عائشة بلعربي - الاعتناء بجسد الأنثى، صيانة أم إغراء؟!!

ترتبط العناية بالجسد ارتباطاً وثيقاً بالمحيط الاجتماعي وتؤثر التربية بشكل عام على عادات وطرق التعامل مع الجسد، كيف تعتني الفتاة والزوجة الشابة وربة الأسرة بجسدها؟ وما هدفها من وراء ذلك؟ أهو الرعاية الاعتيادية والاجتماعية ضد المرض، أم الإغراء الخالص أم الاثنان معاً؟

لقد مكن تحليل العناية بالجسد والوجه والعينين خاصة وكذلك اللباس كشكل يغلف الجسد الأنثوي، تضاف إلى أبعاد طبقية وثقافة نسوية فرعية، لتضفي على كل سن وكل وضعية في الحياة الزوجية مواقف نوعية وتصورات خاصة عن المرأة وجسدها.

الجسد الأنثوي حضور مهيب وغياب متسام، تغنى به الشعراء جزء منه كان موضع وصف حي ومدح يلهب الأحاسيس والمشاعر وتعتبر الكتابة عنه بحد ذاتها ترجمة للشهوات الملازمة للجسد وللنداءات التي يثيرها.

(عطر الكلمات يلهب ثورة في الجسد) قال عنها أ. خطيب: إنها عطر منبعث من الجسد ومعبر عنه بالكلمات. (الجسد يعمل كلفة يمكن من خلالها الكلام والحديث)، لغة تترجم حقيقة المخبأ في الأعماق لأن كل حركة فيه مراقبة بإحكام ودقة. جسد فتان معترض بالكتابة، جسد لغوي، جسد ذاكرة نقرأ عبره التقاليد والطقوس، جسد ببطاقة هدية شخصية تدل على الانتماء لمجموعة لطبقة اجتماعية لنظام أو تشريع زواجي (مثله كالوشم).

الجسد نتاج اجتماعي عنصر مستهلك تخصص له معظم المواد الاستهلاكية عنصر يمكن تهذيبه وتربيته تربية تعبر عن روح الشخص الذي يحمله وأخيراً فهو عنصر يدل على الانتماء الطبقي حسب نوع العناية به وطريقة اللباس الذي يفصل وغير المجموعات الاجتماعية ومختلف أوساطها.

لقد ترسخت صورة الجسد الأنثوي بشكل واسع في تمثيلاتنا الجماعية التفكير في المرأة معناه التفكير في جسدها كاملاً أو جزءاً منه أو الإحساس ببعض أجزائه التي يمكن اعتماد مواقف وتصرفات خاصة نحوه.

الصورة المزدوجة للمرأة في الأدب المغربي هي: مرأة جنس، مرأة رحم مرأة / محبوبة ومحترمة، مرأة زوجة خائفة منطوية تعبر عن التناقض الوجداني تجاه الجسد الأنثوي، تكشف عن الخوف والسحر الفاتن اللذين يثيرهما هذا الجسد السحري، والأمان والسلام اللذان يثيرهما الجسد الأمومي.

غير أن الجسد الأنثوي لم يكن حاضراً فقط على مستوى تمثيلاتنا في خيالنا بل يعيش ويتحرك ويتنفس تطول العناية به التجميل والمحافظة عليه. إن الاغتسال والنظافة وتطهير الجسد من الوصايا الهامة في الإسلام.

والعلاقة مع الجسد مساوية للعلاقة مع الجسد الآخر. تمثيل الجسد عند الرجل أو المرأة مبني على علاقة أحدهما بالآخر أيضاً. العناية بالجسد معناه عملياً التعرف عليه كأنه شخص عضو في مجموعة.
والحقيقة، فإن الخضوع للنظم وممارسة الأدوار المعينة لا يسريان إلا على تمثيل للذات، علامة للانتماء الاجتماعي وأداة للترابط والاندماج الاجتماعيين أيضاً. لكن يحب التنويه عن ضخامة الثقل الذي يمارس على الجسد الأنثوي للحد من حريته وحبسه داخل إطار معياري ومعقلن.

كذلك فإن الاهتمامات المتعلقة بالجسد مرتبطة بشكل وثيق بالأعمار والظروف الاقتصادية والاجتماعية وتأثيرات التربية التي تحدد بشكل كبير وواضح العادات والصفات المأخوذة من الجسد والمعطاة له.
الفتاة المراهقة الخجولة المنطوية على ذاتها لا تعرف كيف تتصرف لأن أعضاءها تتطور وتنمو، فهي تخص بالتدريج العناية بجسدها إذا كانت تدرك وتعي في البدء أن جسدها كشكل متكامل منذ البداية فإنها تبدو بفهمه ومعرفته بمختلف تفاصيله تلاحظ أن لها ساقان كبيران وطفحات جلدية على الوجه (حب الشباب) ويدان قويتان وناعمتان وتبدأ بممارسة بعض الاهتمامات لتصحيح مشيتها والتحكم بنظراتها وتجعل بسماتها عملية معبرة يصبح اللباس في مقدمة متطلباتها الموضة حتى المراهقة محجوبة وممنوعة تبدأ بالنضوج ثم تغزو حياة الفتاة.

إن الاهتمام المعطى لجسد والتركيز على الذات يعبران عن إدراك الفتاة بوضعها الزواجي والاجتماعي والتعرف على جسدها كرهان أو موضوع إغراء وأنه ملكية خاصة.
الزواج يظهر إدراكاً ووعياً خاصين بالجسد لدى المرأة يميز فيه مظهره الخارجي والداخلي المرئي منه والخفي أي جسد الألفة والأنس الاتصال مع الزوج يخلق علاقة أخرى متميزة مع الجيد وتمثيل وتصور جديد له بعد حملين من الولادة وأكثر يفقد الجسد قسماً كبيراً من مرونته ورشاقته وسحر جماله وتتصرف الأمهات هنا إما بعودتهن إلى ذاتهن وأجسادهن من جديد أو ينصرفن عنه ويكرسن حياتهن للعناية بأولادهن ومنازلهن.

جسد عار مكسي بالثياب، جسد مغلق محرر، جسد معتنى به ناعم لطيف محبوب مهمل، ما هي العلاقة التي تشد المرأة إلى جسدها؟ كيف تعتني به وإلى أي مدى؟ وما الهدف من صيانته، هل من أجل تحصينه ضد الأمراض، أو استخدامه كأداة للإغراء،+ أو الاثنين معاً؟
سنعطي الكلام هنا لفتيات ونساء فتيات ومتزوجات وأمهات (ربات عائلات) ليكشفن عن علاقتهن بأجسادهن والتمثيل الذي ينقله بواسطته.

سوف نعالج في هذه الدراسة خمس نقاط رئيسية: توضيح للمفاهيم عناية إغراء أولاً ، ثم نحاول في مرحلة ثانية تحليل الاهتمامات المتعلقة بالمحافظة على نظافة الجسد الذي ينص عملياً على الاغتسال ونزع الأوبار وممارسة التمارين الرياضية وذلك حسب الانتساب للطبقة الاجتماعية والوضع العائلي (الزوجي).
وسنعالج في المسألة الثالثة الانتباه الخاص للجسد عبر العناية بالبشرة والتبرج والعناية بالشعر إضافة إلى الاهتمام الخاص بالعينين لتكون مهمتهما الرئيسية الإغراء والتعبير عن الجاذبية.
وسنعالج في المسألة الرابعة قضايا اللباس الأنثوي الداخلي والخارجي ودوره وشكله الدال إلى الطبقة الاجتماعية التي تبقى واضحة وظاهرة.
سنحاول في المسألة الخامسة وضع نموذج للجسد الأنثوي يسمح لنا بتحديد مكانة مجموعتنا السكانية الداخلة ضمن إحصائيتنا وتبيان الجسد كرهان أو محط اهتمامات الرعاية الجسدية.

طريقة البحث:
قمنا بعملية البحث الاجتماعية هذه بواسطة مجموعة من الأسئلة موجهة إلى 30 امرأة موظفة (تتقاضى أجراً) إن اختيارنا للمرأة العاملة ليس متعمداً لكن هدفنا من ذلك أن يشمل البحث المرأة التي تملك بعض التجربة في تماسها مع العالم الخارجي (خارج المنزل) نظراً لأنها تقضي جزءاً هاماً من وقتها خارج منزلها وبعيداً عن الجو العائلي. العمل هو أيضاً مكان عام لتعلم طريقة العيش: الاحتكاك مع النساء مقارنة التجارب الأمر الذي يسمح بنشوء وعي ذاتي أكثر عمقاً يدفع إلى تطلعات وطموحات تزيد عن المتطلبات العادية.
كما سمح لنا هذا الاختيار بكشف الغموض الذي يربط جسد المرأة بالفراغ المنزلي والذي يجعل من المنزل أول حجاب يستر المرأة والمكان الرئيسي الذي يمكن أن تتحرك بكل حرية.

من الواضح أيضاً أن التطور الحالي لمجتمعنا قد انتزع هذا الجسد الآمن من داخل المنزل ليدفع به إلى عالم أكثر اتساعاً، يأخذه من جو الدفء والحنان ليلقي في المجهول. إن إماطة اللثام عن الجسد وسط التنقل الحر للمرأة يعبر عن موقفين إيجابيين: إيجابي ذاتي، وإيجابي بنظر الآخرين.

النسوة الثلاثون اللواتي خضعن للبحث جرى توزيعهن حسب حالتين متغيرين: حالة الزواج (عشر عازبات ، عشر متزوجات بدون إنجاب أو إنجاب طفل واحد، عشر أمهات) وحالة المهنة (15 امرأة من ذوات المناصب العليا و15 مستخدمة).
لا يطمح عملنا الحصول على نتائج إجمالية وعامة حول المسألة، بقدر ما يهدف إلى إماطة اللثام عن أوضاع معاشة والتي تتطلب دراسة والتي تتطلب دراسة وتحليل عميقين. لقد حاولنا إحصاء المشاكل وإثارة بعض المسائل رغبة منا في تحريك ودفع الباحثين في مختلف فروع الأنشطة الحياتية.

عرض النموذج:
ذكرنا أن استقصاءنا يشمل النسوة العاملات اللواتي يحصلن على الرواتب فقط، إلا أنه في العينة التي اخترناها، أدخلنا في دراستنا ست طالبات اثنتان متزوجان تراوح أعمارهن بني 20-25 سنة، كما اخترنا سبعة عشرة امرأة من أصل ثلاثين لنجد عشر نساء عازبات وسبع متزوجات منهن اثنتان لهما طفل واحد في عامه الأول، الأمر الذي يفسر لنا ارتفاع نسبة العزوبية لدى الشابات وارتفاع سن الزواج كما جاء في إحصاء 1982 (23.8 سنة) أعمار الثلاثة عشر الآخرين يتراوح بين 30-45 سنة.

وفيما يتعلق بالعمل والنشاط المهني، فلدينا تسع نساء يشغلن مناسب عليا أو مهناً حرة. والخمسة عشر امرأة الأخرى عاملات أو خادمات منازل.
المستوى التعليمي على صلة وثيقة بالنشاط فالنسوة ذوات المناصب العالية أكملن دراساتهن العليا. أما الطالبات فقد وصلن إلى السنة الثالثة أو الرابعة في دراستهن والنساء اللواتي أقل منزلة، فيمكن إحصاء ست نساء أميات وتسع نساء دخلن المدارس: ثلاث منهن تجاوزن المرحلة الابتدائية والباقي مازال في مستوى الحلقة الأولى من الدراسة.
فيما يتعلق بعدد الأطفال في العائلة، باستثناء العازبات والنساء الثماني المتزوجات بدون أطفال، فأن النسوة الاثنى عشر الباقيات لهن طفل واحد أو أكثر من خمسة أطفال، منهن ثمان لهن بين 2 و3 أطفال.
هذا الوصف القصير والموجز للعينة يسمح بتحديد مجموعتنا البشرية موضوع الاستقصاء لنتمكن من فهم الحدود الاقتصادية والثقافية في إدراك وفهم العلاقة بالجسد.


أولاً: صيانة أو إغراء؟! رهانات الاهتمامات الجسدية:
الفعل صان، يصون صيانة أو صوناً غني بالمعاني، إنه فعل يدل على المحافظة أو الصيانة والإبقاء والديمومة وله أيضاً معنى التثقيف والنمو والتطور والصون. كذلك فعل صان بمعنى دارى صحته واعتنى بمظهر جسمه، أي قدم العناية والنفقات الضرورية للمحافظة عليه يانعاً وبحالة جيدة.
كلمة الإغراء هنا، وردت من فعل أغرى بمعنى فتن، جذب سحر وأيضاً أعجب عندما نقول أغرى يعني أننا دخلنا في متاه أو رهان آخر، أي اعتنى بالجسد من أجل الآخر وجذبه له. لقد عبر فرويد بدقة عن هذا الموضوع عندما أعترف أن للنرجسية قدرة كبيرة على جذب الآخرين. يظهر أن فتنة المرأة تتعلق بمقدار حبها ورغبتها النرجسية بأن تكون محبوبة. ويبرهن فرويد في مكان آخر على أن النرجسية بأن الأنثوية تستخدمها النساء للتعويض عن عقدة النقص لدى بعضهن أو ما يمكن أن نسميه (الدونية) وبغية التعويض عن اضطهادهن ومواقعهن الاجتماعية فهن يكرسن أوقاتهن للاهتمام بجمالهن ويعكسن على أجسادهن رغبة كان محرم عليهن إظهارها خارجاً، بيد أن الاستقلال الاقتصادي يسمح للنساء بالدخول إلى الذاتية العاطفية كما نوه عن ذلك ب. بروكنر التي تشمل المذكر والمؤنث إنها النرجسية وحيدة الجنس. الرجل كان النظرة والمرأة كانت الشيء المنظور في الوقت الحاضر يلعب كل منهما دورين ناظر ومنظور دون تمييز في الجنس.
كذلك يمكن أن يكون للاهتمام بالجسد هدفاً واحداً أو الهدفين معاً: الاعتناء به لإرضاء الذات أو بجذب اهتمام الآخر الرعاية المقدمة له (الجسد)، إما أن تتجه لتحقيق سعادة ذاتية فردية، أو لتقاسمها مع الآخرين أو لتحقيق أناة خاصة بالجسد نفسه، أو البحث عن جسد مكمل.
الاهتمامات التي تقدمها النساء لأجسادهن متعددة ومتنوعة نميز منها صنفين من الرعاية: العناية الصحية الكاملة، والرعاية المتعلقة بالجمال.


ثانياً: اهتمامات جسدية وعناية صحية:
تتمثل هذه الاهتمامات في القواعد الأولى للنظافة والصحة والتي تنص على الاستحمام ونظافة اليدين والقدمين وممارسة التمارين الرياضية.

أ- الدين والنظافة الجسدية:
إن عبارة الجسد في اللغة العربية تنم عن عدة معاني. يجب أولاً تمييز الجسد كجنس عن الجسد الحي الذي خلقه الله وأودع به الروح. عندما يتكلم اللاهوتيون عن الجسد فهم يفهمونه في المعنى النظري التكاثر المستمر في أفلاك الإجرام السماوية وتحولاتها وتجمعاتها بعضها بالنسبة للبعض الآخر وهذا ما يفسر التفريق بين الأجسام السماوية والأرضية وتأثير الأولى على الثانية.
الجسد أو كما يسمى البدن، اسم يطلق عادة على الجسد البشري، أما لسان العرب فيدخل تمييزاً بين بدن الحيوانات والإنسان. والجسد مخصص عادة للإنسان وبصورة خاصة لأجساد الكائنات السامية (الملائكة).
هذا اللفظ (غير الواضح) لعبارة الجسد الذي هو في الوقت نفسه شيء مادي وسامي، يدل على مدى ضغط القوتين اللتين يخضع لهما الكائن البشري باستمرار وهما: الجسد والروح. هاتان القوتان يجب أن تبقيا متوازيتين.
وتمثل الشعائر الدينية في هذا الإطار الاعتناء بالنظافة وبالتالي نقاوة الجسد والروح: الروح بالإيمان والجسد بالعناية الوضوء أولاً والنظافة ثانياً وهي نصف الإيمان كما جاء في الحديث الشريف.
نظافة الجسد لدى المسلمين فرض ديني: الوضوء خمس مرات يومياً بالماء، وإذا لم يتوفر الماء فالتيمم غسل اليدين والفم قبل وبعد الطعام. جميعها ممارسات تعبر عن الأهمية التي أولها الإسلام للجسد البشري . يميز بوحدييه، بوضوح بين الطهارة والنظافة فالطهارة ذات مدلول ديني تقوم على إزالة الجنس من الجسد لخدمة الروح فهي والحالة هذه لا تزيل كامل الأوساخ النقاء هو سمو بالجسد والنظافة هي المحافظة على الجسد وصحته. ويحلل من جهة ثانية المعنى الذي أعطاه الغزالي لهذين المفهومين: الوضوء كتنقية صغيرة، والاغتسال تنظيف كبير، والأخير ليس تنقية أو نظافة جسدية، بل سعي وطلب دائم للسمو بالروح نحو الله.
الطهارة والنظافة صنوان متلازمان الأولى تؤدي للثانية إنها تسمو بالجسد من طلب أعمق الإيمان والتقرب كثيراً إلى الله.
والإسلام يعير اهتماماً كبيراً للجسد والتربية الإسلام تجهيز دائم يجعل الفرد أكثر يقظة تجاه جسده وعمل هذا الجسد. ابن قيم الجوزيه مثلاً يحدد المهام الأساسية للمحافظة على النظافة لكل مسلم: الختان، الطهور، حلق اللحية، نزع شعر الإبط، تقليم الأظافر، جميعها ممارسات هامة لتنقية الروح والجسد.

ب- النظافة الجسدية ضرورية وإلزامية:
أجمع أكثر من ثلثي العينات المستقصاه على إعطاء الأهمية الكبرى للنظافة الجسدية، ويعزوها أغلبهم إلى أنها فرض ديني، ويؤكد هؤلاء النسوة من المتدينات أو غير المتدينات بأنهن لا يستطعن المحافظة على زينة شعورهن لأنهن يغسلنه عدة مرات يومياً أثناء الوضوء، وهكذا من عشرين امرأة من أصل ثلاثين يغتسلن يومياً وسبعة منهن يغتسلن مرتين في الأسبوع، فالماء هو الحد الفاصل بين النقي وغير النقي كما قال عنه آ. خطيبي هو يقدم للجسد الصحة والقوة ويمنحه المكانة في المجتمع.
هذا الاستحمام اليومي أو النصف أسبوعي يستكمل بالاستحمام الأسبوعي فالحمام هو المكان المثالي لإتمام عملية الوضوء كاملة وإراحة الجسد وإضفاء شعور بأن المكان هو معبد للجسد كما يقوم ت.زناد.
ومن جهة أخرى ينوه الكثير من المؤلفين إلى المكانة التي يشكلها مكان الاستحمام في حياة المسلم، وخاصة النساء، فهو بنظرهن مكان للعلاج وللهو. يقسم ت. زناد مهمة الحمام إلى تنفيذ طقسين شعائر صحية وشعائر دينية ويقول عنه بأنه مكان عن حاجة عفوية طبيعية متذرعين بآلام ظهرية أو إصابة بالبرد. إنه عامل توازن لصحتهم اليومية والعقلية.
يعتقد بروفنسال كما (ورنو بأن الحمام هو المكان التسلية للنساء يجد فيه صديقاتهن ويتحادثن معهن ويبحثن معاً عن مشاكلهن والحلول المطلوبة لها. يلاحظ (ت. زناد) أن عمليات الأخذ بالثأر والدسائس والمكائد والتعويذات تصاغ في هذا المكان بشكل دائم.
ويشير بروفنسال أن النساء الأندلسيات يتبارين بالتفوق في الجمال في ميدان الثياب الداخلية ومواد التجميل.
المجملات، الأمهات اللواتي يخدمن في تجميل العرائس يوم أعراسهن يقدمن خدماتهن للمستحمات، يعملن في إزالة الشعر من تحت الإبط والعانة والحاجبين، ويضعن لهن الحنة، ويدلكن أجسادهن بالمراهم والعطور، كما يغسلن أثوابهن بمساحيق معطرة.
بالنسبة لـ بوحدبية يتجاوز الحمام مجال العناية بالنظافة والصحة وتقاليده البسيطة، فالحمام بنظره مكان ماجن جنسي شهواني، الكلام عنه يعني الكثير من الدلائل المجازية والحديث عنه كالحديث عن الجنس. يشكل الحمام وسطاً بين النقي وغير النقي بين الجسدي والمقدس بين الحب والإيمان.
هناك 15 امرأة من أصل 30 يذهبن أسبوعياً إلى الحمام منهن 15 مستخدمة واثنتان من الطبقات العليا. بالنسبة للفئة الأولى، فإنهن يستخدمن حمام الرأس (الدوش) لتنشيط الجسم، ومن أجل الاغتسال الجيد لا يوجد أفضل من الحرارة المرتفعة لإزالة الخلايا الميتة لكن بعض النسوة يثابرن على ارتياد الحمام بانتظام للاسترخاء والخروج من إطار المنزل وخاصة عندما يكبر الأطفال ومعظمهم من الذكور (أذهب إلى الحمام من أجل لقاء ذاتي) فالحرارة والرطوبة في هذا المكان تنسي هموم الأيام وتعب المنزل، أبقى مستلقية لفترة ليست بالقصيرة وأنسى نفسي) أشعر بكل جزء من جسدي وأنا موجودة وأعيش من جديد، لكن عندما تأخذ الأم معها طفلين أو ثلاثة أطفال يصبح الحمام حملاً وعملاً إجبارياً أكثر منه مكان للاسترخاء.
(إذا لم أذهب للحمام أسبوعياً أشعر أنني مريضة؛ هذا ما قالته امرأة من الطبقة العليا، من جهة أخرى، فإن ذهابي للحمام هو أهم من كل شيء. حتى عندما كنت في باريس لمدة شهر، الشيء الأول والهام هو الحصول على حمام تركي كنت سعيدة كطفلة عندما وجدته)
أما نساء الطبقات العليا فنادراً ما يذهبن إلى الحمام لأن حمامات منازلهن أفضل وأجمل ولأن درجة حرارة الحمام المرتفعة تسبب الصداع. في حوض الحمام المنزلي يمكن استخدام الصابون أي الحمام بالرغوة المنظف الجيد وإضافة بضع قطرات من العنبر لتعطير الجسم.

ج- نزع الشعر الطريقة الأفضل نظافة:
لا يحتاج الجسم إلى تنظيف بالاغتسال فقط، فإزالة الشعر تحت الإبط يأخذ مكاناً هاماً في العناية به. 21 امرأة من أصل 30 يمارسن إزالة الشعر على مدار السنة، وثمان منهن يقمن بذلك في الصيف فقط وواحدة لا تقوم بنزع الشعر مطلقاً.
النسوة العاملات وخادمات المنازل اللواتي يقمن بذلك في الصيف فقط، وواحدة لا تقوم بنزع الشعر مطلقاً.

النسوة العاملات وخادمات المنازل اللواتي يقمن بهذا العمل يمثل منظرهن أحد تعاليم الإسلام. والنسوة الباقيات يبررن عملهن بأنه منتهى النظافة. فئة أخرى تؤكد أنها نِِشأت على ذلك. نزع الشعر بعد الحمام للنساء كغسل الوجه كل صباح.
بالمقابل 8 نساء من أصل 15 من الطبقات العليا، تؤكدن أنهن لا ينزعن شعر الإبط إلا في الصيف، أما في الشتاء فلا حاجة لهن لذلك الحمام الخفيف اليومي، واستعمال مزيل الروائح ( ديودورانت )، والعطورات يغني عن هذه الممارسات في الشتاء، لكن عند ارتداء ثوب السباحة فيجب أن يكون الجلد نقياً.
أما نزع الأوبار / الشعر / من الساقين فيأخذ منزلة أقل. 12 امرأة من أصل 30 يزلن شعر الساقين على مدار السنة، وهؤلاء ينتمين إلى الطبقات العليا، وهكذا أصبح نزع شعر الساقين ممارسة دارجة تقوم بها المزينات. أما المستخدمات فهناك امرأتان من أصل 15 يقمن بذلكKولكن الغالبية منهن يؤكدن أنهن لسن بحاجة لإزالة شعر الساقين، إما لأن بشرتهن سمراء اللونKأو أن عملهن يسبب لهن المشاكل طالما أنهن يرتدين الجلباب.

د- أطراف منسية من الجسم:
الأيدي والأرجل أجزاء من الجسم تلاقي قسطاً ضئيلاً من الاهتمام والعناية. بعضهن يهملها، بينما البعض الآخر يعيرها قليلاً من الاهتمام، وإذا اهتمت بعض النسوة بأيديهن، فإن أقدامهن تظل منسية في الحمام وعلى شاطئ البحر. 24 امرأة من أصل 30 لا يعتنين بأرجلهن، منهن تسع من الطبقات العليا. إذا كانت أولئك النسوة من الطبقات العليا لا يعتنين بأيديهن، فمعنى ذلك أنهم لا يقمن بأعمالهن المنزلية. فأولئك يدلكن أيديهن بالدهانات المطرية، في حين أن النساء من طبقات أدنى يجدن أنفسهن مرغمات على صيانة أيديهن في المناسبات فقط، لأنهن لا يستطعن إهمال أعمالهن المنزلية، فأولئك النسوة يلجأن إلى استخدام مواد طبيعية مثل : الليمون ، والحنة أو مرهم (نيفيا).

ه- ما هي الرياضة التي تمنح الجسم مرونة أفضل؟
الرياضة طريقة أخرى لصيانة الجسم والمحافظة على نضارته، لكن الرياضة تبقى حكراً على الطبقات الميسورة: 12 من أصل 15 يمارسنها في الصالات الخاصة، أو السير لمسافات معينة مرتين أو ثلاثة في الأسبوع، أو القيام بالجري مرة واحدة أسبوعياً. النسوة الأقل مرتبة لا يمارسن الرياضة، لأن ذهابهن للعمل يومياً سيراً على الأقدام، إضافة إلى الأعمال المنزلية اليومية تعتبر من أفضل التمارين الرياضية.

و- هل تعطير الجسد ممارسة شائعة؟
إن الاستخدام اليومي لمزيل الروائح، والعطر يؤكد على الفوارق الطبقية، فالعطر مادة شائعة الاستعمال بين الطبقات العليا والفتيات العازبات، أما العاملات اللواتي أقل شأناً فنادراً ما يستخدمن مزيل الرائحة لأنه بنظرهن مادة كمالية. الأهم من كل ما تقدم هو نظافة الجسم حيث لا يمكن وضع العطور على أجسام قذرة. والعطر في هذه الحالة يلعب دوراً في الإغراء والجاذبية وليس مادة مكملة للنظافة الأنثوية.
يعطي الإسلام أهمية خاصة لنظافة الجسم، لأن النظافة تسمح للإنسان بالسمو على الواقع وبلوغ علاقة أمتن مع الخالق. هذا الجوهر الديني يشكل أساساً في التربية والثقافة الإسلاميتين كما يشكل ظهوره تمييزاً عن الثقافات والفئات الاجتماعية المختلفة.


ثالثاُ: العناية بالتجميل أو اختصار الجسد بالوجه:
العناية بالجسم واستخدام الرعايات الخاصة بالجلد وتجميل الشعر، جميعها اهتمامات تزيد من فوارق الجنسين وتبرهن كيف يمكن اختصار جسم المرأة بالوجه الذي تظهر قوته بفتنته وجماله الذي لا يقتصر على العينين فقط.
والعناية بالوجه يأخذ مكاناً هاماً يطغى على باقي الاهتمامات المخصصة للجسم الأنثوي. الوجه هو صورة المرأة ومرآتها : العينان، الفم، الوجنتان جميعهم محط انتباه كبيرين. يلاحظ المؤرخ البكري أن للنساء غمازة فيقول: ((تضفي الغمازة على وجوه النساء فتنة وجمالاً، ولا يوجد أجمل منهن في ذلك الجزء من المغرب)). يلاحظ أن الوجه هو الموضوع البارز والأهم لباقي الجسم .

أ- رعاية الجلد:
ورد ذكر رعاية الجلد والعناية به من قبل جميع النسوة موضوع الاستقصاء، لكن مواد العناية تتغير حسب الانتماء الاجتماعي. النساء المستخدمات يستخدمن الصابون العادي، أما نساء الطبقات العليا فيستخدمن المواد التجميلية المرتفعة التكاليف. بالمقابل إذا كانت العناية اليومية بالجسم شائعة، فإن الاهتمامات الأسبوعية أو الشهرية خاصة بممارسة قناع الجمال القليل الانتشار. إن 8 امرأة من أصل 30 لا يضعنه مطلقاً وجلهم من الفئات الاجتماعية المهنية.
إن وضع قناع التجميل عادة غير مترسخة في المجتمع المغربي وفي التقاليد العربية، فالفتيات الشابات والنساء المتزوجات الصغيرات السن، نضرات الجسم، لا يشعرن بضرورة تجميل الجلد. من ضمن 13 امرأة الباقية خمس نساء يقمن بتجميل الجلد أسبوعياً عند أخصائية التجميل، وامرأتان تستخدمان المواد الطبيعية، والنسوة الست الباقيات ينتظران يوم الحمام من أجل وضع أقنعة الحنة ومواد أخرى على الوجه.

ب- التبرج بالمساحيق تزيد الفروقات بين الجنسين وتعمق الفوارق الاجتماعية:
التبرج اليومي بالمساحيق يبقى ممارسة نادرة عند النساء الموظفات أو ذوات الدخل المحدود. من أصل 30 امرأة مستقصاه، منهن 6 نساء يتبرجن يومياً، 14 منهن يتبرجن من وقت لآخر بمعدل مرة أو مرتين أسبوعياً ، و10 منهن يتبرجن نادراً.
النساء اللواتي يتبرجن نادراً منهن ربات البيوت (الأمهات) أو العاملات في مراتب متدنية، أما الفتيات اللواتي لديهن متسع من الوقت، وليس لديهن مشاغل عائلية، فإنهن يتبرجن من حين لآخر، وخاصة عندما يجدن أنفسهن أمام أكداس من المساحيق القليلة التكاليف والمنتشرة بالأسواق.
التمييز بين الطبقات واضح جداً. النساء المستخدمات يعتبرن التبرج تصرفاً كمالياً، لأنه لا يتعلق بتوفر الوقت للمرأة، بل بالإمكانيات المادية المتوفرة لشراء هذه المواد، أو توفر الوقت اللازم للعناية بالجسم. نساء الطبقات العليا، يصرفن معظم أوقاتهن في التبرج، بسبب توفر الوقت اللازم ووجود خادمة مساعدة في المنزل، وهؤلاء النسوة يصرفن جهودهن للعناية بكل جزء من أجسادهن.
إن نفقات تجميل الجسم تدخل ضمن المصاريف المخصصة للمنزل.
يجري هنا الاعتناء بالجسم والمحافظة على جماله تماماً مثل العناية بالمؤسسة التي هي بحاجة إلى نفقات لاستمرار عملها.
والجسد هنا خاضع لمراقبة مستمرة ودائمة لمنعه من العجز والشيخوخه والانهيار.
من الثابت جداً أن نساء الوسط الثري يبقين قلقات ومهتمات بجمالهن وبالطريقة التي تجعلهن محافظات على جمالهن ومفاتنهن.
يصف لوتورنو نساء مدينة فاس بأنهن يخضبن أو يكحلن أعينهن بكميات كبيرة من الكحلة السوداء، ويمسحن وجناتهن بكميات من حمرة الوجنتين والمساحيق الأخرى مثل البودرة، ويصبغن اليدين والخدين بالحنة وبصباغ متجانس موحد وموشم برسومات مختلفة من عمل نسوة متخصصات في هذه المهنة.
وفي الوقت الحاضر فإن اللجوء إلى أسطورة الاستهلاك للدعاية ولمحلات الموضة يجعل من المرأة عنصر استهلاك يستخدم كميات كبيرة من المواد، هذه المواد لها فعل السحر الذي يجمل الجسد والوجه ويحفظ لهما نضارتهما وجمالهما وشبابهما.

ج- طلي العيون بالمساحيق ونظرة إغراء:
يشكل الوجه كلاً متكاملاً، والعينات فيه أول قطب للجذب، تدخل نظرات العين إلى أعماق الإنسان والأشياء، تمسك بها، تصنفها، تقارن بينها. العين توجد في كل مكان كما يقول دونا.يو، إنها المركز الكوني، شبيهة بالسرة، تعبر كما الفم تضحك، تبتسم، تنظر بشدة، بفضولية،"؛ بشهوة ورغبة تأكل، تفترس، تشرب.
وفيما يتعلق بالمرأة المسلمة، فقد أعدت ي. فكار وضعاً مشابهاً
فقالت : ((إذا كان الفم مغلقاً ، فالتعبير يهمس ويدمدم، في المرأة المسلمة تتواجد قوة الحياة، بالتحكم في حركة الجفون، النظرة تتكلم، تتقبل، تمتثل، تقترح، تكذب، تهزاً، تتوصل، تصم)).
في هذين التعبيرين المزدوجين، يكمن الخطاب المزدوج، لأنه مصاغ من رمز اصطلاحية من الصمت المغلف المبهم إلى تقاسم الأسرار.
التركيز بتجميل العينين بالكحل، يعبر عن القوة الحقيقية والرمزية التي يملكها هذا العضو، العينان منفصلتان ومتميزتان لدى كل النساء المستقصيات.
البعض منهن يُجملها باستخدام الكحل البعض الآخر يضيف إليها المسكرة تقول (( آسيا الجبار)): توصف العين بالجسد الأنثوي الشهواني. وتنصح باستخدام الفن في مكيجة العين. يبدأ إعداد المشهد، باستخدام الكحل الذي يجعل النظرة الخاطفة أكثر عمقاً، عبر تلك الثغرة الفريدة والوجنة الحمراء المشتعلة والتي تدعو بها الأعين الأخرى للتعرف على الجسد بكل تفاصيله. العين المخضبة بالكحل تصبح محط رغبة وشهوة الحب، وقد برع الشعراء العرب في وصف العين وما تثيره النظرة الخارقة من أحاسيس ومشاعر.
يقول شبل: الكحل هو العنصر النشيط لجمال المرأة العربية. هذا المعين للجمال قديم مثل السحر والإغراء.
تستمر العيون في لعب دور ساحر شديد الإغراء، بعض النسوة يظهرن من خلف حجابهن ( الحايك لبأس المرأة المغربية المحافظة ) عيناً واحدة، ومن ثم العينين عندما تضع الحجاب أو ترفعه عن وجهها. هكذا، فإن 24 امرأة من 30 يعطين أهمية خاصة للعينين، بينما أحمر الشفاه الفاقع عند ذهابهن للعمل، وتضع الفتيات أحمر الشفاه الأقل ظهوراً بينما النساء العاملات لا يستخدمنه أبداً.
يعتبر الوجه الجزء الهام جداً من الجسم، وهو الأكثر هدفاً في الرعاية والعناية، وتأخذ العناية به درجات متفاوتة طبقياً، وظاهرته تتعلق بنظام الزواج.

د- العناية بالشعر:
إلى جانب العناية بالوجه هناك العناية بالشعر. معظم النساء الخاضعات للاستقصاء يعتنين بشعرهن بانتظام، بدهنه بالحنة أو الزيت قبل الحمام. يبدو أن الزيت مادة فعالة من أجل علاج ورعاية الشعر. تستخدم النساء عادة زيت اللوز وزيت لوز البربر.
ويسجل الإدريسي ملاحظة عن جمال النساء في مدينة سوس المغربية فيقول: (( تستخدم النسوة المصموديات زيت لوز البربر لتنمية الشعر وتصفيفه، وبهذه الطريقة يصبح الشعر بديعاً وأسوداً في غاية الجمالة )).
تستمر الرعاية المقدمة للشعر بعد الحمام، لأن تسع نساء من أصل 30 يذهبن كل أسبوع إلى صالون حلاقة السيدات، إن هذه الطريقة خاصة بالنسوة العازبات والمتزوجات حديثاً. أمهات الطبقات العليا يخترن تسريحة دائمة أو قصة خفيفة للشعر ويرغبن في ارتياد صالون الحلاقة بشكل دائم. الأمهات المستخدمات لا يذهبن إلى صالون الحلاقة إلا في المناسبات فقط.


رابعاً – الثياب:
إن مهمة الثوب هي تزيين الجسم وتمييز صاحبه (( بالثوب تثار الشهوات التي لا يمكن كبحها حتى بإماطة الحجاب . وينوه فرويد عن ذلك بقوله: ((كل ممنوع مرغوب وبتعبير آخر المكان الذي يوجد فيه تحريم تكون هناك رغبة أو شهوة)). ومن الاستقصاء نجد 13 امرأة من أصل 15 يلبسن على الطريقة الأوروبية، والأمر نفسه يتعلق باللباس الداخلي. النساء المستخدمات يلبسن الداخلي. النساء المستخدمات يلبسن قميص النوم أو التحتية فور عودتهن إلى بيوتهن من العمل. أما نساء الطبقات العليا فيحتفظن بالثوب الذي كن يرتدينه خارجاً. نساء الطبقات الشعبية يجعلن من اللباس استعمالاً واقعياً ويفضلن جودة المادة المصنوع منها والمهمة على الشكل والموضة. فهن يجهلن الاهتمام البورجوازي بإدخال اللباس في الوسط المنزلي: مكان الحرية، مكان الوردة.
مشكلة اللباس هي أنه يستر ويخبئ الجسد، أو يميزه ويعطيه المنظر المطلوب والمفضل، وارتداؤه يؤكد على استعماله المتعدد الذي صنع من أجله. فارتداء الجلابية مثلاً، يمكن أن يكون وسيلة لإعطاء الجسم قدراً معيناً من الجمال والاحترام والترتيب والتوفيق بين الألوان، السير الرتيب والمتوازن يهدفان إلى إظهار مفاتن الجسد من جهة ويستخدم ستاراً واقياً للحشمة وللبؤس والفقر من جهة ثانية.


خامساً – الصحة الجسدية – أهدافها، وآفاقها:
النساء اللواتي جرى عليهن الاستقصاء، أعطين أهمية كبيرة للصحة والعناية الجسدية، لكل طريقته، وحسب الإمكانيات المتوفرة لديهن، بما أن الجسد هو الذي نظهره ونعرضه للآخرين أو نحفظه لذاتنا بدافع الغيرة، أو الذي نقدمه للزوج .. فإن الأسباب التي تدفع النساء للعناية بأجسادهن غني بالمعاني ومليء بالمدلولات.

تمهيد للفهم الفئوي:
العينة التي نقوم بدراستها محدودة للغاية، لا تسمح لنا بانتقاء فئات صارمة. لقد حاولنا حسب الأجوبة انتقاء مجموعات متقاربة آملين أن تكون نتائجها عميقة. هدفنا إذن تقديم مختلف التوجيهات التي ظهرت أثناء الاستقصاء، توجيهات غير طبقية. هذه الطريقة تسمح بإظهار البعد الثقافي بجميع أبعاده، وخاصة تحت الثقافة النسائية ، وتعطي لكل سن، ولكل مقام متعلق بالزواج، ميزات وآمال نوعية، تقدم علاقة تفريقية للجنس الآخر وتمثيل خاص لذات.

أ- الجسد شيء شخصي:
تقوم المرأة برعاية جسدها لتشعر بسعادة ملكيته، وسهولة الحركة في تنقلاتها، ولفت الأنظار لها من خلال العطور وإظهار المفاتن – إن رعاية الجسد هي وقايته من الأمراض والآلام، وتشكل الرعاية جزءاً من الصحة والأناقة. يجب على المرأة أن لا تهمل نفسها، عليها أن تبقى دائما بهيئة جميلة وحيوية جيدة من أجل توازنها وسعادتها.
وتؤكد معظم الاستقصاءات على أن الهدف من رعاية الجسد 8ن شخصي بحت، فالطبقات العليا تعتبر هذه الرعاية في البحث عن السعادة وسط هذه الاهتمامات، والسعادة التي يحصلن عليها، هي قيامهن بهذه الرعاية. هذه الطريقة كما يقلن عنها بأن المرأة تتواجد مع ذاتها ودون أن تتجاوز جسدها.

ب- الجسد الجذاب:
الإغراء هو تحد للموت، هذا ما أعلنته قصة ألف ليلة وليلة. الاعتناء بالجسد يهدف أحياناً إلى الإغراء. وغالباً من أجل بقاء المرأة جميلة جذابة فتية فإن بعض النساء يذهبن إلى محلات التجميل، والبعض الآخر يستعملن المواد التجميلية الطبيعية ويناقشن مع الأهل والأصدقاء، الموديلات الخاصة للاستعمال. بعد عشرين سنة لن يبقى الجسد شيئاً محرماً ( مقدساً)، بل سيدخل في تسيير الأمور الحياتية اليومية، وسيظهر للآخرين بمظهر هام معبر عن الشخصية.
العناية بالجسد تعني أيضاً المحافظة على بقائه للذات وللآخرين. معنى البقاء هو استمرار الجمال بنظر الآخرين، وكلما تقدمت المرأة في السن وازداد وزنها أضحت بحاجة أكثر للمحافظة على جمالها، كي لا تثقل السنون هامتها. نساء الطبقات العليا لا يخفين خوفهن من أن يصبحن عجائز في وقت مبكر، يرغبن دائماً أن يظهرن في أصغر من أعمارهن.
عندما يكبر الأولاد،، تشعر الأمهات أن نضارة ربيعهن في 16- 18 لا يمكن أن تعادل النضارة والطراوة المصطنعتين وهن في سن 40 – 45 . والنساء العاملات يمتلكهن الخوف من خسارة أزواجهن إذا ما أهملن أنفسهن، المتقدمات بالسن منهن يشعرن دائماً أن ليس لجسدهن نفس الجاذبية للزوج وهن في سن النضارة، فقد استهلك العمل أجسادهن، وتثاقلت عليها هموم الحياة، لذلك تذوب رغباتهن الجسدية تحت هذا الحمل الثقيل.
(( الإغراء أو الموت)) كما تقول ن. علامي، إنه قدر هذا الكائن الذي اسمه الجسد في مجتمع لا يتنبأ ولا يخطط عن بديل مغاير للمرأة من اللحظة التي تنطفئ فيها شهوة ورغبة المرأة لدى السيد المعلم ( الرجل)، أو يحول عنها بناظره، يتجعد جسدها وينكمش وينقلب العالم)).
امرأة، جسد، جمال، إغراء، الاهتمامات الجسدية الأنثوية جميعها تدخل في إستراتيجية غرامية اسمها ((الحب)). إنه حب من نوع خاص، إغراء، سحر.
عندما تعتني المرأة بجسدها وجمالها وتحافظ عليهما فهي تقوم بذلك لتقدمه لنظر الآخرين، قد لا يكونوا ذكوراً بل لنظرة ناظر يفهم الأشياء دون أن يعرفها، ويدرك الأشكال دون تمييز مكوناتها. وباختصار: فإن الجسد يجهد صاحبه في البحث عن جذب من الآخر أكثر من العودة إلى ذاته من أجل استعادة اندفاعه وحماسه، ومن أجل أن يذهب هو نفسه نحو الآخر.

جـ- الجسد عنصر استهلاك:
عندما تتقاسم المرأة المتزوجة سريرها مع زوجها، فهي تتقبل بأن جسدها ليس لها وحدها بل هو للزوج والعكس صحيح. هذا الحضور، غالباً ما يرغمها على رعاية وصيانة جسدها بصورة أفضل، أن تكون أنظف، تتعطر، تتبرج قبل أن تنام .. الخ. من أجل أن تكون امرأة، يعني أن من واجبها الاهتمام بجسدها، وإلا فإن الزوج سيلفت نظرها إلى ذلك، أو يعبر لها بطريقة غير مباشرة بغضبه، الخ ........
(( عندما كنت فتاة عازبة كنت ألبس قميص النوم فقط طيلة أيام الأسبوع، أما بعد زواجي فيجب أن أبدل ثيابي يومياً. امرأة خادمة منزل تقول: ((يجب عليِ بعد زواجي أن أكون حذرة، يجب أن يبقى جسدي نظيفاً جذاباً من أجل أن تستمر حياتنا الزوجية سعيدة، وإذا تصرفت عكس ذلك، فإن الزوج سيهجرني، فهناك الكثير من الفتيات العازبات يحاولن صداقة الرجال المتزوجين وإيقاعهم في حبائلهن.
العلاقة بالزواج تدخل بعلاقة أخرى مع الجسد. الفتيات يقبلن بإهمال أجسادهن أحياناً لأنهن غير متزوجات، ولكن بالتأكيد إذا ما وجدت العين التي تشاهد وتراقب يومياً، وحاسة الشم التي تشم رائحة العطر والجسد، فإن الأمور ستكون مختلفة تماماً.
النساء المستخدمات يملكن حساسية قوية بهذه العلاقة مع الجسد. فهن قبل الزواج، يعتنين بالمظاهر الخارجية الجذابة، المكيجة العطر، اللباس المناسب للجسم لإبراز محاسنه ومفاتنه، أما بعد الزواج فإن اهتماماتهن بالمفاتن الداخلية هي المثيرة والهامة .
المسألة تُطرح بصورة أقل حدة لدى الطبقات العليا، لأن صيانة الجسد تشكل جزءاً من الشخصية، كما أن غياب الزوج لا يؤثر على المظهر الخارجي للمرأة، ولا في أعماقها.

د- الجسد القالب – الجسد المستملك:
ننتقل من جسد بعلاقة مع الزوج، إلى جسد نتاج ثمرة العلاقات بين الرجال والنساء. المرأة الأم، تعتني بجسدها، لكن المحيط والجوار يهتم ويخاف على هذا الجسد الذي أصبح ملكية عائلية. التركيز على الجسد، أو حول محتواه، يجب أن يؤكد الاعتناء بالمحتوى من أجل إنقاذه.
مع مجيء الطفل، تنقل بعض الأمهات ودون تمييز اجتماعي هذه الاهتمامات إلى جسد الطفل. امرأتان من الطبقات العليا يشهدن بأنهن يهملن أنفسهن كلياً في السنتين الأوليتين من ولادة أطفالهن. فيشعرن أنهن أصبحن غير جميلات يرتدين ثياباً دون النظر لأناقتها، كما تزداد أوزانهن. هكذا يحل جسد الطفل مكان جسد الأم ويصبح الطفل أيضاً محط الرعاية والعناية والاهتمام إلى جسد الطفل. امرأتان من الطبقات العليا يشهدن بأنهن يهملن أنفسهن كلياً في السنتين الأوليتين من ولادة أطفالهن. فيشعرن أنهن أصبحن غير جميلات يرتدين ثياباً دون النظر لأناقتها، كما تزداد أوزانهن. هكذا يحل جسد الطفل مكان جسد الأم ويصبح الطفل أيضاً محط الرعاية والعناية والاهتمام.
وبقدر ما يزداد عدد الأولاد، بقدر ما تهمل المرأة الأم جسدها، هناك علاقة وثيقة بين هذين المتغيرين اللذين يشهدان على الفروقات الطبقية.
تأثير الحمل لمرتين أو ثلاث مرات متتالية على الجسد والذي تم في ظروف مؤآتية، مختلف كلياً عن حمل من 5 إلى 7 مرات جرى في ظروف غير مؤآتية، كذلك الأمهات المستخدمات اللواتي وصلن إلى سن الأربعين أو تجاوزن الخمسين مختلف أيضاً. الحمل، الولادة، الأولاد جميعها وبشكل عام عائق لاستمرار فتوة الأم ونضارتها.
((تكرسي نفسك لهم، ولكنك تهملين وتنسين نفسك، فيما هو أساسي في هذه الحياة ألا وهو جسدك، الأولاد يأخذون منك كل وقتك، وحياتك، وجسدك)).
الفترة المخصصة للجمال، للإغراء هي أقصر لدى النساء المستخدمات نظراً لهيمنة شعور التعب والإرهاق، الذي يقضي على نضارة جسم المرأة ويؤدي إلى شيخوخة مبكرة للجسد والفكر.
الاهتمامات المعطاة للجسد تختلف بين النساء. فاللواتي من الطبقات الشعبية المنغمسات أو المقتصرات على مهن محدودة الدخل، اللواتي تقع على كاهلين أثقالاُ اجتماعية عائلية كبيرة، يخصصن وقتاً ومجهوداً ضعيفين، وحرماناً من التجميل والعناية بالجسد. الوضع مختلف بالنسبة لنساء الطبقات الميسورة اللواتي يمارسن مهناً تتطلب التزاماً أكبر بالنظم التجميلية الجسدية الخاصة. ومهما انشغلت النساء كثيراً في أعمالهن، ومهما كانت إمكانياتهن ضعيفة، فإن النساء لا يهملن أجسادهن كلية.
تجري العناية التجميلية بالجسد حسب المناسبات وقابلية النساء. وكما قال ي. فكار: ((عبر الجسد الذي هو ركيزة الخطاب، والمعرفة، ستكون هناك مسالة هي القدرة على الوجود)).

_________________________
صور نسائية، كتاب لمجموعة مقالات نادرة وغريبة، لكنها تدخل في صميم الحياة النسائية. شارك في صياغتها عدد من الباحثين بإشراف الباحثة المغربية فاطمة المرنيسي.
كان الهدف من هذه المقالات، المساهمة في جمع المعلومات العلمية والدقيقة عن المرأة وبالأخص الحياة الأنثوية، ودور رجل العلم والاقتصاد، وعالم الاجتماع، واختصاصي علم النفس، وعالم الآثار، والناقد الأدبي في توضيح نقطة معينة من الظرف الأنثوي.
وقد عالجت المقالات أوضاع المرأة في الخطاب الديني والقانوني، وصورتها في الكتب المدرسية، والخطاب العلمي حولها، كما عالجت أوضاع الخادمات في المنازل، والمرأة في المجتمع العربي القديم، والأنوثة والإبداع الأدبي.

ونحن في جسور، يسرنا نشر المقالات، التي نجد فيها صورة الأنثى مشتركة بين المجتمع المغربي والمجتمعات العربية الأخرى -وإن كان التخصيص العلمي والتحليلي أتى للمجتمع المغربي- أو تلك المقالات التي تناولت صورتها بشكل عام قاطع لكل المجتمعات العربية.
 
أعلى