نقد محمد وقيع الله - العقَّاديون السودانيون العشرة

لمصر المباركة تأثير ثقافي كبير على بلادنا لا ينكره الا من لا يبصر ولا يرى كما قال العباس في حال من ‏ينكر فضل مصر على الورى، وإلى عهد قريب كان مثقفو الطلاب في المدارس الثانوية السودانية ينقسمون ‏الى فريقين عقاديين وطاهويين «نسبة الى طه حسين» ويهمنا ان نتحدث الآن عن فضل امام الفكر العقاد ‏على بعض كبار افراد النخبة الثقافية والادبية السودانية. ‏

فمنذ ان كان العقاد في العقد الرابع من عمره كانت اشعاعاته القوية تصل الى السودان وتستقر في عقول ‏النخبة الرائدة. وعندما حل بالخرطوم في عام 1940 وجد الخريجون ورواد دار الثقافة يعرفونه جيدا ‏ويحاورونه ما استطاعوا، واحتفلوا به وعاونوه على جميع المراجع لتأليف «عبقرية عمر» كما ذكر في ‏صدر ذلك الكتاب. وانعقدت اواصر الصداقة بينه وبين عدد من كبار الادباء والناقدين وتتلمذ الكثيرون عليه ‏في كتبه ومقالاته وندواته.‏

وكم نود اليوم ان ينهض طالب دراسات عليا نابه ليكتب لنا بحثا عميقا ناضجا في تاريخ الفكر والادب يلاحق ‏فيه تأثيرات العقاد في عقول عدد من كبار علماء وأدباء السودان وشعرائه. ونرشح له هؤلاء العشرة الكبار. ‏وبالطبع فيمكن للطالب ان يزيد او ينقص منها من عينة البحث كما يشاء ولكنا على سبيل الاعانة نذكر ‏هؤلاء.‏

محمد أحمد محجوب

في تقديرنا ان محمد احمد محجوب هو اشد السودانيين تأثرا بالعقاد، وامتزاجا بفكره وادبه، وقد بدا ذلك ‏واضحا في اسلوبه المحكم وافكاره العميقة الواضحة الخالية من الالتباس. ومنذ ان ظهر المحجوب على ‏ساحة النقد الادبي فقد ظهر ناقدا مستويا على القمة ولم يلاحظ القراء ادنى نواحي ضعف في فكره او في ‏لغته، وكان لصحبته الطويلة لكتب العقاد الفضل في تمكنه الفكري والنقدي، وما كان المحجوب ليأنف من ‏ابداء اعجابه بإمام الفكر العقاد بل كان يطرب عند ابدائه لذلك الرأي وتكاد تتقمصه حماسة سيد قطب، لاستاذه ‏العقاد. وعندما التقى المحجوب وهو رئيس وزراء السودان بزعيم مصر عبد الناصر سأله ماذا فعلتم للاحتفال ‏بذكرى العقاد؟ قال عبد الناصر: لا شيء. فرد المحجوب قائلا: لو كان العقاد سودانيا لفاخرنا به العالمين.‏

وكم كنا نتمنى ان لو اقتفى المحجوب خطى العقاد في الانسحاب من عالم السياسة الى دير الفكر، فقد طلق ‏العقاد الوظيفة الحكومية غير آبه وخرج على عالم السياسة الحزبية غير آسف وتفرغ لانتاج غرر الفكر ‏والادب التي ستبقى ما بقى الزمان.‏

ان آثار العقاد على المحجوب ـ فيما يبدو ـ اقوى بكثير في مجال النقد الادبي منها في الشعر. فمطالع مقالات ‏المحجوب المجموعة في كتاب «نحو الغد» وهو ما نشره المحجوب في مجلتي «النهضة» و«الفجر» ‏يستطيع بسهولة ان يلاحظ اثر العقاد البين عليه. اما شعر المحجوب فانا لم نر فيه تأثيرا يذكر اما شعر ‏العقاد، فقد كان الشعر المحجوبي تراثيا قويا يعتني بنسج الديباجة المشرقة وتقل فيه الالفاظ النثرية المباشرة ‏التي افسدت بعض شعر العقاد، ولا نستطيع ان نقول ان شعر المحجوب في الجملة افضل من شعر العقاد، ‏ولكنا نقول انه مختلف عنه وغير متقيد بفلسفة العقاد الشعرية واقرب منه الى شعر جرير وذي الرمة ‏والجاهليين.‏

محمد محمد علي

ومن عقاديي السودان الكبار الدكتور محمد محمد علي الذي تتلمذ مباشرة على العقاد حيث دأب على حضور ‏ندوته يوم الجمعة بداره. وكان محمد محمد علي حينها يدرس لأخذ شهادة الماجستير بإحدى جامعات القاهرة. ‏ومن يطالع مجموعة المقالات النقدية لمحمد محمد علي تلك المقالات التي اعطاها عنوانا متواضعا «محاولات ‏في النقد» يدرك انحياز هذا الكاتب الشديد ناحية العقاد واقرأ مثلا هذه القطعة النقدية المحترمة لمحمد محمد ‏علي وهو يلاحي الدكتور محمد النويهي: «اني من اشد الناس مقتا للتقليد والمقلدين، ولذلك تراني دائما ‏اعيب على الدكتور النويهي ايمانه العميق بشوقي وتلقيبه اياه بأمير الشعراء كما يفعل عوام الادباء. ولو ‏تمعن الدكتور لما وجد للشعر اميرا. فالشعراء الاصلاء دعك من المقلدين، لا يغني فيهم شاعر عن شاعر، لأن ‏كل واحد منهم يكشف عن النفس وعن الحياة. بوجه عام جانبا، لا ينوب عنه في وصفه امير او مأمور» ‏فمحمد محمد علي يجاري العقاد في ابرز اخطائه حيث انبرى لنفسيه شوقي والحط من مكانته وان امكن ‏تحطيمه، ذلك مع ان شوقي لم يكن اميرا للشعراء وحسب وانما امبراطورا لهم توجوه عن رضاء وما اظن ان ‏الضاد ابرزت شاعرا ملهما مثله من قبل ولا من بعد.‏

ولا يعني هذا المقتطف من آثار د. محمد محمد علي انه كان متطرفا في آرائه النقدية بل كان بصيرا وحصيفا ‏ودقيقا غاية الدقة فكره وتعبيره ولكنها لوثة احتقبها من عداوة العقاد لشوقي ولعله يرى منها عن بعد لأن ‏هذا المقال يرجع عهده الى خمسينيات القرن الماضي.‏

ولمحمد محمد علي قصيدة جليلة بارعة من عيون الشعر رثى بها استاذه العظيم العقاد يلزمنا ان نقف على ‏ابيات منها يقول فيها:‏

لهفي على منزل شعث جوانبه = بالعلم والفن لا بالتبر والماس
لهفي على منزل كنا نحف به = كأنه حرم او قدم اقداس
لهفي على نبرة الجبار طائفة = تقسم النور صرفا بين جلاس
كأنما طوع الله النجوم له = فقادها زمرا من غير امراس
كذلك القلم النوري تمسكه = انامل جبلت من سطوة الباس
تفض محبس الينبوع لمسته = فيورق العود من عار ومن كاس
اقام بالدير يبني صرح خالدة = ما رام وفرا ولم يأبه بافلاس
وراهب الفكر في محرابه كلف = بالدرس يجمع اجناسا لاجناس
حتى يؤلف منها ضوء شارقة = لم يضنه قبس من بعد اقباس
زفت له النفس من اسرارها صورا = ظلت محجبة عن سائر الناس
والشعر اهدى اليه وهو فارسه = عذراء ما برزت يوما لفراس

معاوية محمد نور

وقد كان معاوية محمد نور اقوى تلاميذ العقاد في السودان. وقد درس معاوية آثار العقاد دراسة فاحصة كما ‏اغترف من ذات المنابع التي اغترف منها العقاد من دراسات النقد الادبي الانجليزي. ولم يكن معاوية مجرد ‏تلميذ للعقاد بل كان صديقا مقربا اليه يحاوره حوار صفوة من المفكرين الانداد وقد كتب معاوية عن بعض ‏ادق نواحي العقاد مقالة عن «القالب في شعر العقاد» وغير ذلك، ولعل العقاد كان يرشح معاوية لخلافته لو ‏طال به العمر، وهو القائل عن معاوية: «لو عاش معاوية لكان نجما مفردا في سماء الفكر العربي». بمعنى ‏انه كان سيتفوق على استاذه الكبير العقاد. والاعمال الكاملة لمعاوية تنبيء عن عظيم الشبه ما بين عقائده ‏وتوجهاته الادبية ونظائرها عند العقاد. ويمكن للبحث المقارن في هذا الشأن ان يدلنا على ما تأثر به معاوية ‏من العقاد وما اخذه رأسا من المنابع التي استقى منها العقاد.‏

لقد كتب العقاد قصيدة مؤثرة في رثاء معاوية محمد نور، لعلها في ديوانه «اعاصير مغرب» وعندما زار ‏العقاد السودان حرص على ان يمضي رأسا من محطة القطار الى المقابر التي تحوي جسد معاوية فوقف ‏عنده وترحم عليه ووضع باقة من الزهر تعبر عن شديد حبه لتلميذه اللامع الاثير.‏

أحمد عبد الله سامي

والدكتور الشاعر الناقد احمد عبد الله سامي عقادي كبير آخر اسهم في التدريس بجامعة ام درمان الاسلامية ‏وترك آثارا عقلية طيبة في طلابه النجب وخلف مقالات ادبية كثيرة وكتابا نقديا عن التجاني يوسف بشير ‏طبق فيه مقاييس مدرسة العقاد في النقد الادبي، وهي المدرسة التي كانت تسمى «الديوان» وتتألف من ‏المازني وشكري بجانب العقاد، الا ان العقاد غدا اكبر من المدرسة كلها. وقد ترك الدكتور سامي ديوانه ‏‏«الرمال الظامئة» كأثر شعري كبير استنار بنظرة العقاد لاصول الشعر ومهمة الشاعر في الحياة. ولم ينصف ‏الناقد الكبير الدكتور عبد المجيد عابدين في تقديمه لديوان سامي عندما ذكر انه شاعر مجدد وقصر ملامح ‏تجديده في تنويع القافية وفي بعض قصائده وفي العناية البالغة بالشعر الوجداني وفي سلاسة التركيب ‏وترسله. فهذا قصور في تقصي ملامح التجديد في شعر سامي وهو القصور الذي دفع بعابدين الى ان يدرجه ‏في الاتجاه الذي اسماه بالكلاسيكية المجددة. وهو حكم قد لا يقره دارس يتعمق في فهم شعر سامي ويدرك ‏اثر العقاد العميم عليه. وهو ما يمكن ان ينجزه طالب هذه الدكتوراة ان صبر وكد في البحث.‏

يوسف مصطفى التني

والاستاذ يوسف مصطفى التني أثر آخر من آثار العقاد، وقد نافح التني متسلحا بافكار العقاد عن نزعة الادب ‏القومي اي المعبر عن خلاصة الثقافة العامة للامة بعيدا عن التقليد الاعمى للثقافات الاعجمية وما هو دونها. ‏ونظم التني شعرا كثيرا بعضه عاطفي وبعضه وطني والبعض الآخر صوفي وضمنه «ديوان التني». وقد ‏اخطأ عميد الادب العربي الدكتور عبد الله الطيب حين قام بتحليل احدى قصائد التني العاطفية وذلك في كتابه ‏‏«التأسيسي» المرشد ونصب القصيدة الى تأثيرات رافعية ومن يقرأ القصيدة بتدقيق لا يمكن ان يرد تلك ‏الاخيلة الا الى اثر العقاد فهي ابعد ما تكون عن الرافعي واقرب ما تكون الى العقاد.‏

ودعوة العقاد الى الصدق في التعبير عن الذات طبعت شعر التني العاطفي والوطني والصوفي، فكله تعبير عن ‏الذات وانسجام بالغ مع ثقافة الوطن. وقد كان التني بحق من اصدق افراد النخبة السودانية واكثرهم تفانيا في ‏حراسة القيم واصطبارا على اعباء الريادة الوطنية.‏

حمزة الملك طمبل

وصلة حمزة الملك طمبل بالعقاد من اغرب الصلات، فقد تتلمذ عليه عندما كان معلما في اسوان وانطبع بأثره ‏وهو صغير ثم انطبع بأثره وهو كبير عندما اطلع على افكار مدرسة «الديوان» «وثابر على حضور ندوة ‏العقاد بالقاهرة،» وسار على اثر دعوة العقاد على جملة التراث العربي داعيا لاقتلاعه من الجذور كما اقتلع ‏الانجليز جل الرم والطم حين ابتنوا خزان سنار، ونشر طمبل مجموعة من المقالات في مجلة «الحضارة» ‏اسمها «الادب السوداني وما ينبغي ان يكون عليه» وكان عمادها تلك الدعوة الثورية، وجعلها مقدمة لديوانه ‏الذي اسماه «ديوان الطبيعة»، وزعم طمبل انه اقل راديكالية من استاذه العقاد، ولم يبرهن على ذلك، ومثال ‏خزان سنار السالفة الاشارة اليه لا يسند دعوته في الاعتدال.‏

ومهما يكن فقد كان لطمبل دور مفصلي في توجيه الادب السوداني بتنظيره الذي يمثله قوله «ان الشعر كما ‏يفهمه عامة الناس هو كلام موزون مقفى، لا فرق في ذلك بين الفية ابن مالك والقصيدة الرائعة للاستاذ ‏العقاد. وذلك لأن الكثيرين من قراء الشعر ومحبيه لا سيما في هذا البلد، لا يكادوا يعرفون الفرق بين النظم ‏والشعر مع ان الفرق بينهما يكاد يكون كالفرق بين الشخص الذي يتمتع بالحياة وبين تمثاله المنحوت من ‏الرخام! هذا جسم له روح يغمرها الاحساس بالحياة وهذا جسم لا روح فيه، اما الشعر الحقيقي فهو صورة ‏حقيقية لنفس الشاعر كاملة في كل شعره لا في قصيدة واحدة من قصائده، اذ ان القصيدة الواحدة انما تعبر ‏عن خلجة من خوالج النفس او اثر من آثار الاعراض الظاهرة في باطنها، فهذا رأي حصيف ناضج، وهو ولا ‏مراء من انتاج حمزة الملك طمبل، ولكن لا مراء كذلك في اثر العقاد في هداية حمزة اليه.‏

محمد عشري صديق

وممن استفادوا من نظريات العقاد الادبية وصدروا عنها الاستاذ الكبير محمد عشري صديق صاحب كتاب ‏‏«آراء وخواطر» الذي كتب مقالاته لمجلة «النهضة» وأثار بها قضايا التجديد الشعري وهاجم من دعاهم ‏بدجاجلة الشعر المدعاة والالهام الغائم ودعا الى مقارعة هؤلاء الشعراء «الرجعيين» وتقويض دولتهم ‏القائمة على سلطان العواطف والافكار التي تحدها تصورات اقوام واساليب امم ذهبت الى مهد القبور.‏

ومحمد عشري صديق كان ضليعا في اللغة الانجليزية كمعاوية محمد نور وان لم تكن له سعة اطلاعه. ولكنه ‏اطلع على كل حال على مدارس الشعر الانجليزي، وتعرف على مذاهبه مليا، فكان تأثره بالآراء النقدية للعقاد ‏تاليا لتأثره بمدارس النقد للعقاد تاليا لتأثره بمدارس النقد الادبي الانجليزي. وقد نظر الاستاذ عشري نظرة ‏تأمل فاحص في شعر العقاد وتوقف كثيرا في تحليل قصيدة العقاد «ترجمة شيطان» وعد العقاد شاعرا عالميا ‏كأبي تمام وبشار وشيلي وكوبر وانتهى الى انها قصيدة مفردة لا ثانية لها في شعر الضاد وأن معانيها لا ترد ‏الا في العقول الجبارة الثائرة حيث تلاقت فيها شهوات السياسة وتجريدات العقل المحض وتهويمات الفن ‏السامي.‏

ورأى الاستاذ عشري في قصيدة «ترجم شيطان» شبيه برأيه في العقاد لكل، فهو القائل ان العقاد صنع ما لم ‏يصنع غيره وجاء بدليل على ان دعوة التجديد لم تقم منذ بدايتها الا على اساس متين وأمل كبير. ولو كان ‏معاصروه او من سبقوه من شعراء الشرق العربي قد احلوا هذا النوع من الشعر مكانه الجدير به، او لو ‏فهموه لكان من المحتمل ان يحاولوا النظم فيه، ولن يتأتى لهم ذلك الا بفهم العقاد.‏

محمود الفضلي

ومحمود الفضلي احد ابكار الخريجين ممن اجادوا الانجليزية واتخذوها وسيطا للتعرف على الآداب الاوروبية ‏ورحابة نظرتها الى الحياة، وراق له ان يجد صدى تلك الآداب في مدرسة «الديوان» وعند العقاد بخاصة. ‏وكان الفضلي مغرما بقراءة العقاد اديبا وسياسيا، اذ كان الفضلي سياسيا مناضلا في مؤتمر الخريجين وحزب ‏الاشقاء والحركة الاتحادية المتأثرة بحزب الوفد الذي انتمى اليه العقاد فترة في صدر شبابه ثم نبذه ونبذ ‏الاحزاب جميعا نبذ النواة.‏

وللفضلي غرام شديد بشعر العقاد وكان يحسن الترنم به. وقد روى حسن نجيلة قصة القائه للبائية من شعر ‏العقاد التي ابكته، وروى باشري ان العقاد استزاده فانشد من الميمية التي تتحدث عن الفستان الازرق، وذكر ‏ان الفضلي اشترك في مهرجان العقاد بكلمة وقصيدة وان العقاد اثنى على شعره ونثره ووصفه بالاستاذ!‏

وقد تاح لكاتب هذه السطور ان يلقى الاستاذ الفضلي بالقاهرة في اواسط ثمانينات القرن الماضي وان يستفيد ‏منه علما. وجاء ذكر العقاد والمسلسل التلفازي الذي صدر عنه وصور الفضلي في صورة لا تليق فثار لذلك ‏عن حق وابرق الى حاكم مصر يطلب منه ايقاف ذلك المسلسل المستخف بقدره العظيم.‏

محمد ابراهيم ابو سليم

والدكتور محمد ابراهيم ابو سليم ليس اديبا بالمعنى المتعارف عليه لهذه الكلمة، وليس مفكرا بالمعنى النظري ‏الذي يتبادر الى الذهن، وانما هو باحث في التاريخ. ولكنه ما كان سيكون باحثا عظيما يصل الى ذروة الاجادة ‏ويقف في صف واحد مع كبار المؤرخين العالميين، لولا انه كان مزيجا من الاديب والمفكر وانه سخر اقتداره ‏الادبي والفكري لمصلحة البحث التاريخي فتيسر له الابداع الرفيع في اكثر ما سطره من مباحث قيمة ملؤها ‏الفكر الوقاد الثاقب والتعبير الجزل المتين.‏

وربما كان ابو سليم هو السوداني الوحيد الذي تهيأ له ان يقرأ كل كتب العقاد. ولا نعرف شخصا آخر ادعى ‏هذه الدعوى ولا حتى صديقنا الاستاذ الكبير محمد عثمان ابوزيد. ولا شك ان من يتوفر على قراءة مجمل ‏تراث العقاد قراءة التقدير والتبجيل والرغبة في الاستفادة سيخرج بمحصول وفير من درر الفكر الكبار.‏

ونظن ان هذا الفصل في دراسة الدكتوراة سيكون اصعب الفصول وسيتعين على الطالب ان يبدي براعته في ‏استشفاف ملامح تأثر هذا العالم المؤرخ بالعقاد، اذ لم يكتب ابو سليم في النقد ولا في الشعر وانما في فن ‏آخر كتب فيه العقاد كثيرا ولكن ليس بطريقة التفصيل التاريخي، وانما بطريقة التحليل النفسي لابطال التاريخ ‏وعباقرته.‏

أحمد محمد البدوي

ومن علماء السودان وأدبائه الاحياء يعد الدكتور احمد محمد البدوي استاذ الادب العربي بالجامعات البريطانية ‏احد ابرز تلاميذ العقاد. وقد اختار البدوي لاطروحته التي نال بها جائزة الدكتوراة من جامعة الخرطوم تلميذا ‏بارزا للعقاد ليكتب في نقد آثاره الادبية وهو سيد قطب. ولعل اثر العقاد على سيد قطب شبيه بأثره على ‏البدوي اذ قاد كلاهما بعيدا عن شطط الاشتراكيين والراديكاليين الى نظرة متوازنة الى الوجود.‏

تخرج احمد محمد البدوي في كلية الآداب بجامعة ام درمان الاسلامية، وكان يقود اتجاها فكريا يساريا ثم ما ‏عتم ان مال الى الوسط بتأثير فكر العقاد وصرامته المنهجية، وقد كتب البدوي عدة دراسات نقدية بعضها ‏موسوعي الطابع ككتابه عن الطيب صالح وهو افضل مرجع في اللغات جميعا عن الطيب صالح، ومنها ‏دراستين عن سيد قطب الناقد، ومؤلفات اخرى كثيرة في النقد الادبي.‏

وفي طبع البدوي حدة من حدة العقاد وعرام من خصامه، ولو مزج البدوي حدته بشيء من الطرافة لكان ‏شبيها بزكي مبارك. هذا ولم يكن البدوي بعيدا من التأثر بأديب كبير لم يكن مستلطفا من قبل العقاد ولا سيد ‏قطب وهو العلامة الشيخ محمود محمد شاكر والبدوي شديد الاعتزاز بتأثره به وهذا مما يدل على انه ابعد ما ‏يكون عن التعصب الأعمى للعقاد.‏

عبد الله حمدنا الله

ونرشح للاشراف على هذه الدراسة عن تأثير العقاد في أفكار النخبة السودانية العقادي المقتدر البروفسور ‏عبد الله حمدنا الله استاذ الدراسات العليا بجامعة افريقيا العالمية، والذي يدعونا لترشيحه انه عقادي ‏مستوعب لفكر العقاد وأدبه، وفوق ذلك فهو متزن ومستقل الذوق والفكر وغير مماليء للعقاد ولا متعصب له ‏ضد خصومه كما هو الشأن في بعض العقاديين.‏

ويتعهد هذا العبد الضعيف بعون الله بعون طالب العلم الجاد الذي يأنس في نفسه الكفاءة لانجاز هذه الدراسة، ‏وذلك بمده بالمراجع من كتب، ومقالات وبتوجيهه ومنهجة افكاره اثناء الكتابة. ذلك أن مجالنا الأكاديمي لا ‏يسمح بأكثر من ذلك لأنه يقع أبعد ما يكون عن هذا المجال الشائق من مجالات النقد الأدبي.‏



البروفيسور محمد وقيع الله




محمد وقيع الله.jpg
 
أعلى