قصة قصيرة جورجيا بروني - ملح وفلفل.. ت: د. محمد عبد الحليم غنيم

  • بادئ الموضوع د.محمد عبدالحليم غنيم
  • تاريخ البدء
د

د.محمد عبدالحليم غنيم

كنا غارقين للركب فى ثلج ماسخوسيتش ، نعاني من تسرب المياه عبر السطح ، وسيارتنا المرسيدس قد دفنت تحت جبل من الثلج الأبيض اللامع ، ولكن ليس هذا هو المهم ، لأن قبل مجيء الثلج كنت قد ركبت الدراجة ذات السلال الصدئة لمسافة ربع ميل إلى محل الخضروات للتزود بها ، أما هنري فكان يقوم بإصلاح المحرك منذ شهور ، ولم نستلم السيارة بعد ، وعوضا عن القهوة - ومن أجل التغيير - لجأنا إلى شرب الشاي .

التهمنا أطعمتنا الرئيسية ، ولكن دعنا نواجه الآتي : ثمة شخص صار مريضا بسبب الأرز والشوربة المحفوظة لفترة طويلة . لذلك أعددت ساندويتشات البسكويت الجاف بمربى البرتقال وزبدة الفول السوداني التي قشطتها من حواف البرطمان مع أن لدينا 28 دجاجة تجري فى الهكتارات الثلاثة التي نملكها ، لم يقم هنرى بذبح واحدة ، يقول أنه لا يستطيع قتل الأشياء الحية يدعوها هنري العجوز بحيواناته الأليفة، يقول :

- مارى

ثم يضيف وهو يحرك يده نحوي فى اشمئزاز :

هذه الكائنات الصغيرة الأليفة خلقت فقط من أجل التمتع بالشمس .

صرخت :

- أليفة ! لدينا جراج مليء بالفئران .. ادعوها حيوانات أليفة

اندفعت خارجة من الغرفة ، كان يجب عليً أن أظل لعشرة أيام فى نيوانجلاند تحت رحمة العاصفة الثلجية ، فلا أستطيع الخروج وبالتأكيد مثل الجحيم لا أحد يستطيع الدخول ، وبسبب هذا السجن كان من الصعب التركيز على أي شيء سوى تجريف الثلج وشم رائحة الدجاج المطبوخ .

كان الطقس سيئا بالدرجة التى جعلتنا ننفذ قدراتنا خلال يومين ، غطينا رؤوسنا ، وانزلقنا تحت كل بطانية فى المنزل ، بالطبع قال هنرى من المستحسن أن نفعل ذلك .

وكان قد قال :

- سوف تستمر على هذا الوضع

ربما كان ذلك عندما كنت قد توصلت بيني وبين نفسي أنني احتاج إلى ما هو أكثر من هذه الحياة مع رجل يفتقد سلامة العقل ، بل ليس لديه عقل مطلقا ، وقد عرفت أن واحدا منا لابد أن يحتفظ بعقله بعيدا عن الجنون .

كنت أدرك أنني أستطيع قتل أشياء . قتلت ذات مرة صرصارا ، كان يزحف خارجا من وسط أدوات معسكره ، أو ضرب رجل كبير فوق رأسه بالمكنسة،الآن أفكر فى هذا الأمر ، يمكننى أن أضرب هنري أيضا، و بعد كل هذا لا يبدو لى حقا أن الصرصار يريد الحياة فى هذه الغابة الباذخة ، أراهن على أن الحشرتين يجب أن يجتمعا فى حقيبة فندق رخيصة ويلتقيا فى مكان ما .

عش النحل الذي يقول هنري أنه يتركه وحده "وحده" تلك هى الكلمة المفتاح . ماذا لو أن سربا من النحل هاجمني وكنت وحدي ؟ سأموت .. بالتأكيد سأموت . هل رأيت شخصا ينجو من هجوم النحل ؟ لا .. و لأن أي شخص طبيعي لا يستطيع أن ينتظر حتى يؤكل حيا ، فإنهم يبيدون القطيع كله قبل أن يبيدهم ، فالعين بالعين ، كما كان أبي يقول .

لذلك جلست أستمع لجملة "سوف نجتاز ذلك" لآخر مرة . عندئذ رفعت تنورتي فوق حذائي ، دست فوق ارض الجراج ، وجدت ما أبحث عنه ، أخيرا ، كانت هذه العبوات الصغيرة هناك منذ شهور ، وكنت أعرف فقط أنها هناك ، وضعت المحتويات فى مطحنة الفلفل القديمة ، ثم عبأتها فى الملاحة ، تخيلت إن لم يرتفع ضغطه فسأكون ساذجة .

لعدة أيام اشتكى من الدوخة ، ولكنى ذكرته أنه يقضي أيامه فى قراءة ذلك المرتوق على مجلة المزرعة ، وأن قلة حركته هى التى سببت هذا الصراع الخفيف "فوق هذا" أضفت . ثم سألته :

- نت تظن أننا نعيش فى مزرعة، نحن نعيش فى كوخ يا هنري ، سبع غرف مزودة ببيانو و لا أحد منا يلعب عليه وثريات لا تقدم لنا خيرا أو شرا عندما تضعف الطاقة .

وقلت له أن المزارع بها دجاج ، ذلك النوع الذي يأكله الناس ، ولدينا غرفة طعام من خشب الماجون وأنا مستعدة لتقطيعها قطعا صغيرة من أجل حطب الوقود .

لكن زيادة مساحة الصلع فى رأس الزوج لم تلفت انتباه أي شخص ذكي فى العائلة ، لقد كان فقط يجلس هناك ، يرفع الملاحة التى على شكل بقرة وينثر منها على أرزه . قلت :

- هكذا .. التوابل زيادة

لعله يحتاج إلى كل هذه التوابل ، ذلك أن يجمعها إلى حيث ينتهي ، فلا يوجد ملح فى جهنم ، أنزل شوكته وأجاب بهدوء :

- لا تبدئي أنت يا ماري .

- لا تبدئي يا ماري ! حسنا ، إذا لم تبدأ ماري فإن شيئا لن يحدث هنا

- الأرز جيد

هكذا علق ، بينما كان يمسك معدته ، من المؤكد أنه يبتلع حصاد مقتي وإطرائي من فوق أرزي .. رجل مثالي . ابتسمت له ، ولكني فى الحقيقة كنت أريد أن أصرخ ، قلت :

- أرز عظيم يا عزيزي .. من المحتمل أن يكون أروع مع دجاجة

كان الدم يتقاطر من أنفه ، وهو يجلس ـ كان فقطـ ينظر من النافذة البارزة ، يمسح أنفه بمنديل ورقي ، بينما يراقب دوامة ثلجية تدور على شكل إعصار ، يده فى الصندوق ، المنديل يخرج من الصندوق ، يرفعه إلى أنفه ، تعود يده إلى الصندوق ، تتكرر هذه الحركة مثل الاثنين والأربعين عاما التى عشناها معا . ربطتنا بشكل رتيب أيام متكررة ، يبدو أن هنري مستمتع بها ، أما أنا فلا ، لسنوات وسنوات وأنا أتعذب على يد هذا الرجل . قلت لك المرأة تفعل ما تريد أن تفعله .

سال فمي باللعاب لخمسة أيام ، ذلك أن مدة دفع هذا الرجل الضخم للسقوط قد طالت . سقط منبطحا على أرض المطبخ بعد ظهر أحد الأيام عقب تجهيز كريمة الفطر المحفوظة مع رجة أخيرة مع سم الفئران ، عندها التقط الطاسة وشربها محدثا صوتا حتى تركها خالية . اشرب يا هنري ، قلت فى نفسي . داوم على ابتلاع حساء ماري اللذيذ ، ركزت انتباهي على رائحة الدجاج المتبل ، حيث غطي بالثوم المملح والزبدة .

عندما توجهت نحو بندقية الرش المستندة على ركن الحائط فى المطبخ ، تخطيت جسده ، لأتركه بين الأرض والباب ، لبست معطفي القديم ، الذي ألبسه عند رفع الثلج ، لأن طيب القلب (المرحوم) علم من الدكتور موران أن عليه ألا يرفع أي شيء ثقيل ، حتى أنه لم يرفع مطلقا إصبعا ، مثل تلك سأستخدمها فى إطلاق النار .

أمسكت بمقبض الباب عندما أتى الطرق ، كنت فى الداخل أنتظر أن أصيد دجاجة ، وكانوا هم فى الخارج ينتظرون ليحاصروني . صاحوا :

- افتحي يا سيدة ماكارثري .. نحن نعلم أنك هنا .. لا آثار فى الثلج تدل على خروجك .

وقالوا أنهم سيكسرون الباب إن لم أفتح لهم .

كنت أقرأ جيدا ما يفكر فيه الخنازير الثلاثة الصغيرة ، ومع ذلك سمحت لهم بالدخول ، أعتقد إنهم ربما يعيدون الحياة لهنري العجوز مرة اخرى ، بينما أقبض أنا بيدي على الدجاجة .

نظروا إلى جثة رفيق حياتي الملقاة على أرضية السيراميك الإيطالي ، بعد ذلك أحسست بنظراتهم مركزة علىً ، كان أحدهم ذا كرش قال أن القسم استلم رسالة من هنري ، يبدو أنه يفوقني دهاء ومع ذلك التفت نحوي مبديا سلطته ، بنص حروفه ، كتب :

" من أربعة أيام ، اكتشفت أن زوجتي تحاول قتلي ، كانت تضيف لي سم الفئران من الجراج وكانت الأعراض : تشنج المعدة ونزيف الأنف وجفاف الفم ، ربما كان أمامي يوم واحد أو اثنان وأموت لكني سأوافق على أي شيء لكي تطلق سراحها ، فقط تعتني بدجاجاتي .

- دجاجاته ؟؟!

ضحكت ، ثم أضفت :

- أكل ما فكر فيه الملعون هو دجاجاته ؟

قال الطويل من رجال البوليس :

- لا يا سيدة ماكارثري .. لقد فكر فيك أيضا .

نظرت إليه فى حدة ، وقلت :

- ذلك السيد الكبير لم يفكر أبدا بأي شيء سوى نفسه ، لقد اشترى هذا المنزل فوق التل من أجل مزاجه الشخصي وجعلني أبحر من جنوب فرنسا ، لأنه أراد أن يذهب ، رجل أناني ، كلهم أنانيون .

- تعالي يا ماري .. دعينا نذهب إلى المستشفى

هكذا أمر الضابط الضخم ، فصرخت :

- المستشفى ؟ ليس هناك شيء خاطئ معي .

يسأل الرجال دائما النساء عن مشكلاتهن ، ولم يتوقفوا أبدا ليدركوا أن المشكلة الكاملة تبدأ بهم

- لم تنته الرسالة بعد.

قال الضابط الذي يشبه عود الفاصوليا ، ثم نظر إلى رفيقيه ، ورفع حاجبيه كما لو كان شيء ما قد حدث بطريق الخطأ ، وددت لو أعطيت كليهما ركلة خاطفة ، لكنني صنت أنوثتي وجلست هناك أحك أذني ، ثمة أشياء جافة تزحف ـ على الأقل ـ فى تلك الأماكن المتقوقعة .

قال عود الفاصوليا :

- يبدو أن الحكيم أعتقد أنك ستموتين أولا .. لقد كان يسكب الاستركنين على قهوتك لمدة شهرين.

قلت :

- شكرا للرب لقد تخلصنا من القهوة .
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
أعلى