ابن أبي عون - التشبيهات

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وآله أجمعين زادك الله في الأدب رغبةً وللعوم محبة ووفقك للحجة ودلك على المحجة وأعانك على طلبك بالرشد وأظفرك بالغرض عند الفحص سألتني أعزك الله أن أثبت لك أبياتاً من تشبيهات الشعراء الواقعة وبدائعهم فيها الظريفة وقد تقدم الناس أعزك الله في اختيار الشعر وتمييزه غير أنهم لم يصنفوه أبواباً وذلك أن الشعر مقسوم على ثلاثة أنحاء منه المثل السائر كقول الأخطل
فأقسم المجدُ حقاً لا يحالفهم ... حتى يحالفَ بطنَ الراحةِ العشرُ
وكقول الفرزدق
أما العدوُّ فإنا لا نلينُ له ... حتى يلينَ لضرسِ الماضغِ الحجرُ
ومنه الاستعارة الغريبة كقول الطرماح
فقلتُ لها يا أمَّ بيضاء إنه ... هريق شبابي واستشنَّ أديمى
وكقول الحطيئة
قد ناضلوك فأبدوا من كنائنهم ... مجداً تليداً ونبلاً غيرَ أنكاسِ
ومنه التشبيه الواقع النادر كقول امرئ القيس في العقاب
كأنَّ قلوبَ الطيرِ رطباً ويابساً ... لدى وكرها العنابُ والحشفُ البالِ
وكقول عديّ بن الرقاع في وصف الثور البري
تزجى أغنَّ كأنَّ إبرةَ روقهِ ... قلم أصابَ من الدواةِ مدادَها
وما خرج من هذه الأقسام الثلاثة فكلام وسط أو دون لا طائل فيه ولا فائدة معه ورأيت أجلَّ هذه الأنحاء وأصعبها على صانعها التشبيه وذلك أنه لا يقع إلا لمن طال تأمله ولف حسه وميزَ بين الأشياء بلطيف فكره وأنا أثبت لك في هذا الكتاب أبياتاً من التشبيه مختارة وأتخلل المعاني المختلفة والتشبيهات المتداولة إلى الأبيات الطريفة النادرة وأقتصر على جملة يكون لك فيها حظ ومتعة وتأدب ورياضة وأتجنب الإطالة التي يتلقاها الملالةُ وأتبع ذلك بكتاب في الأمثال وكتاب في الاستعارة وبالله الحول والقوة.
ونبتدئ على اسم الله بتشبيهات خالق الأشياء جل وعز في كتابه إنه كان أكمل شاهدٍ وأوضح حجة فمما شبه به الأشخاص المماثلة قوله عز وجل " والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم " وقوله عز وجل " طلعها كأنه رؤوس الشياطين " وقوله " كأنهن الياقوت والمرجان " " وكأنهن بيض مكنون " وقوله في تشبيه الأفعال " والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا " وقوله " مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف " ومثل هذا كثير في القرآن وبالله نستعين على كل مطلوب والعرب أيدك الله تشبه بكأنَّ كقول امرئ القيس
كأنَّ عيونَ الوحش حولَ خبائنا ... وأرحلنا الجزعُ الذي لم يثقبِ
وبكمنْ كقول أوس بن حجر
فإنكما يا ابنَيْ جنابٍ وجدتما ... كنْ دبَّ يستخفي وفي الحلقِ جلجل
وبالكافِ كقوله
ونارٍ كسحرِ العودِ يرفعُ ضوءها ... مع الليلِ هباتُ الرياحِ الصواردِ
وبمثلٍ كقولِ السلامي
مثل التي يحسبها أهلها ... عذراء بكراً وهي في التاسعِ
وبكما كقولِ كعبِ بن زهير
ولا تمسكُ بالعهدِ الذي عهدت ... إلا كما يمسك الماء الغرابيلُ
وبكمثلِ وكأمثال وتخال وتظن وتكاد وما أشبهها وبإضمار أحد هذه الحروف إذا لم يتسع للشاعر إقامة الوزن بإظهاره كقوله
سموتُ إليها بعدَ ما نامَ أهلُها ... سموَّ حبابِ الماءِ حالاً على حالِ
أراد مثلَ سموِ حبابِ الماء


.


صورة مفقودة
 
باب 14 في مرض العين وغنجها

ومن حسن التشبيه في مرض العين وغنجها قول أبي نواس
ضعيفةُ كرِّ الطرفِ تحسبُ أنها ... قريبةُ عهدٍ بالإفاقةِ من سقمِ
وقال
يا غزالاً صيرَ الج ... سمَ كعينيهِ سقيما
حلَّ في جسميَ ما كا ... نَ بعينيك مقيما
وقيل أغزل بيت قالته العرب قول جرير
إنّ العيونَ التي في طرفها مرضْ ... قتلننا ثم لم يحيينَ قتلانا
يصرعنَ ذا اللبِ حتى لا حراكَ به ... وهنَّ أضعفُ خلقِ اللهِ أركانا
وقال ابن المعتز
ضعيفةٌ أجفانهُ ... والقلبُ منه حجرُ
كأنما ألحاظهُ ... من قلبهِ تعتذرُ
وقال البحتري
وكأنّ في جسمي الذي ... في ناظريك من السقمْ
وقال أيضاً
أجدُ النارَ تستعارُ من النا ... رِ وينشا من سقم عين سقمي
وقال ابن المعتز
وتجرح أحشائي بعينٍ مريضةً ... كما لانَ متنُ السيفِ والحدُّ قاطعُ
وقال الطائي
بيضٌ يدرنَ عيونهنَّ إلى الصبا ... فكأنهنَّ بها يدرن كؤوسا
وقال البحتري
وما أسكرتني الكأس حتى أعانها ... عليَّ بعينيه الغداة مديرها
وقال ماني
وكأنما نهكت قوى أجفانهِ ... بالراحِ أو شيبتْ بإغفاءِ
وقال البحتري الهزج
وفي القهوةِ أشكالْ ... منَ الساقي وألوانُ
حبابٌ مثلُ ما يضح ... كُ عنهُ وهوَ جذلانُ
وسكرٌ مثل ما أسك ... ر جفنٌ منه وسنانُ
وطعمُ الريقِ إذ جادَ ... به والصبُّ هيمانُ
لنا من كفهِ راحٌ ... ومن رياهُ ريحانُ
وقال آخر نحو هذا
هي الخمرُ في حسنٍ وكالخمرِ ريقها ... ورقةُ ذاك اللونِ في رقةِ الخمرِ
فقد جمعتْ فيه خمورٌ ثلاثةٌ ... وفي واحدٍ سكرٌ يزيدُ على السكرِ
وقال البحتري
غداةَ تثنتْ للوداعِ وسلمتْ ... بعينيِ موصولٍ بجفنيهما السحرُ
توهمتها ألوى بأجفانها الكرى ... كرى النومِ أو مالت بأعطافها الخمرُ
وقال ذو الرمة
وعينانِ قال اللهُ كونا فكانتا ... فعولانِ بالألبابِ ما تفعلُ الخمرُ
وقال البحتري
تحسبهُ نشوانَ إما رنا ... للفتر من أجفانهِ وهو صاحْ
وشبهوا العينَ بالنرجس فقال ابن الرومي المتقارب
وأحسنُ ما في الوجوهِ العيونُ ... وأشبهُ شيءٍ بها النرجسُ
وقال أيضاً المنسرح
كأنَّ تلكَ الدموعَ قطرُ ندًى ... يسقطُ من نرجسٍ على وردِ
وقال أحدُ الظرفاء
شادنٌ خدهُ وعي ... ناهُ وردي ونرجسي
إنْ يجدْ لي بخمرِ في ... هِ فقد تمَّ مجلس
وقال ابن المعتز
وسنانُ قد خدع النعاسُ جفونهُ ... فحكى بمقلتهِ ذبولَ النرجسِ
ويشبهون العين في تلونها بعين الغزال وهذا تشبيه قديم كقول ذي الرمة
يذكرني ميَّا من الظبي عينهُ ... مراراً وفاها الأقحوانُ المنورُ
وقال ابن الرقاعِ العاملي
وكأنها وسطَ النساء أعارها ... عينيهِ أحورُ من جاذرِ جاسمِ
وسنانُ أقصدهُ النعاسُ فرنقتْ ... في عينهِ سنةٌ وليسَ بنائمِ
وقال ذو الرمة
إذا أعرضت ب أدماءُ عوهجٌ ... لنا قلتُ هذى عينُ ميٍّ وجيدها
وإنما يشبهون الجيد بجيد الغزال في جيده وحسن نصته كما قال أبو تمام الطائي المنسرح
كالخوطِ في القدِّ والغزالةِ في البهجةِ وابن الغزالِ في غيدهْ
وما حكاهُ ولا نعيمَ لهُ ... في جيدهِ بلْ حكاهُ في جيدهْ
وقال أبو نواس
أعورُ المقلة منْ غيرِ دعجْ ... لوْ عداهُ أعورُ العينِ انسمجْ
تحسبُ النكتةَ في ناظرهِ ... درةً بيضاءَ في فصِ سبجْ
وقال ابن المعذل المديد
أشتهي في المقلة القبلا ... لا كثيراً يشبهُ الحولا
واحمرارَ الخدِ من خجلٍ ... إنني أستحسنُ الخجلا
 
باب 15 في
الوجه وضيائه

ومن التشبيهات القديمة في الوجه وضيائه قول طرفة
ووجهٌ كأنَّ الشمسَ حلتْ رداءها ... عليه نقيًّ اللونِ لم يتخددِ
حلت بسطتْ وأحلهُ من الحل ضدَّ العقد وقال ابن الرومي
كأنما غنتْ لشمسِ الضحى ... فألبستها حسنها خلعهْ
وقال زهير في هرم
لو كنتَ من شيءٍ سوى بشرٍ ... كنتَ المنورَ ليلةَ البدرِ
وقال قيس بن الخطيم
كان المنى بلقائها فلقيتها ... فلهوتُ من لهوِ امرئٍ مكذوبِ
فرأيتُ مثل الشمسِ عندَ طلوعها ... في الحسنِ أو كدنوها لغروبِ
أي في وقتين يمكن النظر إلى الشمس فيهما وقال النمر بن تولب
فصدت كأنَّ الشمس تحتَ قناعها ... بدا حاجبٌ منها وضنتْ بحاجبِ
أراد أنها أعرضت بوجهها للغضب وقال أبو نواس نحوه
يا قمراً للنصفِ من شهرهِ ... أبدى ضياءً لثمانٍ بقين
وقال بشار في امرأةٍ أعرضتْ
ضنت بخدٍ وجلتْ عن خدِ ... ثمَّ انثنتْ كالنفسِ المرتدِ
ومن أحسن ما قيل في حمد الإعراض قول ابن الرومي
ما ساءني إعراضهُ ... عني ولكنْ سرني
سالفتاهُ عوضٌ ... من كلِّ شيءٍ حسنِ
ما قلتُ إنْ قدْ عقني ... بالصدِّ إلا برني
بدلني من حسنٍ ... حسناً فماذا ضرني
وقال أبو نواس
تتيهُ الشمسُ والقمرُ المنيرُ ... إذا قلنا كأنهما الأميرُ
فإنْ يك أشبها منه قليلاً ... فقد أخطاهما شبهٌ كثيرُ
لأن الشمسَ تغربُ حين تمسي ... وأنَّ البدرَ ينقصهُ المسيرُ
ونورُ محمدٍ أبداً تمامٌ ... على وضحِ الطريقةِ لا يحورُ
وقال علي بن الجهم
يا بدرُ كيفَ صنعتَ بالبدرِ ... أفضحتهُ من حيث لا يدري
الدهرُ أنتَ بأسرهِ قمرهْ ... ولذاكَ ليلتهُ من الشهرِ
وقال آخر
إذا أعتُبها شبهتها البدرَ طالعاً ... وحسبك من عيبٍ لها شبهُ البدرِ
وقال علي بن الجهم وذكر نساء
وقلنَ لنا نحنُ الأهلةُ إنما ... نضيءُ لمن يسري بليلٍ ولا نقري
لا بذلَ إلا ما تزودَ ناظرٌ ... ولا وصلَ إلا بالخيالِ الذي يسري
وقال أبو عثمان الناجم نحو ذلك
طالبتُ من شردَ نومي وذعرْ ... وكحلَ العينَ بملمولِ السهر
بقبلةٍ تحسنُ في القلب الأثر ... فقال لي مستعجلاً وما انتظرْ
ليس لغيرِ العينِ حظٌّ في القمر
وقال ابن المسيب الكاتب
ومعذراً أبصرتهُ ... يهتزُّ كالغصنِ الرطيبِ
ضاهى بنبتِ الشعرِ ما ... في البدرِ منْ تلكَ الندوبِ
للهِ ما أهدتهُ أع ... ينُ ناظريهِ إلى القلوبِ
منْ ذي دلالٍ ناعمٍ ... ما شئتَ من حسنٍ وطيبِ
نهبتهُ أبصارُ الرجا ... لِ فلم يكنْ نزراً نصيبِ
لكنْ دفعتُ إلى التل ... ذذ حين أسرعَ للمغيبِ
وكأنه بدر الدج ... نةِ حين أصغى للغروبِ
شبهتهُ بالبدرِ في ال ... حالينِ تشبيهَ المصيبِ
أعجبْ بذلك لو أطا ... عَ الغمز باللحظ المريبِ
فظفرت بالقمر الني ... رِ على قضيبٍ في كثيبِ
وعلوتُ منبرةً بره ... زٍ مثل ترجيع الخطيبِ
وأضفتُ ذاك إلى نخيرٍ مثل تشقيقِ الجيوبِ
قد كان ذلك ممكناً ... لكن دفعتُ إلى الكروبِ
ومما يدخل في هذه الجملة من صفات النساء قول امرئ القيس
يضيءُ الفراشَ وجهها لضجيعها ... كمصباحِ زيتٍ في قناديلِ ذبالِ
كأنّ على لباتها جمرَ مصطلٍ ... أصابَ غضى جزلاً وكفَّ بأجذالِ
ضوء الزيت أنورُ من غيره وأقل دخاناً وعلى ذلك قول النابغة الجعدي في امرأة المتقارب
أضاءتْ لنا النارُ وجهاً أغ ... رَّ ملتبساً بالفؤادِ التباسا
تضيءُ كمثلِ سراجِ السلي ... طِ لم يجعلِ الله فيه نحاسا
وقال عبد بني الحسحاس
كأنَّ الثريا علقتْ فوق َ نحرها ... وجمرَ غضًى هبتْ له الريحُ ذاكيا
إذا اندفعتْ في ريطةٍ وخميصةٍ ... ولاثتْ بأعلى الرأس برداً يمانيا
أرتك غداةَ البينِ كفاً ومعصماً ... ووجهاً كدينارِ الأغرةِ صافيا
وقال قيس بن الخطيم
وجيدٍ كجيد الرئمِ صافٍ يزينهُ ... توقدُ ياقوتٍ وفصلُ زبرجد
كأنَّ الثريا فوق ثغرةِ نحرها ... توقدُ في الظلماءِ أيَّ توقدِ
ومثل ذلك كثير في كلامهم ويكفي هذا الأنموذج منه وقال عبد الصمد بن المعذل في النساء
وهتكنَ ثنيَ الليلِ عن ... بيضِ السوالفِ والصفاحِ
فكأنما ضحكتْ سجو ... فُ الليل عن بيضِ الأداحي
وقال امرؤ القيس
إذا ما استحمتْ كان فضلُ حميمها ... على متنتيها كالجمانِ لدى الجاني
وقال آخر نحوه المتقارب
كأنَّ الحميم على متنها ... إذا اغترفتهُ باطاسها
جمانُ يجولُ على فضةٍ ... جلتهُ حدائدُ دواسها
وقال آخر
جردهُ الحمامُ عن فضهْ ... كشفَ منه عكناً بضهْ
كأنما الماءُ على جسمهِ ... نملٌ على سوسنةٍ غضهْ
وقال النابغة
سقط النصيفُ ولم تردْ إسقاطهُ ... فتناولتهُ واتقتنا باليدِ
بمخضبٍ رخصٍ كأنّ بنانهُ ... عنمٌ على أغصانهِ لم يعقدِ
نظرت إليك بحاجةٍ لم تقضها ... نظرَ السقيمِ إلى وجوهِ العودِ
زعمَ الهمامُ بأنّ فاها باردٌ ... عذبٌ إذا قبلتهُ قلتَ ازددِ
وإذا طعنتَ طعنتَ في مستهدفٍ ... رابى المجسةِ بالعبير مقرمدِ
وإذا نزعتَ نزعتَ عن مستحصفٍ ... نزعَ الحزورِ بالرشاءِ المحصدِ
وفي هذا المعنى ما ذكر في القصيدة التي لم ينسج على منوالها المشهورة بأنها يتيمة وقيل هي لزوبعة الملحى التي أولها
هل بالطولِ لسائلٍ ردُّ ... أم هل لها بتكلمٍ عهدُ
إلى أن قال
ولها هنٌ رابٍ مجستهُ ... ضيقٌ مسالكهُ به وقدُ
وإذا طعنتَ طعنتَ في لبدٍ ... وإذا نزعتَ يكادُ ينسدُّ
وأخذ ابن الرومي هذا المعنى فقال حيث وصف جارية الهاشمي بطيب الريق وضيق الفرج المنسرح
وصفتُ فاها الذي هويتُ على ال ... رغمِ ولم يختبرْ ولم يذقِ
إلا بأخبارك التي وقعت ... منك إلينا عن ظبية البرقِ
يفترُّ ذاك السوادُ عن يققٍ ... من ثغرها كاللآلئ القلقِ
كأنها والمزاحُ يضحكها ... ليلٌ تفرى دجاه فلقِ
لها حرٌ تستعيرُ وقدتهُ ... من قلبِ صبٍ وصدرِ ذي حنقِ
كأنما حرهُ لخابره ... ما ألهبتْ في حشاهُ من حرقِ
يزدادُ ضيقاُ على المراسِ كما ... تزدادُ ضيقاً أنشوطةُ الوهقِ
وقال أيضاً
يا شبيهَ البدرِ في الحس ... نِ وفي بعدِ المثالِ
جدْ فقد تنفجرُ الصخ ... رةُ بالماء الزلالِ
وفي هذا المعنى لما فيه للرومي من أولِ قصيدة
صادَ القلوبَ بمقلةٍ وسنا ... وسبى العقول هلعةً وسنا
وأتى بأزرق ثوبهِ متوشحاً ... فكأنه بدرٌ بدا بسما
وقال ابن المعتز في غلام عليه ديباجٌ جرميٌّ
وبنفسجيُّ الثوبِ قت ... لُ محبهِ من دائهِ
الآنَ صرتَ البدْرَ إذْ ... ألبستَ لونَ سمائهِ
وقال أبو عثمان الناجم في هذا المعنى
ما تعدتْ قتولُ إنْ ألفتْ زي ... اً شبيهاً بوجهها ذي البهاء
لبستْ أزرقاً فجاءتْ بوجهٍ ... يشبهُ البدرَ في أديمِ السماء
وقال جرير
ما استوصفتَ الناسُ من شيءٍ يروقهمُ ... إلا رأوا أم نوحٍ فوقَ ما وصفوا
وقال
كأنها مزنةٌ غراءُ لائحةٌ ... أو درةٌ ما يوارِي لونها الصدفُ
وقال ابن الرومي في نساءٍ
تواضعَ البدرُ إذْ ألبسنَ فاخرةً ... فكنَّ دراً وكان الدرُّ أصدافا
وقال البحتري في نساء
إذا نضونَ شفوفَ الريطِ آونةً ... قشرنَ عن لؤلؤِ البحرينِ أصدافا

.../...
 
باب 16 في
مشي النساء

ومن حسن التشبيه في مشي النساء قول القائل
شبهتُ مشيتها بمشية ظافرٍ ... يختالُ بينَ أسنةٍ وسيوفِ
صلفٍ تناهت نفسهُ في نفسهِ ... لما انثنى بسنانهِ المرعوفِ

وقال الأعشى
كأن مشيتها من بيت جارتها ... مرُّ السحابةِ لا ريثْ ولا عجلُ
غراءُ فراءُ مصقولٌ عوارضُها ... تمشي الهوينَى كما يمشي الوجى الوجلُ

وقال ابن مقبل
يهززنَ للمشيِ أوصالاً منعمةً ... هزَّ الجنوبِ معاً عيدانَ يبرينا
أو كاهتزازِ ردينيٍّ تداولهُ ... أيدي التجارِ فزادوا متنهُ لينا
يمشينَ هيلَ النقَى مالتْ جوانبهُ ... ينهالُ حيناً وينهاهُ الثرى حينا

وقال ابن الرومي
قضيتُ ذلك من قولي إلى قمرٍ ... يلهو بمكتحلٍ طوراً ومختضبِ
جاءتْ تدافعُ في وشيٍ لها حسنٍ ... تدافعَ الماء في وشيٍ من الحببِ

ومثله قول امرئ القيس
سموتُ إليها بعدَ ما نامَ أهلها ... سمو حباب الماء حالاً على حالِ

وقال الطرماح يمدح
سما للعلى من جانبيها كليهما ... سمو حبابِ الماءِ جاشت غواربه

وقال ابن أبي ربيعة
وخفض عني الصوتُ أقبلتُ مشيةَ الحبابِ وركني خيفةَ القومِ أزورُ

وقال آخر
ما لك لا تذكرُ أو تزورُ ... بيضاء بين حاجبيها نورُ
تمشي كما يطردُ الغدير

وقال أشجع
وماجتْ كموجِ الماءِ بينَ ثيابها ... يميلُ به شطرٌ ويعدلهُ شطرُ
إذا وصفتْ ما فوقَ مجرى وشاحها ... غلائلها ردتْ شهادتها الأزرُ

وقال آخر المنسرح
تمشي هوينا إذا مشتْ فضلاً ... مشى النزيف المخمورِ في صعدِ
تظلُّ من زورِ بيتِ جارتها ... واضعةً كفها على الكبدِ

وقال المنخل اليشكري
ولقدْ دخلتُ على الفتا ... ةِ الخدرَ في اليومِ المطيرِ
دافعتها فتدافعتْ ... مشىَ القطاةِ إلى الغديرِ
ولثمتها فتنفستْ ... كتنفسِ الظبيِ الغريرِ

وقال الحارث بن حلزة
خرجتْ تجاسرُ في ثلاثٍ كالدمى ... مشيَ النعاجِ بزاهرٍ حوذانهُ
كالعذْقِ زعزعهُ رياحٌ حرجفٌ ... واهتزَّ بعدَ فروهِ قنوانهُ

وقال عمر بن أبي ربيعة المنسرح
أبصرتها ليلةً ونسوتها ... يمشينَ بينَ المقامِ والحجر
يرفلنَ في الريطِ والبرودِ كما ... يمشي الهوينى جآذرُ البقرِ

وقال ابن الأحنف
شمسٌ مقدرةٌ في خلقِ جاريةٍ ... كأنما كشحها طيُّ الطواميرِ
كأنها حين تمشي في وصائفها ... تخطو على البيضِ أو خضرِ القواريرِ


.../...
 
باب 17 في
الشعر


ومن حسن التشبيه في الشعر قول بكر بن النطاح
بيضاءُ تسحبُ من قيامٍ فرعها ... وتغيبُ فيه وهو جثلٌ أسحمُ
فكأنها فيه نهارٌ ساطعٌ ... وكأنه ليلٌ عليها مظلمُ

وقال المنسرح
وفاحمٍ واردٍ يقبلُ مم ... شاهُ إذا اختالَ مرسلاً غدرهْ
أقبلَ كالليل من مفارقهِ ... منحدراً لا يذمُّ منحدره
حتى تناهى إلى مواطنهِ ... يلثمُ من كلِ موطئٍ عفرهْ
كأنه عاشقٌ دنا شغفاً ... حتى قضى من حبيبهِ وطرهْ

وقال ذو الرمة
وتدني على المتنينِ وحفاً كأنه ... عناقيدُ يهويها شنوءةُ أو قسرُ

وقال الفرزدق
إذا وضعت عنها الجلابيبَ وارتدتْ ... من الفرعِ ميَّ لا يكادُ يصورها

وقال مسلم بن الوليد
أجدكِ ما تدرينَ أن ربَّ ليلةٍ ... كأنّ دجاها من قرونكِ تنشرُ
نصبتُ لها حتى تجلتْ بغرةٍ ... كغرةِ يحيى حين يذكرُ جعفرُ

وقال آخر وهو ابن المعتز المجتث
بدرٌ وليلٌ وغصنٌ ... وجهٌ وشعرٌ وقدُ
خمرٌ ودرٌّ ووردٌ ... ريقٌ وثغرٌ وخدُّ

وقال ابن المعتز
سقتني في ليلٍ شبيهٍ بشعرها ... شبيهةَ خديها بغيرِ رقيبِ
فأمسيتُ في ليلينِ بالشعرِ والدجى ... وشمسين من خمرٍ ووجهِ حبيبِ
 
باب 18 في
الريق والثغر

ومن حسن التشبيه في الريق والثغر قول امرئ القيس المتقارب
كأنّ المدامَ وصوبَ الغمامِ ... وريحَ الخزامَى ونشرَ القطر
يعلُّ به بردُ أنيابها ... إذا طربَ الطائرُ المستحر
وإنما عنى بذلك وقت السحر لأن الأفواه تتغير في الليل لانضمامها وانطباقها وعلى ذلك قول ابن الرومي
وما تعتريها آفةٌ بشريةٌ ... من النومِ إلا أنها تتخصرُ
كذلك أنفاسُ الرياضِ بسحرةٍ ... تطيبُ وأنفاسُ الأنامِ تغيرُ
ومثل ذلك قول عبيد ويروى لأوس بن حجر
كأنَّ ريقتها بعدَ الكرى اغتبقتْ ... من ماءِ أدكنَ في الحانوتِ نضاحِ [جزء / صفحة]
أو من مشعشعةٍ كالمسكِ نشرتُها ... أو من أنابيب رمانٍ وتفاحِ
ومثله قول زهير
كأنّ ريقتها بعدَ الكرى اغتبقتْ ... من طيبِ الراحِ لما يعدُ أن عتقا
ومثل ذلك كثير جداً وقال ابن الرومي
ألا ربما سوتُ الغيور وساءني ... وبات كلانا من أخيهِ على وحرِ
وقبلتُ أفواهاً عذاباً كأنها ... ينابيعُ خمرٍ حصبتْ لؤلؤَ البحرِ
وقال أيضاً
تعلكَ ريقاً يطردُ النومَ بردهُ ... ويشفي القلوبَ الحائماتِ الصواديا
وهل ثغبْ حصباؤهُ مثلُ ثغرها ... يصادفُ إلا طيبَ الطعمِ صافيا
وقال أيضاً
يا ربَّ ريقٍ باتَ بدرُ الدجى ... يمجهُ بين ثناياكا
يروِي ولا ينهاكَ عن شربهِ ... والماءُ يرويكَ وينهاكا
وقال ابن المعتز
بأبي حبيبٌ كنتُ أعهدهُ ... لي واصلاً فازورَّ جانبهُ
عبقُ الكلامِ بمسكةٍ نفحتْ ... من فيهِ ترضي من يعاتبه


تشبيه الثغر

وجمع البحتري كل ما شبهَ به الثغر في بيت فقال
كأنما يضحك عن لؤلؤٍ ... أو فضةٍ أو بردٍ أو أقاح
وقال السمهري في حسن الثغر
وبيضاءَ مكسالٍ لعوبٍ خريدةٍ ... لذيذٌ لدى الليلِ التمامِ شمامها
كأن وميض البرقِ بيني وبينها ... إذا حانَ من بعضِ البيوتِ ابتسامها
وقال النابغة
تجلو بقادمتيْ حمامةِ أيكةٍ ... برداً أسفَّ لثاتهُ بالإثمدِ
كالأقحوانِ غداةَ غبِ سمائهِ ... جفتْ أعاليهِ وأسفلهُ ندِ
ويستحبُّ من لون اللثة أن تضرب إلى السواد وقال جرير
تجري السواكَ على أغر كأنه ... بردٌ تحدرُ من متون غمامِ
وقال جرير
وأشنبَ صافٍ تعلمُ النفسُ أنهُ ... وإنْ لم يذق حمشُ اللثاتِ عذابُ
الشنب رقة الأسنانِ والحمش الضامر وكذا ينعت من اللثة ضمورها وقال آخر مثله
كأنّ على أنيابها الخمر شابهُ ... بماء الندى من آخرِ الليل غابقُ
وما ذقتهُ إلا بعيني تفرساً ... كما شيمَ في أعلى السحابةِ بارقُ
ومثله قول عمارة
كأنَّ على أنيابها مبعث الكرى ... وقيعةَ برديٍّ تهللُ في ثغبِ
تأملُ عينٌ لا تقيلُ إذا رأتْ ... وقلب وما أنباكَ أشعرُ من قلبِ
وقال شقيق بن سليك
وتبسمُ عن ألمَي اللثاتِ مفلجٍ ... خليقِ الثنايا بالعذوبةِ والبردِ
وقال بشار
يا طيبَ الناسِ ريقاً غيرَ مختبرٍ ... إلا شهادةَ أطرافِ المساويكِ
تمامه ما يأتي
قد زرتنا مرةً في الدهرِ واحدةً ... ثنى ولا تجعليها بيضةَ الديكِ
وقال ابن الرومي
وما ذقتهُ إلا بشيمِ ابتسامها ... وكم منظرٍ ينبيك عن طيبِ مخبرِ
وقال الطائي في مثل هذا الظن
تعطيك منطقها فتعلمُ أنه ... بجنَى عذوبتهِ يمر بثغرها
وقال العطوي
ذاتُ خدينِ ناعمين ضنينينِ بما فيهما من التفاحِ
وثنايا وريقةٍ وغديرٍ ... من عقارٍ وروضةٍ من أقاحِ
وقال آخر
وتبسمُ عن سمطي لآلٍ فصولها ... شوائبُ ياقوتٍ يقاربُهُ خمرُ
 
باب 19 في
حديث النساء

ومن حسن التشبيه في حديث النساء قول ذي الرمة
حديثْ كطعمِ الشهدِ حلوٌ صدورهُ ... وأعجازهُ الخطبانُ دونَ المحارمِ

وقال الأخطلُ
وقد أحادثُ ليلى وهيَ لاهيةٌ ... تساقطَ الحليِ حاجاتي وأسراري

وقال أبو دهبلٍ الجمحي
وترى لها دلاً إذا نطقتْ ... تركتْ بناتِ فؤادِهِ صعرا
كتساقطِ الرطبِ الجني من ال ... أفنانِ لا نثرا ولا نترا

ونحوه قول ابن أحمد
تضع الحديث على مواضعهِ ... وحديثها من بعدُ ذو تزرِ

وقال الشماخ
بيضاءُ لا يجتوي الجيرانُ طلعتها ... ولا يسلُّ بفيها سيفهُ القيلُ

وقال ذو الرمة
ونلنا سقاطاً من حديثٍ كأنه ... جنى النحلِ ممزوجاً بماء الوقائعِ

وأنشدنا ثعلبٌ لأبي العميثل
لقيتُ ابنةَ السهمي زينبَ عن عفرِ ... ونحنُ حرامٌ مسيَ عاشرةِ العشرِ
فكلمتها ثنتينِ كالثلجِ منهما ... وأخرى على لوحٍ أحرُّ من الجمرِ

إحداهما الالتقاء والأخرى الوداع وقال آخر وهو الشماخ
وأعجلنا وشك الفراقِ وبيننا ... حديث كتنفيسِ المريضينِ مزعجُ
حديثٌ لو أن اللحمَ يصلى بحرهِ ... غريضا أتى أصحابهُ وهو منضجُ

ونحوه قول الآخر
تقولُ لي وهي تخفُّ الهودجا ... قولاً جميلاً حسناً سملجا
لو طبخَ اللحم به لأنضجا

وقال ابن أبي ربيعة
وإنا ليجري بيننا حين نلتقي ... حديث له وشيٌ كوشي المطارفِ
حديث كوقعِ القطرِ بالمحل يشتفي ... بهِ من جوًى في داخلِ القلبِ لاطفُ

وأنشدنا المبرد
وحديثها كالقطرِ يسمعه ... راعي سنينَ تتابعتْ جدبا
فأصاخَ يرجو أن يكونَ حياً ... ويقول من فرحٍ أيا ربا

وقال القطامي
فهنّ ينبذنَ من قولٍ يصبنَ به ... مواقعَ الماءِ من ذي الغلة الصادي

وقال بشار
وكأنّ رجعَ حديثا ... قطعُ الرياضِ كسينَ زهرا
وكأنّ تحتَ لسانها ... هاروتَ ينفثُ فيه سحرا

وقال الطائي
كادت لعرفانِ النوى ألفاظها ... من رقةِ الشكوى تكونُ دموعا
 
باب 20 في
ثقل العجيزة

وقال آخر في ثقل العجيزة
تمشي فتثقلها روادفها ... فكأنها تمشي إلى خلفِ

ومثله قول الآخر
مجدولةُ الأعلى كثيبٌ نصفها ... إذا مشتْ أقعدها ما خلفها

وأفرط المومل في صفة العجز فقال
من رأى مثل حبتي ... تشبهُ البدرَ إذا بدا
تدخلُ اليومَ ثم تدْ ... خلُ أردافُها غدا

ومن حسن التشبيه في ذلك قول أبي نخيلة
كأنّ منها حين تثني المنطقا ... حقفيْ نقاً مالا على حقفيْ نقا

وقال ذو الرمة
ورملٍ كأوراكِ العذارى قطعتهُ ... وقد جللتهُ المظلماتُ الحنادسُ

وهذا من التشبيه المقلوب لأنهم يقولون كأن عجزيها كثيبا رملٍ كما قال بعضهم
وبيضٍ نضيراتِ الوجوهِ كأنما ... تأزرنَ دونَ الأزرِ رملاتِ عالجِ

وقال التمار المنسرح
آخرها متعبٌ لأولها ... فبعضها جائرٌ على بعضِ

أخذا هذا المعنى عبد الوهاب السندوبي فقال
قام فكادتْ لينُ أعطافهِ ... تقصفها الأردافُ من نهضهِ
وكيفَ يرجو الغيرَ إنصافهُ ... وبعضهُ جارَ على بعضهِ

وقال الحارث بن خالد
تنوء تثقلها روادفها ... فعلَ الضعيفِ ينوءُ بالوسقِ

ومن حر الكلام في هذا الباب قول البحتري
رددنَ ما خففتْ منه الخصورُ إلى ... ما في المآزرِ فاستثقلنَ أردافا

وقال آخر
عظمتْ روادفها فآذتْ خصرها ... ووشاحها قلقٌ كقلبِ المغرمِ

وضمور الكشحِ وجولان الوشاح عندهم مستحسن وقال الطائي في ذلك
من الهيفِ لو أنَّ الخلاخلَ صيرتْ ... لها وضحاً جالتْ عليها الخلاخلُ

وقال الناجمُ في مقلوب هذا يهجو قينةً
حجولها الدهرَ في اصطخابِ ... وشحها كظمٌ صموتُ

وقال ابن الرومي وذكر نساء
وإذا لبسنَ خلاخلاً ... كذبنَ أسماء الخلاخلْ
يأبَى تخلخلهنَّ أسوقَ مرجحناتٍ يخادلْ

وقال خالد بن يزيد بن معاوية
تجول خلاخيلُ النساءِ ولا أرى ... لرملةَ خلخالاً يجولُ ولا قلبا

وقال عبيد الله بن عبيد الله
سلمى وما سلمى تفوقُ المنى ... والحسنَ أوصافاً وألوانا
وشاحها يحسدُ خلخالها ... كجائعٍ يحسدُ شبعانا

وقال ابن الرومي
مرادُ عينيك منه بين شمسِ ضحى ... وناعمٍ من غصونِ البانِ ريانِ
خفتْ أعاليهِ والتفتْ أسافلهُ ... كأنما صاغَ نصفيهِ لنا بانِ

وله
وهبتْ له عيني الهجوعا ... فأثابها منه الدموعا
ظبيٌ كأنَّ بخصرهِ ... من ضمرهِ ظمأٌ وجوعا
 
باب 21 في
الثدي


ومن التشبيه الحسن في الثدي قول عمرو بن كلثوم
وثدياً مثل حقِ العاجِ رخصاً ... حصاناً من أكفِ اللامسينا

وقال الحسن بن التختاخ في ثديين
أو كأنصافِ حقتين من العا ... جِ لقد أشبهتْ حقاً ثديا

وقال بشار
والثديُ تحسبه وسنانُ أو كسلا ... وقد تمايل ميلاً غير منكسرِ

وقال القلاخ
كأنّ لونَ البيضِ في الأدحِيّ ... لونكَ إلا صفرةَ الجادي
قبُّ الكلى معقدُ الثدي

وقال ابن الرومي
صدور فوقهنَّ حقاقُ عاجٍ ... ودرٌ زانهُ حسنُ اتساق
يقولُ القائلون إذا رأوهُ ... أهذا الدر من هذي الحقاقِ

وهذا مأخوذ من قول عبد الله بن أبي السمط بن مروان في كلمة له المتقارب
كأن الثديَّ إذا ما بدتْ ... وزانَ العقودُ بهن النحورا
حقاقٌ من العاجِ مكنونةٌ ... يسعنَ من الدرِ شيئاً كثيرا

وله على لسان رجل يقال له حمدان بن سالم
وثديٍ نواهدٍ ... كزوايا القماطرِ

وقال علي بن الجهم وإنْ لم يكن فيه تشبيه
كنتُ مشتاقاً وما يحجزني ... عنكِ إلا حاجزٌ يمنعني
شاخصٌ في الصدرِ غضبانٌ على ... قببِ البطنِ وطيِّ العكنِ
يملأُ الكفَّ ولا يفصلها ... فإذا ثنيتهُ لا ينثني

وقال ابن الرومي في قيانٍ
ملقماتٌ أطفالهنَّ ثدياً ... ناهداتٍ كأحسنِ الرمانِ
مفعماتٌ كأنها حافلاتٌ ... وهي صفرٌ من درةِ الألبانِ


.
 
باب 22 في
القيان

ومن حسن التشبيه في قينةٍ قول بعضهم وهون عكاشة
من كفِّ جاريةٍ كأنَّ بنانها ... من فضةٍ قد طرفتْ عنابا
وكأنّ يمناها إذا نطقتْ بها ... تلقى على يدها الشمالِ حسابا

ومثل البيت الأول لأبي نواس
يا قمراً أبررهُ مأتمٌ ... يندبُ شجواً بين أترابِ
يبكي فيذرِي الدرَ من عينهِ ... ويلطمُ الوردَ بعنابِ

ومما يجمع حسن التشبيه وقرب الاستعارة قول ابن الرومي يصف مغنيات
وقيانٍ كأنها أمهاتٌ ... عاطفاتٌ على بنيها حواني
مطفلاتٌ وما حملنَ جنيناً ... مرضعاتٌ ولسن ذاتَ لبانِ
ملقماتٌ أطفالهنَّ ثدياً ... ناهداتٍ كأحسنِ الرمانِ
مفعماتٌ كأنها حافلاتٌ ... وهيَ صفرٌ من درةِ الألبانِ
كل طفلٍ يدعَى بأسماء شتى ... بينَ عودٍ ومزهرٍ وكرانِ
أمه دهرها تترجمُ عنه ... وهوَ بادي الغنى عن الترجمانِ
أوتِي الحكمَ والبيانَ صبياً ... مثل عيسى بن مريم ذي الجنان

وأنشد الطائي
فكأنه في حجرها ولدٌ لها ... ضمتهُ بين ترائبٍ ولبانِ
طوراً تدغدغُ بطنهُ فإذا هفا ... عركتْ له أذناً من الآذانِ

وقال الناجم في قينةٍ المتقارب
إذا احتضنتْ عودها عاتب ... وناغتهُ أحسنَ أن يعربا
تدغدغُ في مهلٍ بطنهُ ... فيحضرنا ضحكاً معجبا
وتعرك من أذنهِ إن هفا ... وفي الحقِ تأديبُ من أذنبا
وقد أدبَ الناسُ أمثالهُ ... ولكنه رأس من أدبا

وقال الحمدوني في تشبيه العود
وناطقٍ بلسانٍ لا ضمير له ... كأنه فخذ نيطتْ إلى قدمِ
يبدي ضميرَ سواهُ في الحديثِ كما ... يبدي ضميرَ سواه الخطُّ بالقلبِ

وقال آخر
كأنّ تمثالهُ ساقٌ على قدمٍ ... نيطتْ إلى فخذٍ بانت عن الكفلِ
آذانهُ منه قد جمعنَ أربعةً ... تجيبُ أربعةً في كفِ معتملِ
فذا أغنُّ وهذا فيه زمزمةٌ ... وذاك صافٍ وهذا فيه كالصحلِ

وقال أبو ملك الأعرج في صفة العود
ومعملةٍ نواطق من كرانِ ... بمشقوقٍ من البيضِ الرقاقِ
له عينانِ تحتَ النحرِ منه ... حكتْ إحداهما قمرَ المحاقِ
إذا غنتْ قديماً أو حديثاً ... فما للجيبِ من كفيكَ واقِ

وقال أحمد بن يوسف المتقارب
دَعِ العودَ عنا فما أصلقهْ ... وعدِّ إلى القصفِ والزفزفةْ
بأبلجَ كالبدرِ في خدهِ ... إذا كان في مجلسٍ أرجفهْ
فعارضهُ ابن أبي عون الكاتب فقال المتقارب
ألا قبحَ الدفُّ ما أسخفهْ ... وواهاً على العودِ ما أشرفهْ
مرابضهُ من نحورِ القيانِ ... إلى حدِّ أفخاذها المترفهْ
وتلعبُ في عقد أوتارهِ ... أناملُ مصقولةٌ مرهفهْ
كجسِ النطاسي نبضَ العروقِ ... لعلمِ الصحيحة والمدنفه
تناجيك بالصوتِ أوتارهُ ... فتوفيكَ ألسنها أحرفهْ

ومثل ذلك قول الناجم في قينةٍ المتقارب
لقد جادَ من عاتبٍ ضربها ... وزادَ كما جاء تغريدها
إذا نوتِ الصوتَ قبلَ الغنا ... ءِ أنشدنا شعرها عودها

وقال في زامرة
ما حضرتنا قتولُ غلا ... أذكتْ بتطرابها جوانا
تصدحُ بالصوتِ قيل يأتي ... كأنّ في نايها لسانا

ومن حسن الاستعارة قوله في قينةٍ
تأتي أغاني عاتب ... أبداً بإفراحِ النفوسِ


.
 
باب 44 في
وصف الذكر


قال ابن الرومي يصف ذكراً
كأنَّ صوت الأعجزِ المتينِ ... في طيزِ ذاتِ الكفلِ الرزينِ
صوتُ يد العجانِ في العجينِ ... أو رجلِ رهاصٍ مشى في الطينِ
أيرٌ غليظٌ في حرٍ سمين ... من غادةٍ وافرةِ المتينِ
تواضعتْ لا للتقى والدينِ ... تحتَ فتًى من قلبها مكينِ
تواضعَ البطَّةِ للشاهينِ

وقال آخر
وفيشةٍ زينٍ وليستْ فاضحهْ ... نابلةٍ طوراً وطوراً راسخهْ
كأنها صنجةُ ألفٍ راجحهْ

وقال راشد بن إسحاق يرثي ذكره
طالَ ما قمتَ كالمنارةِ تهتزُّ اهتزازاً تسمو إليه العيونُ
ربَّ يومٍ رفعتُ فيه ثيابي ... فكأنّي في مشيتي مختونُ

وقال جحشويه المنسرح
أبصرتُ ظبياً مقارناً جملاً ... يمشي بأيرٍ كأنه سمكهْ
فناكني لا عدمتُ نيكتهُ ... نيكَ الحصانِ العنيفِ للرمكهْ

وقال أبو نعامة المنسرح
كأنه والأكفُّ تلمسهُ ... عنقُ ظليمٍ بغيرِ منقارِ
أنعظَ حتى كأنَّ فقتحتهُ ... مشدودةٌ في زيارِ بيطارِ

وقالت عمرة بنت الحمادية
أنعتُ عيراً هو أيرٌ كلهُ ... حافرهُ ورأسهُ وظلهُ
أنعظَ حتى طارَ عنه جلهُ ... كأنَّ حمَّى خيبرٍ تملهُ
إدخالهُ عامٌ وعامٌ سلهُ

وقال آخر
أنعتُ أيراً من أيورِ الزطِّ ... لم ينثنِ قطُّ ولم ينحطِّ
كأنما قطَّ على مقطِّ ... كأنه صلعةُ شيخٍ قبطي

وقال آخر
وفيشةٍ جاءتْ من الحجازِ ... في رأسها داءٌ من الحزازِ
تبرقُ من نعظٍ كزرقِ البازي

وقال بيدونُ غلام ابن عمار في خلاف ذلك
فهل لك في أيرٍ فجعتُ بنصفهِ ... وبالثلثِ بعد النصفِ منه وبالعشرِ
فلم يبقَ منه غير شيءٍ كأنه ... على مثلِ زرِ البردِ من صفرِ القدرِ

ولراشد الكاتب تشبيهات في ذكرهِ منها
ينام على كفِّ الفتاةِ وتارةً ... له حركاتٌ ما تحسُّ بها الكفُّ
كما يرفعُ الفرخُ ابنُ يومين رأسهُ ... إلى أبويه ثمَّ يدركهُ الضعفُ
تطوقَ فوقَ الخصيتينِ كأنه ... رشاءٌ على رأسِ الركية ملتفُّ

وله
أيرٌ ضعيفُ المتنِ رثُّ القوى ... لو شئتُ أن أعقدهُ لانعقدْ
غنْ يمسِ كالبقلةِ في لينها ... فطالما أصبح مثل الوتد

وله
تعقفَ واستوى الطرفانِ مه ... كمثلِ الدالِ من خطِ الكتابِ

وله المتقارب
وقد كنتَ تملأ كفَّ الفتاةِ ... فأصبحتَ تدخلُ في الخاتمِ

وله
كأنه وهو مقعٍ فوق خصيتهِ ... مسافرٌ تحتهُ خرجانِ من أدمِ

وله
كأنه حين أطويه وأنشرهُ ... سيرٌ يلفُّ على دوامةِ الزيقِ
وإنْ يقمْ قلتَ قثاةٌ معقفةٌ ... أو عروةٌ ركبتْ في رأسِ إبريق
 
باب 45 مما يتصل بذلك من جهة النساء

ومما يتصل بذلك من التشبيهات في الركب ما أنشدناه أبو العباس المبرد
قلتُ لذاتِ الكعثبِ المصكِ ... ولم أكنْ من أمرها في شكِ
إذْ لبستْ برداً دقيقَ السلكِ ... وعقدَ درٍ ونظامٍ سكِ
غطِّي الذي أفتنَ قلبي منكِ ... قالت ومما ذاك فقلت حركِ
فكشفتْ عن أبيضٍ حبكِّ ... كأنهُ قعبُ نضارٍ مكٍّي
أو جبنةٌ من جبنِ بعلبك ... تسمعُ فيه الدلكَ بعد الدلكِ
مثلَ صريرِ القتبِ المنفكِ ... أو حكِّ صفارٍ شديدِ الحكِ
وقال الناجم في ذكرِ جاريةٍ
إنّ ردفَ الفتاةِ عجنةُ خبا ... زٍ وقدامها من الأدمِ جبنهُ
وقالت عمرة بنت الحمارس
يا منْ يدلُّ عزباً على عزبْ ... على ابنةِ الحمارِسِ الشيخِ الأزبّ
محطوطةِ المتنينِ خثماءِ الركبْ ... كأنَّ لحمَ كينهِ إذا انقلبْ
رمانةٌ فتتْ لمحمومٍ وصبْ
وانشد الجاحظ للفرزدق
فبتنَ بجانبيَّ مصرعاتٍ ... وبتُّ أفضُّ أغلاقَ الختامِ
كأنَّ مفالقَ الرمانِ فيها ... وجمرَ غضًى قعدنَ عليه حامِ
وقال آخر
يا ربَّ خودٍ من بناتِ الكركِ ... تمشي بجهمٍ مثلِ وجهِ التركي
وقال سحيم
أبصرتُها تميلُ كالوسنانِ ... من الظباءِ الخردِ الحسانِ
تمشي بمثلِ القدحِ الجيشاني
وقال العماني
إنِّ لأرجو من عطاء ربي ... ومن ولي العهدِ بعدَ الغبِّ
روميةٌ أولجُ فيها ضبي ... لها حرٌ مستهدفٌ كالقعبِ
متسحصفٌ نعمَ قربُ الزبِّ
وقال آخر
فقربتْ رحباً خبيثَ المفلقِ ... متى ينكهُ نائكٌ يبقبقِ
بقبقةَ الجرِ بكفِ المستقي
وقال الفرزدق في سوداء
يا ربَّ خودٍ من بناتِ الزنجِ ... تمشي بتنورٍ شديد الوهجِ
أخثم مثل القدحِ الخلنجِ
وقال أعشى سليمْ ورأى امرأته تختضب وهي سوداء
تخضبُ كفاً بتكتْ من زندها ... فتخضبُ الحناء من مسودها
كأنها والكحلُ في مرودها ... تكحلُ عينيها ببعضِ جلدها
وقال جرير في أسودَ رأى عليه ثوباً جديداً
كأنه لما بدا للناسِ ... إيرُ حمارٍ لفَّ في قرطاس
 
باب 46 في
النساء السود
ومما يتصل بذلك قول ابن الرومي في سوداء المنسرح
في لينِ سمورةٍ تخيرها ال ... فراءُ أو لين جيدِ الدلقِ
غصنٌ من الآبنوسِ ألفَ منْ ... مؤتزرٍ معجبٍ ومنتطقِ
أكسبها الحبُّ أنها صبغتْ ... صبغةَ حبِّ القلوبِ والحدقِ
فانصرفتْ نحوها الضمائرُ والْ ... أبصارُ يعنقنَ أيما عنقِ
يفترُّ ذاك السوادُ عن يققٍ ... من ثغرها كاللآلئ العتقِ
كأنها والمزاحُ يضحكها ... ليلٌ تفرَّى دجاهُ عن فلقِ
لها حرٌ تستعيرُ وقدتهُ ... من قلبِ صبٍّ وصدرِ ذي حنقِ
كأنما حرهُ لخابرهِ ... ما ألهبتْ في حشاهُ من حرقِ
يزدادُ ضيقاً على المراسِ كما ... تزدادُ ضيقاً أنشوطةُ الوهقِ
لهُ إذا ما القمدُّ خالطهُ ... أزمٌ كأخذِ الخناقِ بالعنقِ
أخلقْ بها أن تقومَ عن ذكرٍ ... كالسيفِ يفرِي مضاعفَ الحلقِ
إن جفونَ السيوفِ أكثرها ... أسودُ والجفنُ غيرُ مختلقِ
وقال آخر في السودان
مشبهاتِ الشبابِ والمسكِ تفدي ... هنَّ نفسي من الردَى والخطوبِ
كيفَ يهوَى الفتى الأريبُ وصالَ ال ... بيضِ والبيضُ مشبهاتُ المشيبِ
وقال أبو حفص الشطرنجي
أشبهكِ المسك وأشبهتهِ ... قائمةٌ في لونهِ قاعدهْ
لا شكَّ إذْ لونكما واحدٌ ... أنكما من طينةٍ واحدهْ
وقال آخر
أحبُّ النساءَ السودَ من أجلِ تكتمٍ ... ومن أجلها أحببتُ من كان أسودا
فجئنى بمثلِ المسكِ أطيبَ نفحةً ... وجئنى بمثلِ الليلِ أطيبَ مرقد
وقال آخر
وعائبٍ للأدمِ من جهلهِ ... مفضلٍ للبيضِ في محكِ
يا سفلةَ العشاقِ ما تستحي ... أنْ تجعلَ الكافور كالمسكِ
وقال أبو علي البصير
لم تشنها استحالةُ اللونِ عندي ... إنها صبغةٌ كلونِ الشباب
وقال أعرابي المنسرح
من جلدِها خفها وبرقعها ... حوراءُ في غيرِ خلقةِ الحورِ
وقال بشار وإن لم يكن فيه تشبيه في سوداء
يكونُ الخالُ في خدٍ نقيٍّ ... فيكسبهُ الملاحةَ والجمالا
ويونقهُ لأعينِ ناظريهِ ... فكيفَ إذا رأيتَ اللونَ خالا
 
باب 47 في
العناق
ومن التشبيه في العناق قول البحتري
تلكَ نعمٌ لو أنعمتْ بوصالٍ ... لشكرنا في الوصلِ إنعامَ نعمِ
نسيتْ موقفَ الجمارِ وشخصا ... نا كشخصٍ أرمى الجمارَ وترمى
وقال بكر بن خارجة
رأيتُ شخصكَ في نومي يعانقني ... كما تعانق لأمُ الكاتبِ الألفا
وقال البحتري المتقارب
ولم أنْسَ ليلتنا في العنا ... قِ لفَّ الصبا بقضيبٍ قضيبا
وقال ابن المعتز
كأنني عانقتُ ريحانةُ ... تنفستْ في ليلها الباردِ
فلوْ ترانا في قميصِ الدجى ... حسبتنا في جسدٍ واحدِ
وأحسنَ علي بن الجهم في قوله
سقى اللهُ ليلاً ضما بعد هجعةٍ ... وأدنى فؤاداً من فؤادٍ معذبِ
فبتنا جميعاً لو تراقُ زجاجةٌ ... من الخمرِ فيما بيننا لم تسربِ
وقال بشار ومنه أخذه ابن الجهم
خلوتُ بها لا يخلصُ الماءُ بيننا ... إلى الصبحِ دوني حاجبٌ وستورُ
وقال ابن الرومي
طالَ ما التفتْ إلى الصبحِ لنا ساقٌ بساقِ
في نقابٍ من لثامٍ ... وإزارٍ من عناقِ
 
أعلى