مشعل السعيد - ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد؟

ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد؟ سؤال لا يخلو من هيج من قال هذا الشطر لأن الصبا هاج فتهيج لهيجه، والهيج هنا يعني الإثارة والتذكر والشوق وتحرك الشجن في قلب الإنسان، وقد خص نجد لأن بهذا المكان من يحب ويشتاق له، أما الصبا الذي ورد في شطر هذا البيت فهي: ريح النفس تصبو إليها وتهش لها لطيب نسيمها ورقته، ثم ان الصبا يستبشر بها الناس لأنها تأتي بالسحب الممطرة التي تجعل الأرض خصبة، والصبا ريح خفيفة والبيت كاملا:

ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد

لقد زادني مسراك وجداً على وجد

وفي هذا البيت الجميل إشارة واضحة لشدة شوق صاحبه لمحبوبته والوجد فوق الوجد النهاية في الحب والحزن والتأسف على بعد من يحب خاصة إذا كانت المسافة بينهما بعيدة ورد هذا البيت ضمن قصيدة تعد من أجمل قصائد الغزل على الإطلاق وصاحب هذه الأبيات شاعر أموي العصر يقال له: ابن الدَمينة وهي أمه نسب إليها من بني سلول بن عامر ولقبه: أبو السّرى، وهو من سرّاق العرب ولصوصها، أما اسم ابن الدمينة: فهو عبدالله بن عبيد الله الخثعمي، تنقل بين الحجاز واليمن وعرف بالشجاعة والفروسية، وقد سجن هذا الشاعر لمرات عدة بسبب قطعه للطريق وفي النهاية قتل ابن الدمينة، غيلة وغدراً عام 135 هـ وكان قتله في قرية «تبالة» وهي القرية التي رفض الحجاج بن يوسف أن يتولاها استهانة بها ولعدم أهميتها في ذلك الزمان، علما بأنها حلقة وصل بين مكة المكرمة واليمن، لذلك كان يقال: أهون من تبالة على الحجاج!

وبالعودة إلى ابن الدمينة فقصيدته الدالية المشار إليها في البيت الذي أشرت إلى شطر منه في عنوان الموضوع تعد من فاخر قصائد الغزل في العصر الأموي يقول فيها:

ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد
لقد زادني مسراك وجداً على وجد
رعى الله من نجد أناسا أحبهم
فلو نقضوا عهدي حفظت لهم ودّي
سقى الله نجداً والمقيم بأرضه
سحاب غواد خاليات من الرعد
إذا هتفت ورقاء في رونق الضحى
على غصن بان أو غصون من الرند
بكيتُ كما يبكي الوليد ولم أكن
جليداً وأبديت الذي لم أكن أبدي
إذا وعدتْ زاد الهوى بانتظارها
وإن بخلت بالوعد مُتّ على الوعد
وقد زعموا أن المحب إذا دنا
يمل وأن البعد يشفي من الوجد
بكلٍ تداوينا فلم يشف ما بنا
على أن قرب الدار خيرّ من البعد
على أن قرب الدار ليس بنافع
إذا كان من تهواهُ ليس بذي ودِ

والقصيدة أكثر من ذلك وهي موجودة في ديوانه.

وقبيلة خثعم التي ينتمي إليها ابن الدمينة: أنمارية كهلانية ومن فروعها: شهران- ميمون- ناهس- كود- أكلب- الفزع- عليان، ولغتهم في الماضي الحميرية إلى جانب العربية، وقبيلة خثعم معروفة في بلادها وهي تسكن الآن محافظة «بلقرن» في منطقة عسير وصولاً إلى مركز تبالة في محافظة بيشة، وإلى هذه القبيلة تنتمي الصحابية أسماء بنت عميس، وهي زوجة جعفر الطيار ابن أبي طالب ثم تزوجت بعد استشهاده أبي بكر الصديق وبعد وفاة الصديق تزوجت علي بن أبي طالب وأنجبت من الثلاثة، ومن هذه القبيلة أيضا: سلمى بنت عميس زوجة أسد الله ورسوله: حمزة بن عبدالمطلب سيد الشهداء، ومن المشهورين أيضا: الشاعر الفارس البعيد الصيت: أنس بن مدرك الخثعمي، ومنهم أيضا: مالك بن عبدالله الخثعمي، المشهور بمالك الصوائف ظل يغزو الروم أربعين سنة منذ زمن معاوية بن أبي سفيان وحتى خلافة عبدالملك بن مروان ولما مات رحمه الله كسر على قبره أربعون لواء، وكثير من الأسماء اللامعة في التاريخ الإسلامي.

أما أنس بن مدرك الخثعمي فقد أسلم وبايع النبي، صلى الله عليه وسلم، وعمّر مئة وأربعة وخمسين سنة وكان في الجاهلية فارساً مشهوراً وهو من حكام العرب المشهورين وكانت ابنته زوجة خالد بن الوليد المخزومي.

وبالعودة إلى الشاعر ابن الدمينة فرغم أنه قاطع طريق، كما تذكر كتب التاريخ، إلا أن قصائده لا تخلو من الإيمانيات والحب العفيف والاستقامة ومن قصائده المشهورة قوله:

أقضي نهاري بالحديث وبالمنى
ويجمعني والهم بالليل جامع
لقد ثبتت بالقلب منك محبة
كما ثبتت بالراحتين الأصابع
وهو القائل وقد أبدع:
ولي كبد مقروحة من يعيرني
بها كبد ليست بذات قروح

ومن هذا البيت أخذ الشاعر العباسي العباس بن الأحنف:

من ذا يعيرك عينه تبكي بها
أرأيت عيناً للبكاء تعار

وفي الختام لا يوجد إعارة لا بالكبد ولا بالعين، وأذكركم أيها الأحبة ان لقائي بكم سيكون كل يومين مرة واحدة بالكويتي: يوم وترك.
 
أعلى