نقد خلدون الشمعة - السلطان العاري.. الفائض عن الاستبداد الشرقي

حكاية «الإمبراطور العاري» نعرفها جميعاً. في طفولتي لم أكن أعرف أن هذه القصة البارعة والمتميزة والتي تنسب لكاتب دانماركي من القرن التاسع عشر يدعى هانس كريستيان أندرسن، هي في الحقيقة حكاية مغربية ترجمت من العربية إلى اللاتينية في القرن الحادي عشر.

وفي يفاعتي قرأت بحثاً في مجلة «الثقافية الوطنية» للناقد محمود أمين العالم يحاجج فيه أن القصة القصيرة فن أوروبي تعود أصوله إلى عصر ظهور الطباعة، وأن العرب لم يعرفوا هذا الفن قبل ذلك التاريخ.

آية ذلك أن حكاية «الإمبراطور العاري» ليست دانمركية بل مغربية. وقد سبق أن أشرت إلى أن الصلات المبكرة التي تربط بين القصص الغربي وبين التراث الشعبي لا تقتصر على «ألف ليلة وليلة» كما هو شائع، بل تتعدى ذلك إلى كتاب آخر عنوانه: «ديسبلينا كليريكاليس» (Disciplina Clericalis) ترجم من العربية إلى اللاتينية في القرون الوسطى قبل أن ينقل إلى اللغات الأوروبية الأخرى، وعلى رأسها اللغة الانكليزية. وقد لفت نظري بعد مطالعتي لهذا الكتاب أن قصة هانس أندرسن، الكاتب الدانماركي الشهير التي تعود بتاريخها إلى القرن التاسع عشر، هي النموذج الأكثر شبهاً بالأصل العربي من النماذج الأخرى التي يكشف عنها هذا المصدر. بل إنّ هذه القصة التي صدرت بعنوان «ثياب الإمبراطور الجديدة» ربما كانت النموذج الذي يمكن أن يُعَد إذا ما نظر إليه من منظور التشابه والاختلاف، نصاً أميناً للأصل المغربي، وبالتالي فإنه كان الأقل تعرضاً للتحوير والتكييف والتبديل.

والآن دعوني أسرد موجزاً للنص الغربي، وآخر للنص المغربي، بغرض المقارنة بين النصين:

يقول هانس أندرسن:

«في قديم الزمان عاش إمبراطور مولع بالثياب الجميلة. وقد بلغ من تعلقه بها أنه كان ينفق كل ماله على اقتفائها. وكانت البلدة التي يقع قصره فيها سعيدة للغاية، يتوافد عليها الزائرون الجدد في كل يوم. وذات يوم جاءها اثنان من النصابين كانا يشيعان بأنهما حائكان يعملان في صناعة النسيج، وأنهما قادران على نسج أروع الأقمشة وأشدها جمالاً. كما زعما أن هذه الأقمشة لم تكن تتميز من حيث الألوان والنقوش فحسب، بل كانت لها خاصية تجعلها غير مرئية لكل من كان يشغل منصباً ليس مؤهلاً لشغله، أو كان أحمق حماقة لا تغتفر».

«إن هذا رائع حقاً» هكذا قال الإمبراطور لنفسه: «والآن إذا صنعت أردية من هذا القماش، أمكنني أن أعرف من مِن مستشاري غير كفء لشغل منصبه. سأطلب من الرجلين أن ينسجا لي بعض الأقمشة». ثم دفع الإمبراطور للنصابين مبلغاً كبيراً من المال لكي يشرعا في عملية النسج. وفكر قائلاً:

«سوف أرسل رئيس وزرائي المؤتمن ليرى على أيّ نحو يسير العمل، فهو يعرف كيف يحكم على مادة القماش».

وسرعان ما دخل رئيس الوزراء العجوز الطيب الحجرة التي يعمل فيها الحائكان وشاهد النول الفارغ، ففكر قائلاً: «اللهم احفظنا!.. إنني لا أرى شيئاً».

ولكن أحد النصابين بادره بالسؤال: «أخبرنا ما رأيك فيما ترى؟». فرد متمتماً: «رائع» وبادر إلى ضبط نظارتيه على عينيه، ثم لم يلبث الإمبراطور أن دخل الحجرة التي كان الحائكان منهمكين بالعمل على النول الفارغ.

فتوسلا إليه أن يقترب من النول فتساءل رئيس الوزراء: «رائع؟».

فكر الإمبراطور: «إنني عاجز عن رؤية أي شيء إنها لكارثة». ثم صاح بصوت مرتفع: «إنه قماش رائع، وهو يروق لي».

ونصحه مستشاره بأن يقص القماش وأن يخاط لكي يرتديه في موكبه خلال الاحتفال المبكر الكبير.

وفي الليلة التي سبقت الاحتفال لم تغمض للنصابين عين ولكن الجميع كانوا يلاحظون إلى أيّ حد انهمكا في العمل. وأخيراً أعلنا على الملأ: «ملابس الإمبراطور الجديدة جاهزة» وعندما اقترب الإمبراطور منهما تحركا على نحو يوحي بأنهما يقومان بإلباسه الثياب الجديدة.

وعندما سار في الموكب، أجمع سكان البلدة على أنها رائعة، ولم يجرؤ أحد على الاعتراف بأنه لا يرى شيئاً.

بل إن ملابس الإمبراطور لم تحظ بمثل هذا القدر من الترحاب من قبل.

ولكن طفلاً صغيراً لم يلبث أن صرخ قائلاً: «إنه لا يرتدي شيئاً». ودار الهمس واللغط بين الحاضرين قبل أن يكرّروا ما قاله الطفل الصغير: «الإمبراطور عريان».

اعترت الإمبراطور الرجفة إذ أدرك أنهم على حق. ولكن قال في نفسه: «لا بد أن أتحمل حتى ينتهي الموكب»، وسار في خيلاء أكثر من أيّ وقت مضى.

***

هذه هي حكاية هانس أندرسن. أما الحكاية المغربية فيمكن إيجازها على النحو التالي:

وفد ثلاثة نصابين على أحد الملوك، وزعموا أنهم عمال تمرسوا بحياكة النسيج، وأن في وسعهم صنع قماش يتميز بخاصية عجيبة فلا يرى هذا القماش إلا من كان ابن أبيه حقاً. أما إذا كان ابنا غير شرعي، حتى إن اعتقد أنه شرعي، فإنه لن يتمكن من رؤيته.

وقد سعد الملك بالفكرة أيما سعادة، وشعر أنه سيتمكن بهذه الوسيلة أن يميز الرجال في مملكته، فيعرف من منهم شرعي النسب، ومن منهم غير شرعي، ذلك أنه لا يجوز عند المغاربة المسلمين أن يورّث الآباء أبناءهم غير الشرعيين.

وقد أمر لتحقيق هذا الغرض بتخصيص قصر لصنع هذا النوع من القماش. ولكي يتمكن النصّابون الثلاثة من إقناعه بأنهم لا يخدعونه، وافقوا على أن يحبسوا في القصر حتى يفرغوا من صناعة القماش.

وشاء الملك الاستئناس برأي أناس آخرين قبل أن يقرّر ما يفعل، فأرسل وزيره لتفحص القماش عن كثب ليتأكد من أنهم لا يخدعونه. وعندما رأى الوزير العمال لم يجرؤ على الاعتراف بأنه لم ير شيئاً بين أيديهم، فقفل عائداً للاجتماع بالملك وإبلاغه بأنه رأى القماش، ولكن الملك سرعان ما قرّ عزمه على التحقق من الأمر بنفسه.

وعندما دخل القصر ورأى العمال منهمكين في الحياكة، أحس بقلق عظيم من ألا يكون الابن الشرعي لأبيه، ولكنه رأى أنه إذا اعترف بأنه لم ير شيئاً فربما فقد مملكته، وبتأثير من هذا الشعور أخذ يمتدح عمل الحائكين، وساءت الأمور على حالها حتى حل موعد عيد كبير، فنصح الملك بأن يرتدي ثوباً مصنوعاً من القماش الجديد.

وما أن حل العيد حتى كان النصابون الثلاثة قد انتهوا من صنع القماش وأحضروه للملك.

آنذاك تظاهر الملك بأنه ارتدى حلته الجديدة غير المرئية، فامتطى صهوة جواده متجهاً إلى المدينة، وكان من حسن الحظ أن الفصل كان صيفاً. وعندما رأى الناس جلالته عارياً أصابتهم الدهشة ولكنهم احتفظوا بالدهشة لأنفسهم، خوفاً من الفضيحة.

غير أن زنجياً لم يكن يملك شروى نقير يخسره، صاح لدى مرور الموكب الملكي قائلاً: «ليس لديّ ما أخسره يا سيدي ولا يهم ابن من أنا، ولذلك أقول لك إنك تركب الجواد بيننا عارياً».

سارع الملك إلى جلد الزنجي قائلاً إن الأخير ليس الابن الشرعي لأبيه، ولهذا لم يتمكّن من رؤية الملابس المصنوعة من قماش غير مرئي. ولكن ما أن تفوه الزنجي بعبارته عن الملك العاري حتى شعر الناس أنه ينطق بالحقيقة، فرددوا العبارة مراراً. وأخيراً زال الخوف من بطانة الملك وأدركوا حيلة النصابين الثلاثة الذين لاذوا بالفرار حاملين معهم ما أمر لهم الملك من أعطيات.

***

يخلص القارئ من المقارنة بين النصين المغربي والدانماركي إلى أن التشابه بينهما أشد بروزاً من الاختلاف. ولكن الاختلاف في حد ذاته من المتعذر أن نقلل من أهميته. فلأن المؤلف الدانماركي يكتب حكاية للأطفال اختار طفلاً بريئاً لم يتردد في الجهر بحقيقة كون الإمبراطور عارياً والكشف بذلك عن سيطرة الرياء والمداهنة بطانة الإمبراطور وحاشيته من جهة وإذعان الجمهور المستسلم لما يريد المراؤون والمداحون المحيطون به رؤيته من جهة أخرى.

وأما القصة المغربية كما هو جليّ، فإنها تنحو نحواً آخر. فهي لا تقتصر على مؤشرات طبقية مكبوتة، بل تتجاوز ذلك إلى تصور معنى آخر للحرية كما يراه المخيال الشعبي. فالزنجي الفقير المملوك وليس المالك، والذي لم يكن لديه ما يخسره إذ يجهر بالحقيقة، يكشف بتدخله المفاجئ أنه ليس عبداً فحسب بل كائن يتوق إلى الحرية بمعنى من المعاني. والحرية الخفية هنا مناظرة للبراءة في قصة هانس أندرسن. ولا شك أن هناك نقاط تشابه واختلاف كثيرة أخرى تستحق الالتفات ولا مجال للتطرق إليها الآن.

وقد طالعت قبل سنوات رواية لافتة لرالف إليسون وهو كاتب زنجي أميركي معاصر عنوانها «الرجل الخفي» (The Invisible Man) أو ربما «الرجل غير المرئي»، صدرت في عام 1952. هذه الرواية البارعة ذات المنحى الأوتوبيوغرافي الذي يسرد الوقائع كسيرة ذاتية، والتي تعد واحدة من عيون الأدب الأميركي بطلها زنجي يذكرني بزنجي القصة المغربية ولكن بطريقة معكوسة، فالزنجي فيها رجل غير مرئي، وذلك خلافاً لزنجي الحكاية المغربي المرئيّ الذي نفخ في الصفارة إذ رأى بعينيه خديعة الإمبراطور العاري غير المرئي.

وفي تقديم E. L. Ranelagh مؤلف كتاب «الماضي المشترك» الذي أشار فيه إلى كتاب ديسبلينا كليريكاليس ووضعه جنباً إلى جنب مع كتاب «ألف ليلة وليلة» من حيث كونه أحد أكثر الكتب المترجمة عن العربية تأثيراً على فن القص في الغرب، يتساءل قائلاً: «من سمع بهذا الكتاب عندما يذكر كتاب شالليالي العربيةص الذي ترجم إلى الفرنسية في عام 1704 والذي صار مألوفاً؟».

ومع ذلك فإن هذا الكتاب الذي ترجم إلى اللاتينية في عام 1106 كان أشد تأثيراً على الأدب الأوروبي من «الليالي العربية».

هذا الرأي ربّما كان خلافياً وفي تقديري أنه بحاجة إلى ناقد بارع وعدة نقدية متميزة للبرهنة على صحته.

وفي المصدر نفسه يورد المؤلف تفاصيل مفيدة حول بطرس ألفونسس الذي ترجم الكتاب من العربية إلى اللاتينية. فقد ولد في أراغون بالأندلس عام 1062، وكان يهودياً نشأ في ظل الحكم العربي الذي استمر حتى عام 1030.. ثم صار طبيب بلاط ألفونسو الأول بأراغون، قبل أن يهاجر إلى إنكلترا حيث تنصّر وعمل في بلاط هنري الأول.

وفي إنكلترا جمع وترجم قصص «ديسبلينا كليريكاليس». وعلى الرغم بروزه في حقول كثيرة ظل هذا الكتاب الصغير قمة إنتاجه. فقد كانت اللاتينية آنذاك لغة القارة الأوروبية بأكملها. وقبل ما ينيف على قرن، أحصى شوفين (Chauvin) المستعرب الفرنسي قرابة خمسين كاتباً أوروبياً تأثروا بهذا الكتاب من بينهم الإيطالي بوكاتشيو والإسباني ثرفانتسس والإنكليزيان تشوسر وشكسبير.

ولا شك أن سيطرة الرومانتيكية على الأدب الغربي في القرن التاسع عشر كان لها أثرها الكبير على الاهتمام الاستثنائي الذي أبداه الكتّاب الأوروبيون آنذاك بالمصادر الشرقية عموماً والعربية تحديداً كمتابع ثرة للإلهام. وفي ذلك مفارقة تستحق الذكر. فعلى الرغم من الدور الذي لعبته المصادر الشرقية في صناعة الرومانتيكية فإن أوروبا كانت آنذاك تلح على إبراز خصيصة الاختلاف بدلاً من الاعتراف بخصيصة التشابه، ولا ريب أن فكر الفرنسي ميشيل فوكو يسعفنا كما أسعف فكر إدوارد سعيد في الكشف عن سر هذه المفارقة. فما حدث ويحدث هو أن الفرضية الاستشراقية عن الشرق هي التي ظلت مسيطرة. وحسب ميشيل فوكو فإن الفرضية تقول: «أنا أعلم بوجود الاختلاف ولهذا فأنا أسيطر».

وهذا يحيلنا إلى دور الترجمة الذي أعده ضرباً من ضروب الفتح. وأنا لا أستعمل كلمة «فتح» العربية للتذكير بجذرها اللغوي الحامل للكثير من الدلالات فحسب، وإنما للتذكير تحديداً بما أشار إليه الباحث الأيرلندي كيبرد (Kiberd) أحد أبرز الباحثين في «دراسات ما بعد الاستعمار» من أن فعل «Translate» بالإنكليزية ومعناه «يترجم» يتحدر من الجذر اللغوي لفعل «يفتح، يغزو». وقد اكتسب هذا الفعل أهمية خاصة في مجال «دراسات ما بعد الاستعمار» وهو مجال يشغل حيزاً مركزياً في دائرة أوسع هي «النقد الثقافي» (Cultural Critique).

وتعليل وجود هذه الأهمية يكمن في أن العلاقة بين فعل «يترجم» وفعل «يفتح» ذات محمول معرفي يشير إلى محاولات الاستعمار الأوروبي القيام بعمليات تصنيف وتسجيل وتمثيل المجتمعات غير الأوروبية، وبالتالي فتحها لكي تصير قابلة للهيمنة والخضوع.

آية ذلك أن الترجمة من العربية إلى اللغات الأوروبية هي بدورها بمثابة «فتح» مغاير للفتح الأوروبي ولكنه يشير إلى رحلة النص من لغة إلى لغة أخرى، النص الذي تستقطبه نزعة مركزية أوروبية طاغية. وهو بهذا المعنى محاولة لإعادة الاعتبار للهامش العربي في مواجهته المستمرة للمركز الأوروبي.

ولكن ما المقصود بالهامش؟

المقصود بهذا المصطلح النظر إلى الثقافات غير الأوروبية وعلى رأسها الثقافة العربية الإسلامية من زاوية المركز الأوروبي. وبعبارة أخرى يمكن القول إن معناه تهميش هذه الثقافة وسلبها من الدور التاريخي الذي لعبته في تطور الحضارة العالمية. وحتى في هذا الزمن الذي يحتلّ فيه مفهوم العولمة الثقافية موقع السيطرة في علاقات القوة غير المتكافئة بين الثقافات الأوروبية والثقافات الشرقية، مازالت النزعة المركزية الأوروبية هي المهيمنة على الهامش الذي يشمل كل ما عداها. وتتجلى هذه النزعة في التردد بقبول فكرة كون الغرب قد اقترض شيئاً يُعتَدُّ به من الشرق، أو رؤية أمشاج الفكر الشرقي الكامنة في داخل التراث الغربي. ولأن أوروبا تربط تاريخها الحضاري باليونان فقد اعتبرت الحضارة العربية الإسلامية مجرد وسيط لا أكثر بينها وبين الحضارة اليونانية.

وبعبارة أخرى يمكن القول إن عدم وجود تكافؤ في معادلات القوة بين الطرفين يحيلنا إلى مسألة تمثيل أوروبا لـ»الآخر». وقد كان كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد محاولة لتفنيد مؤسسة الاستشراق وليس وضع المستشرقين كلهم في سلة واحدة كما شاع لدى صدوره، فلا شك أن هناك مستشرقين ساهموا إلى حد كبير في الكشف عن الدور الذي لعبته الحضارة في تكوين الحضارة الأوروبية وفي تطوير مفهوم التعددية الحضارية العالمية.

والمقدمة التوضيحية التي وضعها إدوارد سعيد للطبعة الثانية من الكتاب أوضحت أنه تعرض لمؤسسة الاستشراق تحديداً وليس إلى جميع إسهامات المستشرقين.

وكما هو معروف فإن موضوع تمثيل «الآخر» هو أحد أمشاج كتابه الذي صدّره بعبارة ماركس اللافتة عن الشرقيين: «إنهم لا يستطيعون تمثيل أنفسهم ولذلك يجب علينا أن نقوم بتمثيلهم».

لا شك أن الحراك الثوري السوري، قد نجح في تفنيد هذا الادعاء رغم أنه أرغم على دخول نفق مظلم ليس من صنعه. ويبدو أنّ ما يحدث في معظم أنحاء العالم العربي الآن، يعزز الرأي القائل أنه لن يُسمح للهامش بتمثيل نفسه قبل أن يتمكن بنفسه من انتزاع حقه في التمثيل. وحتّى يتحقق ذلك لا بد من التذكير بمقولة الفيلسوف هيغل حول «الاستبداد الشرقي»، ونظيرتها مقولة عالم الاجتماع «ماكس ويبر» حول ما دعاه بـ»السلطانية الشرقية».

هاتان المقولتان تطرحان السؤال التالي: هل صحيح أن الشرقيين غير مؤهلين ولن يكونوا مؤهلين للديمقراطية؟ ثمة قطاع من المثقفين العرب، وأنا أحدهم، يحاول عبثاً تفنيد هذا التأطير العنصري للشرق. ومن الجلي أن قصة أندرسن، وأصلها المغربي، تشتركان بحدود، في البرهنة على تهافت منطق «الداروينية الاجتماعية» الذي يختزله هذا التأطير. فالطفل في القصة الدانمركية (التي ظلت شرقية رغم التحوير)، ونظيره الزنجي في القصة مغربية الأصل، كلاهما يرى الحقيقة ويفضح الاستبداد. ومنذعقود، رأى السوريون بدورهم حقيقة الوحل الأمني والطائفي والمناطقي الذي أوغل فيه الحاكم وأشاروا إلى الاستبداد وعلقوا عليه ومازالوا يدفعون الثمن. إن ما نواجهه الآن هو «السلطانية الشرقية» بامتياز، ما نواجهه هو الفائض عن «الاستبداد الشرقي».



* خلدون الشمعة
ناقد من سوريا مقيم في لندن
** [ عن مجلة الدديد / العدد: 27، ص(6) 01/04/2017 ]
 
أعلى