يانيس ريتسوس - شهقات.. ت: تحسين الخطيب

الشِّعرُ

حاضرُ المستقبلِ

قمحتانِ

تفّاحةٌ

الحيّةُ حمراءُ

ذهبيّةٌ

أثينا، 27-2-80

فطورٌ

تحتَ الأشجارِ

كأسانِ

وعصافيرُ كثيرةٌ

أنظرُ إلى الثّمثالِ

ثَمَّ ثقبٌ

في

ضلعهِ الأيمنِ—

آهِ يا أمّيَ المسكينة

أثينا، 28-2-80

إليهِ حدّقَ الطّائرُ

مِنَ النّافذة

تركَ الكمّاشةَ

على الطّاولة

فتحتْ كلمةُ

"كمّاشة" فكّيها

إنّها تسحبُ المسمارَ

فتسقطُ المرآةُ

أثينا،29-2-80

حدّثتكِ

عن هذي المعجزةِ

حينَ يرحلُ شخصٌ

ويظلُّ قيمصُهُ

على ظهرِ الكرسيِّ

فتلوّحُ السّتارةُ

لثاني مّرةٍ، بلَى،

مِن أجلنا

أثينا، 29-2-80

رميتُ حجرًا

في بئرِ الماءِ

الصّوتُ الذي سمعتُهُ

مِن قَبْلُ

يتناغمُ كلُّهُ

معَ الصوتِ الجديدِ

لذلكَ

تَعُدّينَ بالحَقِّ أصابعي

أمامَ الشبابيكِ المُنوَّرة

أثينا، 29-2-80

أكواخٌ بسقوفٍ واطئةٍ

دخانٌ

يخرجُ

كوزُ ماءٍ

لا بُدَّ أن أريكِ

حشرةً

على ورقةِ أشجارٍ

ظِلَّ الطائرِ

منحوتًا في المرمرِ

الشّجرةَ

ولا عكّازاتٍ لديها

أثينا، 29-2-80

لأمدٍ طويلٍ طويلٍ

بخبزٍ كَفافٍ

وسجائرَ رخيصةٍ

يا رفيقي

كيفَ كبرَ العالمُ

مِن طَرْفٍ إلى طَرْفٍ

ومِن يدٍ إلى يدٍ

في كلمةٍ واحدةٍ يا رفيقي

أثينا، 29-2-80

الغابةُ البليلةُ

تَصِرُّ

في الأصيلِ الذي رأيناهُ

لم نسألِ

المرأةَ ذاتَ الأسماكِ

فالرّحلةُ كذلكَ

مِن أجلنا—

عن أيّ قسَمٍ تكلّمتِ؟

أثينا، 29-2-80

وجدتُ عظمةً

مغروزةً في الأرضِ

مسحتُها على ركبتي

إنّها بيضاءُ

سأصنعُ نايًا—

فالأناشيدُ البيضاءُ

والحمراءُ تارةً

تنثالُ على هذا المنوالِ

أنصتي

أثينا، 29-2-80

جزيرةٌ

قبّةٌ

كرسيٌّ واحدٌ

اِجلسي—

آهٍ، ولأنّني أشهقكَ أيّها الجَمالُ

فإنّ النجومَ سوفَ تقتُلني

أثينا، 29-2-80

ألم تسمعينني؟

لقد قلتُ مرحبًا

ولا شيءَ سواها—

أكانتْ مرحبًا؟

وداعًا؟

بلى بلى

سوفَ تمطرُ في أيِّ وقتٍ الآنَ

مرحبًا بكِ

أثينا، 29-2-80

رأيتُ الطاولةَ

في المرآةِ

ليستْ في الغرفةِ

كنتِ

في الغرفةِ

أجلسُ هناكَ

على الطاولةِ الداخليّةِ

أتظاهرُ بأنّني أقرأُ

وتحتَ الجريدةِ

المملحةُ

والسكّينُ

أثينا، 29-2-80

وأنتِ تشمّينَ

وردةً

صرتِ، نصفَ مترٍ أطولَ

والآنَ لا تستطيعينَ أن تعبري

مِن تحتَ البابِ

لَيَّلَ اللّيلُ

فبرَّدَتْ

تراءتِ النجومُ

والذئابُ

هبطتْ

أثينا، 29-2-80

صدأٌ وصدأٌ أكثرُ

على درابزينِ الشرفةِ

منفذِ تهويةِ المطبخِ

السّريرِ

دعيهِ

ما الذي تستطيعينَ اِصلاحَهُ أوّلًا؟

اِحترسي مِنَ النّملِ

تحتَ الكلماتِ

أثينا، 29-2-80

رأى الملحَ

مسفوحًا على الدّرجاتِ

ثيابَ المرأةِ

مرميّةً على الأرضِ

أخذَ المَسْطَرِينَ

كي يُجبِّسَ الثّقوبَ

شيّدَ بيتًا

مليئًا بالنّوافذِ

أثينا، 29-2-80

صفحةُ أرضٍ هادئةٌ

مخازنُ كبيرةٌ

دكاكينُ نجارةٍ

مقبرةٌ

والبحرُ في كلِّ مكانٍ

يمشي الهوينا في أروقةٍ

يملأُ الكؤوسَ

ويملأُ المرايا

يستحيلُ النّاسُ أزرقَ فاتحًا

قصائدَ زرقاءَ فاتحةً تطفو

على الغَرَقِ

أثينا، 29-2-80

الشِّعرَ— قالَ—

الشّعرَ ثانيةً

لم يكُنِ الشّعرُ يتكلّمُ—

وعلى السلّمِ

قلّمتُ الشجرةَ

ودفعتُ اليرقاتِ بعيدًا—

وفي أحضانِ الأغصانِ

تبسّمتُ

البستانُ لكِ

وأنا البستانيُّ

أثينا، 29-2-80

ماذا يستطيعُ الحزنُ أن يصنعَ لك؟

للرأسِ المطأطئِ؟

ما لم تخبط قبضةَ يدك

فلن ينفتحَ البابُ

ولن تهبَّ الريحُ

ولن ينهضَ التمثالُ

أثينا، 29-2-80

جصُّ المنزلِ الفقيرِ

النِّيْلَةُ التي للغسيلِ

روائحُ الفرنِ الطيّبةُ

عشبُ البركِ المحروقُ

الخبزُ الساخنُ

منخرا الحصانِ

حصانٌ أبيضُ

ممدودٌ

على جبلٍ أزرقَ فاتحٍ

آهٍ أيّها الرّفاقُ

أيُّ فرسانٍ كُنّا

في الريحِ العاتية

أثينا، 29-2-80

ضوءُ قمرٍ

دخلَ مِن النّافذةِ

وجدها عاريةً في السّريرِ

فلحسَ جسدَها كلَّهُ—

أَوْهِ أَوْهِ منكَ يا قمرُ آهِ يا قمرُ

سأكونُ خادمَ لسانكَ

كي أستطيعَ الذهابَ إلى النومِ

أثينا، 29-2-80

تمارينُ رياضيّةٌ هوائيّةٌ

والنافذةُ مفتوحةٌ

تعكسُ ألواحُ الزجاجِ

الصدرَ العاريَ

الشّعرَ

والعضلاتِ

والأسنانَ التي كبياضِ الثّلجِ

فتبتسمينَ

توقّفي على هاتهِ الشّاكلةِ

إنْ لم تزفري في التوِّ

فسوفَ تُطلِعينَ أوراقًا وعصافيرَ

وتنهالُ المطرقةُ

الصغيرةُ عنيدةً

على قطعةِ النقودِ القديمةِ

بوجهكِ المنقوشِ عليها

أثينا، 1-3-80

الحُبَّ— قالَ—

لقد ذبحتِ العزلةُ

العزلةَ الأعظمَ—

يلتقطُ حجرًا

لا يطوّحهُ إلى البحرِ

ولا يصوّبُ على طائرٍ

لا على الرّجلِ ولا على الغيمةِ

يكسرُ الجوزَ الأسودَ

ينظّفهُ ثمّ يأكلهُ

أثينا، 1-3-80

أشكركِ— قالَ—

على كلِّ ما أعطيتُكِيهِ

على كلِّ الأشياءِ التي لم نتبادلها

على الذي يتهيّأُ

الثّراءِ السريِّ

الكبرياءِ الأشدِّ حزنًا

الصّمتِ الموسيقيِّ

بكلماتٍ لا تُقهَرُ

أثينا، 2-3-80

وقتٌ طائشٌ

صفاءٌ

يا للرّوعةِ

حينَ تصعدينَ

فتسحقينَ بكلِّ خطوةٍ

خيبةً صغيرة

أثينا، 2-3-80

الذي لم يكُن محتجبًا

أسبغَ معنىً

على العدمِ الممزّقِ أشتاتًا

وجوربيكِ المرميّينِ

على الأرضِ

جزافًا

صرختُ على الشرطيِّ

عبرَ النافذةِ

ولكنّهُ لم يسمعني

أثينا، 2-3-80

تنحتينَ لحاءَ السّروةِ

يقطرُ الزّبيبُ

طافحًا بالطّيبِ

إيّاكِ أن تنسي

تعليقَ الخارطةِ

فوقَ سريرنا—

كلّا كلّا

لم أقصد أيَّ شيءٍ آخرَ

أثينا، 2-3-80

جزُرُ اللّيلِ

درَجٌ على الجدارِ

نجمةٌ في الماءِ

والعتمةُ تنتشرُ

تجعلُ يديكَ ذهبيّتينِ

ولكنّكَ

مُجدِّفًا

تصيرُ

أثينا، 3-3-80

قطاراتٌ مملوءةٌ بالجنودِ

سفنٌ بأناسٍ غرقى

إنّهُ يتبؤّأُ

مقعدي

أمشي حولَهُ

لا شيءَ

أذهبُ لشراءِ

أقداحٍ من الصّلصالِ

الحانوتُ مقفلٌ

أظلُّ في الشّارعِ

معَ الشّارعِ

معَ القمرِ الجديدِ

مع حصانِ ظلّي

أثينا، 3-3-80

خساراتٌ خساراتٌ

يا للمُدّخراتِ السريّةِ

الفرحِ الصّامتِ

قبلَ النّومِ

حينَ يُنهي مراقبُ

السّيرِ ورديّتَهُ

فتسمعُ خطوَهُ في الشّارعِ

يتوقّفُ

أمامَ حانوتِ الزّهورِ المقفل

أثينا، 3-3-80

لا شيءَ لديهِ

كي يعدَّهُ

فيعدُّ أصابعَهُ ثانيةً

صمتٌ بهيٌّ

كاملٌ

ليستِ الكلمةَ الأولى

كانتِ الثّانيةُ

هي الكلمةُ السّديدةُ

والصّوتُ الصّحيحُ

الذي يصعدُ مِن خبطِ الخشبِ

وطرقِ المسامير فيهِ

أثينا، 3-3-80

وقفَ قُبالةَ

الشخصِ الأدنى إليهِ

ولكي يَمِيزَ نفسَهُ

لبسَ قبّعتهُ مرّةً أخرى

وغادرَ

كانَ يرتدي قفّازينِ

ولكنَّ

بصماتِ أصابعهِ

كانت متروكةً

على أكرةِ الباب

أثينا، 3-3-80

شجاعٌ تعوّدنا أن نقولَ

كاملُ الأوصافِ

اختبأنا

خلفَ الأشجارِ

أحدنا يبولُ

والآخرُ مع جريدتهِ

ما زال الآخرُ يمضغُ الأوراقَ

والرّابعُ وحيدًا

خلفَ رقيبِ الشّمسِالوحيدِ

والخامسُ

خَرَّ نائمًا على العشبِ

حتّى المساءِ

أثينا، 3-3-80

هذا العدمُ— قالَ—

رديفُ

كلِّ شيءٍ—

كان قد لفَّ منشفةً

حولَ خصرهِ

— هل كانَ خارجًا من الحمّامِ؟

هل كانَ داخلًا إليهِ؟—

كانَ لديهِ شَعرٌ جميلٌ

وساقانِ مخطوطتانِ باليدِ

لم نصدّقهُ

أثينا، 3-3-80

آهِ يا روميوسيني— قالوا—

رطّبوا

خبزَهُمُ النّاشفَ

تركضُ العصافيرُ وأوراقُ الشجرِ المبطوحِ

كانَ جورج يرشقُ الرّمحَ

فاشتدّتْ عضلاتُهُ

آهِ يا روميوسيني— قالوا—

رعتِ الخيولُ في السّهلِ

حصانٌ

لم يحرّك ساكنًا

نظرَ إلى التّمثالِ

فرفعَ التّمثالُ ذراعَهُ

كي يشيرَ إلى الجبلِ

لكزَ طائرٌ أُذني

والسّماءُ كانتْ مطمئنّة

أثينا، 3-3-80

هذهِ الثّمارُ

تحفظُ شكلَ

الأيدي التي قطفَتها

وشكلَ تلكَ التي وضعَتها

في سلالٍ كبيرةٍ

وشكلَ تلكَ التي نقلَتها

إلى المدينةِ

وشكلَ تلكَ الأيدي التي عرضَتها

في طاسِ الفواكهِ الكريستاليِّ هذا

آهِ كم مِن الأيدي تلمسُ

كم مِن الأيدي تلمسُكِ

تفتحينَ النافذةَ

تلتمسينَ في الشّارعِ

برهانًا أقوى

على أيدي عابري السّبيلِ

وشفاهِهم

أثينا، 4-3-80

مساءاتٌ فوّاحةٌ

سينماتٌ في الهواءِ الطّلقِ

صبيةٌ بقمصانٍ مفتوحةٍ

صخبُ فتحِ

زجاجةِ ليموناضة ثالثةٍ للمرّةِ الثانية

سماءٌ بلا حدودٍ

حياةٌ بلا حدودٍ

وآنَ يكسرونَ البندقَ

بأسنانهم

ها نحنُ هنا الآنَ

لا شيءَ يحدّنا

أثينا، 10-3-80

هناكَ

دائمًا هناكَ

حولَ هناكَ

أصواتٌ حركاتٌ أحداثٌ

وصمتٌ

هناكَ

نوافذُ أبوابٌ

تفتحُ تنغلقُ

صوبَ هناكَ

جنودٌ بحّارةٌ

شاحذُ السكّاكينِ بائعُ الجرائدِ

سترةٌ قصيرةٌ مقدودةٌ

أدواتُ طقوسِ شربِ الشّاي

صبيّةٌ

وردةٌ

سقطت من يدها

عبرتِ الدرّاجة الهوائيّةُ

فمرّت فوقَها

هناك

أثينا، 14-3-80

علّقَ نافذتَهُ

قُربَ الغابةِ

عادتِ النافذةُ

إلى البيتِ

تركَ كأسَهُ

في الغيمةِ

فعادتِ الكأسُ

على الطاولةِ

وهبَ جسدَهُ

إلى العصافيرِ

فعادَ جسدُهُ

في جسدهِ—

آهِ أيّها الرّفضُ الذي لا يُدرَكُ

آهِ أيّها الجسدُ الهائلُ

أيّها العصيانُ الجبّارُ

في الأبدِ

أثينا، 14-3-80

وجوهٌ صافيةٌ

أجسادٌ منقادةٌ

جاءت في نومي

أولئكَ الرّجالُ الأشدّاءُ

بالجزماتِ الغليظةِ

والثّيابِ الخشنةِ

الرّجالُ الذينَ لا يحكونَ كثيرًا

وعندَ انبلاجِ الصُّبحِ أمطرتْ

كانَ الثّلاثةُ الصيّادينَ المقتولونَ

منقوعينَ بالماءِ في غيضةِ الزّيتون

أثينا، 16-3-80

في رأسِ الجبلِ

بيتانِ مغلقانِ

لأحدهما نوافذُ أرجوانيّةٌ

وللآخرِ رماديّةٌ

لا أثرَ لساكنٍ

عربةُ محراثٍ تجرّها الخيولُ

ولا شيءَ

إلّا دجاجةٌ

تصعدُ الدّرجَ

وتهبطُ

ثمّ تعودُ إلى الطّريقِ

تُنَقْنِقُ

هي وليّةُ أمرِ كلِّ شيءٍ

تضعُ في كلِّ يومٍ

بيضتينِ بيضاوينِ مقرونتينِ بِنِيْرٍ

وواحدةً أصغرَ زرقاءَ فاتحة

سبارطه، 22-3-80

ضوءُ شمسٍ جامدٌ

أشجارُ برتقالٍ بينَ البيوتِ

الجبلُ العالي

قاعةُ المدينةِ البيضاءُ

الساحةُ الكبيرةُ

هُنَا حيثُ قابلنا

الآلهةَ الصغيرةَ

في ثيابِ الجنودِ

والمهرّجَ الفتيًّ

في ثيابِ بيرسيفوني

سأريكَ— قالَ—

كيفَ تطيرُ العصافيرُ

مدَّ عنقَهُ

مدَّ ذراعيهِ

ثُمّ راحَ يبكي

ولم يطر قطُّ


سبارطه، 23-3-80
 
أعلى