عيسى سلمان درويش المعموري - الشعر في عهد الموحدين وبني الاحمر

تكاد الاراء في عصر الموحدين تجمع على اهتمام ملوكهم بالادب بشكل عام والشعر بشكل خاص ، إذشعرت الدولة بأهمية الشعراء واتخذتهم اداة وسيلة اعلامية وقد افاضت الدراسات الحديثة في هذا المجال. وفي مقدمتها دراسة الدكتور عباس الجراري . الذي أشار الى ابرز دوواين هذا العصر، وهي تمثل القليل من الكثير الضائع. كما أشار الى ظاهرة قرض الملوك وامراء الدولة للشعر ودورهم في تشجيع الادب ، وساق امثلة كثيرة على ذلك ثم تحدث عن أصناف الشعراء وطبقاتهم وانتهى الى القول في خصائص الشعر حيث استطاع أن يحدد خمسة إتجاهات في شعر هذا العصر فقد صنفهم – من حيث أزمانهم في ثلاث طبقات:-
1- شعراء العصر المرابطي الذين ادركوا الموحدين لكنهم لم يتأثروا بالدعوة ولم يعرضوا لها بأشعارهم ومنهم القاضي عياض (ت 544) وكان مقلا في شعره..
2- شعراء عاصروا عهدي المرابطين والموحدين، وساروا في ركاب المرابطين ثم إنحازوا الى الموحدين واحرزوا مكانة عندهم ومنهم ابو عبد الله محمد بن حبوس (ت 570). فقد كان مقدما عند علي بن يوسف بن تأشفين ثم هرب الى الاندلس فأصبح شاعر الخليفة الموحدي فيما بعد وعالى الرغم من مكانته الرفيعة التي احرزها فإن ديوانه لما يزل مفقوداً.
3- شعراء نشأوا في احضان الدولة الموحدية ووهبوا أنفسهم وشعرهم لها ، ومنهم ابو العباس احمد بن عبد السلام الجراوي الكورائي (ت 609) أديب المغرب على الاطلاق في زمانه كما يقول ابن سعيد . وما بين ايدينا من اشعاره لا يمثل الا النزر اليسير من شعره وديوانه مفقود.
ثم يضيف الدكتور الجراوي طبقتين الى الثلاث المتقدمة:-
4- شعراء ذاتيون ساروا على ماسار عليه شعراء الطبقة الاولى. فمالوا في أشعارهم الى الموضوعات الذوويه كالغزل والوصف وقالوا في الموشحات والازجال. الا أن بعضهم قال في مدح الموحدين بعض اشعاره مثل ابي حفص السلمي الاغماتي وابي الربيع سليمان الموحد.
5- شعراء ساروا في ركاب دعوة المهدي مؤسس الدولة الموحدية ثم اتجهوا في اخر الدولة الى المنهل الديني يستوحون منه في روح تصوفي،هروبا من الواقع المفجع، كما يرى الدكتور الجراري وابرز شعراء هذه الفئة في رأيه ،ميمون ابن خبازة(ت 637) صاحب القصيدة البائية المشهورة في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام.
وتعكس لنا دواوين الشعراء والمصادر التأريخية كيف استطاع الشعر أن يصور الاحداث السياسية على نحو مانجد،في كتاب بن عذاري الذي أرخ للموحدين أو كتاب المراكشي المعجب في تلخيص اخبار المغرب، فقد واكب الشعراء الاحداث خطوة خطوة، لاسيما في قصائد المديح ، ويكفي من الدلالة على غزارة هذا الاتجاه أن ابا يوسف يعقوب المنصور ،أثر عودته من غزوة الأرك (سنة 591ه)لم يتسع له المقام لاستماع اشعارهم فاقتصر على بيتين لكل واحد. ولا يفوتنا أن ننوه يالمهرجان الشعري الذي عقده الشعراء لملك الموحدين بعد جوازه ال جبل الفتح سنة 555ه واقامته فيه شهرا، فقد روي المراكشي أنهاستدعى الشعراء .. ولم يكن يستدعيهم قبل ذلك وانما كانوا يستأذنون فيؤذن لهم وهذا تحول ايجابي في موقف عبد المؤمن من الشعر.. واقرار منه بأهميته حيث استدعاهم بعد إن كانوا يقصدونه دون استدعاء منه.
وقد أشرنا قبل قليل الى بعض القصائد التي القيت في تلك المناسبة ،وكان اول من انشده ابو عبد الله محمد بن حبوس ،قصيدته التي مطلعها:-
بلغ الزمان بهديكم ما أملا = وتعلمت أيامه أن تعدلا
ثم أنشد الاصم المرواني قصيدته البائية. وأنشد ابن سيد ((اللص)) قصيدته اللامية.
ولقد ساق المراكشي القصيدة كاملة وهي في اثنين وستين بيتاً ، انشدها ولم تكمل له عشرون سنة. وفي رواية ابن عذاري ان ابا بكر بن المنخل (ت 560) انشد قصيدته التي مطلعها:
فتحتم بلاد الشرق فاعتمدوا الغربا = فإن نسيم النصر بالفتح قد هبا
وان ابا عبد الله بن صاحب الصلاة انشد قصيدته التي مطلعها:-
تلألأ من نور الخلافة بارق = اضاءت به الافاق والليل غاسق

ومن شعراء الموحدين فضلا عمن ذكرناهم الامير الشاعر ابو الربيع سليمان الموحدي ( ت 604ه). وابو زيد الفازازي (ت 637ه)وابو بكر يحيى التطليلي الغرناطي (629ه)، ابن قوم الاشبيلي (ت 639ه)وابن ابي عرفة وابو سهل الاشبيلي 649، وابو المطرف بن عميرة المخزومي (ت 608ه).

ولم تختلف موضوعات الشعر في عهد الموحدين عن العهود السابقة بل دارت في اكثر موضوعاته ولكن السمة العامة التي إتسم بها هي انه تأثر بالمنهج العام الذي انتهجته الدولة ، فكانت موضوعاته جادة – في مجملها – وغلبت عليه السمة المتأثره بالتعاليم الاسلامية وزاد عدد شعراء المديح النبوي في هذا العصر وكان المديح يختلط بمعان دينية تخلق نوعا من الشعر المتصل بالعقيدة والتصوف ومن الظواهر المتميزة في أدبهم شيوع الشعر في مراسلاتهم الرسمية ومخاطباتهم .
واما حالة الشعر في عهد بني الاحمر فقد كانت امتدادا للشعر الاندلسي في عصر الموحدين. وحظي بعناية ملوك بني الاحمر على نحو ما رأينا من عنايتهم بالعلوم الاسلامية كافة فقد اشار ابن الخطيب الى ان محمد الثاني كان فضلا عن ولعه بالشعر والادب، ناظما له وكذلك شأن محمد الثالث وقد وصل الينا ديوان لأمير من امراء بني الاحمر هويوسف الثالث، اما ابو الوليد بن الاحمر فقد نظم في فنون الشعر كافة وان لم يتفق لاحد أن يجمع ديوانه.



* المادة المعروضة اعلاه هي مدخل الى المحاضرة.




الادب المغربي.jpg
 
أعلى