نقد أحمد الصادق - محمود درويش.. يشجع منتخب الأرجنتين

جاء في كتابه "ذاكرة النسيان" وهو عبارة عن تحليل أدبي، لما جرى ذات ليلة صيف أثناء حصار بيروت 1982.. يقول الشاعر محمود درويش: "كرة القدم.. ما هذا الجنون الساحر، القادر على إعلان هدنة من أجل المتعة البريئة؟ ما هذا الجنون القادر على تخفيف بطش الحرب وتحويل الصواريخ الى ذباب مزعج؟ وما هذا الجنون الذي يعطل الخوف ساعة ونصف الساعة، ويسري في الجسد والنفس كما لا تسري حماسة الشعر والنبيذ واللقاء الاول مع امرأة مجهولة؟"

كما استهل الروائي الأوروجواياني إيدواردو جاليانو، كتابه "كرة القدم في الشمس والظل"، المكتوب بلغة روائية مثيرة في نصوص تحكي عن تاريخ كرة القدم، منذ "كان دافنشي مشجعا متحمسا، ومكيافيلي لاعبا ممارسا في فلورنسا" حتى مونديال 1994 عندما "أطلق اسم روماريو على جميع الأطفال الذين وُلدوا في البرازيل، وبيع عشب استاد لوس أنجلوس مجزأ كقطع البيتزا بـ20 دولارا للقطعة".

بدأ جاليانو كتابه بـ "هذه الصفحات مهداة إلى أولئك الأطفال الذين التقيت بهم ذات مرة قبل سنوات عديدة، في كاليّا دي لاكوستا. كانوا عائدين من لعب كرة القدم وهم يغنون: ربحنا أم خسرنا، لن تتبدل متعتنا، متعتنا تبقى كما هي، سواء أخسرنا أم ربحنا."

يتحدث جاليانو هنا عن كل شيء يمكن أن تتخيله يتعلق بالكرة، وتلمس رؤيته الإنسانية ذاتك حينما تراه يتناقش معك كصديقك في المقهى عن الكرة، وتاريخها، وأشهر اللاعبين، والأهداف والأخطاء والفرص. ثم يلخص سر السعادة في جملتين: "سأل أحد الصحفيين المنجّمة الألمانية دوروثي سولل: كيف توضحين لطفل ما هي السعادة؟ فردت عليه: لا أوضح له، بل أعطيه كرة ليلعب".

وفي إحدى نوادر حكيه، يحكي لنا جاليانو عن الروائي ألبير كامو، "في 1930 كان ألبير كامو هو القديس بطرس الذي يحرس بوابة مرمى فريق كرة القدم بجامعة الجزائر. كان قد اعتاد اللعب كحارس مرمى منذ طفولته، لأنه المكان الذي يكون فيه استهلاك الحذاء أقل. فكامو، ابن الأسرة الفقيرة لم يكن قادرا على ممارسة ترف الركض في الملعب: وكل ليلة كانت الجدة تتفحص نعل حذائه وتضربه إذا ما وجدته متآكلا".

وفي كتاب عزيزي ألبير، للكاتب آبيل بيتوس، صديق الطفولة لكامو، يصفه بأنه "مجنون بكرة القدم" ورصد له اعترافا، "أن كرة القدم مثل المسرح تبقى بالنسبة له جامعته الحقيقية، وأنه لو خُيّر بينها وبين الأدب لاختار كرة القدم".

ويأتي الروائي النمساوي بيتر هاندكه، بروايته النفسية "خوف حارس المرمى عند ضربة الجزاء"، فيروي لنا البطل بلوخ وهو يرصد الصراع والقلق من المجهول: "من الممكن أن يضع الراكل في حسبانه أن حارس المرمى يفكر، وحارس المرمى يستمر في تفكيره أن الكرة من الممكن أن تأتي في الركن المعتاد، وهكذا، وهكذا".

وها هو إمبرتو إيكو يقول تفسيرا لما سبق من رواية هاندكه إنه لم يقصد: "كرة القدم طريقة لعمل الحرب بوسائل أقل دموية مما تعودناه." في سلسلة مقالات اقترنت بكأس العالم 1990، وقد خص بها دراسة سيميائية لكرة القدم.

"لماذا لا تكون كرة القدم موضوعا للفن والأدب؟ ولماذا لا يتعامل الأدب مع هذا البارود العاطفي، الذي يشعل الملايين في علاقتها بالمشهد الذي يحولها هي إلى مشهد درامي؟ ثم أهناك عذاب أشد، ووحشة أقسى من عذاب حارس المرمى، ووحشته الكونية، أمام ضربة جزاء؟"

نعود مرة أخرى للشاعر محمود درويش، لنجده يرد على إيكو. في أحد مقالاته الذي كتبها بعد مونديال 1986 عندما فازت الأرجنتين على ألمانيا 3-2. امتدح درويش مارادونا: "ماذا نفعل بعدما عاد مارادونا إلى أهله في الأرجنتين؟ مع منْ سنسهر، بعدما اعتدنا أن نعلّق طمأنينة القلب وخوفه، على قدميه المعجزتين؟ وإلى منْ نأنس ونتحمّس بعدما أدمناه شهرا تحوّلنا خلاله من مشاهدين إلى عشّاق؟".

ستبقى كرة القدم لها سر وإعجاز، وشغف وشوق، كما قال جاليانو عندما انتهى من كتابه "وأبقى أنا مع تلك الكآبة التي نشعر بها جميعنا بعد الحب وعند انتهاء المباراة".

.

الكرة.jpg
 
أعلى