الوطواط - مباهج الفكر ومناهج العبر

القول فيما امتاز به الإنسان من التخليق والتركيب
ونجعل الكلام فيه: بأن الاحتلام، أعني يبتدئ في الصبي إذا بلغ أسبوعين منت السنين، وفي هذا السن تنبت عانته، ويخشن صوته، وتتغير رائحة عرقه وتنفلق أرنبته من طرف الروثة، وهذه علامات البلوغ، وكذلك النساء يطمثن إذا مر عليهن السن، ويرتفع ثديهن، وتتغير أصواتهن، ومتى طمثت الصبية هاجت إلى الجماع، وتتلذذ بذكره من غير فعل، وبعض الذكور لا يحتلم، وكذلك بعض النساء لا تطمث.
ومنها أن المني لا يوافق الولادة إلا بعد مضي ثلاثة أسابيع سنينا وهذا المعتاد، وقد رأيت أن ولدا للمقتدر حملت منه جارية وهو ابن إحدى عشرة سنة، وفي صحيح البخاري:) إن المغيرة بن سعيد قال احتلمت وأنا ابن اثنتي عشرة سنة وفيه أيضاً عن أن الحسن ابن صالح قال أدركت جارة لنا جدة وهي ابنة إحدى وعشرين سنة (، وكان بين عمرو بن العاص وبين ولده عبد الله اثنتا عشرة سنة وإذا جامع الرجل المرأة، وبقي المني في رحمها ستة أيام، ولم يقع فذلك دليل على الحمل فإذا تم الحمل لا يكون خروج الدم طبيعيا بل يرجع إلى الناحية العليا إلى الثديين فيستحيل لبنا عند قرب الولادة.
ومنها أن الرجل يستفرغ ولد امرأتين لأنه يولد له وهو ابن تسعين سنة، والمرأة لا تلد بعد الخمسين إلا نادرا، ولا تحيض، إلا ما حكي أن موسى بن عبد الله بن حسين حملت به أمه وهي بنت ستين سنة وكان بين موسى بن عبده المريدي وبين أخيه ثمانين سنة ومنها أن المرأة تفرط في السمن فتكون عاقرا، والرجل يكون فلا يطرأ عليه ذلك، والمرأة تهيج في الصيف والرجل في الشتاء.
ومنها أن المرأة إذا حملت أحست بما في بطنها، ولا سيما في نواحي الحالبين فإذا كان الحمل ذكرا فالحس من الناحية اليمنى، يوجد بعد أربعين يوما وإذا كان أنثى فإنه يكون في الناحية اليسرى بعد تسعين يوما في الغالب ومنها أنه أكثر الحيوانات شهوة للجماع، وأقدرها عليه، وإن ضرب المثل في ذلك بالعصفور، فإن العصفور يسفد في فصل وزمان معلوم والإنسان يقدر على ما قدر عليه العصفور في كل حين لا سيما إذا توفرت الدواعي من الغلة والجمال والشبيبة، والرفاهية، وأحد ما يكون الغلام أشبق وألح، وأحرص عند أول بلوغه ثم لا يزال كذلك حتى يقطعه الكبر أو آفة تعرض له، والجارية لا تزال من وقت إدراكها وحركة شهوتها على شيء واحد من ضعف الإرداة حتى تكتهل فإذا اكتهلت قوي عليها سلطان الحرص والشهوة للباه فيكون هيجانها عند سكون هيجان الكهل، وإدبار شهوته.
ومنها أن حد الولادة في الناس مختلف بخلاف سائر الحيوانات فإن مدد حمل الحيوان في كل نوع على حد سواء من الكثرة والقلة إلا النساء، فإن منهن من تلد لستة أشهر وعلى هذا حمل قوله تعالى:) وحمله وفصاله ثلاثون شهرا (، وبذلك أفتى علي عليه السلام في مجلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكانت امرأة ولدت لستة أشهر، فأراد عمر أن يرجمها فكف عنها، ومنهن من تلد لسبعة أشهر يقال أن الشعبي ولد لهذا العدد، ومنهن من تلد لثمانية أشهر، وقلما يعيش لعلة ذكرها المنجمون على زعمهم ليس هذا موضع ذكرها وهذه المدد مختلفة، وقد ذكر أصحاب التواريخ جماعة ولدوا فيها، فأما من ولد لثمانية أشهر فعيسى عليه السلام، والشعبي ولد لسبعة أشهر، وكذلك جرير الشاعر وعبد الملك بن مروان ولد لستة أشهر، ومنهن من تنقضي مدة الحمل التي هي تسعة أشهر وتستأنف مدة أخرى، ولا تيأس من الولد كما حكي أن هرم بن حيان حملت به أمه أربع سنين، ولذلك سمي مرة هرما وإن امرأة لابن عجلان ولدت له بعد أن حملت خمس سنين، وحملت مرة أخرى ثلاث سنين ثم ولدت غلاما وكانت تسمى حامل الفيل، وروي أن الضحاك بن مزاحم حملت به أمه ستة عشر شهرا، وولد شعبة لسنتين، ومالك بن أنس - رضي الله عنه - لثلاث سنين، وخرج من بطن أمه، وقد بدت أضراسه، وسمع نساء الحجاز من ولد عمر بن الخطاب يقلن ما حملت امرأة منا أقل من ثلاثين شهرا، وولدت بنت أبي عبيدة محمد بن حسن على رأس أربع سنين.

ومنها أن النساء وإن اختلفن في مدة الحمل، وبين سائر الحيوانات في ذلك فقد يشتركن معها في أن تلد المرأة فذا وتوأمين، وربما ولدت ثلاثة أو أربعة وخمسة بقالب البخاري: بنو راشد السلمي أربعة ولدوا في بطن واحد، عامتهم محدثون، وكان شريك لهذه الأعجوبة يقول: إذا مات الرجل وله حمل وأرادوا أن يقسموا الميراث عزلوا نصيب أربعة ذكور لما شاهد من بني راشدة، والمرأة إذا وضعت توأمين، وكان أحدهما ذكرا فقلما يسلمان.
ومنها أن المرأة تحتمل الجماع بعد الحمل بخلاف سائر الحيوانات وربما علقت، وهي إذا علقت بعد زمان يمضي عليها بالذي حملت به أولا يتم ويهلك الأول والثاني، فإن علقت بعد الحمل بزمان يسير يسلمان كلاهما وهما التوأمان، وحكى أرسطو في كتاب الحيوان: أن امرأة ولدت لتسعة أشهر ثم ولدت بعد ذلك بشهرين فعاش الثاني وهلك الأول.
ومنها أنه قد يولد لذوي العاهات ما يشبههم من الأولاد، فيولد للأعرج أعرج وللأعمى أعمى، وربما كانت العاهة في ولد الولد وكذلك في اللون.
ومنها أن جميع الحيوانات التي لها أربعة أرجل يكون ولده في الرحم ممتدا منبسطا ما خلا ولد الإنسان فإنه يكون قاعدا القرفصاء شبه المتفكر وأنفه بين ركبتيه وأذناه خارجتان عنه ويداه عليهما، وهو يتنفس في خلاء ووجهه إلى الصلب لتحدر الطعام على صلبه ولا يتأذى به.
ومنها أن يتقدم الجنين عند خروجه ماء، وذلك عند انقلاب الرحم والمشيمة ومتى لم تربط سرته لساعة وقوع المشيمة، وسال منها دم قبل أن يجمد هلك.
ومنها أن المولود إذا نعر لساعته وأومئ بيده إلى فيه، وطلب الثدي ويلازمه السهر أربعين يوما، ويقال أن ذلك من وحشة يجدها لفراق وطنه الذي كان فيه وهو الرحم، وما أحسن قول علي بن العباس بن جريح الرومي وقد ذكر هذه الحالة، وما الحكم فيها:
لما تؤذن الدنيا به من صروفها ... يكون الطفل ساعة يوضع
وإلا فما يبكيه منها وإنها ... لأفسح مما كان فيه وأوسع
إذا عاين الدنيا استهل كأنه ... بما سوف يلقى من أذاها يفزع
وقد ورد أن ذلك من طعن الشيطان له في خاصرته.
ومنها أنه إذا خرج من الرحم يخر مقبوض الكف، ويقول أصحاب الإشارات أن ذلك دليل حرصه على الدنيا، وإذا مات فتح كفه، يشير بذلك أني مع حرصي عليها خرجت منها بلا شيء، وقد نظم هذا بعض الفقهاء فقال:
وفي قبض كف الطفل عند ولاده ... دليل على الحص الموكل بالحي
وفي بسطها عند الممات إشارة ... ألا فانظروني قد خرجت بلا شيء
ومنها أنه قد يولد مختونا وتسميه العرب ختان القمر، ويزعمون أن السبب في ذلك، ولادة أمه له في مكان صاح للقمر لا يستره سقف ولا جدار.
قال أمرؤ القيس يهجو قيصر ملك الروم:
إني حلفت يمينا غير كاذبة ... لأنت اقلف ألا ما جنى القمر
إذا طعنت به مالت عمامته ... كما تجمع تحت الفكة الوتر
وقد ولد جماعة من الأنبياء - صلوات الله عليهم - كذلك منهم سيد البشر الشفيع المشفع في المحشر - الذي ختم به النبيين وأعلا درجته في عليين - محمد المبعوث إلى الأحمر والأسود صلى الله عليه صلاة دائمة يوم بنعث ونحشر ومنه أنه حين يولد تكون عينيه زرقاء ثم يتغير إلى اللون الذي شأنه أن يوجد له، ولا يوجد ذلك شيء من الحيوان، وهو في طفولته يحلم ولهذا نرى - حين ينتبه - أما مذعورا يبكي وأما مسرورا يضحك والإنسان وحده يولد، ولا أسنان له، لقلة الأرضية فيه، فإذا كبر صلبت مواده، وصلحت لمادة الأسنان، وجميع عظامه من الكون الأول سوى الأسنان فإنها تتجدد مرتين في العمر مرة في الشهر السابع وما بعده، ومرة في العام السابع وما بعده.
والذي يختص بالصورة أمور منها: إن الله تعالى ميزه على سائر الحيوانات بأن خلقه في أحسن تقويم فجعله منتصب القامة عريض الظفر معرى البشرة عن الوبر، وجعل عقله في دماغه، وصرامته في قلبه، وغضبه في كبده، وسروره في كليته وضحكه في طحاله، ورعبه في رئته، وفرحه في وجهه.
ومنها أن جعل الحلاوة في عينيه، والجمال في أنفه، والصباحة في وجهه والوضاءة في نشرته، والملاحة في فمه، والظرف في لسانه، والحسن في شعره والرشاقة في قده واللباقة في شمائله
ومنها أن جعل لعينيه أهدابا عليا وسفلى بخلاف سائر الحيوانات فإن ذوات الربع لها أهداب لأجفانها العليا دون السفلى، وليس لعيون الجناح أهداب البتة.
ومنها أن ميز أنفه بالشم والقنا وجعله مثلث الشكل مستطيلا مبرأ من الفطس والخنس.
ومنها النطق الذي لولاه كان صورة ممثلة أو بهيمة مهملة، وهو فصيح وإن عبر عن نفسه باللفظ والخط، والعقد، والإشارة.
ومنها ما في يده من المنافع فإنه، لما كان محتاجا إلى الخياطة والكتابة وسائر الصنائع العملية قسمت الأصابع، وقسمت الأصابع إلى أنامل، وهو وإن شاركه الصنائع الحيوان في حاستها المدركة للملامسة، والخشونة، واللين، واليبس، والحرارة، والبرودة فقد امتاز عنه بأن أضيف إليه معرفة الثقل والخفة، وكذا إن شاركه الهر والقرد في إجهاز ما يأكلانه إلى الفم فليس فيها من المرافق ماله، فإنه إذا بسط كفه كان طبقا، وإن قعره كان مغرفة، وإن ضم الكفين بعضهما إلى بعض في التقعير كان قبعا وإن ضم أصابعه كان له سلاحا يقاتل به عدوه.
وقال بعض الباحثين عن خلائق الإنسان أنه جمع فيه جميع ما تفرق في الحيوان ثم زاد عليها ثلاث خصال بالعقل للنظر في الأمور النافعة لتجلب والضارة لتتجنب، وبالمنطق لإبراز ما استفاد من العقل بواسطة النظر، وباليدين لإقامة الصناعات وإبراز الصور فيها مماثلة لما في الطبيعة من قوة النفس ولما انتظم له هذا كله جمع الحيل للطلب والهرب، والمكايدة والحذر، وهذا بدل من السرعة والخفة التي في الحيوان، واتخذ بيده السلاح مكان الناب والمخلب والقرن، واتخذ الجنن لتكون رقابة له من الآفات مكان الشعر والوبر.
وقال الجاحظ: وهم يجعلون كل إنسان وطائر ذا أربع، فجناحا الطائر يداه ويدا الإنسان جناحاه، ولهذا كان كف الطائر في رجله وكف الإنسان في يده، ولما كانت يد الإنسان جناحه صار إذا عدا يحركهما، ومتى قطعتا لم يجد العدو كما، لو قطعت رجلا الطائر لم يجد الطيران، وفي الناس من إذا فقد يديه عمل برجليه كل ما كان يعمل بيديه لو كانتا له، وركب ذوات الأربع في يديها، وركب الإنسان في رجليه، وفي الناس من يعمل بيساره ما يعمل بيمينه، ويسمى أعسر يسر، وبهم من يقصر بيمينه عما يعمل بيساره، ويسمى الأعسر، وإذا كان أعسر مصمتا فليس سوى الخلق.
ومنها أنه ليس في الحيوان ماله ثدي في صورة غير الفيل والإنسان لكن هما في الفيل بين الحالبين، والصدر، وربما حني الرجل على الطفل فدرت له ثدياه وكذلك المرأة العاقر.
ومنها أن سائر الحيوان الناحية العليا منه أنبل من الناحية السفلى خلا الإنسان، فإنه بالعكس إذا كان حدثا، وإذا أسن كان على التساوي وهذه علة اختلاف سيره وحركته، وكذلك رجلاه أكبر من يديه، وليس ذوات الأربع من ذوي البراثن والحوافر، فإن أيديها أكبر من أرجلها.
ومنها أن المرأة إذا غرقت رسبت، فإذا انتفخت طفت منقلبة على وجهها والرجل بخلاف ذلك، وإذا ضربت عنقه لا تتحرك له جثة بخلاف سائر الحيوان إذا ذبح وإذا وقعت جثته في الماء بعد بينونة الرأس عنها لم ترسب، وبقيت قائمة في الماء، ولم تظهر أكان الماء جاريا أو راكدا، فإذا جاف وانتفخ وانقلب وظهر بدنه كله.
ومنها أن كل أخرس أصم حكمة من الله تعالى، ولطفا إذ لو سمع الكلام ولم يجب مات حسرة، وأصحاب الكلام في الطبائع يقولون: إن الخرس طارئ عن الصم، وإنما كان ذلك لأنه حين لم يسمع صوتا قط مؤلفا، أو غير مؤلف لم يعرف كيفيته، فيقصد إليه ويحكيه.
ومنها أن في طبع الإنسان، أنه متى انهزم نزل عن جواده ليحضر ببدنه لأنه يظن أن إحضاره أنجى له، وأنه إذا كان راكبا على ظهر فرسه كان أقرب إلى الهلاك.
ومنها أن في الناس من يحرك فروة رأسه ومنهم من يحرك أذنه من بين أعضائه، وربما حرك إحداهما وترك الأخرى ساكنة، ومنهم من يبكي إذا شاء من غير سبب محدث للبكاء، ومنهم من يبكي بإحدى عينيه، وبالتي يقترحها المنعت له.
ومنها أنه متى خصي صلب عظمه، وعظمت رجلاه، وساوى الصبي في الأمن من الصلع، وغيره من الحيوان إذا خصي دق عظمه واسترخى لحمه، ومتى خصي الإنسان في أي سن كان، حفظ عليه الخصاء حال تلك السن من الأفعال السياسية والطبيعية مدة حياته فمتى خصي قبل العشر سنين لم يتغير دمه عن دم الطفولية ويبقى في مزاج الصبي لابثا لا يتحرك، وإن تعالت سنه، والدليل على ذلك أنه إذا غضب بكى، وإذا غلب سطى، ويرضيه الخداع أكثر مما يرضيه الحق ويعرض له الشر عند حضور الطعام، والبخل عليه والشح الغالب في كل شيء وكل ذلك من أخلاق الصبيان، ومن خصي وهو في النحو لا يؤثر الخصاء في مزاجه وذلك بعد ثماني عشرة سنة ولم تسقط لحيته لكنه يعدم الشهوة أما كلها أو بعضها، ويسلم له جميع ما للفحول، وهو مع الخصاء يحتلم ويرى الماء إلا أنه غير دافق، وليس له رائحة الطلع، ويجامع النساء كثيرا لكنه ينزل بعد الجهد الشديد ماء يسيرا متغير الريح، وقال الجاحظ: الخصي تقوى شهوته، وتسخن معدته وتتسع فقحته، وتنتن جلدته، وتنجرد شعرته، وتكثر دمعته، ويخرج من أكثر معاني الفحول وصفاتهم، فصار كالبغل الذي ليس بحمار، ولا فرس، وتصير أخلاقه مقسومة على طبائع الذكر والأنثى، وربما لم يخلص له خلق، ولم يصف بل يصير مركبا ممزوجا مذبذبا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ومن العجب خروجه عن شطر طباع الذكورة إلى شطر طباع الأنوثة، ولا يعرف له التخنيث، وكان ينبغي أن يكون في الخصيان عاما.








**************



القول في طبائع الوعل
وهو التيس الجبلي، والأنثى تسمى أروية، وهي شاة الوحش وفي طباع هذا النوع أنه يأوي الأماكن الوعرة الخشنة، ولا يزال مجتمعاً، فإذا كان وقت الولادة تفرق، وإذا اجتمع في ضرع الأنثى لبن امتصه والذكر إذا ضعف عن النزو أكل البلوط، فتقوى شهوته، ومتى لم يجد الأنثى انتزع المني بفيه بالامتصاص، وذلك إذا جد به الشبق، وفي طبعه أنه إذا أصابه جرح طلب الخضرة على الحجارة فيمتصها ويجعلها على الجرح، فيبرأ، وإذا أحس بقناص وهو في مكانه المرتفع استلقى على ظهره ثم يزج نفسه فينحدر ويكون قرناه وهما من رأسه إلى عجزه يقيانه ما يخشى من الحجارة، ويسرعان به لملوستهما على. . .، وفي طبعه الحنو على ولده، والبر بوالديه، وأما الحنو فإنه إذا صيد شيء من سخاله تبعته أمه ورضيت بأن تكون معه في الشرك وأما البر بوالديه، فإنه يختلف إليهما بما يأكلانه، وإذا عجزا من الأكل مضغ لهما وأطعمهما، ويقال أن في قرنيه ثقبين يتنفس بهما فمتى سدا هلك سريعاً.

الوصف والتشبيه
قال الشماخ يصف محبوبة له تسمى أروى:
وما أروى وإن كرمت علينا ... بأدنى من موقفه حرون
تطيف بها الرماة وتنفتهم ... بأوعال معقفة القرون
وقال الصاحب بن عباد:
وأعين كالذرى في سفلاته ... سواد وأعلى ظاهر اللون واضح
موقف أنصاف اليدين كأنه ... إذا راح يجري بالصريحة رامح
وما أطرف قول أبي الطيب المتنبي:
وأوفت الغدر من الأوعال ... مرتديات بغي الضال
نواخس الأطراف للاكفال ... يكدن ينفذن من الأطال
لها لحى سود بلا سبال ... يصلحن للإضحاك لا الإجلال
كل اثيث نيته متعال ... لم يغد بالمسك ولا الغوالي
يرضى من الأدهان بالأبوال

القول في طباع الظباء
وهي ألوان تختلف بحسب مواضعها، فصنف منها يسمى الأرام وألوانها بيض ومساكنها الرمل، وهي أشدها حضراً، وصنف يسمى العفر وألوانها حمر، وصنف منها يسمى الأدم وهي تسكن الجبال، وفي هذا النوع أسرار الطبيعة أنه ما يرى ذا روح إلا ويعلم ما يريد منه خير أو شر، وإذا فقد الماء استنشق الهواء فاعتاض به عنه، وإذا طلب لم يجهد نفسه في حضره من أول وهلة وإذا رأى طالبه قد قرب منه زاد في الحضر حتى يفوت الطالب، وهو يخضم الحنضل حتى يرى ماؤه يسيل من شدقيه، ويرد البحر فيشرب منه الماء الأجاج كما تغمس الشاة لحييها في الماء العذب لطلب النوى المنقع فيه وهو لا يدخل كناسه إلا مستديراً يستقبل بعينيه ما يخافه على نفسه وله نومتان في مكنسين، مكنس الضحى، ومكنس العشي، وإذا أسن الضبي ونبت لقرونه شعب نتج وإذا هزل أبيض وهو شيج النساء لا يسمح بالمشي فإذا أراد فأنما النقز والوثب، ورفع القوائم معاً كما يفعل الغراب فهو أبداً يحجل كما يحجل المقيد، وليس له حضر في الجبال، ويصاد بنار توقد له فيذهل لها لا سيما إذا أضيف إلى ذلك تحريك أجراس، فإنه ينخذل، ويرقد ويصاد بالعطش الشديد بأن يجعلوا بينه وبين الماء فينخذل، ولا يبقى به حراك البتة، وبين الظباء والحجل ألفة، ومحبة والحذاق في الصيد يصيدون بعضها ببعض، ويوصف بحدة البصر، ويسمى باليونانية اسماً معناه النظارة والبصرة

فصل
ويلحق بهذا النوع غزال المسك ولونه أسود ويشبه ما تقدم في القد، ودقة القوائم وافتراق الأظلاف، وانتصاب القرون، وانعطافها غير أن لكل واحد منها نابين خفيفين أبيضين خارجين من فيه في فكه الأسفل قائمين في وجهه كنابي الخنزير كل واحد منهما دون الفتر على هيئة ناب الفيل ويكون بالتبت وبالهند، ويقال أن الغزلان تسافر من التبت إلى اهند بعد أن يرعى من حشيش التبت وهو غير طيب فيلقى ذلك المسك بالهند فيكون رديئاً، وترعى حشيش الهند الطيب ويعقد منه مسكاً، وتأتي بلاد التبت فتلقيه فيكون جيداً، والمسك فضل دموي يجتمع من جسدها إلى سررها في وقت من السنة معروف بمنزلة المواد التي تنصب إلى الأعضاء، وهذه السرر جعلها الله تعالى معدناً للمسك فهي تثمره كل سنة بمنزلة الشجرة التي تؤتي أكلها كل حين فإذا حصل هذا الدم في السرر ورمت وعظمت فتمرض لها الظبي وتألم حتى تتكامل فإذا بلغ حكته بأظلافها وتمرغت في التراب فتسقط في تلك المفاوز والبرار فيخرج الجلابون فيأخذونه ويقال أن أهل التبت يضربون لها أوتاداً في البرية تحك بها إذا المتها السرر فتنقطع، وتسقط، فإذا سقطت عن الظبي كان في ذلك إقامته وصحته، فانتشرت حينئذ في المراعي.. وورد الماء، ومنها ما يموت لشدة ألمه.

الوصف والتشبيه
قد ينبغي أن نعلم أن هذا قليل جداً لأن الشعراء نقلوا محاسن الغزال إلى الغزل، وشرحوا بها حال من جذبه الحل وهزل، والصفة التي يصفون بها الظبي، وصفوا بها الجارية والغلام، وصرفوا الحقيقة إلى المجاز فيما أرادوه من الكلام.
قال بعضهم:
فما معزل تعطو بجيد كأنه ... عان بأيدي الصارمين صقيل
هضيم الحشى مغضوضة الطرف ... عالها بذات الأراك مرتع ومقيل
إذا نظرت من نحو أو تفرست ... دعاها أحمر المقلتين كحيل
بأحسن منها حين قالت صرمتنا ... وأنت صروم للحبال وصول
وقال ذو الرمة وذكر محبوبته:
ذكرتك إن مرت بنا أم شادن ... أمام المطايا تشرأب وتسنح
من المؤلفات الرمل أدماء صرة ... شعاع الضحى في متنها يتوضح
هي الشبه أعطافاً وجيداً ومقلة ... ومية أبهى بعد منها وأملح وقال أبو الطيب المتنبي من طردية وذكر منزلاً للصيد:
ومنزل ليس لها بمنزل ... ولا لغير العاديات الهطل
بذي الخزمي ذفر القرنفل ... محلل ملحوش لم يحلل
عن لنا فيه مراعي معزل ... محين النفس بعيد الموئل
أعناه حسن الجيد عن لبس الحلي ... وعاده العري عن التفضل
كأنه مضمخ. . . . بصندل ... معترضا بمثل قرن الأيل
وقال آخر:
وحالية بالحسن والجيد عاطل ... ومكحولة العينين لم تكتحل قط
على رأسها من قرنها الجعد وفرة ... وفي خدها من صدغها شاهد سبط
تجللها من غبرة الجلد فروة ... وتجمعها من بيض أباطها مرط
وقد أدمجت بالشحم حتى كأنما ... ملأتها من فرط ما اندمجت قمط



* كتاب: مباهج الفكر ومناهج العبر
المؤلف: أبو إسحق برهان الدين محمد بن إبراهيم بن يحيى بن علي المعروف بالوطواط (المتوفى: 718هـ)



صورة مفقودة
 
أعلى