قصة قصيرة آن إنرايت - الحشد.. ت: طاهر البربري

1
أود أن أسجل ما حدث في بيت أمي صيف السنة الثامنة أو التاسعة من عمري، لكنني لست متأكدة تمامًا ما إذا كان هذا قد حدث أم لا. أنا بحاجة لأكون شاهد عيان على حدث غير مؤكد. أنا أشعر به يهدر داخلي ـ هذا الشيء الذي ربما لم يحدث أصلاً. أنا لا أعرف ماذا أسميه. أعتقد أنه يمكنك أن تطلق عليه جريمة ذات طبيعة بشرية، غير أن اللحم قد تراجع منذ وقتٍ طويل وأنا لست واثقة من الأذى الذي ربما يتخلف في العظام.
كان أخي ليام يحب الطيور، ومثل كل الأولاد، كان يحب عظام الحيوانات الميتة. أنا نفسي ليس لديّ أولاد، لذلك عندما أمر بأي جمجمة صغيرة أو هيكل عظمي أتردد وأفكر فيه، كيف كان يعجب بتعقيداتها. جناحان عتيقان لعقعق[1] تأتيان في فوضى الريش؛ كثان خفيفان نظيفان. تلك هي الكلمة التي نستخدمها لوصف العظام: نظيفة Clean.
آمر بناتي أن يتراجعن خطوة للخلف، تحديدًا، بعيدًا عن فم الجمجمة في الغابة أو عصفور الدوري الميت الذي حملته الريح وتركته على سور الحديقة. لست واثقة لأي سبب. رغم أننا، أحيانًا، ما نجد على الشاطئ، عظمة حَبّار نقية جدًا لدرجة أنني أضطر لدسها في جيبي، وأريح يدي بملامسة بالمنحنى الغامض الأبيض لها.
لا يمكنك أن تُشَهر بالموتى، أعتقد أنه يمكنك فقط أن تأسى لأجلهم.
لذلك أعرض على ليام هذه الصورة: طفلتاي وهما يعدوان على الحافة الرملية لشاطئ حجري، تحت سماء وئيدة مضطربة، أكتاف معطفهما تهتز خلفهما. ثم أمحوها. أغلق عينيّ وأنجرف مع البحر بتشوشاته الصاخبة. وعندما أفتحهما ثانيةً، أكون عازمة على استدعاء البنتين للعودة إلى السيارة.
ريبيكا! إيميلي!
لا يهم. أنا لا أعرف الحقيقة، أو لا أعرف كيف أقول الحقيقة. كل ما لدي هو مجموعة من القصص، أفكار ليلية، القناعات المباغتة التي يفرخها انعدام اليقين. كل ما لديّ مجرد هذيانات ليس إلا. أحبته! أقول. لابد وأنها قد أحبته! أنتظر للإحساس الذي لا يستطيع صياغته سوى الفجر، عندما يجافيك النوم. أظل في الطابق الأرضي بينما الأسرة تتنفس فوقي وأسجلها، أصوغها في جمل جميلة، كل عظامي البيضاء النظيفة.
2
بعض الأيام لا أتذكر أمي. أنظر إلى صورتها فتهرب مني. أو أراها في يومٍ من أيام الأحد، بعد الغداء، ونقضي عصرية جميلة، وعندما أغادر أجد أنها انسلت إلى داخلي مثل الماء.
’إلى اللقاء،‘ تقول، وتكون قد خبت بالفعل. ’إلى اللقاء يا ابنتي الحبيبة،‘ وتومئ بوجهها الناعم العجوز لتلقي قبلة. لم تزل تصيبني بهذا الغضب الشديد. الطريقة التي تختفي بها حين أشيح بوجهي بعيدًا، وعندما أنظر، لا أرى فقط سوى الحواف. أعتقد أنني كنت سأمر بها في الشارع، لو أنها اشترت معطفًا جديدًا في حياتها. لو أن أمي ارتكبت جريمة فلن يكون هناك أي شاهد على ذلك ـ إذ أنها النسيان في حد ذاته.
’أين حافظة نقودي؟‘ اعتادت أن تسأل حينما كنا أطفالا ـ أو ربما سألت عن سلسلة مفاتيحها، أو نظارتها. ’هل رأي أحدكم حافظة نقودي؟‘ تصبح، خلال تلك الثواني المعدودة، هناك تقريبًا، عندما تمضي من الصالة، إلى المطبخ وتعود ثانيةً. حتى حينئذٍ لم نكن ننظر إليها ولكن في كل الأماكن الأخرى: وتكون هي مثل حملة من الهياج خلفنا، نوع من الإثم الجمعي، ونحن ننطلق في كل أنحاء الغرفة، مدركين أن عيوننا ستقع على الحافظة، المنتفخة بنية اللون، حتى لو كانت موجودة هناك وواضحة للعيان.
ثم يجدها بي. هناك طفل واحد فقط لا يستطيع فقط أن ينظر، ولكن أن يرى أيضًا. الهادئ.
’شكرًا لك، يا حبيبي.‘
للإنصاف، أمي شخص في غاية الغموض، من الممكن ألا تتمكن من رؤية نفسها. من الممكن أن تمر بطرف إصبعها على صف من البنات في صورة فوتوغرافية ولا تستطيع أن تميز نفسها بينهن. و، من بين كل أطفالها، أنا الوحيدة التي تشبه أمها لأعلى درجة، جدتي آدا. لابد وأن هذا مربكًا.
***
’أوه أهلاً،‘ قالت وهي تفتح باب الردهة، يوم أن سمعت عن ليام.
’أهلا، حبيبتي.‘ ربما تقول نفس الكلام للقطة.
’تفضلي. تفضلي،‘ وهي تقف على عتبة الباب، ولا تتحرك جانبًا كي تدعني أمر.
[1] العقعق: غراب أبقع طويل الذيل (المترجم).
 
أعلى