قصة قصيرة أدغار ألان بو - حكاية شهرزاد الثانية بعد الألف.. ت: علي سالم

الان بو.jpg

" الحقيقة أغرب من الخيال "
مثل قديم

بعد أن أتيحت لي الفرصة، في الآونة الأخيرة ، في سياق بعض التحقيقات الشرقية ، لمراجعة عمل تيلمانو ازيتسورنوت ، وهو عمل (شبية بعمل زوهار سيميون جوخايدس) يكاد يكون غير معروف على الاطلاق ، حتى في أوروبا ، ولم يتم الإقتباس منة من قبل ، حسب علمي ، من جانب أي باحث أمريكي – هذا لو إستثنينا ، ربما ، مؤلف كتاب " غرائب الأدب الأمريكي " ؛ بعد أن أتيحت لي الفرصة ، كما قلت ، لتقليب بعض الصفحات من العمل الأول – وأذكر بأنة عمل لافت جدا ، لم تكن دهشتي بالقليلة عندما أكتشفت أن العالم الأدبي كان حتى الآن على خطأ بشكل يدعو الى الغرابة بخصوص ابنة الوزير ، شهرزاد ، كما تم تصوير ذلك المصير في " الليالي العربية " ؛ وبأن الخاتمة التي أعطيت لليالي ، وإن لم تكن غير دقيقة تماما ، فإنها ، بقدر ما على الأقل ، تستحق اللوم لأنها لم تذهب بنا كثيراً أبعد من تلك الخاتمة .
وللحصول على معلومات كاملة عن هذا الموضوع الشيق ، علي أن أحيل القاريء المحب للإستطلاع الى عمل
" ازيتسورنوت " نفسة ، ولكني في غضون ذلك ، سأطلب العذر لقيامي بتقديم ملخص لما قمت بإكتشافة هناك .
ولن يغيب عن البال ، أنه ، في النسخة العادية من الحكايات ، كان ثمة عاهل ما لديه سبب وجيه للغيرة على زوجته الملكة ، ولم تؤدي بة هذة الغيرة الى الحكم عليها بالموت فقط ، بل جعلته يقسم بلحيته ، وبنبيه ، بأن يتزوج أجمل العذارى في مملكتة ، لكي يسلم رقابهن ، في اليوم التالي ، الى الجلاد .
وبعد أن أوفى بنذرة هذا لسنوات عديدة وبشكل حرفي ، ملتزماً بتنفيذة كإلتزامة بواجباتة الدينية ، بطريقة منحتة الفضل في أن يكون رجلاً يتميز بشعور ديني مخلص وإحساس ممتاز ، دخل علية ذات مساء وزيرة المعظم (اثناء صلاته بلاشك) بعد أن خطرت لإبنة هذا الوزير فكرة ما .
كان اسمها شهرزاد ، وكانت فكرتها ، إنها إما أن تخلص الأرض من ضريبة إفراغ البلاد من نسائها الجميلات ، أو أن تهلك دون ذلك ، على غرار جميع محاولات من سبقنها من البطلات.
وتبعاً لذلك ، ورغم أننا لا نجد أن السنة كانت كبيسة (وهو ماكان سيجعل التضحية أكثر جدارة) ، بعثت بوالدها ، الوزير الأعظم ، لكي يعرض على ملك البلاد طلب يدها . وقبل الملك بذلك العرض بشغف كبير -- (كان دائماً ينوي قبول عرض كهذا ، لكنة كان يرجيء البت فية، خوفاً من الوزير) ، -- ولكنة ، في قبول ذلك الآن ، بين لجميع الأطراف بوضوح شديد ، بغض النظر عن مسالة رضا الوزير الأعظم أو عدم رضاه ، بإنه غير مستعد للتخلي عن ذرة واحدة من نذرة أو من امتيازاته. وعندما أصرت شهرزاد الجميلة ، للسبب نفسة ، على الزواج من الملك ، وتزوجتة بالفعل ، على الرغم من المشورة الممتازة التي قدمها لها والدها بعدم الإقدام على خطوة مثل هذة – كانت تعي تماماً خطورة ماكنت مقدمة عليه .
ومع ذلك ، كان يبدو أن هذه الفتاة السياسية (التي لابد أنها قد قرأت مكيافيلي ، دون شك) ، كانت تمتلك خطة صغيرة بارعة جدا في رأسها. وفي ليلة زفافها ، خططت ، بناء على أي ذريعة لاأدري ، لشقيقتها أن تحتل إحدى الأرائك القريبة من سرير الزوجين الملكيين ، بحيث يكون القرب كافياً لإجراء الحديث بسهولة بين الأختين وهما على سريري النوم ؛ و قبل صياح الديك ، بقليل ، حرصت على إيقاظ الملك ، زوجها (الذي كان ينوي حز رقبتها في الغد) ،.. وقد تمكنت من إيقاضة ، بالفعل ، (وإن كان يغط في نوم مريح بسبب ضميرة الذي لم يكن يكدره أي شعور بالذنب ، وهضمه للطعام جيداً) من خلال إثارة فضوله الشديد حول قصة (عن جرذ وقط أسود ، على ما أظن) كانت قد بدأت بروايتها ( بصوت هامس ، طبعاً ) لشقيقتها. وعندما أدركها الصباح ، حدث بالصدفة إنها لم تتمكن من إنهاء قصتها ، لأن وقت إعدامها كان قد حان وكان عليها أن تستعد لذلك . والإعدام بالطبع يكون خنقاً بوتر قوس – وهي طريقة أكثر لطفاً من الشنق بحبل ، وفيها مسحة من الرقي .
ويؤسفني القول بأن فضول الملك، الذي طغى حتى على واجباتة وإلتزاماتة الدينية ، حثة لأول مرة على تأجيل الوفاء بقسمة حتى صباح اليوم التالي ، حتى يتمكن من سماع نهاية قصة القط الأسود (كان القط أسوداً، كما أعتقد ) والفأر.
وبعد أن حل الليل، لم تقم السيدة شهرزاد بوضع اللمسات الأخيرة على حكاية القطة والفأر فقط ( كان الفأر أزرقاً ) بل حتى قبل أن تعرف ماذا كانت ستفعل ، وجدت نفسها مغمورة بعمق داخل نسيج الحكاية ، مشيرة ، ( إن لم أكن مخطئاً ) الى حصان وردي ( بأجنحة خضراء ) كان يتحرك ، بعنف ، ميكانيكياً، وكان يُدار بمفتاح أزرق .
وأحب الملك هذة الحكاية حتى أكثر من حبة للأولى .. وعندما إدركهم الصباح قبل أن تصل الحكاية الى خاتمتها ( رغم محاولات الملكة إنهائها في الوقت المناسب قبل الإعدام ) لم يكن ثمة من سبيل ، مرة أخرى ، لعدم تأجيل الإعدام ، لمدة أربعة وعشرين ساعة. وفي الليلة التالية تكررت نفس الحادثة ونفس النتيجة ؛ وظل هذا الأمر يتكررهكذا ليلة بعد أخرى؛ ولم يجد الملك الطيب الذي حُرم بشكل لامناص منة من جميع الفرص للوفاء بنذرة خلال فترة لاتقل عن ألف ليلة وليلة ، أما عن طريق نسيان الإعدام كلية نتيجة لإنقضاء الفترة الزمنية المحددة لة، أو نتيجة لإخلاء نفسة من تبعات النذر بالطريقة المالوفة ، ( وهو الأمر الأكثر إحتمالاً ) أي نقض القسم كلياً . على أية حال ، بإعتبارها متحدرة مباشرة من حواء ، وربما ، كانت وريثة لسلال الكلام السبعة كاملة ، التي نعلم جميعاً بأن السيدة حواء قد قطفتها من تحت أشجار جنة عدن ، إنتصرت شهرزاد في النهاية، وأُلغيت العقوبة التي كانت مفروضة على الجمال .
الآن ، هذة الخاتمة ( وهي نهاية القصة كما نعرفها من المدونات ) هي ، بلا شك ، نهاية مناسبة وسعيدة بشكل مفرط، لكنها ، لشديد الأسف ، مثل العديد من الأشياء السعيدة ، أكثر سعادة منها صحة ، وأنا مدين كلية ل"إيستسورنوت " للوسائل التي زودني بها لتصحيح هذا الخطأ . يقول المثل الفرنسي
"Le mieux est l ennemi du bien,"
الجيد عدو الافضل
وبذكري أن شهرزاد قد ورثت سلال الكلام السبعة، كان ينبغي علي أن أضيف بأنها تعهدتها برعاية مضاعفة حتى صارت سبعة وسبعين .
" شقيقتي العزيزة " قالت في الليلة الثانية بعد الألف ، ( أستشهد الآن بكلام أيزيتسورنوت حرفياً ) " شقيقتي العزيزة " قالت " بعد أن تم إلغاء عقوبة الإعدام البسيطة هذة ، وألغيت بكل سرور هذة الضريبة الباهضة ، شعرت بأني مذنبة لإرتكابي الفضيع لحماقة جسيمه الا وهي حجب النهاية الكاملة لقصة السندباد البحري عنك وعن الملك ( والذي يؤسفني أن أقول ، أنة يشخر الآن ، وهو شيء لايليق برجل مهذب مثلة ) .
لقد مر هذا الرجل بتجارب ومغامرات عديدة أخرى ، أكثر مما سردتة لك لحد الآن؛ لكن في الحقيقة ، أني شعرت بالنعاس في تلك الليلة التي سردت فيها الحكاية ، وقد أغواني ذلك بإختصار الحكاية .. وهي جريمة لاتغتفر ، أتضرع الى أللة أن يسامحني عليها . لكن مع ذلك لم يفت الأوان لتصليح إهمالي وتقصيري الكبيرين . وما أن اقوم بقرص الملك مرة أو مرتين لإيقاظة حتى يكف عن إخراج تلك الاصوات المزعجة ، ساشرع بسرد الحكاية لك وتسليتك ( لو شاء هو ) بخاتمة هذة القصة الرائعة جداً.
وبعد أن اتمت شهرزاد كلامها لم تشعر شقيقتها، كما علمت من مطالعتي لأيزيتسورنوت ، بدرجة عالية من الإمتنان؛ لكن الملك، بعد أن تلقى عدداً كافياً من القرصات، قال أخيراً " أحم " ثم " همم " . وعندما فهمت الملكة بأن هاتين الكلمتين ( وهما كلمتان عربيتان بالتأكيد) تعنيان بأن الملك كلة آذان صاغية ، وبأنة سيفعل مابوسعة للتوقف عن الشخير ، قامت الملكة ، بعد ترتيبها لكل هذة الأمور حسب رضاها ، بالدخول ثانية ، وفوراً ، في قصة السندباد البحري : وفي آخر المطاف ، عندما تقدم بي العمر ، [ هذة كلمات السندباد نفسة، كما تسردها شهرزاد ] في نهاية المطاف ، عندما تقدم بي العمر ، وبعد تمتعي بسنوات عديدة من الهدوء والسكينة في وطني ، تملكتني ثانية رغبة السياحه في بلاد الله ؛ وفي أحد الأيام ، ودون أن أخبر أحداً من أفراد عائلتي بخطتي ، أعددت ماخف حملة و غلا ثمنة من البضائع ، وأجرت حمالاً لنقلها الى ساحل البحر ، في إنتظار وصول سفينة تقوم بنقلي خارج المملكة الى بلاد لم أكن قد زرتها من قبل . وبعد أن وضعت تجارتي على الرمال ، جلست مع الحمال تحت ظل بعض الأشجار ، وسرحنا البصر في البحر المحيط ، علنا نلمح مركباً ، ومرت عدة ساعات لم نلمح فيها أي مركب . ثم خيل لي بأني بدات اسمع صوت طنين أو همهمة غريبة ؛ وقال لي الحمال ، بأنه كان يسمع نفس الصوت . وفي الحال إزداد الصوت وضوحاً ، بحيث لم يعد لدينا أدنى شك بأن الشيء الذي كان يطلق ذلك الصوت كان يقترب منا . وأخيراً ، رأينا نقطة سوداء ، على حافة الأفق ، كانت تكبر بسرعة ، حتى عندما إزدادت قرباً تبين لنا بأنها كانت وحشاً ضخماً . كان ذلك الوحش يسبح ، لكن الجزء الأكبر من جسدة كان فوق سطح البحر ، وكان يتجة الينا بسرعة كبيرة ، قاذفاً موجات عاليه من الزبد حول صدرة ، ومنيراً كل ذلك الجزء من البحر الذي كان يمرق من خلالة ، بخط طويل من النار يمتد طويلاً في البعد .
" وعندما أخذ ذلك الشيء يزداد قرباً رأيناة بوضوح . كان طولة يساوي طول ثلاثة من أطول الاشجار ، وعرضة بعرض أكبر قاعة للنظارة في قصرك ، ياسيد الخلفاء . أما جسدة ، الذي لم يكن يشبة جسد الأسماك العادية ، فقد كان صلباً كالصخر ، وذو سواد فاحم يغطي كل ذلك الجزء الظاهر منة فوق سطح الماء ، ماعدا شريط ضيق بحمرة الدم كان يزنرة من كل الجوانب . أما البطن ، التي كانت غائرة تحت السطح ، والتي لم نكن نرى منها إلا لمحات بسيطة بين الحين والآخر نتيجة لإرتفاع وهبوط جسد الوحش مع حركة الأمواج ، فقد كانت مغطاة تماماً بحراشف معدنية ، ذات لون يشبة لون القمر في سماء مضببة . وكان الظهر مسطحاً وقريباً من البياض ، ومنة تنبعث ستة أشواك ، حجم كل منها يساوي نصف حجم الجسد كلة .
" لم نلمح وجود أي فم لهذا المخلوق الرهيب ، لكنة ، وللتعويض عن غياب الفم كما يبدو ، كان مزوداً بأربعين زوجاً من العيون ، على الأقل ، كانت تبرز من محاجرها مثل عيون اليعاسيب الخضراء ، وتصطف حول كامل الجسد صفين صفين ، صف فوق صف ، بموازاة الخط الأحمر الدموي ، الذي كان يبدو وكأنة يحل محل الحاجب . وكان إثنان أو ثلاثة من هذة العيون الرهيبة أكبر حجماً من الأخريات ، ولها منظر ذهبي صلد .
" ورغم إقتراب الوحش منا ، كما قلت من قبل، بأقصى سرعة ، إلا أنة لابد كان يتحرك بقوة السحر ، لأنة لم يكن يملك زعانفاً كما الأسماك ، ولا أرجلاً شبكية كأرجل البط ، ولا أجنحة كالأصداف التي تًنفخ كما أشرعة السفن ؛ ولاحتى حركة متلوية كما حركة ثعابين الماء تجعلة يتقدم الى الأمام . كان شكل رأسة وذنبة متشابهان تماماً ، مع وجود ثقبين ، ليسا بعيداً عن الذنب ، كانا يعملان عمل الخياشيم ، التي كان الوحش يطلق من خلالها أنفاسة الكثيفة بعنف شديد ، وبضجة مزعجة شبيهة بالصراخ .
" كان فزعنا برؤية هذا الشيء الرهيب عظيماً ، لكن دهشتنا كانت أعظم ، عندما نظرنا عن كثب ، ورأينا فوق ظهر ذلك المخلوق عدداً من الحيوانات بحجم وشكل مشابة تماماً لبني البشر ، عدا كونهم كانوا بلا ثياب ( كما هو شأن الناس ) ومزودون ( من قبل الطبيعة ، بلاشك ) بغطاء قبيح وغير مريح ، يشبة القماش كثيراً ، لكنة يلتصق بجلودهم بشدة ، بحيث يجعل لابسية المساكين يبدون خرقاء بشكل مضحك ، ويعرضهم كما هو ظاهر الى ألم مبرح . فوق هامات رؤوسهم كانت ثمة صناديق مربعة الشكل ، ظننت ، للوهلة الأولى ، بأنها عمائم ، لكني إكتشفت في الحال بأنها ثقيلة جداً وصلدة ، ولذلك إستنتجت بأنها إختراعات ، مصممة ، بوزن ثقيل ، لحفظ رؤوس تلك الحيوانات ثابتة فوق أكتافها . وحول أعناق هذة المخلوقات ثُبتت ياقات سوداء ، ( شارات للخدمة ، بلا شك ) مثل تلك التي نضعها في أعناق كلابنا ، لكنها كانت أكبر حجماً وأكثر صلابة ، بحيث لايمكن لهذة المخلوقات المسكينة إدارة رؤوسها بأي إتجاة دون إدارة الجسد كلة في نفس الوقت ؛ وهكذا فقد كانوا محكومون بتأمل أبدي لمنظر أنوفهم ، وهو منظر مفلطح ، أفطس بعض الشيء ،ولا يحتوي بالضرورة على أي درجة من البشاعة.
" عندما وصل الوحش الى الشاطيء تقريباً ، دفع بأحدى عينية فجأة الى أقصى مدى ، وأطلق ومضة رهيبة من النيران ، صاحبتها غيمة كثيفة من الدخان ، وضجة لااستطيع مقارنتها بشيء آخر غير الرعد . وعندما إنقشع الدخان ، شاهدنا واحداً من أولئك البشر الحيوانيين ذوي الأشكال الغريبة يقف على مقربة من رأس الوحش الكبير حاملاً بوقاً بيدة ، سرعان ماوضعة على فمة وخاطبنا بلهجة عالية خشنة وغير مستساغة ، كدنا نحسبها لغة من نوع ما ، لولا خروجها تماماً من الأنف .
" وبعد أن تم التحدث الينا على هذا النحو ، وجدت نفسي عاجزاً عن الإتيان بأي رد ، لأني لم أفهم على الإطلاق ماقيل لي ؛ وهكذا وجدت نفسي ألتفت الى الحمال الذي كان قريباً من الإغماء من شدة الخوف ، وسألتة لأي جنس أوفصيلة ينتمي ذلك الوحش ، وماذا كان يريد ، وماهو كنة تلك المخلوقات التي تحتشد فوق ظهرة . وأجاب الحمال على قدر ما سمح لة بة خوفة من كلام ، بأنة كان قد سمع مرة بأن هذا الوحش البحري كان شيطاناً لايعرف قلبة الرحمة ، وذو أحشاء من الرصاص ودم من اللهيب ، خلقة جني شرير لكي يبتلي الناس بالعذاب والتعاسة ؛ وقال بأن تلك الاشياء الجاثمة على ظهرة ماهي ألا ديدان ، مثل تلك التي تصيب أحياناً القطط والكلاب ، لكنها أكبر حجماً وأكثر وحشية ؛ لكن لهذة الديدان منافع، قد تبدو شريرة ، لأنها من خلال التعذيب الذي كانت تسببة للوحش بقرصاتها ولدغاتها كانت تدفعة الى تلك الدرجة من الغضب التي تجعلة يزمجر ويهدر ويرتكب الخطايا، وبهذا تتحقق النوايا الإنتقامية والخبيثة لذلك الجني الشرير .
" جعلني حديث الحمال أطلق الريح لساقي ، ودون أن أنظر خلفي ، ولا مرة واحدة ، هرولت بأقصى سرعة نحو التلال ، يجاريني في ذلك الحمال الذي راح يركض في الإتجاة المعاكس ، حاملاً معة صرري ، التي لاشك بأنة إعتنى بها عناية فائقة .. رغم إني لاأستطيع الإقرار بذلك الآن ، لأني لم أرة بعد ذلك اليوم أبداً.
" بالنسبة لي ، كنت ضحية لمطاردة ساخنة من الرجال الديدان ( الذين وصلوا الى الشاطيء بالقوارب ) ولحقوا بي في الحال ، وقيدوا يدي ورجلي ، ونقلوني الى الوحش ، الذي إستأنف السباحة في عرض البحر في الحال .
" وبعد أن تم أسري ندمت من حيث لاينفع الندم على حماقتي في ترك بيتي الوثير وتسليم نفسي لمخاطر هذة المغامرة ؛ لكني بذلت قصارى جهدي في التعايش مع وضعي الصعب ، وحاولت الفوز بثقة الرجل الحيوان نافخ البوق ، الذي بدا لي بأنة كان يمتلك السلطة على أتباعة . ونجحت نجاحاً باهراً في هذا المسعى ، بحيث قام المخلوق ، خلال بضعة أيام ، بتعليمي لغتة ، وأصبحت قادراً على الحديث بها بسهولة ، وجعلتة يفهم حماستي ورغبتي في رؤية العالم .
"قال لي ذات يوم بعد الغداء ( واشيش سكوانشيش سكويك ، ياسندباد ، هاي ددل ددل ، غرنت أونت غرمبل ، هس فس وس، ) " لكني إستمحيك ألف عذر ، لقد نسيت بأن جلالتك لاتتحدث بلهجة الكوك ناي ( هذا هو أسم الرجال الحيوانات ؛ لاني افترض بأن لغتهم كانت تشكل صلة الربط مابين صوت الحصان وصوت الديك ) بعد أذنك ، سوف أقوم بالترجمة . ( واشيش سكواشيش ) الى أخرة : تعني " أنا سعيد ، ياعزيزي سندباد ، بمعرفتي أنك شخص رائع ؛ نحن الآن بصدد القيام بشيء يسمى الدوران حول الأرض ؛ وبما أنك راغب جداً برؤية العالم ، فسوف أمنحك رحلة مجانية على متن الوحش ."
عندما وصلت السيدة شهرزاد الى هذا الحد ، كما يقول " إيزيتسورنوت " إنقلب الملك من جانبة الأيسر الى جانبة الأيمن، وقال : " من المدهش حقاً ، يامليكتي الغالية ، أن تكوني قد حذفت ، حتى الآن ، هذة المغامرات الأخيرة لسندباد . هل تعلمين بأني أجدها مسلية جداً وغريبة؟ "
وبعد أن عبر الملك عن رأية بهذة الطريقة، كما قيل لنا ، واصلت شهرزاد الجميلة حكايتها بهذة الكلمات :
" واصل السندباد سرد الحكاية بهذة الطريقة للخليفة – " شكرت الرجل الحيوان على عطفة ، وبعد وقت قصير طابت لي الإقامة على ظهر الوحش ، الذي كان يعوم بسرعة عجيبة عبر المحيط ؛ رغم أن سطح الأخير ، لم يكن ، في ذلك الجزء من العالم ، مسطحاً أبدأً ، بل مدوراً مثل رمانة ، بحيث كنا نسير ، إن صح التعبير ، أعلى التل أو اسفل التل طوال الوقت ."
قال الملك " أعتقد بأن ذلك شيء فريد "
ردت شهرزاد " أبداً ، أنة حقيقي تماماً "
تابع الملك " لاشك عندي في ذلك ، لكن ، رحماك ، تعطفي علينا وواصلي الحكاية " .
قالت الملكة : " سوف افعل ، واصل السندباد سرد حكايتة للخليفة قائلاً : وهكذا واصلنا السباحة أعلى التل واسفل التل ، كما قلت ، وفي النهاية ، وصلنا الى جزيرة ، يبلغ قطر محيطها مئات الأميال ، لكنها مع ذلك كانت مشيدة وسط المحيط من قبل مستعمرة من مخلوقات صغيرة تشبة اليساريع " .
قال الملك " إحم !"
قال السندباد " بعد أن تركنا هذة الجزيرة .. ( بالنسبة لشهرزاد ، كما ينبغي أن يُفهم ، فإنها لم تعر بالاً لقول " إحم " غير المهذب الذي أطلقة زوجها ) بعد أن تركنا هذة الجزيرة ، جئنا الى جزيرة أخرى ، مغطاة بغابات من حجر صلد ، صلد جداً بحيث إنها كانت تهشم الى شظايا صغيرة أفضل الفؤوس التي كنا نحاول بها قطع تلك الأشجار ".
قال الملك " إحم !" ثانية ؛ لكن شهرزاد واصلت حديثها على لسان السندباد ، دون أن تعير بالاً الى ذلك .
" وبعد أن تجاوزنا حدود هذة الجزيرة ، وصلنا الى بلد كان فيها كهف يغور لمسافة ثلاثين أو أربعين ميلاً في باطن الأرض ، ويحتوي هذا الكهف على الكثير من القصور الشاهقة والفسيحة تفوق في عظمتها قصور بغداد ودمشق . ومن سقوف هذة القصور كانت تتدلى أعداد كبيرة من الأحجار الكريمة الشبيهة بالماس ، لكنها كانت أكبر حجماً من الإنسان ؛ ومن بين شوارع الأبراج والأهرامات والمعابد ، كانت تتدفق أنهار كبيرة سوداء كالإبنوس ، تعيش فيها أسماك بلا عيون " .
قال الملك " إحم ! " . " ثم سبحنا في منطقة من البحر كان فيها جبل شاهق ، تنزل من سفوحة سيول من المعادن الذائبة ، عرض البعض منها كان يبلغ إثني عشر ميلاً وطولة ستون ميلاً ؛ وكان ثمة هوة على القمة كانت تنبعث منها كمية هائلة من الرماد كانت تحجب وجة الشمس تماماً من السماء ، وتحيل النهار الى ظلمة حالكة تفوق في سوادها سواد أشد الليالي ظلمة ؛ بحيث عندما كنا على مبعدة مئة وخمسين ميلاً من الجبل ، كان من المستحيل علينا أن نرى أنصع الأشياء بياضاً ، مهما قربناة من أنظارنا ."
قال الملك " إحم ! " مرة أخرى .
" وبعد أن تركنا هذا الساحل ، واصل الوحش رحلتة حتى وصلنا الى أرض كانت فيها طبيعة الأشياء معكوسة ، لأننا شاهدنا بحيرة عظيمة ، تنمو في قعرها على عمق أكثر من مئة قدم تحت الماء ، غابة كاملة من الأشجار العالية والفاخرة ."
قال الملك " إحم ! "
" ثم حملنا الوحش الى مكان آخر يبعد مئات من الأميال عن تلك الأرض وكان المناخ في هذا المكان شديد الكثافة بحيث أنة كان يحافظ على الحديد والصلب من التلف لأطول فترة ممكنة ، تماماً كما يحافظ جونا على الريش "
قال الملك " ترا لال لام " .
" ووصلنا بعد ذلك الى أجمل منطقة في العالم ، كان يجري في وسطها نهر رائع لعدة آلاف من الأميال . وكان هذا النهر عميقاً بشكل لايوصف و مياهه أكثر ثراءاً وشفافية العنبر . وعرضه يتراوح بين ثلاثة الى ستة أميال ؛ وكانت علو ضفافة الشديدة الإنحدار يصل الى إثني عشر قدماً من الجانبين تتوجها أشجار دائمة الخضرة ، وأزاهير زكية الرائحة على مدار العام ، كانت تحيل المنطقة برمتها الى حديقة غناء ؛ لكن الغريب في الامر أن هذة الارض كانت تدعى مملكة الرعب ، ودخولها يعني الموت الأكيد " .
قال الملك " باه" .
" غادرنا هذة الجزيرة على عجل ، وبعد بضعة أيام ، وصلنا الى أخرى ، حيث دهشنا لرؤية أعداد كبيرة من الحيوانات الوحشية التي كانت تحمل فوق رؤوسها قروناً تشبة المناجل . وكانت هذة الوحوش البشعة تحفر حفراً كبيرة في الأرض ، ذات اشكال قمعية ، وترصفها من الداخل بالصخور ، التي كانت تضعها واحدة فوق الأخرى ، بشكل يجعلها تسقط على الفور ، عندما تطأها أقدام الحيوانات الأخرى ، قاذفة اياها داخل أوكار هذة الوحوش ، التي تشرع بإمتصاص دمها ، وإلقاء جثثها بكل إزدراء الى مسافات بعيدة خارج حفر الموت هذة .
قال الملك " باه "
" واصلنا تقدمنا ، وشاهدنا إقليماً لاتنمو فية الخضروات في التربة ، بل في الهواء . وكان ثمة خضروات تنمو من داخل خضروات أخرى ؛ وأخرى كانت كانت تستنبط مادتها من أجساد حيوانات حية ؛ وهناك أيضاً خضروات أخرى كانت تتألق وتلمع كلما كويتها بالنار الشديدة ؛ وغيرها كانت تتحرك من مكان لآخر حسب مشيئتها ، والأكثر روعة من ذلك جميعاً ، هو إكتشافنا لزهور كانت تعيش وتتنفس وتحرك أطرافها ساعة تشاء ، وتملك فوق ذلك ، تلك العادة الكريهة التي يتحلى بها البشر ، وهي إستعباد المخلوقات الأخرى ، وحبسها في سجون إنفرادية رهيبة حتى يتم تحقيق مهام معينه ."
قال الملك " أُفٍ"
" وبعد مغادرتنا لهذة البلاد ، وصلنا عاجلاً الى بلاد أخرى كان فيها النحل والطيور علماء رياضيات على درجة كبيرة من العبقرية وسعة الإطلاع ، حيث كانوا يقدمون إرشادات يومية في علم الهندسة الى حكماء تلك الدولة . وقد قام ملك البلاد بمنح مكافأت لحل إثنين من أصعب المسائل الرياضية ، وتم حل تلك المسألتين في الحال ، الأولى قام بحلها النحل، والثانية حلتها الطيور ؛ لكن الملك إحتفظ بحل هاتين المسألتين سراً ، ولم يتم التوصل الى حل مماثل لهاتين المسألتين ، إلا بعد بحث مضن وجهد كبير إستغرق زمناً طويلاً أُلف فية علماء الرياضيات من البشر سلسلة طويلة من الكتب الكبيرة ليتوصلوا الى الحل الذي توصل الية النحل والطيور بطرفة عين.
قال الملك " ياإلهي !" .
" لم نكد نغادر هذة المملكة ، حتى وجدنا أنفسنا على مقربة من مملكة أخرى ، كان يطير من شواطئها فوق رؤوسنا سرب من الطيور بعرض ميل ، وطول مئتين وأربعون ميلاً ؛ بحيث إنها رغم طيرانها لمسافة ميل كل دقيقة ، إلا أن كامل السرب المؤلف من بضعة ملايين من الطيور كان يستغرق ليس أقل من ساعة حتى يعبر من فوق رؤوسنا ."
قال الملك " تباً ! "
" وما أن تخلصنا من هذة الطيور التي سببت لنا إزعاجاً كبيراً ، حتى كنا عرضة لترويع طائر آخر ، كان بلاشك أكبر حجماً من طائر الرخ ، الذي قابلتة في سفراتي السابقة ؛ لأنة كان أكبر من أكبر القباب في مملكتك ، يامولاي الخليفة الأعظم . وشاهدنا بأن ذلك الطائر الرهيب كان دون رأس ، وليس فية إلا بطنة ، التي كانت على درجة عظيمة من السمنة والإستدارة ، ولها مظهر لين سلس ولامع ومزدان بشرائط من عدة ألوان . كان الوحش يحمل في مخالبة الى وكرة في أعالي السماء ، بيتاً كان قد أطاح بسقفة ، ومن داخلة راينا بوضوح كائنات بشرية ، كانوا بلاريب يعيشون في حالة من اليأس والرعب من مصيرهم القادم . وصحنا بأعلى أصواتنا ، على أمل أن نفزع الطائر ونجعلة يتخلى عن فريستة ، لكنة أطلق زفيراً عالياً ، كما لو أنة كان غاضباً ، وقذف فوق رؤوسنا بكيس ثقيل تبدى لنا بأنة كان مليئاً بالرمل !"
قال الملك " هراء ! "
" وبعد أن إنتهينا من هذه المغامرة قادتنا المقادير الى قارة مترامية الأطراف أرضها شديدة الصلابة ، لكنها ، مع ذلك ، كانت مستقرة فوق ظهر بقرة زرقاء كالسماء ، ولها مالايقل عن أربعمئة من القرون ."
قال الملك " بإمكاني تصديق هذا الأمر ، الآن ، لأني قرأت من قبل شيئا كهذا، في كتاب . "
" وعبرنا في الحال تحت هذه القارة ، ( سابحين بين أرجل البقرة ، وبعد بضع ساعات ، وجدنا أنفسنا في بلد رائع حقا ، وهو ، كما أبلغني الرجل الحيواني ، وطنه الأصلي ، وتسكنة أنواع خاصة بذلك البلد . ورفع هذا الإكتشاف كثيراً من قيمة الرجل الحيواني بنظري ، وفي الواقع ، بدأت الآن أشعر بالخجل من الألفة المفعمة بالازدراء التي كنت قد عاملتة بها ، لأنني وجدت أن الرجال الحيوانيين ، كانواعامة أمة من أقوى السحرة ، وتعيش داخل أدمغتهم ديدان كانت تقوم ، بلا شك ، بتحفيزهم من خلال تلويها وتمعجها المؤلم ، الى بذل جهود خارقة في التخيل !
قال الملك " سفاسف !"
"وكان بين السحرة ، عدد من الحيوانات المستأنسة ذات الأنواع الفريدة للغاية ، فعلى سبيل المثال ، كان ثمة حصان عظامة من حديد ، ودمة من ماء يغلي . وبدلاً من الذرة ، كان طعامة المعتاد الحجارة السوداء ، وبالرغم من هذا النظام الغذائي القاس ، كان قوياً جداً وسريعاً وقادراً على جر حمولة أكثر ثقلاً من أكبر المساجد في هذه المدينة ، وذلك بمعدل سرعة يفوق سرعة معظم الطيور "
قال الملك " ثرثرة !"
" وشاهدت ، أيضا ، لدى هؤلاء الناس دجاجة من دون ريش ، لكنها أكبر من الجمل ؛ وبدلا من اللحم والعظم كانت مكسوة بالحديد والطوب ، ودمها ، مثل دم ذلك الحصان ، (والذي كان ، في الواقع ، يمت لها بصلة قرابة بعيدة) ، مكون من الماء المغلي ، ومثله أيضاً ، لم تكن تتناول شيئاً غير الخشب أو الحجارة السوداء . وكانت هذة الدجاجة تلد غالباً مئات من طيور الدجاج في اليوم ، وبعد الولادة ، كانوا يقيمون لعدة أسابيع في معدة والدتهم "
قال الملك " شيء مضحك !"
" وأثناء مكوثي هناك قام واحد من هولاء السحرة العظام بخلق إنسان من النحاس والخشب ، والجلود ، ووهب له براعة منقطعة النظير بحيث إنة كان قادراً على أن يهزم ، في لعبة الشطرنج ، جميع افراد الجنس البشري ، بإستثناء الخليفة العظيم هارون الرشيد . وقام ساحر آخر بصنع إنسان من نفس المواد كان من الذكاء بمكان بحيث أنة تغلب حتى على صانعة ؛ لأن قدراتة التفكيرية كانت عظيمة جداً ، وكان قادراً على حل حسابات معقدة وطويلة تتطلب لحلها مجهوداً موحداً لخمسين ألف عالم ولمدة عام كامل . لكن الساحر الأكثر روعة من هولاء قام بصنع شيء لنفسة لا هو بإنسان ولاحيوان ، لكنة كان يمتلك دماغاً من الرصاص ، ممزوجاً بمادة سوداء تشبة القار ، وأصابع كان يحركها بسرعة ودقة عجيبتين بحيث لم يكن يعاني من أي صعوبة في تدوين عشرين ألف نسخة من كتاب اللة خلال ساعة فقط ، وبدقة متناهية ، بحيث لايمكن تمييز نسخة عن أخرى ، حتى ولو بنسبة شعرة . ويتمتع هذا الشيء بقوة بدنية هائلة بحيث كان قادراً على إنشاء أعتى الإمبراطوريات والإطاحة بها بنفخة واحدة من فمة ؛ لكنة كان يوزع قدراتة بالتساوي بين الخير والشر ."
قال الملك " شيء سخيف ! "
وشاهدت في هذه الأمة المكونة من محضري الأرواح رجل تجري في عروقه دماء سمندل؛ لانه لم يكن يبدي أي تردد في الجلوس داخل فرن ملتهب حتى ينضج عشائة تماماً على أرضية ذلك الفرن . وكان ثمة آخر يمتلك القدرة على تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب ، دون حتى أن يشغل نفسة في النظر اليها خلال عملية التحويل . وثالث كانت لديه سرعة إدراك عجيبة بحيث أنة كان قادرا على حساب جميع الحركات المنفصلة التي يؤديها جسد مرن ، وهو يتحرك جيئة وذهاباً بنسبة تسعمئة مليون مرة في الثانية . "
قال الملك " غير معقول ! "
" وشاهدت ساحراً آخر من هولاء السحرة ، يستخدم سائلاً مجهولاً لم يسمع بة أحد من قبل ، لجعل جثث أصدقائة تحرك أذرعها وأرجلها وتتقاتل فيما بينها ، حتى إنها كانت تنهض وترقص حسب مشيئتة. وكان آخر قد درب صوتة أقصى درجات التدريب لدرجة أنه كان بإمكانه أيصالة من أقصى العالم الى اقصاة . وكان آخراً يمتلك ذراعاً طويلة جداً بحيث أنة كان بإمكانة الجلوس في دمشق وكتابة رسالة في بغداد – أو أي مكان آخر بعيد ، في الواقع . وآخر كان يأمرالبرق بالنزول عليه من السماء ، وكان البرق يلبي دعوته ، وكان يلهو بة بين يدية . وساحر آخر كان يجمع صوتين عاليين ويخلطهما معاً ليخرج منهما صمتاً . بينما كان غيرة يخلق ظلاماً دامساً من مزج نورين ساطعين ، وآخر كان يصنع الثلج داخل فرن ملتهب. وآخر كان يأمر الشمس بأن ترسم لة صورتة الشخصية ، وكانت الشمس تطيع أمرة .
" وقام ساحر آخر بجمع هذا الجرم السماوي مع القمر والكواكب الأخرى، وبعد أن قام بوزنها أولاً بمنتهى الدقة ، غاص في أعماقها، وإكتشف صلابة المادة المكونة منها ، لكن الأمة كلها ، في الواقع ، تتمتع بقدرات سحرية خارقة جداً ، حتى أطفالهم الرضع وقططهم وكلابهم العادية لاتجد أي صعوبة في رؤية الأشياء التي لا وجود لها على الإطلاق ، أو الأشياء التي إنقرضت منذ عشرين مليون سنة قبل ميلاد الأمة نفسها "
قال الملك " هذا محال ! "

واصلت شهرزاد الكلام ، دون أن تعير بالاً لتعليقات زوجها المتكررة وغير المهذبة " إن زوجات وبنات هولاء السحرة الذين لانظير لهم يمثلن كل معاني الكمال والصفاء ، وكن سيكونن أكثر جملاً وإثارة للإهتمام ، لولا ذلك النقص المؤسف الذي يحدق بهن ، والذي لم تنفع في علاجة ، حتى الآن ، كل القوى الخارقة التي كان يتمتع بها أزواجهن وآبائهن . بعض هذة النواقص تظهر في أشكال معينة ، وغيرها في أشكال أخرى - ولكن النقص الذي أتحدث عنة جاء في شكل نزوة غريبة "
قال الملك " ماذا ؟ "
قالت شهرزاد " نزوة غريبة . لقد وضع هذة النزوة الغريبة في رؤوس هولاء السيدات الموهوبات جني شرير يبتلي الناس دوماً بأفعال السوء وجعلهن يقتنعن بأن الشيء الذي نصفة نحن بكلمة الجمال الشخصي يتألف كلياً من نتوء أوسنام في المنطقة الواقعة تحت العصعص . الجمال الكامل ، كما يقلن هن ، هو النتيجة المباشرة لمدى بروز ذلك النتوء أو السنام . ونتيجة لطول إقتناعهن بهذة الفكرة ، وبسبب رخص أثمان الوسائد في تلك البلاد ، فقد مر زمن طويل جداً قبل أن يتمكن الناس من تمييز المرأة عن الجمل - "
" توقفي !" قال الملك
" لاأستطيع التحمل أكثر من ذلك ، ولن أسمع أكثر مماسمعت . لقد سببت لي صداعاً فظيعاً بأكاذيبك . أرى بأن الفجر قد بدأ يطلع . كم مضى من الوقت على زواجنا ؟ أشعر بأن نفسي قد تكدرت من جديد . ثم هذا الهراء الذي تقولينة عن الجمل .. هل تظنين بأنني أحمق الى هذة الدرجة ؟ على كل حال ، بإمكانك النهوض الآن إستعداداً لشنقك ."
أحزنت هذه الكلمات شهرزاد واصابتها بالدهشة ، على حد قول " إيزيتسورنوت " ؛ لكن بما أنها كانت تعلم بأن الملك كان رجلاً متماسكاً ورصيناً ومن غير المرجح الى حد بعيد أن يتنازل عن كلمته ، فقد إستسلمت لمصيرها بروح معنوية عالية. بيد أنها إستمدت عزاءاً كبيراً ( خلال توتر الأنشوطة حول رقبتها ) من فكرة أن جزءاً كبيراً من القصة كان لايزال غير مسرود ، ، وبأن ضراوة زوجها الغاشم قد حرمتة من مغامرات لاتصدق .
 
أعلى