مقامات احمد السيلاوي - المقامة المضيرية.. بديع الزمان الهمذاني

التحليل الادبي

المضمون:
تدور فصول وأحداث المقامة حسب حديث عيسى ابن هشام، أن الإسكندري دعي إلى وليمة، فقدمت إليهما مضيرة، غير أن الإسكندري امتنع عن تناولها، فلما استفسر عن سر امتناعه، روى قصته معها

يبدا البديع مقاماته هذه بانطاق الراوية عيسى بن هشام، وبواسطته عرفنا مكان القصة، وهو البصرة وعرفنا على اشخاص نكرات سمعوا روايتها يدلنا ذلك على قوله " حضرنا معه " ثم عرفنا ان الحكاية رويت في بيت تاجر قدّم لهم " المضيرة " وزودتنا اقوال الراوية بمعلومات جيدة عن مكانة بطل المقامة " ابي الفتح الاسكندري " الادبية فالفصاحة ملك يديه والبلاغة رهن اشارته.

ويأتي دور" المضيرة" التي قدمت للاكلين نفاذا هي رمز ما ابدع الحضر في فن الاكل، وهي تموج في قصعتها وتتحرك وهي ذات قيمة غذائية كبيرة ،بحيث تؤذن بالسلامة لاكلها، ولشدة ما تؤثر على الاكلين، ولشدة شغفهم بها لو كانت ايام معاوية لكسب بواسطتها الأنصار وجمعهم من حوله اذ يدعوهم لتناولها.

وتمثل اواني الطعام وشكلها ونظافتها وترتيبها سببا مهما من اسباب تنشيط شهية الانسان للطعام، ولم ينس البديع التركيز على هذه الناحية فوصف القصعة وصفا موجزا يبرز روعتها بقوله: " قصعة يزل عنها الطرف ويموج فيها الظرف" .

كانت كل الاوصاف والنعوت للمضيرة وللقصعة مشوقة مما جعل ذكر الطعام يملك الباب الجالسين لتناولها " فلما اخذت من الخوان مكانها ومن القلوب اوطانها "

ويبلغ التشويق لعرض القصة غايته عندما يعرض لنا الكاتب منظرا مناقضا لا ينسجم وتلك الصورة التي فصلها، فقد قام ابو القتح يلعن المضيرة، وطابخها وآكلها، فلا بد والحالة هذه من انجذاب القارىء ليتحرى الاسباب ولا بد من سر تكمن وراءه تلك الثورة العارمة التي تملكت ابا الفتح الاسكندري .
ويسترسل ابو الفتح في حكايته، تلك الحكاية التي وقعت احداثها في بغداد، فقد دعا رجل " ثقيل " الى اكل المضيرة في منزله فيبرمه ويصدّعه لكثرة ما يصف زوجته ومحلته، وداره وما فيها ،وغلامه، وخوانه وما الى ذلك فيطيل ويفصل، كل ذلك قبل ان يحضر الطعام، وكان وقت الغداء قد فات ولم يبق لابي الفتح صبر للاستماع لذلك الميل الجارف من شروح التاجر واوصافه التي تكتم الأنفاس فضلا عن ثقل روحه، ومرور الوقت الطويل وابو الفتح تتلوى امعاؤه في بطنه تستصرخ الطعام ولا من مجيب . واحس ان الشرح لا يمكن ان تاتي عليه نهاية واحس ان اعصابه تتحطم ولم تستطع ان تتحمل هراء المضيف واستهتاره به، فلم ير منجي له نحو الحرية الا الافلات من ذلك الجو الخانق والهرب، ولكن الهرب اةقعه في مشكلة اخرى، فقد لحق به التاجر اثناء فراره وهو يصيح: " يا ابا الفتح المضيرة " فظن الصبيان ان المضيرة لقب لابي الفتح فتتبعوه وصاحوا المضيرة، المضيرة. وعندما الحجارة، اصاب حجره رجلا عابرا فشج رأسه مما القى به في السجن لمدة عامين، فكانت المضيرة رمزاً لنحس عنده، ولذلك نذر ان لا يأكل المضيرة ما عاش .

في المتن الحكائي:

تتناول المقامة المضيرية جملة من القضايا المتنوعة والمختلفة، وهي على هذا النحو اجتماعية، اقتصادية، تربوية، ثقافية، إنسانية.

ولعل أبرز هاته القضايا محنة الإسكندري مع الوليمة التي جلبت له مشاكل عدة.

ـ كيف صورت المقامة المضيرية صورة الإسكندري؟

يرمز اسم الإسكندري في كتاب المقامات لبديع الزمان الهمذاني إلى " المكدي" وهو كما معلوم شخص غريب الطبائع، شديد الحيل، مغامر، عالم، مثقف، دائم الانتصار للمكر والخداع بوسائل إبداعية ملفتة، الشيء الذي ضمن له النجاح في كل أدواره التي يلعبها.

إن الإسكندري ـ في المقامة المضيرية ـ يجسد صورة " الضحية " الذي يتعرض إلى عنف الآخرين، إما نتيجة لأخطاء في الحسابات وسوء تقديره الذي قاده إلى السجن. فهو بهذا الأمر يجسد صورة الإنسان الذي يتحمل الآلام والجراحات مقابل قيم السلام والأخلاق

فنحن في الحقيقة امام قصتين تمهد الواحدة للاخرى :

القصة الاولى: تشتمل على مشهد ابي الفتح في حضرة الراوية عيسى بن هشام واصحابه، وقد عزف عن اكل المضيرة، وانفجر ثائراً عليها .

والقصة الثانية: تلك التي رواها ابو الفتح الاسكندري مع الرجل الثقيل في بغداد ووصف معناته النفسية، وما لحق به من سجن بعد ذلك نتيجة لدعوته لأكل المضيرة، وتاخذ هذه القصة بمجامع مشاعر القارىء وتشده شداً وتثير فيه الضحك او القهقهة، وربما كان ذلك ما رمى اليه البديع من التخفيف عن الناس وافراغ همومهم .

وما دامت القصة الثانية: قصة التاجر وابي الفتح هي محور المقامة فلا بد من الوقوف عندها مليا لنقول بعض الكلمات في جزيئاتها وشخصياتها :

1- التاجر: يمثل التاجر في هذه المقامة العصب الرئيسي الذي يدفع الفكاهة في ارجائها بقوة وحيوية، وهو ينتقل عبر اوصافه لممتلكاته بادئا بزوجته ومنتهيا بالكنيف، ورغم غروره وثقله الا انه يبدو شخصيهة حية لروحه، ولخصائصه كتاجر، يجيد الترويج لمعروضاته حتى يقبل عليها المشترون. فشانه شان تلك الننماذج من الباعة، الذين يؤلفون الاقوال والعبارات الموزونة وينادون بها لاغراء الناس ودفعهم لاقتناء بضائعهم. وقد قام هذا التاجر فعلا بعمل منشورات الدعاية، والاعلانات التي تطلع الصحف فيها علينا والتي تعرض الوان منها على شاشات التلفزيون في ايامنا هذه .

زوجة التاجر: هي الحلقة الاولى التي اتصلت بها حلقات عديدة من معروضات التاجر، ولم تكن لتثر فينا الدهشة لولا اتصل بها فيما بعد من اوصاف المحلة والدار وباقي الاشياء التي ذكرها التاجر باسلوب التجارة والبيع، والامر الغريب في وصفها ليس كونها زوجة يصفها زوجها بالنشاط والحيوية: " تدور في الدور من التنور الى القدور ومن القدور الى التنور، تنفث بفيها النار، وتدق بيديها الابزار ووجها الجميل غبّر فيه الدخان، وأثر في خدها الصقيل، ولكن الامرالغريب ان يأخذ بوصفها والترويج لها كانها سلعة تجارية يزينها في عيون الناس لشرائها، وهنالك نقطة اخرى تستحق الذكر وهي اننا نفهم من حديث التاجر بالنسبة لزوجته، ان المراة ليست ذات مركز اجتماعي او ثقافي او سياسي نابه اذ لو كانت كذلك، ولو كان ذلك مما تمدح به المراة لردده التاجر حقا او باطلا على ضوء الشخصية التي رسمها له بديع الزمان .

صحيح ان التاجر لم يصرح انه يفرّط بزوجته او انه لا يقدرها حق قدرها بل العكس هو الصحيح: صرح بحبه وعشقها، وذكر من صفاتها الجسمية والخلقية ما جعلنا نجزم انه يحبها حبا صادقا، ولكن الغرابة تكمن في نقطتين:
الاولى ان سياق حديث يضعها موضع السلعة لانه بدأ بها مارا عبر محلته وداره ثم انتهى بالكنيف، وما ذلك الا لانه تاجر ينطق بلسان التجار كما نوهنا قبل قليل .

اما النقطة الثانية فهي ان الزوجة ليست دافعا لتبجح الزوج واشباع غروره امام الغير .

ونستطيع اجمال صفات هذه الزوجة كما وصفها زوجها بما يلي:
· نشيطة فيها حيوية .." تدور في الدور ....
· جميلة – "وجه جميل " ، " وخد صقيل"
· عشقت زوجها – " اعشقها لانها تعشقني "
· ابنة عم زوجها – " ابنة عمي لحا "
· اخلاقها طيبة – " اوسع مني خلقا "
· اجمل من زوجها – " اجمل مني خَلقا"

هذه بعض الصفات التي فصلها المؤلف في المقامة وهناك صفات اخرى تجاوز عنها ابو الفتح ولخصها بقوله " وصدّعني بصفات زوجته "


2- المحلة:

ما من شك في ان بعض الماكن تشرّف القطن فيها، وبعضها يعرف بانه موطن ذو سمعة سيئة، ربما لكونه مجتمع لاراذل الناس وسفائهم ، او لانه مجتمع لفقراء الناس، او لاي سبب من الاسباب المعروفة لنا اليوم، ولا نزال نسمع بذلك الحي في تلك المدينة او ذلك الشارع تسيطر عليه شراذم من شذاذ المجتمع او تتجمع فيه الطبقات المسحوقة بحيث تفوح في المكان انفاس قاطينه، وعلى العكس نجد مناطق سكنية تقطنها فئات مثقفة او ارستقراطية مما يكسب اسما نظيفا ويعلي مرتبته.

وتاجرنا يرفع من شان المحلة التي يقطنها، ولا يخالجنا شك في ان هدفه رفع شان نفسه‘ وصفات محلته:
* اشرف محال بغداد
* يتنافس الاخيار في نزولها ويتغاير الكبار في حلولها.
* هي محلة الارستقراطيين –" لا يسكنها غير التجار" ولعل في هذا ما يشير الى مركز التجار وقيمتهم في المجتمع .

واذا كان كل ذلك يعد عنوانا للفخر، فقمة مفاخرته في اعتبار داره اثمن ما يوجد في تلك المحلة فهي " السطة من قلادتها، والنقطة من دائرتها ".

الدار: دار فخمة، متقنة الصنع ويدل على ذلك قوله: انه انفق عليها فوق الطاقة ووراء الفاقة واقيمت على خير رسم وتخطيط ، فكان تعريجاتها بالبركار .

5- باب الدار: هو من شجر الساج، لا ما روض ولا عفن، بل قوي ثقبل، وهذا من قوله: " اذا حُرك أنّ، واذا نُقر طنّ، ويدخل الان في معادلة الدعاية صانع الشيء او بائعه، فهو نظيف، بصير بصناعة الأبواب، حاذق لصنعته. وبعد ذلك يأخذ في وصف محتويات الدار، وكل ما تقع عينه عليه، متخذا نفس الاسلوب، فالشيء ثمين لأنه اقتني من مكان خاص، وتتعدد الاشياء وتتشعب طرق الوصف‘ وكلها مشحون بزخم الغرور والجشع، الامر الذي قتل اعصاب ابي الفتح فجاشت نفسه، خاصة وانه تخيل عشرات الاشياء لم يحن وقت وصفها تفصيلا، وهذا ما لايظيقه انسان، فكان ما كان من فراره قبل اكل المضيرة وكان ختام هذه الفكاهة تلك النهاية التي رسمها لامؤلف لابي الفتح وهي السجن لمدة سنتين على اثر حادثة الحجر

الاقصوصة:

تظهر الاقصوصة في هذه المقامة، لان الكاتب لم يعن فيها بالحادثة، وانما كانت الحادثة مطية لاطهار نفسية الاشخاص، فليس ثمة ما جعله يفتقد الخط النفسي للشخص الروائي فقد بدل منذ مطلع المقامة ان التاجر مغرور انايني وقد لبث طيلة المقامة على هذا الانحراف النفسي، انها اقصوصة لانها تتناول مرحلة او جزءا من حياة الاشخاص ويبدو كأنه يختصر حياتهم كلها، اما المسرحية فتبدو في انتقال التاجر من مشهد الى اخر ن من مشهد الحلة الى مشهد الدار فالحلقة فالحصيرة بالابريق فالخوان، والمسرحية هنا تقوم على الحوار المنفرد غالبا، والمزدوج في فترات قليلة ولكنها على الاحوال جميعا مسرحية متعددة المشاهد في فصل واحد، ومهما يكن فان المقامة تظل اقرب الى الاقصوصة لانها تشمل على اشخاص عديدين منهم: ابو اسحق محمد البصري ، وعمران الطرائفي وابو سليمان صاحب الدار وابنه المنذر، وابو عمران الحصيري وابنه الذي يخلفه او اصحاب دور الفرات، والى ما هناك من اشخاص لا يظهرون على مسرح الحكاية وانما يتحدث عنهم بصورة الغائب.

والهمذاني في هذه المقامة ينال اعجاب الباحث، لما تميز به من قدرة على دراسة المجتمع ومعرفة واقع الاشياء وخفايا النفوس وتطوراتها، فهو ينظر اليها من الخارج ويراقبها وعلى ثغره ابتسامة متندرة مستخفة، ولو كانت مقاناته جميعا كهذه المقامة ، لكان من كبار القصاصين العرب، وربما بلغ فيها كبخلاء الجاحظ الى مستوى فنّي عالمي، لان هذه المقامة جمعت الغاية الفنية والتشويقية بالاضافة الى التحليل النفسي .

الاسلوب

1- الهيكل العام – مقامة نموذجية يرويها عيسى بن هشام، وبطلها ابو الفتح الاسكندري ولكنها تمتاز عن معظم مقامات الهمذاني بامرين :
الاول – ان ابا الفتح لا يمثل دور الشحاذ او المكدي .
الثاني – ان ابا الفتح مكشوفة هويته منذ مطلعها، بينما جرت عادة الهمذاني ان يكشفه في اخر المقامة .

هذا فضلا عنا امتازت به من طول اذا قيست بغيرها وما امتازت به ايضا من مناخ الفكاهة والتندّر.


2- الحوار الداخلي:

تعتمد المقامة على الحوار بقدر معين، ولكنه حوار ذو طابع خاص ن حوار من جانب واحد، فالتاجر يتحدث الى ضيفه، ملحفا عليه بان يسأل ويحدث، ولكنه لا ينتظر حتى يتحدث ضيفه بل يقوم هو بدور السائل والمجيب مثل: " انظر الى حذق النجار في صنعة هذل الباب ن اتخذه من كم ؟ قل ومن اين اعلم هو ساج..."، " من اتخذه يا سيدي " " اتخذه ابو اسحق..."، " وهذه الحلقة.. كم فيها يا سيدي من الشبّه؟... فيها ستة ارطال... "، " عمرك الله يا دار... سلني كيف حصلتها ، وكم من حيلة احتلتها حتى عقدتها ؟ كان لي جار..."

" ترى هذا الغلام... انه رومي الاصل..."، "انظر الى هذا الشبه... تامل حسنةه وسلني متى اشتريته ؟... اشتريته والله..."

" وهذا المنديل سلني عن قصته... فهو نسج جرجان ..."

ومع ذلك هنالك بعض المواضع ظهر فبها الحوار طبيعيا مثل: " قلة تخميناً ان لم نعرفه يقيناً، قلت: الكثير، فقال يا سبحان الله ...".

" فقلت هذا الشكل فمتى الاكل؟ " فقال: " الان..."، " فقمت فقال اين تريد؟ فقلت حاجة اقضيها، فقال..."، " فقلت كل انت من هذا الجراب " .

ان الحوار من جانب واحد عمل على التضييق على صبر ابي الفتح، وازهاق روحه، كما حدد معالم نفسية التاجر بالاضافة الى اثره في نفوس القراء وما يضفي على المقامة من روح الفكاهة .

الجمل الانشائية والخبرية:

رغم ان المقامة ذات صبغة قصصية، وهذا يعني سيطرة الجمل الخبرية لانها تناسب السرد القصصي، الا ان البديع نوّع الجمل والاساليب فيها فجاءت المقامة الضيرية ذات حركات لغوية نشطة دفغت الملل عن الراء وساهمت في البناء الفكاهي لها، لأن التاجر(الشخصية المهمة في المقامة ) كان يسال ويتعجب ن ويأمر ويحدث، كل ذلك في عبارة واحدة كقوله: " داري في السطة من قلادتها، والنقطة من دائرتها (خبرية) كم تقدّر يا مولاي انفق على كل دار منها ( انشائية ) قلة تخميناً ان لم تعرفه يقيناً ( انشائية) قلت: الكثير ( خبرية ) فقال يا سبحان الله ما اكبر هذا الغلط (انشائية) وانتهينا الى باب داره (حبرية ). فقال: هذه داري (خبرية ) كم تقدر يا مولاي انفقت على هذه الطاقة (انشائية ) انفقت عليها فوق الطاقة (خبرية)، وهكذا تتدتخل الجمل الخبرية والانشائية حتى اخر المقامة.

التعليقات الداخلية :

ونعني اقوال التاجر التي عبر عن اعجابه بممتلكاته والأمثال والحكم التي اوردها لبيان صحة عمله مثل :

* ومن سعادة المرء ظان يُرزق المساعدة من حليلته، ولا سيما اذا كانت من طينته
* لله در ذلك الرجل .
* انما المرء بالجار.
* عمرك الله يا دار، ولا حرّ بك يا جدار .
* والمتدبر يحسب النسيّة عطية، والمتخلف يعتدها هدية .
* ربّ ساع لقاعد .
* الله اكبر لا ينبئك اصدق من نفسك، ولا اقرب من امسك .
* والدهر حُبلى ليس يُدرى بما يلد .
* فالمؤمن ناصح لاخوانه لا سيما من تحرّم بخوانه .
* ليس الشأن في السّقّاء، الشان في الإناء.
* لكل علق يوم، ولكل الة قوم .

هذه الاقوال والامثالوالتي الّف البديع قسما كبيراً منها واوردها على لسان التجر كانت نوعا اخر من ثرثرته وتطويله للحديث لتادية المعنى والغرض المقصود في المقامة وهو مضايقة ابي الفتح ودفعه نحو الثورة .

السجع في المقامة:

عرفنا من النصوص التي وصلتنا في اطار هذا الفن (فن المقامة) ان السجع هو دستورها اللفظي الذي التزم به مؤلفو المقامات، وكما يكون السجع زخرفة تصنيع ونكلف محترم، يمكن ان يكون انشاء مبدع وتجويد فنان، وهذا ما نقوله بحق بديع الزمان الهمذاني في هذه المقامة ملاحظات بهذا الخصوص في النقاط التالية :

1- لم يتحكم السجع في المقامة المضيرية بشكل مطلق، فقد خضع المؤلف في بعض الجمل والعبارات للمعاني مما خضع للزخرفة اللفظية، فجاءت هذه الجمل والعبارات غير مسجوعة في اكثر من مكان وربما استعان بالموازنة والازدواج كوسيلة للتحسين اللفظي والامثلة التالية تثبت ادعاؤنا هذا :
· فرفعنا فارتفعت معها القلوب وسافرت خلفها العيون .
· لرأيت منظرا تحار فيه العيون .
· وأنا اعشقها لأنها تعشقني .
· ثم قال : يا مولاي ترى هذه المحلة؟ هي اشرف محال في بغداد.
· تأملّ حسن تعريجها فكأنما خط بالبركار .
· وجعلت اعدو، وهو يتبعني ويصيح: يا ابا الفتح المضيرة وظن الصبيان ان المضيرة لقب لي فصاحوا صياحه.

2 - سجع جميل هو مبني ومعنى مثل :
· فلما اخذت من الخوان مكانها، ومن القلوب اوطانها .
· وظنناه يمزح فاذا الأمر بالضد، واذا المزاح عين الجدّ .
· تحلبت لها الأفواه، وتلظمت لها الشفاه .
· فقال قصتي معها، اطول من مصيبتي فيها .
· هذا الشكل فمتى الأكل .

والملاحظ في مثل هذه الامثلة ان المؤلف لم يكن ضعيفا، يلهث وراء سجعه من هنا واخرى من هناك ملفقا ومصنفا، فقد جاءت كلماته متوافقة متلائمة في معانيها ومبانيها، واحيانا كانت في غاية الجمال، لأنه الى جانب السجع حرص على الموازنة بين الجمل، ثم ان كثيرا من السجع الوارد في المقامة جاء بفعل عطف كلمات على اخرى ذات ضمائر متشابهة، وليس في تصنع او تكلف مثل:
· طينتها طينتي، مدينتها مدينتي، وعمومتها عمومتي، ارومتها ارومتي .
· يلعنها وصاحبها، ويمقتها وآكلها، وطابخها .

3- سجع يبدو عليه التكلف والتصنيع مثل :
· توذن بالسلامة، وتشهد لمعاوية رحمة الله بالامامة، فكلمة السلامة دفعته للبحث عن كلمة الامامة واقحام معاوية في هذا المكان، اذ لا لزوم لمعاوية والامامة الا لغرض السجع فقط· لزمني ملازمة الغريم، والكلب لاصحاب الرقيم، والتكلف يظهر هنا لعدم توافق الحالين الغريم فيها عداوة، ومنافسة على الاقل بينما ملازمة كلب الرقيم فيها اخلاص وتضحية .

من التنور الى القدور ن ومن القدور الى التنور، يظهر التكلف من التكرار ثم من ضعف المعنى، فكيف يمكن ان تدور المرأة من القدور الى التنور، اليست القدور في التنور؟ هذا من ناحية ومن ناحية اخرى اضطر المؤلف لصيغة الجمع من القدر ( القدور ) لتوافق التنور .


هذه نماذج للسجع الموفق، ونماذج للسجع غير الموفق .

التشابه والاستعارات ، والكنايات :

وجاءت معظمها لتساهم في حشد وسائل المبالغة والغلو التي سيطرت على المقامة ومنها :
· يدعوها ( الفصاحة ) فتجيبه – استعارة لاظهار منزلة ابي الفتح الادبية .
· يامرها ( البلاغة ) فتطيعه – استعارة لاظهار منزلة ابي الفتح الادبية .
· يموج فيها ( القصعة) الظرف – استعارة لاظهار شدة لمعان وتألق القصعة .
· لزمني ملازمة الغريم – تشبيه لتأكيد ( ثقل الدم ) التاجر والتعبير عن مرارة النفس لما حصل لابي الفتح بسبب تلك الزيارة .
· والكلب لاصحاب الرقيم ( ملازمة الكلب لاصحاب الرقيم ) تشبيه يؤدي نفس الغرض
· كأنما خط بالبركار (تعريج الدار ) تشبيه للمبالغة في اتقان تعريج الدار .
· يسوقه قائد الاضطرار ( يقصد : خلف صاحب الدار ) استعرة لتعظيم شان الضرورة والحاحها على المحتاج للتفريط بممتلكاته .
· كانه جذوة اللهب – تشبيه للمبالغة في مقدار صفرة ولمعان الشبه ( النحاس الاصفر)
· اخذته اخذة خلس (كاخذة اامختلس ) تشبيه للتعبير عن قيمة اليء المأخوذ وثمنه ( عقد لآل ) والانفراد به لنه نادر الوجود ، ولأن ثمنه بخس فكانه حين أخذه بالقليل من الثمن قد سرقه .
· أزرق كعين السنّور، ضاف كقصيب البلّور، جاء كلسان الشمعة – تشابه قصد منها المبالغة في اظهار صفاء ونقاء الماء.
· جاشت نفسي-استعارة للتعبير عن نفاد الصبر واضطراب النفس
· يزري ( الكنيف ) بربيعي الامير وخريفي الوزير – استعارة المقصود منها المبالغة في التعبير عن نظافة كنيفة .
· اخذت من القلوب اوطانها ( يقصد المضيرة ) كناية عن شغف الحاضرين بها واشتهاء أكلها .
· ارتفعت معها القلوب ، سافرت خلفها العيون ، اتقدت لها الاكباد ، مضى في اثرها الفؤاد استعارات توضح البالغة في حب المضيرة .
· تحلبت لها الافواه ، تلمظت لها الشفاه – كنايتان عن انفتاح الشهية للطعام .
· تنفس الصعداء – كناية عن انفراج الضيق .


في البعد التداولي الوظيفي

إن المقامة في مبناها ومعناها تطمح إلى أن تلعب دورا وظيفيا وإنسانيا في سياقها التداولي، بالإضافة إلى أنها تتحدث بلسان شرائح مجتمعية متعددة، فهي تعكس تعددا متنوعا وتستضمر بعدا تربويا يكمن في نزوعها نحو صياغة بعض القواعد الحكمية، وهكذا في المقامة المضيرية يمكن الحديث عن حكم وأمثال عديدة نقتطف منها ما يلي:
ـ السعادة تنبط الماء من الحجارة.
ـ المؤمن ناصح لإخوانه.
ـ لكل آلة قوم.
ـ يزل عن حائطه الذر فلا يعلق.
ـ يمشي على أرضه الذباب فيزلق.

خلاصة واستنتاج

تبقى المقامة من الفنون الأدبية الممتعة، إضافة إلى كونها سجلا تاريخيا يكشف عن مهارة وقدرة الكاتب العربي الإبداعية. وعلى الرغم من كونها- أي المقامة- تبدو عصية من حيث المبنى والمعنى، فإنها لا زالت تستأثر باهتمام المتلقي والناقد معا، ولعل ذلك يكمن في طبيعة النجاحات التي حققتها في مجال الإبداع العربي.

المقامة وثيقة ادبية اجتماعية :

هي وثيقة ادبية تعكس اجواء العصر الادبية بما تضمنته من خصائص المقامات عامة، من تجويد لفظي، ومعنوي فقد شملت كثيرا من الاساليب المعروفة في اللغة العربية، من سجع وموازنة جمل، وتكرار، ونداء، وشرط وتمني واشتثناء، وامر، وتعجب، واستفهام، كما تضمنت قدرا لا يستهان به من الحكمة .

وهي وثيقة اجتماعية لما يمكن ان نستدل منها على حقائق واوضاع سادت المجتمع العربي في تلك الحقبة على النحو التالي :
1 - حدوث المجاعة اتلي تخلف الويل بحيث يضطر القوم الى بيع امتعتهم .

2 - قيام المصادرات وبيع ما ينتج عنها في المزاد.
3 - الطبقات الاجتماعية وواقعها في ذلك العصر، حيث كان الاغنياء يقيمون احياء خاصة بهم .
4 - نشوء طبقة من الانتهازية الذين غنموا الثروات الكبيرة من بؤس الناس وفقرهم .
5 - انتقاء العدالة الاجتماعية .
6 - صورة معينة عن الحركة التجارية، والاسواق البغدادية.

مظاهر السخرية الفكهية في المقامة المضيرية بشكل خاص ومقامات الهمذاني بشكل عام:

1- من الظواهر الاجتماعية، وصف الثرثار بلاء نازل يسقط على الناس في كلمكان وزمان، والضيق به محتوم من ذوي المشاعر الرقيقة، والأحاسيس الشفافة.
2- ظاهرة التفاخر بالاموال والامكنة والاملاك .
3- احتيال التاجر في شراء البيت اشبه بالسرقة.
4- برىء ابو الفتح الاسكندري من الطعام وحمد الله أن وجد قوة في جسمه يستطيع بها أن يعبر الطريق .
5- استهتار الصبيان منه بالمضيرة المضيرة كلقب له.

1- اللامبلاة من قبل التاجر بمشاعر ابو الفتح الاسكندري بتاخر الطعام وبثرثرة لا تعنيه له شيئا.
2- فقد الحلم والصبر وكاد الصداع يقتله حتى حين لحقه الصبيان رماهم بالحجارة لابعادهم.
3- الظلم السياسي الذي وقع عليه بان تم سجنه لمدة عامين

اما في المقامات بشكل عام
1- وظاهرة الكدية هي احدى الظاهر الاجتماعية ابو الفتح الاسكندري هو البطل وهو متسول لديه القدرة على التلون والخداع .
2- ظاهرة انعدام الامن وهي من الظاهر السياسية وانتشار الشطار وقطاع الطرق، اكثر من ثمانين صنفا من اللصوص ( المقامة الساسانية)
3- انتشار الفقر المدقع وتردي احوال المجتمع والناس الى الحضيض.
4- انتشار اللهو والمجون وازدياد الفساد .
5- امتزاج وتوسع الحضارة الاسلامية مع الشعوب غير العربية كالفرس والاسبان وغيرها
6- عكس الواقع الاجتماعي ونقمته على القضاء وفساد اهله واستخدامه وسيلة للاحتيال بشرف عن طريق الدين والشرع .(المقامة الخمرية)
7- زيف بعض رجال الدين الذين يتسترون تحت شعار الدين ولكنهم يخفون الكثير من مساوئهم (المقامة النيسابورية)
8- النفاق والرياء تحت ستر التقى والزهد والايمان (المقامة الخمرية )
9- استخدام الحيل البسيطة واساليب التمويه والخداع في اللصوصية (المقامة الساسانية).
10- مظاهر الخبث والخداع والمكر والماكر ( المقامة البغدادية)
11- بساطة العامة من الناس وسذاجتهم البلهاء (المقامة البغدادية)
12- الشماتة والسخرية من الخصم (المقامة البغدادية).
13- شرب الخمر وارتياد المساجد ( المقامة الخمرية )
14- انواع غريبة من اللصوص فتيان لهم منظر حسن يتقنون الرماية والنزال ( المقامة الاسدية).
15- ظهور جماعة المكدين او اهل الكدية وامتهان التسول والاحتيال على الناس لابتزاز اموالهم ( ذكروا في معظم المقامات ما عدا المضيرية والنهدية والغيلانية).
16- المكدين كان منهم من العامة ومن الخاصة اي من بطانة الحكام والسلاطين (المقامة الساسانية).
17- الفساد ادى العلماء والادباء بيع كرامتهم والرياء والنفاق من اجل لقمة العيش .
18- اضطرار البعض للسفر والارتحال للاستجداء والحصول على المال.
19- تشبيه البعض بانهم لا يشبهون الناس الا بالرأس واللباس ويشبههم بروث الحمار ( المقامة التميمية).
20- استخدام الاطفال في التسول ( المقامة البخارية والازدية والبصرية استجدى لكن دون وجودهم معه)
21- استغلال الدعاء بالاستجداء للمسافر والطرق على الابواب ليلا (المقامة البلخية ، الكوفية)
22- التبارز في السباب والشتائم للحصول على الدينار (الدينارية)
23- عزيز قوم ذل (المقامة الجرجانية ).
[24] استخدام الالغاز للاستجداء والاحتيال (الصفرية)
25- الاحتيال بدواء شفاءه ناجع (المقامة السجستانية).
26- الاحتيال بالادعاء بعد الكفر ورغبته في التجهيز لغزوة (القزوينية).
27- ترديد الشعر الطريف خلف قائدهم (المقامة الموصلية).
28- القدرة على نشر الموتى وصد السيل واستغلال الكارثة (المقامة الحرزية)
29- ايذاء الخباز وبائع اللبن للحصول على الطعام (المقامة الارمينية )
30- ادعاء معرفته باماكن الكنوز المطمورة (المقامة المطلبية)
31- اصطحاب زوجته واستخدام الفحش والبذاءة للاحتيال على القاضي(المقامة الشامية).
32 - استخدام الالغازالادبية وقضايا النقد المتصل بالشعر او النثر (المقامة القرضية، الغيلانية، الجاحظية، العراقية، الشعرية) مع اختلاف المشاهد في كل واحدة والتفرد.

الخاتمة

أظهر التحليل أن طبيعة الزمن في مقامات الهمذاني محكومة بحركة الراوي بين الأمكنة ، وهي حركة خاضعة – في معظم المقامات – لقانون عام ، يقوم أساساً ، على أن تحكي المقامة بحركة سردية سريعة – حذف + تلخيص – حدثاً قام به الراوي ابتداءً من نقطة زمنية في الماضي ، ثم يتتابع السرد تصاعدياً نحو الحاضر ، وهي بذلك تبدو ملتزمة بالترتيب المنطقي للأحداث ، إلا أنها لا تلبث أن تتخلى عن هذا الالتزام حين يلتقي الراوي بشخصية البطل – غالباً ما يكون الإسكندري – فتقوم هذه الشخصية برواية قصة حياتها التي بدأت في زمن يقع قبل الزمن الذي انطلق منه السرد ، حيث تشكل قصة الشخصية قصة مستعادة داخل القصة الأولى التي تشكل الإطار السردي ، ومن ثم تندمج القصة المستعادة في النسيج السردي لقصة الإطار ، إذ إن الراوي يلتقي بالبطل في مكان ما وفي زمن معين ثم يتحاورا حواراً مباشراً ، فيفقد السرد سرعته وتهيمن على الخطاب تقنية المشهد ،حتى يكاد يتولد تطابق نسبي بين زمن الخطاب وزمن القصة . ونتيجة للحركة السردية السريعة التي يبدأ بها السرد ، ثم دخول الراوي في حوار مباشر مع الشخصيات فقد جاء الوصف في حدوده الدنيا، إذ إنه لم يستأثر بأية مقاطع وصفية طويلة يكون من شأنها إيقاف حركة السرد ، بل إن ما جاء منه لم يتعد كونه وصفاً ذاتياً تأملياً – يقوم به الراوي أو الشخصية – مندمجاً في السرد دون أن يعطل حركته ، لكنه قد يساهم أحياناً في تبطئتها . كما أن من شأن هذه الحركة السريعة في المقامات أنها جعلت معظمها ملتزماً بترتيب شبه منطقي للأحداث ، تتخلله بعض استرجاعات أو تلميحات استشرافية تقتضيها طبيعة الحدث وطريقة دخول الشخصيات في السرد .

2- يتضمن نســيج مقــامات الهمذاني عــدداً من الأنـواع الأدبــية كـ ( الخـــطب والمواعـظ والشعر والألغاز والأخبار) مؤطرة بالسرد بوصفه الخطاب الذي يعيد تقديمها للمتلقي بصيغ مختلفة . وقد أظهر التحليل أن خطاب المقامات يتضمن صيغتين أساسيتين هما : السرد والعرض . إذ تهيمن صيغة السرد على خطاب الراوي الذي يقدم حدث السفر بين الأمكنة ، وهو خطاب يكون فيه المتلقي غير مباشر ، والراوي على مسافة مما يرويه ، تحددها المسافة الزمنية بين زمن الرواية ( الحاضر ) وزمن وقوع الحدث ( الماضي ) . كما تهيمن صيغة السرد أيضاً على بعض خطابات الشخصيات ، خصوصاً تلك الخطابات التي تروي بواسطتها الشخصيات أحداثاً وقعت لها في الماضي ، أو تقدم موجزاً عن سيرة حياتها الشخصية . أما صيغة العرض فإنها تهيمن على الأقوال المباشرة للشخصيات ، متمثلة بحواراتها المباشرة ، حيث تكون الشخصية على علاقة مباشرة بما تحكيه، وتتوجه بخطابها


ويهيمن العرض – أيضاً - في المقاطع الشعرية والخطب والمواعظ ، بوصفها خطابات منقولة كما تلفظ بها منتجوها ، دون تدخل من قبل الراوي . وقد كشف التحليل عن أوجه من العلاقات بين صيغتي السرد والعرض ، أبرزها العلاقات التبادلية على مستوى الصيغ الصغرى داخل كل صيغة من هاتين الصيغتين ، فقد يأتي لسرد معروضاً ويأتي العرض مسروداً ، أو تهيمن السردية على مقطع شعري ما ، مثلما تهيمن الشعرية على مقطع سردي ما . وتحدد هذه التبدلات الصيغية بحسب المسافة التي يقيمها الراوي بينه وبين ما يرويه ، ودرجة حضور المتلقي في الخطاب .

3- تتميز مقامات الهمذاني بأنها مروية من قبل رواة مشاركين في صناعة أحداثها ، وهذا ما يسمح بسهولة تصنيف الرؤية فيها ضمن نمط ( الرؤية مع ) أو ( التبئير الداخلي ) . وقد أظهر التحليل أن الرؤيات في المقامات تتجلى بثلاثة مستويات هـــي : ( رؤية الراوي ) و( رؤية البطل ) و ( رؤيات متغيرة ) ، وتشترك الرؤيتان: الأولى والثانية باتباع آلية تبئير واحدة ، تنطلق من الذات الرائية وتنتهي بالموضوع . أي إن الذات تبئر نفسها أولاً ثم تنتقل الى تبئير موضوعات العالم المحيط بها ، وهي دائماً رؤيات لا تستطيع أن تتجاوز مجال المشاهدة العيانية . أما الرؤيات في المستوى الثالث فإنها تتميز بالتغير المستمر لمراكز التبئير وموضوعاته ، إذ يدخل الراوي إلى المقامة شخصية جديدة تكون لها رؤيتها الخاصة تجاه الموضوع الذي تدركه بمعزل عن رؤية الراوي ورؤية البطل ، أو إنها قد تشترك معهما في رؤية الموضوع نفسه ، وقد تتناوب- أحياناً- الموضوع الواحد أكثر من رؤية لأكثر من شخصية . كما بين التحليل أن الراوي والبطل مشتركان في رؤيتهما للعالم الذي يعيشان فيه ، فهما يعيشان في ظروف اجتماعية مشتركة وينتميان إلى فئة اجتماعية واحدة ، تحمل المقامات همومها ومعاناتها وتعبر عن رؤيتها للمجتمع وقيمه السائدة ، وكلُّ ما يبدو للقارئ من اختلاف بين رؤية الراوي ورؤية البطل ، ليس إلا خلافاً ظاهرياً يخفي تحته اتفاقاً في الرؤية .

التوثيق والمراجع :-

د. بقاعي يوسف. حققه وشرح، شرح مقامات بديع الزمان الهمذاني . الطبعة الاولى . بيروت –لبنان: الشركة العالمية للكتاب ش م ل ، سنة 1990

د. حمودي هادي حسن . المقامات من ابن فارس الى بديع الزمان الهمذاني ،الطبعة الاولى ،سنة 1406هـ 1985م

د. وقاد نجلاء علي حسين . بناء المفارقة في فن المقامات عند بديع الزمان الهمذاني والحريري ،مكتبة الاداب – القاهرة ، سنة 1426هـ-2006م

د. عبد الواحد عمر. السرد والشفاهية : دراسة في مقامات بديع الزمان الهمذاني ، دار الهدى للنشر والتوزيع

عبده الشيخ محمد. مقامات ابي الفضل بديع الزمان الهمذاني ،بيروت -لبنان :طبعة اولى سنة1889 الطبعة السابعة

يوسف عبد الرحيم الشيخ . الكافي في شرح النصوص المختارة ، الطبعة الثانية ، سنة 1410هـ- 1989م ،ج2 ، ص261- 298

د. ضيف شوقي . المقامة : فنون الادب العربي (الفن القصصي) ،طبعة ثانية ، دار المعارف بمصر سنة 1964، ص 7-32


المراجع المكتوبة من النت:

1- النثر الفني فيالقرن الرابع- د. زكي مبارك- دار الكاتب العربي- القاهرة- ص 252.
2- المرجعالسابق- ص 256.
3- مقامات أبي الفضل بديع الزمان الهمذاني- شرح الشيخ محمد عبده- مؤسسة أخبار اليوم- القاهرة- 1988م- ص 124.
4- المقامات.. السرد والأنساقالثقافية- عبد الفتاح كيليطو- ترجمة عبد الكبير الشرقاوي- دار توبقال- المغربالطبعة الأولى- 1993م- ص 73.


د. احمد السيلاوي
 
أعلى