الأحيان صورا مُغْرِيَة فهي مخبّئة في أعماق كهوف إفتراضيّة و قد تمّ تركيبها و إعدادها للتّرفيه. و التّقنية التي تُستعملُ لتحقيق ذلك هي وضعُ "الجنسِ" ( La sexualité ) في الواجهة، على الرّكح لنستمتع بمشاهدته.
على مرّ العصور و تزامنا مع تطوّر الإنسان، تطوّرت معه مجموعة من المنظومات الأخلاقيّة و "اُلتَّابُوهَاتِ" تشكّلت في طبقات الواحدة فوق الأخرى و غطّت على هذا الموضوع ( أي الجنس ) و جعلته مُحرّمًا و ممنوعا بل و جعلت من يتحدّث عنه أو يقربُه ملعونا إلى أبد الدّهر. عندما نخوض في موضوع الجنس، فإنّ الأمر يهمّ الجميع دون تمييزٍ لذلك نلاحظ طُرُقًا متعدّدة في عيشه، ممارسته، فطرق ممارسة الجنس و التعامل معه و كيفيّة تمثّله في الأذهان تختلف من مكان لآخر و من ثقافة لثقافة أخرى. وسواء كان الجنس خيالا أو حقيقة ملموسة، فإنّه يبقى دائما في قلب وجود الإنسانيّة و تمثيله منطقيّ بل إنّها حتميّة لا مفرّ منها على الرّغم ممّا يسبّبه هذا الموضوع من إحراج للكثيرين.
إنّ هدف هذا المقال/التّحليل لا يتمثّل في إخفاء، منع أو تقديس الجنس و إنّما هو عمل هدفه البسيط رصدُ مدى أهميّة دور الصّحافة و وسائل الإعلام - بما أنّها مؤسّسات فاعلة في في المجتمعات المعاصرة - في التّعامل مع إنتشار هذا "الموضوع" الذي يغري البعض و يُقزّز البعض الآخر و الذي نسمّيه "بُورْنُوغْرَافِيَا". إنّها موضوع للتّأمل و التّفكير مثل بقيّة المواضيع المهمّة ولا يمكن في أيّ حال من الأحوال تبسيطها أو إدراجها ضمن التّابوهات أو المحرّمات. فكيف ساهمت الصّحافة و وسائل الإعلام في تبسيط و تسطيح البورنوغرافيا ؟ السّؤال مشروع مع أنّ هذه المسألة لم تُنَاقَشْ من قبل.
في مجتمعاتنا المعاصرة، لا أحد يمكن أن ينكر الدّور الفعّال لوسائل الإعلام في صناعة الرّأي العام و توجيهه ( لأنّها تعلم كلّ شيء! ) و لكن ماذا تعلمُ !؟ و قبل كلّ شيء، ماهو الموضوع الذي نتحدّث عنه ؟ لماذا يجب علينا أن نعلم ؟ " إنّ الحياة يمكن أن نعيشها بشكل طبيعيّ حتّى و إن لم يكن هناك لذّة و إستمتاع" بالرّغم من أنّ اللّذة هي الحياة. ههنا تَظْهَرُ المُفَارَقَة التي تختبئ في وجودنا اليوميّ !
لتحديد ماهية البورنوغرافيا، يبدو أنّه من المنطقيّ أن نبدأ بتعريفها إنطلاقا ممّا يتعارض مع حقيقتها. إنّها أساسا مشكلة لغويّة و فلسفيّة في آنٍ، فماذا لو كان هناك تنوّع و تعدّد في الجنس
( Plusieurs sexualités ) و ماذا لو كان الأمر كذلك فيما يتعلّق بالبورنوغرافيا ؟ إنّ المشكلة هي أكثر تعقيدا ممّا تظهر عليه إذ لا يمكن حتّى تحديد تعريف واضح و وحيد.
لتعريف البورنوغرافيا بدقّة، يجب علينا أن نتحاشى تلخيصها و حدّها بل بالعكس إذ " يمكن أن نخون المصلحة و نخطئها أو نجهلها و لكن ذلك مستحيل في حالة الرّغبة " على حدّ تعبير الفيلسوف الفرنسيّ "جِيلْ دُولُوزْ" الذي يظهر هنا أنه إقترب من الحقيقة فيما يقول.
هل من الطّبيعيّ أن تُبَسَّطَ البورنوغرافيا في عصرنا إلى هذا الحدّ ؟ هذا السّؤال ليس مهمّا و لكن ماذا لو غامرنا و حاولنا الإجابة عنه : لا أحد يشكّ في أنّ الأخلاق - مرّة أخرى - تتدخّل في منظومة أفكارنا لتزعجنا، هل هذه هي الوظيفة الحقيقيّة للأخلاق ؟ مُنَاصِرُو الرّقابة يؤكّدون ذلك و دعاة الحريّة ينفونه و يكذّبونه !
مرّة أخرى بدون منهجيّة بحث، بدون منطق، بدون دراسات معمّقة للمفاهيم نجد أنفسنا في حلقة مفرغة فننتهي إلى السّير على رؤوسنا دون الإنتباه لذلك. لنترك جانبا من يدّعون أنّهم يعلمون كلّ شيء أولئك الذين تمنعهم الدّوغمائيّة عن رؤية الواقع. " التّقييم هو عمليّة مزعجة لا لأنّ كلّ "شيء" له قيمة بل لأنّ كلّ "شيء" له قيمة لا يمكن أن يبرز إلا بتحدّي التّقييم و النّقد " هكذا نبدأ هذه الرّحلة في هذا العالم البورنوغرافيّ المجهول الذي فضّلنا تركه و إهماله منذ زمن بعيد.
لا يوجد تعريف دقيق و مُتّفقٌ عليه للبورنوغرافيا فهي ككلّ ظاهرة تتطوّر و تتغيّر بتغيّر المجتمعات و العصور. فمنذ قرون في اليونان، كانت عبارة « pornéïa » تعني الخطيئة و الفسق و الفجور و هو توصيف لكلّ أشكال الجنسِ الخارج عن المألوف ( les dérives sexuelles ). و بورنوغرافيا هي كلمة يونانيّة ( القرن الخامس قبل الميلاد ) و هي متكوّنة من كلمتين "بُورْنِي" « pornê » و هي المومس أو بائعة الهوى و "غْرَافْيَان" « graphien » و هي الكتابة. إذا فالكلمة - بمعناها القديم - بائعة الهوى بصدد ممارسة الجنس و الفنّان/الرّسام الذي يخلّد تلك اللّحظة يسمّى "بُورْنُوغْرَافْ" « pornographe ».
في القاموس الفرنسيّ ( (Le Petit Robert (2001 ) نجد هذا التّعريف : " سنة 1842 مُعاهَدةُ الدّعارة، 1800 بُورْنُوغْرَافْ مهمّته تخليد أفعال فاحشة يتمّ نقلها إلى العامّة ( يتمّ نقلها عبر الصّور، اللّوحات أو الكتابة ). إِيرُوتِيزْم ( érotisme ) و بُورْنُوغْرَافْيَا ( pornographie ) في الأدب : اٌلفُحْشُ في اُلنّصوص الأدبيّة أو في العروض المسرحيّة. " أمّا في قاموس ( (Le Littré (2004) ) فالتّعريف أكثر دقّة : " اٌلبورنوغرافيا هي الفحش في النّصوص الأدبيّة، في الصّور، في اللّوحات أو في الأفلام بهدف تمثّل عمليّة الجنسِ و إثارة خيال المُتلقّي. منذ عقود أدخلت وسائل الإعلام البورنوغرافيا في الحياة العامّة. "
هذه التّعاريف من مختلف المعاجم هي تعاريف عامّة، غير دقيقة و بدون أيّ مرجعيّة أو تدقيق في عامل الزّمن. إنّها تطرح أسئلة من المستحيل أن نعثر لها على أجوبة، فتعريف ( Le Littré ) يوحي بنبرة متعاليةو يتّخذ موقف الواعظ و المرشد و المتّهم لوسائل الإعلام - مؤسّسة غامضة داخل المجتمعات المعاصرة - بأنّها هي من بتبسيط "الفحش" ( l obscénité ). فالأمرالفاحش هو ما يخدش الحياء، و كما يفسّر الكاتب "فِيلِيب دِي فُولْكُو" فإنّ كلمة فاحش ( obscène ) تعود في الأصل إلى كلمة (obscena) و هي إشارة إلى ما لا يجب كشفه للعامّة. و في الغرب، تحت الضّغط المسلّط من قِبل الدّيانة المسيحيّة، دخلت عبارة " فاحش" إلى المعجم القانونيّ. فعكف مجموعة من مفكّري و فلاسفة الأنوار على دراسة هذا المفهوم و كنتيجة لهذه المجهودات و الدّراسات ظهر مفهوم " الإيرُوتِيزْمْ" ( érotisme ) - في مقابل مفهوم "البُورْنُوغْرَافِيَا" ( pornographie ) - فالإيروتيزم لا يهتمّ بالجنس فقط بل يركّز على ما يثير حواسّ المُشَاهِد.
يستعمل الينانيّون القدامى كلمة "إِيرُوس" « érō-;-s » ليحيلوا على معنى العشق و الحبّ و الرّغبة في ممارسة الجنس، و من خلال ذلك نستنتج أنّ العشق و الرّغبة يصنّفان في خانة الإيروتيزم. لكن هناك ما يمكن إستنتاجه أيضا إنطلاقا ممّا سبق و هو أنّ البورنوغرافيا ما دامت تتطوّر و تتغيّر بتغيّر الأخلاق و العصور أليس من الطّبيعيّ أن يتحوّل ماهو "بورنوغرافيّ" ( pornographique ) اليوم ليصير غدا "إيروتيكيّا" ( érotique ) و ماهو إيروتيكيّ اليوم يصير بورنوغرافيّا غدا ؟
في القرن الثّامن عشر، كتب "نِيكُولاَ إِدْم" مجموعة من النّصوص حول موضوع البورنوغرافيا و قد إقترح مجموعة من الأشياء من بينها منظومة تشريعيّة لتأطير و إحتواء "تجارة الجنس" ( le commerce du sexe ) و ذلك بإنشاء نقابة ( le syndicat du travail du sexe ). و هو ما تسبّب في سجنه تماما كما حصل مع الكاتب "مَارْكي دي سَاد" على الرغم من أنّ نصوص هؤلاء الكُتّاب تُعتمد للتّدريس اليوم في المعاهد و الجامعات و تُعتبر نصوصا إيروتيكيّة. و إذا أصبح من المستحيل "خدش الحياء" من خلال هذه النّصوص - التي مُنعت و حُجبت في الماضي - فإنّ ذلك هوأكبر دليل على أنّ الزّمن غيّر من وجهة النّظر تجاه هذه الأعمال : فماهو بورنوغرافيّ تحول ليصير إيروتيكيّا. و قد أجابت "جَانِيتْ مَاسُّو-لاَفُو" - وهي كاتبة و باحثة و أستاذة محاضرة في معهد الدّراسات السّياسيّة بباريس - عندما سُئلت عن هذا الموضوع : " البورنوغرافيا هي إيروتيكيا الآخرين " وهو ما يمكن فهمه على أنّه الفعل المخجلُ الذي يتحوّل إلى إلى فعل فاحش. و قد أشار "رُوَان أُوجِيَان" في كتابه " تفكير في موضوع البورنوغرافيا " إلى القاضي الأمريكيّ "بُوتر ستِيوَارت" الذي قال : " لا أستطيع تعريف البورنوغرافيا و لكن بإمكاني معرفتها " و هذا دليل على أنّه و حتّى في الولايات المتّحدة الأمريكية - أين توجد صناعة ضخمة للبورنوغرافيا أمام البرازيل و هولندا - تبقى البورنوغرافيا مفهوما مُبهَمًا يصعب تحديد تعريف واضح له. من هنا يمكن أن نستخلص أنّ البورنوغرافيا هي ما لا يُحَبَّذُ سماعه أو رؤيتُه.
القانون في الغرب لا يعتبر أنّ البورنوغرافيا هي تمثيل للفعل الجنسيّ لأنّه تعريف غير دقيق. في فرنسا من المستحيل أن يعرض بائع الصّحف مثلا صورة في مجلّة فيها تمثيل لممارسة الجنس بطريقة علنيّة أي وضوح الأعضاء التّناسليّة. كذلك يُمنع تمرير رسالة ذات طابع بورنوغرافي يمكن أن تقع في يد قاصر لأنّ صاحبها يتعرّض لعقوبة تصل إلى ثلاثة أعوام سجنا و خطيّة بقيمة 75000 أورُو و ذلك بالرّجوع إلى قانون العقوبات الفرنسيّ ( الفصول من 224-227 ) . لكن يُسمح بعرض صورة في الشّارع من الحجم الكبير لفتاة عارية كما تفعل ذلك مجلّة "Hot Vidéo" منذ 1989.
فماهو الفرق إذا بين البُورْنُوغْرَافِيَا و البُورْنُو ؟
حسب "دُومِينِيكْ فُولْشَايِدْ" في "معجم البورنوغرافيا" الفرق هو : " في الصّور، في اللّوحات أو في النّصوص نحن أمام أعمال مُتَخَيَّلة من طرف مبدعيها، في حين أنّ البورنو يركّز على الفعل الجسديّ في حدّ ذاته " البورنو يضع بالضّرورة أجسادا حقيقيّة يسلّط عليها الضّوء في حين أنّ البورنوغرافيا يمكن أن تعوّض التّصريح بالتّلميح كما فعل ذلك المغنّي الفرنسيّ "سَارجْ غاينْزْبُورج" في أغنيته "Je t aime moi non plus" و هي أغنية مليئة بالإيحاءات الجنسيّة التي توحي بالطّابع البورنوغرافيّ للأغنية. و عند خروج هذه الأغنية قامت أغلب الإذاعات الأوروبيّة بمنعها و ذلك بسبب تأوّهاتِ "جِينْ بركِين" - الفنّانة التي شاركت في الأغنية - التي إمتدّت حتّى آخر الأغنية. إذا فإنّ السّينما و مقاطع الفيديو هي الوسائل التي يمكن من خلالها أن نميّز بين البورنو و البورنوغرافيا. فالبورنو دائما هو بورنوغرافيّ بما أنّه يسلّط الضّوء على الجنس و يركّز عليه و البورنوغرافيا ليست دائما بورنو بما أنّ نصّا أدبيّا، أغنية، صورة أو لوحة يمكن أن يصنّفوا كبورنوغرافيا دون تجسيد للعمليّة الجنسيّة.
سنة 2014، تحوّلت البورنوغرافيا إلى تسليط الضّوء على الجسد الفاعل و الجسد المفعول به ( corps pénétrant, corps pénétré ) و بصفة أدقّ التّركيز على الإنتصاب الذّكوري، لكن يبقى تعريف البورنوغرافيا صعبا مع إمكانيّة إعطائها موقعا محدّدا على الأقلّ. و منذ ثلاثة عقود تقريبا كلّ ما يتعلّق بالإعتداء الجنسيّ على الأطفال و كلّ ما يخصّ زنا المحارم كان يعتبر "تَابُو" لا يمكن الخوض في تفاصيله في حين أنّ البورنوغرافيا - و ليس البورنو - تجرّأت على هذه المواضيع و قد كان ذلك منذ إستخدامها لمصطلح "بورنُو شِيكْ" في الإشهارات التّلفزيّة منذ سنة 1990 و ما قابل ذلك من ضعف تأثير الكتابة و هوما أدّى آليًّا إلى شَيْطَنَةِ البورنوغرافيا المكتوبة، مع العلم أنّها تسجّل حضورها بقوّة اليوم خصوصا على شبكة الأنترنيت و ذلك لسهولة الوصول إلى هذا النّوع من النّصوص.
أشار "دَانْيِيل كُوهِن-بِندِيت"في كتابه "Le grand bazar" الصّادر عام 1975 مسألة الصّحوة الجنسيّة للأطفال من خلال العناق و غيرها من الممارسات المألوفة. و لم يصبح هذا المقطع من الكتاب موضوع نقاش إلاَّ بعد 25 سنة فقد قامت الصّحفيّة الألمانيّة "بَاتِينا رُوهِلْ" بالإشارة إلى ذلك و قد إعترف "كُوهِن بِنْدِيت" بخطئه و أشار لى أنّ ما كتبه لا يُطاقُ.
إنّ الأخلاق و التّابوهات تتحوّل و تتبدّل بسبب التطوّر الزّمني، فبورنوغرافيا الأمس تمرّ بجانب "الإيروتيزم" و إنتشارها اليوم بطريقة مكثّفة في المجتمعات المعاصرة تقوم به تحت غطاء الحداثة أو لنقل بإسم آخر : البورنو. بما أنّ هذا الأخير يُستَهْلَكُ بطريقة عجيبة فإنّ لم يعد ذلك التّابو الذي يُمنَع النّقاش حولهُ. وحده الإعتداء الجنسيّ على الأطفال و زنا المحارم هما المرفوضتان أمّا بقيّة الممارسات الجنسيّة الأخرى كالمثليّة و المتحوّلون جنسيّا يعاملون كمواطنين لهم حقوق و عليهم واجباتمثلهم مثل البقية. و إذا أصبحت الممارسات الجنسيّة معتادة و مألوفة من قبل الجميع، فإنّ "دراسات البورنو" ( Porn Studies ) هو مفهوم حديث لم نتعوّده، فأوّل الدّراسات التي من هذا النّوع لم يقع تهديدها إلاَّ في فترة ما بعد الحرب أي في سنة 1950. وهذه الدّراسات مع أنّها تُنشر و تُوزّع في الغرب إلاَّ أنّها لم تحقّق نتائج جيّدة و لم تأثّر على المجتمعات. في فرنسا كان النّقاش أساسا في موضوع البورنوغرافيا حول حماية القُصَّرْ في حين أنّ النّقاش في الولايات المتّحدة كان مركّزا أكثر على مكانة المرأة. في فرنسا القوانين و الرّأي العامّ يتكوّنان من خلالِ مجموعة من القيم الكونيّة في حين أنّ المر يختلف في الولايات المتّحدة إذ للوبيّات و التّجمعات دو هام في التّأثير على المصلحة الجماعيّة. و على الرّغم من كلّ هذا لا يتطوّر القانون بطريقة منطقيّة، إذ يمكن لقاصر في فرنسا أن يطّلع على ما يتعلّق بالجنس و هو في سنّ 15 مع أنّه لا يسمح له بمشاهدة البورنو إلاَّ بعد سنّ 18.
كتب "بِرْتْرَانْد رَاسِّل : " أصحاب الآراء الجاهزة يقولون لك أنّ هذه الصّور تسبّب الضّرر للآخر، مع العلم أنّ لا أحد منهم يستطيع أن يخبرك أنّها سبّبت له ضررا هو أيضا " إذا يمكن أن نحاول أن نضع تعريفا دقيقا للبورنوغرافيا : يُعتبرُ بورنوغرافيّ كلّ ما يمكن أن يخدش حياء مجموعة من الأشخاص أو أن يمسّ براءة الأطفال، ولا يعتبر بورنوغرافيًّا كلّ ما لا يزعج محافظي مجتمعاتنا و لا يتجاوز القانون الذي نادرا ما كان من مناصري الحريّة و التّقدّم.
لقد تمّت الإشارة في المقالين السّابقين إلى أنّ البورنوغرافيا لا يمكن أن نعثر لها على تعريف دقيق وواضح وقد تمّ التّأكيد أيضا على أنّها ليست ظاهرة جديدة بل على العكس هي موجودة منذ خمس قرون قبل ميلاد المسيح. بورنوغرافيا ( pornographia ) عمل يعود للرّسام اليونانيّ "بَارَاهَاسْيُوسْ" ( Parrahasios ) و قد إعتبره الكاتب و المؤرّخ الرّومانيّ "بْلِينُوسْ الأَكْبَرْ" ( Pline l Ancien ) كأكبر فنّاني عصره و أفضلهم على الإطلاق إلى درجة أنّ لوحاته أصبحت تمثّل مرجعا. " من خلال أعماله المفقودة اليوم، توجد لوحات ذات صبغة واقعيّة تجسّد أجسادا عراة " لقد أُجبر "بلينوس الأكبر على حياة العزلة فقد وقع نفيه لأنّه تجرّأ و جسّد نفسه في لوحة على شاكلة "هيرميز" المعروف عند اليونان بإسم "مِيرْكُورْيُوسْ" و هو مراسل الآهة و ثاني أصغر آلهة الأولمب. و يمكن أن نذكّر في هذا المجال أيضا أنّ بالإمبراطور الرّوماني "تِيبِيروس" ( Tibère ) و الذي كان مولعًا بالبورنوغرافيا ( Pornographia ). و في عام 300م كان المفكّر و الفيلسوف "أَثْيَانُوسْ" ( Atheneus ) قد أشار في كتاباته أنّه خلال " عشاء مع الفلاسفة " وقع نقاش حول " بُورْنُوغْرافُوس " ( Pornographos ). و في كتاب "بَاْسكَالْ كِينْيَارْد" الصّادر سنة 1994 بعنوان "الجنس و الرّعب"، أشار الكاتب إلى أنّّ كلمة "بورنوغرافيا" لم تكن موجودة في العصور الغابرة كذلك بالنّسبة لمجموعة من الكلمات الأخرى كالمثليّة مثلا، فهذه الكلمات لم تظهر إلاَّ إنطلاقا من القرن 19. إذا بورنوغرافي ( PornographIE ) ليس لها نفس نفس معنى كلمة بورنوغرافيا ( PornographIA ) و التي تعني لوحة فنيّة لبائعات الهوى.
فسّر "فِلِيبْ دِي فُولْكُو" أنّه تمّ العثور على مجموعة من المنحوتات التي تمّت الكتابة عنها في في كتاب ( Chronique de Nuremberg) للكاتب "هَارْتمَان شِيدَال" الذي أظهر في القرن 15 أشياء فاحشة مثل نساء منحنيات أمام رجل - بأيره المنتصب- تنتظر كلّ واحدة دورها لتهديه نفسها. و في فترة البابا أدريان السّادس - التي لم تدم سوى سنة واحدة - أصدر أمرا بتغطية الأعضاء التّناسليّة للتّماثيل بأوراق العنب لهذا السّبب أصبح هذا البابا منبوذا و إعتبره الجميع رجعيّا و جاهلا. ( كان آخر بابا ألمانيّ الجنسيّة قبل بندكت السّادس عشر ( Benoit 16 ). و تجدر الإشارة إلى أنّ " دليل الكتب المحرّمة " أو " Index Librorum Prohibitorum " الصّادر سنة 1559 بأمر من بولس الرّابع ( Paul 04 ) و هودليل على أنّ الكنيسة تسعى إلى السّيطرة و الهينة من خلال الرّقابة و إخضاع العامّة و قد حُيِّنَ هذا الدّليل بصفة دوريّة حتى سنة 1961. و بصفة عامّة، منذ سنة 1530 شهدت المجتمعات موجة من الإحتشام التي عمّت على الجميع في عصر النّهضة ( la Renaissance ). و أكبر دليل على ذلك هذه العودة إلى الأخلاق هو ما فعله الرّسام "دَانييل دي فُولْتِيرَا" من خلال تغييره للوحة "مِيكايل أُونْجْ" -الحساب الأخير ( le denier jugement ) - و ذلك بهدف ستر العورات و الأعضاء التّناسليّة في اللّوحة و هو ما تسبّب في تسميته بصانع الملابس الدّاخليّة ( IL Braghettone ) و قد ذكرت عالمة الإجتماع "مِيكَايلَّا مَارَازَانُو" في كتابها " البورنوغرافيا و إستنزاف الرغبة " أنّ كلمة فاحش( Obscène ) إستُعمِلَت للمرّة الأولى سنة 1534 و قد بقي إستعمالها نادرا حتّى بدايات القرن 17.




صورة مفقودة
 
ضياء البوسالمي - ماهي البورنوغرافيا ؟ [ تاريخ البورنوغرافيا ]
(ج2)



لقد أدخل الكاتب "بِيَار كلُود فِيكتُوَارْ" في معجمه العالميّ للغة الفرنسيّة الصّادر سنة 1800 كملة "بُورْنُوغْرَافِيَا" ( Pornographie ) و هي مشتقّة من كلمة "ُبورْنُوغْرَافِيّ" ( Pornographe ) و التي تعني - كما أشرنا سابقا - تجسيد لحظات ممارسة الجنس من طرف بائعات الهوى. و في القرن 16، كان الشّيخ النّفزاوي* سابقا لعصره من خلال كتابه " الرّوض العاطر في نزهة الخاطر" و الذي تضمّن مجموعة من من النّصائح و الإرشادات نذكر منها كيفيّة تكبير حجم الأير أو تضييق فرج المرأة و هو أكبر دليل على أنّ هذه الأمور ليست مجرّد رغبات حديثة وقع نشرها و بسطها للعامّة بفضل وسائل الإعلام و بفضل إنتشار البورنوغرافيا كما يعتقد ذلك مجموعة من المفكّرين و العديد من وسائل الإعلام. و تزامنا مع إنتشار البورنوغرافيا و تخلّص المجتمعات من مجموعة من العقد و "التّابوهات" و مناداتها بالحريّة و الإنعتاق على خطى فلاسفة الأنوار، كانت المطالبة بموت الإلاه أي كسر و تحطيم أيّ حاجز دينيّ يقف أمام الحريّات. و قد طوّر مجموعة من المحافظين مفهوم "الإيروتيزم" أو "البورنوغرافيا المحتشمة" و تحوّل الإيروتيزم إلى رمز للحبّ. يقول "جُورْجْ بَاتَايْ" في كتابه "إِيرُوتِيزْم" الصّادر سنة 1957 : " الإيروتيزم هو ذاكرة الجنس " و تختلف البورنوغرافيا عن الإيروتيزم، حيث أنّ هذا الأخير يقوم بحجب الأعضاء التّناسليّة " لأنّ الذين يحسّون بالإنتشاء تُنزعُ عنهم صفة الإنسانيّة " كما كتب ذلك "جَاك ِوينْبِيرغ" الذي يُكمل تحليله : " و بدون الإنتصاب الذّكوريّ و الرّغبة لا توجد بورنوغرافيا ". إذا فالإنتصاب هو المعنى الحقيقيّ للبورنوغرافيا و بذلك فمن المنطقيّ في إطار تحليل شاملٍ أن نستعين ب"بيَارْ بُورْدْيُو" و كتابه "الهيمنة الذّكوريّة" و الذي أشار فيه الكاتب إلى نتائج هذه "الهيمنة المتكبّرة" على النّساء و قد حمّلهنّ مسؤوليّة ذلك " من خلال قبولهنّ بوضعيّات يكنّ فيها خاضعات لسلطة الرّجل " و يمكن أن يكون ذلك مصدر سعادة بالنّسبة لهنّ. و للتّذكير فقط فإنّ "سِيغْمُوند فْرُويد" هو من حدّد طبيعة الإنسان بكونه ساديّا بطبعه أي حالة الجلاّد الذي يتلذّذ بتعذيب ضحيّتِهِ.
البورنوغرافيا ليست ظاهرة إجتماعيّة أو تاريخيّة معزولة بل هي وسيلة للغوص في أعماق الذّات البشريّة ووضعها في صور علنيّة. ثمّ أخيرا و بعد عدّة قرون من عدم الإستقرارِ، ثبتت الأخلاق كما فسّر ذلك "فِيليب دِي فُولْكُو" :" بين 1800 و 1960 لم يتغيّر شيء " و لكن من الضّروريّ تنسيب هذه القولة ففي هذه الفترة تحديدا سنة 1895 وقع إختراع السّينما ( من طرف les frères Lumière ) و قد تمّ إستعمال هذه التّكنولوجيا الجديدة - آليّا - في تمثيل الجنس، و قد كانت نتيجة منطقيّة و متوقّعة. و تجدر الإشارة إلى أنّه و منذ إختراع السّينما و الكاميرات، صُوّرت أولى الأفلام البورنوغرافيّة - بطريقة هاوية و سريّة أساسا - التي صوّرت بائعات الهوى مع حرفاء في بيوت دعارة. و يصعب اليوم العثور على أثرٍ لهذه الأفلام مع العلم أنّه يمكنأن نجد 4 أفلام من إنتاج فرنسيّ و ذلك حسب موقع nuddz.com : فيلم la coiffeuse سنة 1905 مدّته دقيقة واحدة، فيلم l heure du thé سنة 1925 مدّته 5 دقائق، فيلم Agenor fait un levage سنة 1925 مدّته 8 دقائق و فيلم massage سنة 1930 و مدّته 7 دقائق. كذلك توجد مجموعة من الأفلام في فترة الإستعمار النّازي لفرنسا ففي الفيلم الوثائقيّ ل"بَاتْرِيك بوِيسُّون" " حبّ و جنس تحت الإحتلال" نلاحظُ أنّه هناك مجموعة من الأفلام البورنوغرافيّة التي صُوّرَت و بُثّت في في بيوت دعارة فرنسيّة يرتادها ألمان. يقول الشّاعر الفرنسيّ "بُودْلِيرْ" : " إذا عالجنا مثل هذه المواضيع و ناقشناها لن تكون مسبّبة للإحراج و الذي ليس إلاّ مجرّد هراء " و هنا دليل على أنّ البورنوغرافيا حتّى و إن بقيت تُصنَّف على أنّها موضوع "هامشيّ" فإنّها ليست كذلك وهذا منذ قرون عديدة.


*الشّيخ أبو عبد الله محمد بن محمد النفراوي صاحب كتاب "الرّوض العاطر في نزهة الخاطر" و الذي ألّفه ( بين عامي 1410م و 1434م ) بطلب من سلطان تونس عبد العزيز الحفصي.

 
أعلى