أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد ابن عمر بن شاهنشاه - المختصر في أخبار البشر

المختصر في أخبار البشر
المؤلف: أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد ابن عمر بن شاهنشاه بن أيوب، الملك المؤيد، صاحب حماة

وفي أيام أبي بكر ادعت سجاح بنت الحارث بن سويد التميمية النبوة، واتبعها بنو تميم وأخوالها من تغلب وغيرهم من بني ربيعة، وقصدت مسيلمة الكذاب، ولما وصلت إِليه قصدت الاجتماع به، فقال لها: أبعدي أصحابك، ففعلت، فنزل وضرب لها قبة وطيبها بالبخور واجتمع بها، وقالت: له ماذا أوحي إِليك؟ فقال: ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى. أخرج منها نسمة تسعى. من بين صفاق وغشى. قالت: وما أنزل الله عليك أيضاً. قال: ألم تر أن الله خلق النساء أفواجاً. وجعل الرجال لهن أزواجاً، فتولج فيهن إِيلاجاً. ثم نخرج ما شئنا إِخراجاً. فينتجن لنا إنتاجاً. فقالت: أشهد أنك نبي، فقال: هل لك أن أتزوجك؟ قالت: نعم. فقال لها:
ألا قومي إلى النيك ... فقد هيي لك المضجع
فإِن شئت ففي البيت ... وإن شئت ففي المخدع
وإن شئت سلقناَك ... وإن شئت على أربع
وإنْ شئتِ بثلثيه ... وإن شئت به أجمع
فقالت: بل به أجمع يا رسول الله. فقال: بذلك أُوحي إِلي، فأقامت عنده ثم انصرفت إِلى قومها، ولم تزل سجاح في أخوالها من تغلب حتى نفاهم معاوية عام بويع فيه، فأسلمت سجاح وحسن إِسلامها، وانتقلت إِلى البصرة وماتت بها.
وفي أيام أبي بكر قتل مسيلمة الكذاب، وكان أبو بكر قد أرسل إلى قتاله جيشاً، وقدَّم عليهم خالد بن الوليد، فجرى بينهم قتال شديد وآخره انتصر المسلمون وهزموا المشركين، وقتل مسيلمة الكذاب، قتله وحشي بالحربة التي قتل بها حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم، وشاركه في قتله رجل من الأنصار، وكان مقام مسيلمة باليمامة، وكان مسيلمة قد قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد بني حنيفة فأسلم؛ ثم ارتد وادعى النبوة استقلالاً، ثم مشاركة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقتل من المسلمين في قتال مسيلمة جماعة من القرّاء من المهاجرين والأنصار، ولما رأى أبو بكر كثرة من قتل أمر بجمع القرآن من أفواه الرجال وجريد النخل والجلود، وترك ذلك المكتوب عند حفصة بنت عمر زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ولما تولى عثمان ورأى اختلاف الناس في القرآن، كتب من ذلك المكتوب الذي كان عند حفصة نسخاً وأرسلها إلى الأمصار وأبطل ما سواها.
وفي أيام أبي بكر منعت بنو يربرع الزكاة، وكان كبيرهم مالك بن نويرة، وكان ملكاً فارساً مطاعاً شاعراً قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم، فولاه صدقه قومه، فلما منع الزكاة أرسل أبو بكر إِلى مالك المذكور خالد بن الوليد في معنى الزكاة، فقال مالك: أنا آتي بالصلاة دون الزكاة: فقال خالد: أما علمت أن الصلاة والزكاة معاً؛ لا تقبل واحدة دون الأخرى فقال مالك: قد كان صاحبكم يقول ذلك. قال خالد: أوما تراه لك صاحبا؟ والله لقد هممت أن أضرب عنقك، ثم تجاولا في الكلام فقال له خالد: إِني قاتلك. فقال له: أو بذلك أمرك صاحبك؟ قال: وهذه بعد تلك، وكان عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري حاضرين، فكلما خالداً في أمره، فكره كلامهما. فقال مالك: يا خالد، ابعثنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا. فقال خالد: لا أقالني الله إِنْ أقلتك، وتقدم إِلى ضرار بن الأزور بضرب عنقه، فالتفت مالك إِلى زوجته وقال لخالد: هذه التي قتلتني، وكانت في غاية الجمال، فقال خالد: بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام. فقال مالك: أنا على الإسلام، فقال خالد: يا ضرار اضرب عنقه. فضرب عنقه وجعل رأسه اثفية القدر، وكان من أكثر الناس شعراً، وقبض خالد امرأته؛ قيل: إِنه اشتراها من الفيء وتزوج بها، وقيل إِنها اعتدت بثلاث حيض وتزوج بها، وقال لابن عمر ولأبي قتادة: احضرا النكاح فأبيا، وقال له ابن عمر: نكتب إِلى أبي بكر ونعلمه بأمرها وتتزوج بها، فأبى وتزوجها. وفي ذلك يقول أبو نمير السعدي:
ألا قل لحي أوطؤا بالسنابك ... تطاول هذا الليل من بعد مالك
قضى خالد بغياً عليه بعرسه ... وكان له فيها هوى قبل ذلك
فأمضى هواه خالد غير عاطف ... عنان الهوى عنها ولا متمالك
فأصبح ذا أهل وأصبح مالك ... إِلى غير أهل هالكاً في الهوالك
ولما بلغ ذلك أبا بكر وعمر، قال عمر لأبي بكر: إِن خالداً قد زنى فارجمه، قال: ما كنت أرجمه؛ فإِنه تأول فأخطأ. قال: فإِنه قد قتل مسلماً فاقتله، قال: ما كنت أقتله فإِنه تأول فأخطأ. قال فاعزله، قال ما كنت أغمد سيفاً سله الله عليهم. ولما بلغ متمم بن نويرة أخا مالك المذكور مقتل أخيه، بكاه وندبه بالأشعار الكثيرة، فمن ذلك قصيدة متمم العينية المشهورة التي منها:
وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن نتصدعا
وعشنا بخير في الحياة وقبلنا ... أصاب المنايا رهط كسرى وتبعا
فلما تفرقنا كأني ومالكاً لطول ... اجتماع لم نبت ليلة معا
وفي أيام أبي بكر فتحت الحيرة بالأمان على الجزية.
ثم دخلت سنة اثنتي عشرة وسنة ثلاثة عشرة فيها كانت وقعة اليرموك، وهي الوقعة العظيمة التي كانت سبب فتوح الشام، وكانت سنة ثلاث عشرة للهجرة، وكان هرقل إذ ذاك بحمص فلما بلغه هزيمة الروم باليرموك رحل عن حمص؛ وجعلها بينه وبين المسلمين، ولما فرغ خالد بن الوليد وأبو عبيدة من رقعة اليرموك قصدا بصرى، فجمع صاحب بصرى الجموع للملتقى، ثم إِن الروم طلبوا الصلح؛ فصولحوا على كل رأس دينار وجريب حنطة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الكتاب: المختصر في أخبار البشر
المؤلف: أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد ابن عمر بن شاهنشاه بن أيوب، الملك المؤيد، صاحب حماة (المتوفى: 732هـ)

D9%86%D9%8A%D8%A9%2B%D8%B2%D9%8A%D8%AA%D9%8A%D8%A9%2B%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9%2B(69).jpg
 
أعلى