كريمة حكوش - من المحظور إلى العادة: مشروبات في تاريخ المغرب بين الحلية والحرمة

يندرج موضوع هذا المقال الذي يزاوج بين المقاربة التاريخية والمقاربة الثقافية، في إطار التاريخ الثقافي للأشربة، وما يتيحه من إمكانيات لتلمس ثنائية الحلية والتحريم. فظاهرة الممنوعات الغذائية في تاريخ الإسلام تثير نقاشاً مهما، لأنها تتجاوز ما هو محرم قطعا، مثل لحم الخنزير والخمر، لتمس مواد لم يرد ذكرها في مصادر التشريع الإسلامي. ويتعلق الأمر بالشاي، القادم من الصين عن طريق الإنجليز، والقهوة، القادمة من جزيرة العرب، عن طريق الأتراك. وهما مشروبان كانا قد أثارا جدلاً كبيراً في صفوف الفقهاء في المغرب، وبلدان المغارب عموماً، إذ أفتى بعضهم بالتحريم، بينما مال بعضهم الآخر إلى الإباحة.

استقطب تاريخ الأطعمة والأشربة اهتمام الباحثين في الدراسات التاريخية والأنثروبولوجية، بالخصوص في إطار مدرسة الحوليات الفرنسية.[1] وحري بنا أن نلفت الانتباه إلى أهمية الدراسات التاريخية التي دشنها رواد مدرسة الحوليات[2]، مقتحمين مداخل عصيبة في شأن التاريخ البشري، بإعطائهم الأولوية للقضايا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، دون إغفال للأحداث السياسية. وإنها لمواضيع قادرة على إبراز الجوانب المسكوت عنها في تاريخ الشعوب، والتي مايزال البحث فيها بكراً ومعقدا، لأن الدراسات التاريخية في البلدان المغاربية ظل فيها هذا القطاع من البحث التاريخي على الهامش، ولم يحظ بما يكفي من الاهتمام، إذ تركزت البحوث على التاريخ السياسي والعسكري والدبلوماسي بالدرجة الأولى، وحتى في مقاربتها للبنى الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، فإنها ظلت سجينة القضايا العامة، وقد يعزى ذلك إلى شح المادة التاريخية، ذلك أن الباحث في التاريخ لا يجد إلا إشارات متفرقة في مؤلفات المؤرخين القدامى الذين ضربوا صفحاً عن بنيات المجتمع، ولم يلجوا إليها إلا عبر إشارات مقتضبة. ومن جملة المواضيع الخاصة بالعادات والتقاليد تلك المرتبطة بالصحة والتغذية والملبس... وكل ما يمس حياة الفرد أو الجماعة.

الشاي من المحظور إلى العادة

يعتبر الشاي مشروباً حديثا لدى المجتمع المغربي، إذ تفيد مجموعة من المعطيات أن الشاي دخل إلى المغرب في مطلع القرن الثامن عشر خلال فترة حكم السلطان إسماعيل، وظل طيلة الفترة المذكورة، مادة ينحصر استعمالها في البلاط والوسط المخزني، ولم يكن يشرب في البوادي، حتى مطلع القرن العشرين، إلا في المناسبات الكبرى. ويؤكد بعض الرحالة الأجانب أن الإنجليز كانوا أول من أدخلوا الشاي إلى المغرب، مثلما نجد عند الرحالة علي باي[3]: "كان استخدام القهوة في المغرب شائعاً في الماضي، وكان يتم تناولها في مختلف ساعات النهار، كما في المشرق. ولكن الإنجليز قدموا هدايا من الشاي إلى السلاطين، ومنحها هؤلاء إلى رجال البلاط، وبسرعة انتشر استعمال هذا المشروب رويدا رويدا إلى أن بلغ طبقات المجتمع...".[4]

في القرن التاسع عشر، وبعد ثلاثة قرون من الحضور العثماني ببلاد المغارب، ظل الشاي والقهوة على ما يبدو يتنازعان مكان الصدارة كمنشطين لذيذين يعطيان للحدود السياسية "سمكا تذوقيا".[5] وتعتبر بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر 1856-1860 مرحلة حاسمة في انتشار الشاي في بلاد المغرب في الاتجاهين العمودي والأفقي، أي الاجتماعي والجغرافي: من القصر والحاشية إلى الأرستقراطية الحضرية والريفية، وصولاً إلى العامة، ومن الحواضر إلى البوادي؛ فالمعطيات المتوفرة حول تناول الشاي بالمغرب قبل النصف الثاني من القرن الثامن عشر، تشير إلى أن استهلاكه مازال محدوداً جدّاً، وتفيد بأنه سلعة نادرة وباهضة الثمن، كان يقدم هدية من قبل البعثات الدبلوماسية الأوروربية إلى السلطان المغربي في بعض المناسبات. ومن هنا ظل استهلاكا مخزنيا، وبالتالي من سلع الترف. وفي نهاية القرن الثامن عشر، مكن انخفاض الأسعار من انتشار استهلاكه في الأوساط الميسورة التي تنزع إلى محاكاة المخزن ورجالاته.[6]

من المثير أن تاريخ شرب المسكرات عرف انفصالاً دائما بين الخطاب والممارسة. لقد احتفظت كتب الأخبار بواقع محاربة الخمر من طرف قضاة أو دعاة أو سلاطين متشددين، غير أن المصادر تشير عرضاً إلى تناول المسكرات في مختلف الأوساط، بما فيها أوساط العلماء والأولياء.[7]

فحين نضع الشاي في إطار تاريخ المشروبات بالمغرب، تجدر الإشارة إلى أن كلاَ من الشاي والقهوة ينتميان إلى فئة المشروبات المنبهة. وهناك من يرى أن جلسة الشاي في مستواها الطقوسي هي امتداد لجلسات الخمر. فكما هو معلوم أن الفترات التي ظهرت فيها هذه المشروبات لأول مرة، هب فيها الفقهاء إلى إبداء آرائهم الفقهية المختلفة في قضية الشاي والقهوة، مابين محرم ومبيح. وقد نتج عن هذا الخلاف الذي بلغ أحيانا درجة المجابهة، كثير من التآليف الفقهية والفتاوى التي تبرز مواقف الفقهاء من القضية.

الشاي بين مؤيد ومعارض

ذهب بعض الفقهاء إلى القول بأن الشاي حرام، واعتمدوا في حججهم النقط التالية:

-أنه سفيه والسفه حرام
-أنه يضر بالأجسام، وما يضر بالأجسام حرام
-أنه في هيئته وآنيته يشبه الخمر
-أنه يشغل عن عبادة الله

ولذلك، يرى هؤلاء الفقهاء أن الشيء إذا لاحت فيه عوارض المنع وجب تركه، لأنه حرام.[8] ولنا في موقف الحاج البيشوري[9] من الشاي مثال: فقد ورد عند الأستاذين عبد الأحد السبتي وعبد الرحمان الخصاصي، نقلا عن المعسول للمختار السوسي، أن الحاج البيشروي نبه من شرب الأتاي لتشبيهه له بالخمر. كما أن قاضي مكناس أحمد بن عبد الملك العلوي كان لا يقبل شهادة شاربه.

كما نسجل إحدى الفتاوى المنسوبة إلى الفقيه الشنقيطي الشيخ أحمد حامد بن محمذن بن مختار الله، ومما جاء فيها: "[...] ولأني كنت من أهله جدا، وشربته على كل وصف، وشربته مع الأرذال والسفهاء، وماجاز على المثل يجوز على مماثله. وشاهدته لا يخلو من عارض حرام يعرض له غالبا. ولا دليل أقوى من المشاهدة، وليس من رأى كمن سمع. ورأيت التواتر على ماشاهدته، وهو ثابت بالعقل والعادة[...] ومن قال: إن هذا ليس كذلك، قلت له: قل استغفر الله العظيم وأتوب اليه، لأنه من باب الهوى والنفس والشيطان. وأرجو من الله أن يهدي كل من رأى كتابي هذا على ترك الأتاي [...]".[10] كما حذر الفقيه الشنقيطي من الأتاي، لأنه يلهي عن الصلاة، وأن له أضرارا صحية خصوصا أثناء شربه على الريق، لما يسببه من ألم شديد لعسر هضمه حسب قوله، كما أن الشاي يؤدي إلى الاختلاط بالعبيد والصبيان لملازمتهم لمواضع شربه وسماع الغيبة والكلام الفاحش.

لكن نجد أيضا موقفا وسطا. فهناك بعض الفقهاء من لم يقطع في هذا الأمر، مثل الشيخ محمد بن المؤيد بن سيدي الذي أورد في فتواه الصادرة سنة 1925 مايلي: "[...] الرأي عندي السكوت عن الخوض في ثلاث مسائل الضاد والظاء، وحكم أمانيج، وحكم الأتاي، لأن بن عباد نص في رسائله أنه لايجوز لأحد أن يقول بتحريم شيء ولا تحليله إلا إذا قطع بذلك. أنت تعلم أنه لا يقطع شيء إلا إذا كان في آية محكمة أو سنة متواترة أو إجماع. [...].[11]

لكن فقهاء بارزين آخرين أفتوا بحلية الشاي كما جاء على لسان الفقيه الشاعر سليمان الحوات[12]:

شربنا من الأتاي كـل معـتـق
شرابا حلال لا نبيذا ولا خمرا
على أنه أحلى وأعذب منهما
ولا يذهـب العـقـل النفيس بـه[13]

ومن الفقهاء الذين أباحوا الشاي محمد حبيب الله بن مايابي الجكني (1931): "[...] وبهذا يتضح أن الهيئة لا تكون علة في تحريمه. فثبت عدم تحريمه بمقدمتين قطعيتين، وهما أتاي يشرب على هيئة مخصوصة مع عدم الإسكار قطعاً عملا بالمشاهدة[..] فإن قيل إنه يضيع المال وكل مافيه إضاعة المال حرام للسفه. فالجواب أن هذا الشكل فيه خطأ، لأنه يوقع في الحكم للجنس بحكم النوع لعدم صدق مقدمتيه[..] وأما الكبرى فلأن شراءه للتداوي ونحوه كالهضم لاسفه فيه فلا يحرم. وأما إتلافهفيه لمجرد الإشتهاء ففيه خلاف. لأن إضاعة المال على ثلاثة أوجه: "بذله في الطاعات ومصالح النفس جائز اتفاقا، وفي الشهوات المحرمات ممنوع اتفاقا، وفي المباحات فيه خلاف[...] وإن شئت قلبت نتيجة الشكل الأول مقدمة صغرى يلزم من تركيبها بمقدمة أخرى نتيجة فتقول: بذل المال في أتاي لمجرد الإشتهاء مختلف فيه قطعا وكل مختلف فيه لا إثم فيه. بذل المال في أتاي لمجرد الاشتهاء لا إثم فيه وكل ما لا إثم فيه، فهو غير حرام. بذل المال في أتاي لمجرد الإشتهاء غير حرام بحسب انفصال النتيجتين واتصالهما".[14]

لقد ترسخت عادة شرب الشاي على نحو متسارع، في المجتمع المغربي على الرغم من النقاش الذي دار في الأوساط المحافظة. ولنا في ما ذكره مييج[15] عن الشاي مثالا، فهو يضع الشاي عند المغاربة في نفس منزلة القمح تقريبا، لكونه علامة بقدر ما هو مادة غذائية. فهو حسب قوله يشكل أحد الفصول الأكثر تميزا في تاريخ التغذية بإفريقيا الشمالية. تاريخ مازال من المطلوب كتابته.

في ذكر القهوة[16]

تعتبر القهوة مشروب منبه، وقد فطن الناس إلى ذلك من زمن ليس ببعيد؛ فعلى الرغم من الجدل التي أثارته في بداية اكتشافها في شبه جزيرة العرب ما بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر الميلاديين،[17] إلا أننا نجد بعض المصادر تتحدث عن فوائدها. ومن ذلك ما جاء في كتاب رسالة في الشاي والقهوة والدخان[18]، أن من فوائد القهوة تنبيه عمل الدماغ، والمساعدة على السهر الطويل. ولذلك ترى أن أكثر المنشغلين بالأعمال العقلية يشربون القهوة، لأن الأرق الناشئ عن شربها لا يصحبه انزعاج ولا تعب،ويلبث معه الفكر جليا هادئا شرط أن لا يفرط في شربها.

وقد سبق وتحدثنا عن استهلاك القهوة في الوسط المغربي قبل انتشار الشاي، وذلك من خلال المصادر التي تحدثت عن التأثير العثماني في المغرب خصوصا مع هجرات الجزائريين إلى المغرب[19]، والتي كان لها بصفة خاصة تأثير مهم في عدة مجالات اقتصادية واجتماعية وثقافية،إذ نجد مثلا الأسر الجزائرية التي استقرت بتطوان حملت معها ثقافة طريفة وعادات جديدة يعود جزء منها إلى الأصل التركي أخذها عنهم أهل تطوان وأدمجوها في تقاليدهم، شملت التأثير في ميدان الأطعمة المتنوعة وصنع الحلويات والتعود على شرب القهوة. إلا أنه رغم المعرفة المبكرة للقهوة لدى المغاربة خصوصا أن هذا المنتوج قادم من شبه جزيرة العرب، إلا أنها لاقت اختلافا في أوساط الفقهاء. فإلى حدود أواخر القرن التاسع عشر كانت القهوة لا تزال تعرف سجالا بين مؤيد ومعارض، إذ اعتبرها البعض مسكرة كالخمر، وأن ما فيها من تنشيط للنفس والمداومة عليها فيه ضرر للبدن، كما هو الشأن عند الإمام اليوسي الذي سئل عن القهوة هل هي مباحة أو حرام؟[20] لتعاطي الناس لشربها في المحافل، فأجاب بقوله: "ولا أقول لكم فيها إلا ماقال الإمام البكري المصري حين قيل له ما تقول في هذه القهوة قال:

ألا قل لأصحابي عن القهوة انتهوا = ولا تجلسوا بموضع هي فيــه
فليســــت بمــكروه ولا بمـحـرم = ولكن غذت شـراب كـل سفيه.[21]

وربما يعود هذا التردد في تحريمها لإجماع الفقهاء على أنها حلال كما ذكر جمال الدين القاسمي الدمشقي: "وقال العلامة الخليلي في فتاويه وأما القهوة فخلاصة القول فيها إنها من الجائز تناوله المباح شربه كسائر المباحات مثل اللبن والعسل ونحوهما[...].[22]

أيها السائل الذي جاء يرجو = عندنا أن نبيحه شرب القهوة
قهـوة البـن لا تكـون حـرام = إنهـا لا تفـيـد بالنفـس نـشـوة.[23]

أصبحت القهوة تدريجياً أكثر حظوة، وتقدم للشخصيات المرموقة وفي المناسبات الرسمية. أما الشاي، فأصبح مشروبا شعبياً. والمفارقة أن يكون الشاي والقهوة المشروبان الأكثر استهلاكا في الوقت الذي نجهل عنهما الكثير، فكثرة استهلاكهما على نطاق واسع اجتماعيا وجغرافيا هو الذي يجعل الناس ربما لا تسعى إلى التعرف على مصدريهما وكيفية تعاطي الفقهاء معهما فيما مضى.


[1]- أندري بورغيير، "الأنثربولوجيا التاريخية"، ترجمة محمد حبيدة، مجلة أمل، الدار البيضاء، ع 5، 1994، ص ص 97-125

[2]- F. BRAUDEL, La Méditerraneé et le monde méditerraneén à l’époque de philippe II, Paris, Armand colin, 3°, éd., 1976; J. LeGoff, Pour un autre moyen âge, Paris, Gallimard, 1997; G. Duby, L’Economie rurale et la vie des campagnes dans l’Occident médiéval, Paris, Flammarion, 1977

[3]- على باي العباسي رحالة ومغامر إسباني يدعى في الحقيقة دومينغو باديا أي لبيش )1766-1818)

[4]- Domingo Badia,Voyages d’Ali Bey El Abbassi en Afrique et en Asiependent les années 1803, 1804 , 1805, 1806, et 1807, t.1, Paris, 1814, pp. 34-35

[5]- O. Carlier,«Le café maure. Sociabilité masculine et effervescence citoyenne(Algérie XVIIe-XXe siècles)» in: Annales. Économies, Sociétés, Civilisations. 45e année, n° 4, 1990, pp. 975-1003

[6]- حفيظ الطبابي، "الحشيشة الملعونة أو قصة دخول الشاي إلى تونس وظاهرة الإدمان عليه"، المجلة التاريخية المغاربية،ع 106، فبراير 2002، ص 115

[7]- عبد الأحد السبتي وعبد الرحمان الخصاصي، من الشاي إلى الأتاي، العادة والتاريخ، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، الطبعة الأولى، 1999، ص ص 48-49

[8]- محمد حمود بن سيد المختار، أدبيات الشاي في موريتانيا، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا، كلية الآداب، الرباط، 1988-1989، ص 18

[9]- صوفي من منطقة سوس ينتمي إلى أسرة عالمة.

[10]- عبد الأحد السبتي وعبد الرحمان الخصاصي، مرجع سبق ذكره، ص ص 199– 200

[11]- أحمد البشير الضماني،الشاي الصحراوي، الدار البيضاء/بيروت، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 2013، ص 349

[12]- سليمان بن محمد بن عبدالله الحوات الحسني العلمي الشفشاوني، انتسب إلى الطريقة الناصرية (الصوفية)، أخذها عن شيخه التاودي ابن سودة، شيخ الطريقة بفاس. بعد توليه نقابة الأشراف العلميين لقب بـ: «صدر الشرفاء وشريف الأدباء».

[13]- عمر أفا، التجارة المغربية في القرن التاسع عشر، مكتبة دار الأمان، الطبعة الأولى، 2006، ص 185

[14]- أحمد البشير الضماني، مرجع سبق ذكره، ص 352-353

[15]- J. L. Miège, «Origine et développement de la consommation du thé au Maroc», Bulletin Economique et Social du Maroc, vol. 2, n° 71, janv., 1959, p. 398

[16]- "تحريم القهوة" فصل من بحث الماستر أُنجزه تحت إشراف محمد حبيدة، بعنوان "من القهوة الى المقهى: مساهمة في التاريخ الثقافي".

[17]- محمد الأرناؤؤط، من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي، جداول للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2012، ص 17- 18

[18]- جمال الدين القاسيمي الدمشقي، رسالة في الشاي والقهوة والدخان، بدون تاريخ، ص ص 17- 18

[19]- عبد العزيز سعود، تطوان في أواخر القرن 19، جوانب من الحياة الاجتماعية والإقتصادية والثقافية والسياسية على ضوء محاولات التسرب الأوروبي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا، كلية الآداب بالرباط، 1991-1992، ص 136

[20]- تجذر الإشارة الى أن اشهر الفتاوى في تحريم القهوة في القرن 16، هي فتوى الحطاب الرعيني (ت.954هـ/1547م) الذي شببها بالخمر في أوجه عديدة. وبعد مرور عقود كثيرة على هذه الفتوى قام السلطان العثماني مراد الرابع (1623-1640) بمنع تداول القهوة معتبرا إياها من المحرمات كالخمر والتبغ، وأمر بهدم المقاهي المنتشرة في أرجاء الإمبراطورية. انظر كتاب من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي للأرناؤؤوط، ص ص 29-30

[21]- حسن أنشاد، رحلة الغيغائي لمحمد بن عبد الله الغيغائي، أطروحة لنيل الدكتوراه، 2005-2006، كلية الآداب بالرباط، ص 205

[22]- جمال الدين القاسيمي الدمشقي، مرجع سبق ذكره، ص 18

[23]-نفس المرجع،ص 19



* منقول



الادب المغربي.jpg
 
باحثة: بعضُ فقهاء المغرب حرّموا شُربَ الشايَ أواسطَ القرن الـ19

قدْ يَجهَلُ كثير من المغاربة أنّ مشروب الشاي الذي لا تخلو منه موائدُ مختلف طبقات المجتمع المغربي، الميسورة منها والمتوسطة والفقيرة، على مدار أيّام السنة، والذي يعتبر “المشروب الشعبي رقمَ واحدٍ” في المغرب، حرّم عدد من الفقهاء المغاربة شُرْبه إبّان بداية انتشاره في أوساط الطبقات الشعبية، أواسط القرن التاسع عشر.

الباحثة المغربية كريمة حكوش، سلّطت الضوء على هذا الموضوع، من خلال مقال نشرته في موقع “مؤسسة مؤمنون بلا حدود”، تحت عنوان “من المحظور إلى العادة: مشروبات في تاريخ المغرب ما بين الحِلية والحرمة”، وخَلُصتْ، إلى أنّ الخلافَ بين الفقهاء المغاربة حول حلية أو حرمة شرب الشاي، إبّان ظهوره لأوّل مرّة، بلغَ حدّ المجابهة.

وذهبت الباحثة إلى أنّ الخلاف الذي دبّ بين فقهاء المغرب ما بين محلّل ومحرّم لشرب الشاي، وبين من اتّخذ موقفاَ وسطا، نجمت عنه كثير من التآليف الفقهية والفتاوى التي تبرز مواقف الفقهاء من القضية، ما بين مُؤيد ومعارض، وذهب بعض الفقهاء إلى القول بأن الشاي حرام.

وتحجّج الفقهاء الذين ذهبوا إلى تحريم شرب الشاي، حسب الباحثة، بأربعة تعليلات، التعليل الأوّل هو أنّ الشاي “سفيه والسفَه حرام”؛ ثانيا، أنه يُضر بالأجسام، “وما يضر بالأجسام حرام”؛ ثالثا أنّه “يشغل عن ذكر الله”؛ أمّا العِلّة الأكثر إثارةَ، والتي استند إليها الفقهاء المُحرّمون لشرب الشاي، فهي أنّه “في هيئته وآنيته يشبه الخمر”.

الفقهاء الذين استندوا إلى العِلل السابقة لتحريم شرب الشاي، اعتمدوا قاعدة أنّ “الشيء إذا لاحتْ فيه عوارض المنع وجبَ ترْكه لأنّه حرام”، أمّا الباحثة كريمة حكوش، فأشارت إلى أنّ وضعَ الشاي في إطار تاريخ المشروبات بالمغرب، يقتضي الإشارة إلى أن كلاَ من الشاي والقهوة ينتميان إلى فئة المشروبات المنبهة، وهناك من يرى أن جلسة الشاي في مستواها الطقوسي هي امتداد لجلسات الخمر.

ومن الفقهاء المغاربة الذين شبّهوا الشاي بالخمر، الحاج البيشوري، وهو صوفي من منطقة سوس ينتمي إلى أسرة عالمة، فقد ورد عند الأستاذين عبد الأحد السبتي وعبد الرحمان الخصاصي، نقلا عن المعسول للمختار السوسي، أن الحاج البيشروي نبه من شرب الأتاي لتشبيهه له بالخمر، أمّا قاضي مكناس أحمد بن عبد الملك العلوي فكان لا يقبل شهادة شارب الشاي.

وفي مقابل هذه المواقف “المتشدّدة” من شرب الشاي، أوْردت الباحثة كريمة حكوش مواقفَ وسطية لفقهاء آخرين، لمْ يقطعوا نحو التحليل أو التحريم، ومنهم الشيخ محمد بن المؤيد بن سيدي، الذي أورد في فتواه الصادرة سنة 1925 أنّ “الرأي عندي السكوت عن الخوض في ثلاث مسائل الضاد والظاء، وحكم أمانيج، وحكم الأتاي، لأن بن عباد نص في رسائله أنه لا يجوز لأحد أن يقول بتحريم شيء ولا تحليله إلا إذا قطع بذلك، ولا يقطع شيء إلا إذا كان في آية محكمة أو سنة متواترة أو إجماع”؛ وفي مقابل هذا الموقف الوسط، هناك فقهاء آخرون أحلّوا شرب الشاي ومنهم الفقيه محمد حبيب الله بن مايابي الجكني.


* منقول
 
أعلى