أبوالقاسم عبيد الله بن عبد الله المعروف بابن خرداذبة - المختار من كتاب اللهو والملاهي

زيد الأنصاري
مدني وهو الذي يقول فيه وفي أشعب عبد الله بن مصعب الزبيري:
إذا تمزمزت صُراحيّة ... كمثل ريح المسك أو أطيب
ثم تغنى لي بأهزاجه ... زيد أخو الأنصار أو أشعب
زيد أخو الأنصار ذاك الذي ... يعرفه مطرب من يطرب
حسبت أني ملكٌ جالس ... حفّت الأملاك والموكب
وما أبالي واله الهوى ... أشرّق العالم أم غرّبوا
وجدت له سبعة أصوات منها:
يا شبيه الغزال رد فؤادي ... وارث للعاشق الطويل السهاد
أشعب أبو العلاء بي جبير
مدني مولى لعبد الله بن الزبير وأمه حمدة مولاة لأسماء ابنة أبي بكر كانت تغري بين أزواج النبي عليه السلام وكانت بغت فحلقت وضربت وطيف بها على جمل تنادي من رآني فلا يزنين. فأشرفت عليها امرأة فقالت يا فاعله نهانا الله فلسنا ندعه وتريدين أن ندعه بقولك وأنت محلوقة مجلودة يطاف بك.
وكان أشعب نشأ في حجر عائشة بنت عثمان وكان مصعب بن الزبير قتل جبيراً لخروجه مع المختار أبي عبيد.
فقال أشعب: نشأت أنا وأبو الزياد في حجر عائشة بنت عثمان فلم يزل يعلوا وأسفُل حتى بلغنا هذه المنزلة وأسلمتني في البزّ. فسألتني بعد سنة: أين بلغت.
فقلت: قد تعلمت نصف العمل وبقي نصفه. قالت: وكيف. قلت: قد تعلّمت النشر وبقي الطي.
فخرج أشعب ظريفاً مندداً وكان من أطمع الناس. فقيل له: ما بلغ من طمعك. قال: أرى دخان جاري فأثرد أنا وما سارّ إنسان إنساناً إلا ظننته يهب لي شيئاً.
وقالت صديقة لي يوماً: يا أشعب هب لي خاتمك أذكرك به. قلت: اذكريني بالمنع.
وساوم بقوس بندق. فقال صاحبها: بدينار. فقال: والله لو كانت إذا رميت عنها طايراً خرّ مشوياً بين رغيفين حواري لم أشترها بدينار.
ثم نسك أشعب وعرى.
فقيل له: قد لقيت الفقهاء فلو تحدّثت. قال: نعم حدّثني عكرمة قال: خُلّتان لا تجتمعان في مؤمن، نسي عكرمة واحدة ونسيت الأخرى.
قال أشعب: كنت يوم قتل عثمان غلاماً أسقي الناس الماء وبقي إلى أن أتى به الربيع في خلافة المهدي. وجدت له أصواتاً منها:
ألا ناد جيراننا نقصد ... نقضّ اللبانة أو نعهد
كأن على كبدي جمرة ... حذاراً من البين ما تبرد
محمد بن الأبجر
وجدت له هذا الصوت:
وفي الحي من يهوى هوانا ويلتهي ... وآخر قد أبدا الكآبة مغضب
ونحن أناس عودنا عود نبعة ... إذا نسب الحيَّان بكر وتغلب
محمد بن الصامة
مدني ليثي. وكان بارد المجلس. فغنى في مجلس فيه محموم فقال المحموم: دعنا نعرق. وبعث رجل غلامه إلى السوق فقال: اشترِ لي خمسة أرطال ثلج. فلقي ابن الصامة فأدخله على مولاه.
فقال: طلبت خمسة أرطال وهذا حمل. وكان موسى بن الصامة والصامة أبوه وأمه فرعة مغنيان. وكان أهل المدينة يسمّونه بين دفتي المصحف. وجدت له في كتاب اسحق ودنانير ثلاثة أصوات منها:
قد تمنى معشر في دراهم ... من عقار وسوام وذهب
وتمنيت سليمى أنها ... بنت عمر من لها ميم العرب
خفيف ثقيل الأول للفضل بن عتبة.
الطبقة الرابعة من المغنين
ثم كانت الطبقة الرابعة.
صباح الخيَّاط
وجدت له ثمانية أصوات منها الصوت:
يا قلب ويحك لا تذهب بك الحرق ... إن الأولى كنت تهواهم قد انطلقوا
ما بالهم لم يبالوا إذ هجرتهم ... وأنت من بينهم قد كدت تحترق
لابن قيس الرقيات خفيف ثقيل الأول
عزور
كوفي. وجدت له هذا الصوت:
ياربع سلمى لقد هيجت لي طرباً ... زدت الفؤاد على ما عنده نصبا
ربع تبدل ممن كان يسكنه ... عفر الظباء وظلمانا به عُصبا
ثقيل الأول
محمد نعجه
كوفي. وجدت له أربعة أصوات منها:
ما جرت خطرة على القلب مني ... منك إلا استترت من أصحابي
من دموعٍ تجري فإن كنت وحدي ... خالياً أسعدت دموعي انتحابي
للسيّد الحميري.
سليمان
أخو جمحة: مدني. وجدت له صوتين أحدهما:
فلما بدا حرمانها الضيف لم يكن ... علي مناخ السوء ضربة لازب
فلما تراجعنا الحديث سألتها ... من الحي قالت معشر من محارب
للقطامي ثقيل الأول
ابن حودره
مكي. وجدت له في كتاب اسحق وعمر أربعة وعشرين صوتاً منها هذا الصوت:
لعب الحب بقلبي فاشتفى ... ومن العينين نومي قد نفى
كدر العيش بهجران التي ... كدرت عيشي وقد كان صفا
ثقيل الثاني
الدلال
مدني. اسمه نافذ وكنيته أبو زيد وكان مخنّثاً جميلاً بربرياً مولى لبني فهر وكان ينقر بالدفّ وكان ممن خصاه ابن حزم الأنصاري بأمر سليمان ابن عبد الملك فقال: هذا الختان الأكبر.
وكان سليمان غيوراً. فسمع ليله وجارية عنده عليها حلي ومعصفر في ليلة بدر هذا الصوت من سمير الأبلي:
محجوبة سمعت صوتي فأرَّقها ... من آخر الليل لما ملّها السهر
تدني على فخذها من ذي معصفرها ... والحلي دان على لبّاتها خصر
لم يحجب الصوت أحراس ولا غلق ... فدمعها لطرف العين ينحدر
في ليلة البدر ما يدري معانيها ... أوجهها عنده أبها أم القمر
لو خليت لمشت نحوي على قدم ... يكاد من رقة المشي تنفطر
فتفهَّم سليمان الشعر وظنَّ أنه يغني في جاريته فبعث في طلبه فأتى به فأمر حجاماً فخصاه وكتب إلى المدينة في إخصاء المخنثين المغنين ثم ندم على إخصاء الرجل فأمر له بعشرة آلاف درهم فأبى أن يقبلها فضاعفها له فلم يقبل فلم يزل يزيده حتى بلغ إلى مائة ألف درهم فأبى أن يقبل.
فانتثرت لحية الفتى. فقال: الله إنك أذهبت جمالي وقطعت نسلي وأفسدت دنياي لا والله إذا أفسد عليك آخرتك فخصي الدلال وبرد الفؤاد ونوّمه الضُحى وطريقه وكانوا يغنون ويلعبون في الأعراس.
وجدت له في كتاب إبراهيم تسعة عشر صوتاً وفي كتاب يونس صوتاً واحداً شارك فيه مالكاً وهو:
لمن ربع بذات الجي ... ش أمسى دارساً خلقاً
كلفت بهم غداة غدٍ ... ومرّت عيسهم حزقا
لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت ثقيل الأول ولمالك فيه خفيف الرمل.
طريفه بن الشوتري
مدني مولى الأنصار ممن خُصي وقال أعادوا علينا الختان.
وقد ذكره إسماعيل بن بشار حين هجا لحاتم يمن.
ولا الدلال ولا طويس ... ولا ابن الشوتري ولا الغريض
لاخت النخل خنث يحيى ... ولاحا ضواكما يحيى يحيض
فند أبو زيد
مولى عائشة بنت سعيد بن أبي وقاص. مدني. أحد المخنثين: وكان يجمع بين الرجال والنساء.
فقيل له: ويلك تقود وقد فضحت نفسك. قال: إنما هو رغيف طيب وعرق سمين وقدح نبيذ صافي ونزول الأير عن أستي فلا أبالي في أست من وقع.
وله يقول ابن قيس الرقيات وغناه بن حديده وملك:
قل لفند يشيّع الأظعانا ... طال ما سرّ عيشنا وكفانا
زودتنا رقيّة الأحزانا ... يوم جازت حمولها السكرانا
وفند الذي يضرب به المثل في الإبطاء، لأن عائشة أرسلته يأتي بنار وهو يعدوا فتبدد الجمر. فقالت: تعست العجلة يا فند. فقال الشاعر:
ما رأينا لغراب مثلاً ... إذ بعثناه يجي بالمشمله
غير فند أرسلوه قابساً ... فثوى حولاً وسبّ العجله
وجدت له أربعة أصوات منها:
بشّر الظبي والغراب بسعدى ... مرحباً بالذي يقول الغراب
ارجعي فاقرأي السلام عليها ... ثم رُدي جوابنا يا رباب
لابن قيس الرقيات:
سجيه
مخنث له الكامل.
يا عمرو شيخك وهو ذو شرفٍ ... يحمي الذمار ويكرم الصّهرا
أقسمت ما أجبت حبكّم ... لا ثيّباً خلقت ولا بكرا
لأبي دهبل خفيف ثقيل الأول
شبيب
مخنث. له الخفيف:
يا جواري الحي عدننيه ... حجبوا عني معلليه
قربوا عودا ًوباطية ... فبذا أدركت حاجتيه
لعفان ثقيل الثاني
صعتر
مخنث. له الكامل:
رفع الصدود يمينه ... فوجى بها أنف الوصال
صرخ الوصال وقال مه ... يا صاح جينا للقتال
صالح بن زهير الخزاعي: مخنث مدني. دخل على رجل قد كتب في بيته آدم ألف حواء. فقال له: لم كتبت هذا. قال: حتى لا يدخل علينا إبليس. قال: يا أحمق دخل على آدم وحوا الجنة فأخرجهما منها، لا يدخل على كتاب بفحمة. وصعد جبلاً فأعيي وسقط كالمغشي عليه تعباً. فقال يا جبل ما أصنع بك يكفيك يوم تكون الجبال كالعهن المنفوش. وجدت له في كتاب اسحق هذا الصوت:
يا خليلي آبني سهدي ... لم تنم عيني ولم تكد
فشرابي لا أسيغ ولا ... أشتكي ما بي إلى أحد
للفارعة أخت حسان رمل وفيه أخر
النسَاءُ القُدَمَاء
سيرين
جارية حسان بن ثابت وهي أخت مارية ضاربة وهي أم عبد الرحمن بن حسان. روى عبيد الله بن سعد عن يونس عن أبي إدريس عن عكرمة عن ابن عبّاس قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بحسان بن ثابت وقد رشّّ فناء فاطمة ومعه أصحابه سماطان وجارية له يقال لها سيرين معها مزهرها تختلف به بين السماطين بين القوم وتغنيهم.
فلما مرّ النبي عليه السّلام لم يأمرهم ولم ينهاهم فانتهى إليهم وهي تقول في غنائها المقتضب:
هل علي ويحكما ... أن لهوتُ من حَرَج
فتبسّم النبي عليه السَّلام وقال: لا حرج إن شاء الله.
قيان جبلة بن الأيهم الغسّاني
وكن عشر قينات خمس منهن يغنين بالعيدان بالرومية وخمس يغنين بغناء أهل الحيرة أهداهن إليه إياس بن قبيصة الطائي. لهن أغاني منها:
لله درّ عصابة نادمتهم ... يوماً بجلّق في الزمان الأول
يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل
لحسان بن ثابت ثقيل الأول
عزة الميلا
وكانت مولاة، مدنيّة للأنصار وكانت تميل في مشيتها.
فسميت الميلا وكانت من أحسن الناس وجهاً وغناء وضرباً بعود ومعزفة وكانت مطبوعة على صنعة الغناء مؤلفة له لما قدم نشيط، وتعلّم منه سايب خاثر وغنيا لقينة عزة نغمها. فألّفت ألحاناً عجيبة. فهي أول من فتن أهل المدينة بالغناء.
وكان طويس بها معجباً. وكانت عفيفة مع ذلك. وكان عبد الله بن جعفر وابن أبي عتيق يأتيان منزلها وتغنيهما.
وكان ابن سريج يزورها من مكة. فتعلّم منها وطويس لا يفارقها وكذلك ابن محرز وهو الخفيف:
انظر نهاراً باب جلق هل ... تونس دون البلقا من أحد
لا أخدش الخدش بالنديم ولا ... يخشى نديمي إذا انتشيت يدي
أبصرت سلمى ودونها جبل الثلج عليه السحاب كالقدد لحسان بن ثابت رمل وفيه لحن لأبن محرز
جميلة
أم عمرو مدنية مولاه لبنى سليم زوجها مولى لبنى الحرث وكانت من أجمل النساء وأكثرهم أدباً.
فأما الغناء فناهيك أنها أتت معبداً ومالكاً وابن عائشة وحبابه وسلامه وخليده وربيحة الشماسيّة جارية قليج بن شماس مولى العباس بن عبد المطلب وعقيلة العقيقية.
فأجمع أهل العلم بالغناء أنها كانت أعلم الخلق بالغناء لا يدّعي أحد من المكيين والمدنيين مقاربتها فيه.
وكانت ضاربة. قالت جميلة اشتهيت الغناء لأن سائب خاثر كان جاراً لنا فكنت أسمعه فغنيت فجاء غنائي أحسن من غنائه.
وقال يونس: ما غنت جميلة أحداً قط إلا في منزلها.
وفيها يقول عبد الرحمن بن أرطأة المحاربي وغناه ملك.
فإن الجلال وحسن الغنا ... ء وسط بيوت بني الخزرج
تكلم جميلة زين النسا ... إذا هي تزدان للمخرج
وكان لعبد الله بن جعفر رأي في الغناء فمرَّ بباب قوم عندهم جارية تغني:
قل للكرام ببابنا يلجوا ... ما في التصابي على الفتى حرج
فدخل عليهم فرحبوا به وقاموا إليه وقالوا له جُعلن فداك كيف دخلت بغير إذن. فقال قد أذنتم لي: غنت الجارية قل للكرام ببابنا يلجوا.
سلامة
جارية أبي نفاع. وجدت لها في كتاب يونس هذا الصوت:
من لقلبي يجول بين التراقي ... مستخفاً يتوق كل متاق
حذراً أن تبين دار سليمى ... أو يصيح الداعي لها بفراق
سلامة القس
جارية يزيد بن عبد الملك، مدنية. كانت لسهل بن عبد الرحمن بن عوف فاشتراها يزيد بأربعة آلاف دينار. والقس هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عاد الجشمي العابد.
كان يقال له القس لعبادته. ففتن بها ونُسبت إليه وفيها يقول القس.
قد لامني فيك أقوام أجالسهم ... فما أبالي أطار اللوم أم وقعا
وفيها يقول ابن قيس الرقيات. وغناه مالك:
لقد فتنت ريا وسلاّمة القسا ... فلم تتركا للمقسي عقلاً ولا نفساً
ريّا
أخت سلامة. وجدت لها هذا الصوت:
أسلاّم هل لميتّم تنويل ... أم قد صرمت وغال وصلك غول
لا تصرفي عني دلالك إنه ... حسن لدي وإن بخلت جميل
للأحوص خفيف ثقيل الأول
حبّابة
جارية يزيد بن الوليد بن عبد الملك، مدنية. كانت لابن مسا فأعطاه بها يزيد قبل خلافته خمسة آلاف دينار ثم كره شراها ثم اشتُريت له في خلافته فحظيت عنده وبلغت ما لم تبلغه جارية وشغل بها عن كلّ شيء فعاتبه مسلمة بن عبد الملك وقال يفعل هذا بعقب عمر بن عبد العزيز.
فأقصر فبعثت حبّابة إلى الأحوص أن قل شعراً تردّه به إلى ماكان عليه فقال:
ألا لا تلمه اليوم أن يتبلدا ... فقد غُلب المحزون أن يتجلدا
فما العيش إلى ما تلذّ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشنان وفنّدا
وبعثت إلى سعيد أن غنّه فغناه. فوجدته في كتاب يونس ثقيل الأول وفي كتاب اسحق رمل. واحتالت حتى أسمعته إياه.
فقال: لعن الله مسلمة. وعاد إلى ما كان عليه معها وجمع المغنين. فحدّثني الزبير بن بكار عن محمد بن مسلمة عن ابن ماقيه. قال: حدّثني رجل من أهل ذي خشب. قال: صدرت إلى ذي خشب فلما كنت بمحيض إذا قبة على جمارة وإذا حول القبة بشير كثير وإذا صوت عود وغناء جارية لم أسمع طلالة خلقها لأحد قط وهي تغني:
سلكوا بطن محيض ... ثم ولوا أجمعونا
أورثوني حين ولوا ... طول حزن وأنينا
ثم أمرت لمن سار تحت قبتها بألف درهم.
فقلت: من هذه قالوا حبّابة جارية يزيد بن عبد الملك.
سعده
أحد المحسنات القدماء. لها:
قد أرسلوا كي يعزّوني فقلت لهم ... كيف العزاءُ وقد سارت بها الرفق
استهدت الريم عينيه فجادلها ... بمقلتيه ولم يترك له عنق
لوضّاح اليمن
جارية امرأة ابن أبي عتيق
مدنية. لها بشعر مولاتها عاتكة بيت عبد الرحمن المخزومية في ابن أبي عتيق.
ذهب الإله بما نعيش به ... وقمرت لبك أيما قمر
أنفقت مالك غير محتشم ... في كل زانية وفي الخمر
فبلغ ابن عتيق الشعر فلقي عبد الله بن عمر فأنشده إياه. وقال: ما ترى يا أبا عبد الرحمن في إنسان هجاني بهذا الشعر.
فقال: أرى أن تعفو عنه وتصفح. فقال: أما والله لئن لقيته لأنيكنه. فوضع ابن عمر يده على وجهه.
وقال: إنا لله أما تستحي من هذا. ثم التقيا بعد فأعرض عنه ابن عمر. فقال: يا أبا عبد الرحمن لقيت ذلك الإنسان فنكته والله. فصعق ابن عمر. فدنا منه ابن أبي عتيق فقال: إنها امرأتي. فقام ابن عمر فقبّل وجهه.
الطبقة الثانية في المغنين
الطبقة الثانية:
يونس الكاتب
أبو سليمان ابن سليمان بن كود بن شهريار من ولد هرمز الجري. مدني مولى لعمرو بن الزبير. وكان أبوه فقيهاً أدرك يونس الأربعة ابن سريع والغريض ومعبد وابن محرز. وكان من كتَّاب الديوان بالمدينة وكان شاعراً ولم يكن في غلمانه معبد أحذق منه. وفيه يقول أبو سعود بن خلد.
يا يونس الكاتب يا يونس ... طاب لنا اليوم بك المجلس
إن المغنين إذا ما هم ... جاءوك حتى يهم الملبوس
تنشر ديباجاً وأشباهه ... وهم إذا ما نشروا كربسوا
وبلغ عمراً طويلاً زاد على الثمانين. ذكر سعيد بن هرمز عن عبد العزيز بن أبي سلمه العمري قال: رأيت يونس الكاتب وقد انقطع صوته يُعلم جواريه بإشارة بيده فيفهمن عنه ما يريد كأنه يلقي عليهن بلسانه.
وكان ببغداد. وغنى ما وجدت له في كتابه ما غناه مفرداً وشارك فيه ثلاثة وتسعين صوتاً وكان مرتجلاً وهو دون الغناء.
فكان الذي جمع ديوانه ثمانية وثلاثين مغني ومغنية من الطبقة الأولى والثانية غناهم ثمان مائة وخمسة وعشرين صوتاً لم ينسبها إلى أجناسهم لأنهم لم يكونوا يعرفون هذه الأجناس التي لقيها إبراهيم الموصلي على أنه قد ترك من القدماء من لم يذكره.
أول صوت ليونس في كتابه:
يا دار ماويّ بذي الحبائل ... فالشط من دمدن فالقائل
صم سداها وعفا رسمها ... واستعجمت عن منطق السائل
قد قررت العينان من وائل ... أمس ومن زيد ومن كامل
حلت لي الخمر وكنت امرأً ... عن شربها شغل شاغل
لامرئ القيس بن حجر خفيف ثقيل الأول ويونس صاحب الأصوات الزيانب في زينب بنت عكرمة بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام المخزومي والأشعار فيها لابن دهميه المزني وهي:
تصابيت أم هاجت لك الشوق زينب ... وكيف تصابي المرء والرأس أشيب
ثقيل الثاني وله:
زينب ردي وصالي ... وأسمعي مني مقالي
وله:
إنما زينب هي ... بأبي تلك وأمي
فلما قال بأبي تلك وأمي غضبت فاحتجبت عن بن دهيمه وعن يونس. وله:
قولا لزينب لو رأيت ... تشوقي لك وإشتياقي
خفيف الرمل وله:
وجد الفؤاد بزينب ... وجداً شديداً مُتعباً
يازينب الحسناء يا زينب ... يا أكرم الناس إذا نسيتُ
ثقيل الأول
إنما زينب المنى ... وهي الهم والهوى
قل للذي يلحا على زينب المنى تعلقه مما ضمنت عشير وفيها يقول اللاحقي:
يوم تبدي لنا قتيلة عن جي ... د أثيلٍ تزينه الأطواق
وشنيب كالأقحوان جلاه الطل فيه عذوبة واتّساق
لأعشى قيس ثقيل الاول
الأبجر
غلام ابن سريج واسمه عبيد بن القسر أبو ظبية ولقبه الحسحاس مكي مرصع مولى لبني ليث وكان يتيماً لعطاء بن أبي رياح ولم يكن بمكة أحد أطر ولا أحسن هيئة من الأبجر. كانت حلته بماية دينار وفرسه بماية دينار. وكان أحسن الناس خلقاً وكان يقف بين المازمين ويرفع صوته ويغني. فيقف الناس حتى يدق بعضهم بعضاً.
وخرج ليلة سبع من ذي الحجة فجلس على قريب من النعيم ومرّ به عسكر الوليد بن يزيد وفيه قباب وخيل تجنب وفيها فرس مجنب فاندفع فغنّى:
عرفت ديار الحي خالية قفرا ... كان بها لما توهّمتها سطرا
الطويل خفيف الرمل فصاح به صائح ويحلك أعد الصوت. قال: لا والله إلا بالفرس المجنب وأربع مائة دينار.
فاستوصف منزله وبعث إليه من غد بذلك مع تخت بثياب وشي وغيره ثم صار إليه.
ومات بمصر. وجدت له خمسة وثلاثين صوتاً. وفي كتاب يونس ما غنّاه مفرداً وشارك فيه أحد عشر صوتاً. منها:
سألني الناس أين يغمد بهذا ... قلت يأتي في الدار قرماً سريّا
ما قطعت البلاد أسمو ولا أمم ... ت إلا إليك يا زكريا
لموسى بن إبراهيم بن طلحة خفيف ثقيل الأول
مدار
مخنث مكي. مولى لبني مخزوم. وجدت له في كتاب إبراهيم خمسة عشر صوتاً وفي كتاب يونس ما غناه مفرداً وشارك فيه عشرة أصوات منها:
راتني خضيب الرأس شمرت ميزري ... وقد عهدتني أسود الرأس مسبلا
أماطت كساء الخز عن حر وجهها ... وأدنت على الخدين برداً مهلهلاً
حطوطاً إلى اللذات أجررت ميزري كإجرارك الحبل الجواد المجللا
للعرجي العثماني ثقيل الثاني
ابن صاحب الوضوء
واسمه محمد أبو عبد الله مدني مولى أبي بكر وكان أضرب الناس من أهل زمانه.
وجدت له في كتاب إبراهيم وكتاب يونس صوتين أحدهما:
خطاطيف حُجنٌ في حبال متينة ... تمدّ بها أيدٍ إليك نوازع
فإن كنت لا ذا الضغن عني مكذباً ... فلا حلفي يوماً على البر نافع
للنابغة الذبياني خفيف ثقيل الثاني
سنان الكاتب
مدني. وجدت له في كتاب يونس ما غناه مفرداً وشارك فيه ثمانية عشر صوتاً. وكان قدم المدينة تاجر يبيع الخمر فباعها خلا السود منها. وكان صديقاً للدارمي الشاعر.
وكان الدارمي قد تاب من الشعر والغناء. فقال له: فإني سأحتال لك. فقال شعراً وسأل سنان أن يغنّي فيه ففعل وهو:
قل للمليحة في الخمار الأسود ... ماذا صنعت براهب متعبّد
قد كان شّمر للصلاة أزره ... حتّى عَرضت له بباب المسجد
للدرامي ثقيل الأول فلم تبقَ بالمدينة ظريفة إلا طلبت خماراً أسوداً فباع التاجر الخمر وانصرف ورجع الدارمي إلى التنسك.
عمر الوادي
هو عمر بن داوود بن راذان مولى عمرو بن عثمان بن عفّان من أهل وادي القرى وهو من بلاد المدينة على خمسة أيام مما يلي الشام وكان مهندساً ولم يكن يضرب بالعود وكان مع الوليد بن يزيد يشاهد معبداً ومالك عنده وكان الوليد يُسميّه جامع لذتي ومحيي طربي وكان يغني بأشعار الوليد وبقي إلى خلافة بني العباس. وجدت له ثلاثة وخمسين صوتاً. وفي كتاب يونس مع صوت شارك فيه ستة أصوات. فمن غنائه الخفيف:
سليمى يسلم سلمي ... كنت للقلب عذابا
سليمى ابنة عمي ... برد الليل وطابا
أيما واشٍ وشى بي ... فاملئي فاه شرابا
ريقها في الصبح مسك ... باشرت عذبا رضابا
للوليد بن يزيد
حنين بن بلوع
أبو الأسود الحيري وكان نصرانياً جمّالاً يكري الإبل عبادي وقيل أنه من بني الحرث بن كعب وهو الذي يقول وغناؤه له:
أنا حنين ومنزلي النجف ... وما نديمي إلا الفتى النصف
أغرف بالطاس وسط باطية ... مترعة تارة واغترف
من قهوة باكر التجار بها ... بنت يهود قرارها الخزف
فالعيش غض ومنزلي خصب ... لم تغرني شقوة ولا عنف
لحنين خفيف ثقيل الأول وحرّم خالد بن عبد الله القسري الغناء فأذن للناس يوماً فدخل عليه حنين فقال أصلح الله الأمير.
كانت لي صناعة كنت أنفق على عيالي منها فحرّمتها. قال: وما صناعتك.
فكشف عن عوده. فقال له: غنِ. فحرك أوتاره وغنَّى:
أيها الشامت المعيّر بالده ... ر أأنت المبرأُ الموفور
أم لديك العهد الوثيق من الأي ... ام أم أنت جاهل مغرور
أين كسرى خير الملوك أنوشر ... وان أم أين قبله سابور
وبنوا الأصفر الملوك كرام ال - أرض لم يبقَ منهم مذكور لعدي بن يزيد: فبكا خالد وقال: قد أذنت لك فلا تجالس عربيداً ولا سفيهاً.
فكان حنين إذا دُعي قال: أفيكم سفيه أو عربيد. فإذا قيل له: لا دخل إليهم. وجدت له أحد وثلاثين صوتاً وفي كتاب يونس ما غناه مفرداً وشارك فيه خمسة عشر صوتاً. منها المتقارب:
أأنكرت من بعد عرفانكا ... منازل كانت لجيرانكا
منازل بيضا كانت تكون ... لسرّ هواك وإعلانكا
ثقيل الأول
دحمان الأشقر
ودحمان لقب واسمه عبد الرحمن أبو عمرو مدني مولى لبني ليث بن بكر بن عبد الله بن كنانه. وكان أبوه جمّالاً وكان يضرب بالعود وكان يحجّ ويغزو كلّ عام وكان معدلاً شهد عند عبد العزيز بن المطلب بن حنطب المخزومي على عراقي فعدّله.
فقال العراقي: إنه دحمان فقال: أعرفه ولو لم أعرفه لسألت عنه. فقال: إنه مغني يعلم الجواري الغناء.
فقال: غفر الله لك وأيّنا لا يتغنَّى. ودحمان الذي يقول: ما رأينا باطلاً قط أشبه بالحق من الغناء. ومر يوماً وعليه رداء طريف.
فقيل له: بكم أخذت هذا الرداء. فقال: بما ضر جيراننا. وقال الشاعر:
إذا ما هزج الواد ... ي أو ثقل دحمان
فهذا الشدو من هذا ... ومن هذا بميزان
فهذا سيّد الأنس ... وهذا سيّد الجان
وقال فيه أعشى بني سليم:
قل لذي اللهو في الأفاق كلهم ... أعطوا المقاده أهل الفضل دحمانا
قرماً من البزل جرجاراً يحطمكم ... كما يحطم ليث الغاب أقرانا
كنت فحولا فصرتم يوم حلبتكم ... لمَّا انبرى لكم دحمان خصيانا
بل أبلغوه عن الأعشى مقالته ... أعشى سليم أبو عمرو سليمانا
قولوا يقول أبو عمرو لصحبته يا ... ليت دحمان قبل الموت غنَّانا
وبقي إلى أيام الرشيد ومات بالأنواء سنة اثنين وثمانين ومائة. وجدت له في كتاب إبراهيم مائتين وأحد وثمانين صوتاً. وفي كتاب يونس صوتاً واحداً شارك فيه الغريض:
أبا كرة في الظاعنين رميم ... ولم تشف متبول الفؤاد سقيم
وقالت لأترابٍ لها شبه الدما ... يبكين شجوا والدموع شجوم
لجرير رمل وفيه للعريض

المختار من كتاب اللهو والملاهي
المؤلف: أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله المعروف بابن خرداذبة (المتوفى: نحو 280هـ)

Nike Air Max Thea Grise Femme

.
 
أعلى