قصة قصيرة تي إس آرثر - ملاك بجسد إنسان.. ت: سعيد رضوان حران

الفقر والرذيلة والإسراف على الذات، جميعها فعلت فعلها في حياة هذه الأم المسجّاة على الأرض. أطفالها يقفون حولها مذعورين. جسدها البارد لم يعد يربطه بالحياة رابط، فقد سقطت على عتبة الباب في حالة سكر شديد، وماتت أمام أعين هؤلاء المساكين. إنّ الموت يلامس روح الإنسانية فينا. فهذه المرأة كانت موضع احتقار وسخرية وانتقاد الجميع في القرية، رجالًا ونساء وأطفالًا، والآن، إذ تتناقل الألسن خبر وفاتها بكل سكينة وهدوء، فقد حلت الشفقة والرحمة مكان الغضب، وحل الحزن والأسى مكان الاتهام والإدانة. أسرع الجيران إلى الكوخ المتهالك الذي بالكاد يقيها ويقي أطفالها حر الصيف وبرد الشتاء. بعضهم حمل كفنًا حتى يوارى به الجسد، ويدفن كما ينبغي. وبعضهم الآخر حمل طعامًا للأطفال الذين كانوا يتضورون جوعًا، وهم ثلاثة، أكبرهم جون، وكان فتى قوي البنية في الثانية عشرة، قادرًا على كسب قوت يومه من خلال العمل مع أي مزارع. كاتي فتاة ذكية نشيطة تجاوز عمرها العشر سنين، يمكن أن يكون لها مستقبل جيد لو وقعت في أيدٍ أمينة. أما المسكينة ماجي والتي كانت أصغر الثلاثة فقد كانت مريضة، وكان مرضها ميؤوسًا منه. فقد تعرضت قبل سنتين لحادثة أصيب خلالها عمودها الفقري بعد أن سقطت من النافذة، ومنذ ذلك الوقت لم تعد قادرة على مغادرة السرير، إلا إذا حملتها والدتها بين ذراعيها.
"ماذا سنفعل بالأطفال؟"
هذا هو السؤال الرئيس المطروح الآن بين أهل القرية، فالأم سيوارى جسدها الثرى، ولن يقدر أي واحد منهم على أن يرعاها أو يهتم بها بعد الآن، أما الأطفال فيجب ألا يتركوا فريسة للإهمال والجوع. أحد الفلاحين واسمه جونز أعلن بعد أن بحث الأمر مع زوجته أنه سيأخذ جون إلى منزله ويهتم به. السيدة إيليس كانت دائمًا تبحث عن خادمة، ورأت أنه سيكون من الصدقة والإحسان أن تأخذ كاتي برغم أنها كانت في سن مبكرة جدًّا، وبرغم أنه لن يأتي منها نفع إلا بعد سنوات.
- أعلم أنّ الفتاة ستكون عبئًا علي، فهي همجية بطبعها وتتصرف على هواها. ولكن بما أنه يبدو أنّ أحدًا منكم لا يرغب في أن يأخذها فإني سآخذها أنا وألبّي نداء الواجب.
أما ماجي فلم يصدر عن الحاضرين تجاهها سوى نظرات شفقة أحاطوا بها وجهها الشاحب وجسدها الهزيل، ومشاعر قلق كانت بادية عليهم. بعض الأمهات قمن بإحضار ملابس نظيفة زائدة عن حاجة أطفالهن وتغيير ملابس الفتاة التي كانت متسخة وبالية. لقد لامست تلك النظرة الحزينة في عيني الصغيرة وذلك الصبر البادي على محياها قلوب الكثيرين، وقرعا أبوابها حتى، غير أنه لم يسمح لهما بالدخول، إذ لم يرد أحد في بيته طفلة طريحة الفراش.
- خذوها إلى الملجأ، فلن يزعج أحد نفسه بها.
هذا ما قاله رجل بدت عليه ملامح الغلظة والشدة بعد أن سأله أحد الحاضرين عما يمكن أن يكون منهم تجاه ماجي.
ردّ عليه أحدهم قائلًا:
- الملجأ سيكون مكانًا رديئًا جدًّا لطفلة مريضة كهذه لا حول لها ولا قوة.
أجابه الرجل باستخفاف:
- رديء بالنسبة لطفلك أو طفلي، أما بالنسبة لهذه الشقية فسيكون مكانًا رائعًا. فهي ستكون نظيفة على الدوام، وستتناول طعامًا صحيًا، وتتلقى عناية طبية، وهذا لم يكن يتوفر لها هنا أبدًا.
لقد كان في هذا الكلام شيء من المنطق، لكنه لم يكن مرضيًا. عملية الدفن جرت في اليوم التالي لوفاة الأم. عدد قليل من الجيران حضر إلى ذلك الكوخ، ولم يرافق أحد منهم البتة عربة الموتى وهي تحمل تلك البائسة إلى مثواها البسيط. بعد إخراج النعش من المنزل وضع الفلاح الصبي داخل عربته ومضى به إلى منزله، وكله قناعة بـأنه قد أدى واجبه. السيدة إيليس تحدثت إلى كاتي على عجل وطلبت منها أن تودّع ماجي. كانت عيون الطفلتين تمتلئ بالدموع، ووسط البكاء والنحيب قامت السيدة إيليس بسحب الصبية بعيدًا عن أختها قبل أن تلامس الشفاه الوجوه. بدأ الآخرون يخرجون بسرعة. بعضهم كان ينظر إلى ماجي، والبعض الآخر تعمد ألا يفعل. خرجوا جميعًا وبقيت الطفلة وحيدة! جو تومسون صانع العجلات توقف عند عتبة الباب، وخاطب زوجة الحداد التي كانت تسرع معهم قائلًا:
- من القسوة أن نتركها هكذا!
- خذها إلى الملجأ إذن، فعليها أن تذهب إلى هناك.
ثم مضت وتركت جو وراءها.
بقي الرجل لبعض الوقت في حيرة من أمره لا يدري ما يصنع، ثم استدار وعاد إلى الكوخ ثانية. كانت ماجي تجلس على السرير في وضع مستقيم، وقد فعلت ذلك بعد جهد وألم. كانت تركز بصرها على الباب الذي خرج الجميع منه للتو. خوف غامض غريب طغى على وجهها الأبيض الرقيق.
صاحت الطفلة مخاطبة إياه وهي تلتقط أنفاسها:
- سيد تومسون، لا تتركني لوحدي هنا!
برغم مظهره الخشن كان تومسون يحمل قلبًا بين جنبيه، وهذا القلب كان في غاية الرقة في بعض المواضع والحالات. لقد أحب الأطفال، وكان يسر كثيرًا عندما يأتون إلى دكانه، فقد كان يصنع المزالج والعربات ويصلحها لأولاد القرية، ولا يأخذ منهم سوى الأجر القليل.
أجابها بصوت رقيق: لن أفعل يا عزيزتي.
اقترب من سريرها وانحنى نحوها، وقال: لن أتركك هنا. وبحنان أشبه بحنان امرأة لف جسدها ببطانية نظيفة كانت قد أحضرتها إحدى الجارات، وحملها بين ذراعيه القويتين وخرج، ومضى بها عبر الحقل الذي يفصل الكوخ عن منزله.
لم يكن لدى زوجة تومسون أطفال. وهي امرأة حادة المزاج، لا يوجد عندها إيثار أو تضحية. كان يراود تومسون شكوك قوية تجاه الطريقة التي كانت ستستقبله بها عند وصوله بتلك الطفلة إلى البيت. شاهدته من خلال النافذة وهو يقترب. خرجت إليه، واستقبلته بطريقة فظة على بعد خطوات قليلة من باب المنزل وهو يفتح بوابة الحديقة ويدخل. كان يحمل عبئًا ثمينًا، وقد شعر بأنه كذلك بالفعل. أحس وهو يضم الطفلة إلى صدره بحنان يخرج منها ويجتاح مشاعره وأحاسيسه. لقد تشكل بينهما رابط، وهذا الرابط تولّد عنه حب كان يزيد ويتنامى.
سألته زوجته بحدّة:
- ما هذا الذي جئت به؟
أحسّ بجسد الطفلة ينكمش ويلتصق بجسده. لم يرد على سؤالها إلا بنظرة توسّل وتحذير بدا من خلالها كأنه يقول: اهدأي وانتظري قليلًا حتى أوضح لك الأمر. دخل بماجي إلى غرفة صغيرة في الطابق الأول ووضعها على سرير، ثم تراجع إلى الخلف وخرج، وأغلق الباب، ووقف وجهًا لوجه مع زوجته النكدة هذه في الممر.
ظهرت مشاعر الغضب والدهشة على وجهها، وصارت تتميز غيظًا:
- لا تقل لي بأنك أحضرت هذه الشقية إلى بيتنا!
- يبدو أنّ قلوب النساء شديدة القسوة أحيانًا.
عندما تثور هذه المرأة وتغضب لأي موضوع فإنه في العادة ينسحب من أمامها ويبتعد عنها، أو يحتفظ بصمت كامل ويتحاشى الدخول في أية مشادة معها، لكنها تتفاجأ الآن بعينين حادتين وملامح حازمة.
- قلوب النساء ليست بنصف قسوة قلوب الرجال!
لاحظ جو من خلال حدس سريع لديه أنّ صلابة موقفه قد أثرت في زوجته، فأجاب بسرعة واستياء شديد:
- وليكن كذلك. لقد أدارت جميع النسوة وجوههنّ أثناء الجنازة عن هذه الطفلة المريضة، وعندما ابتعدت العربة بجثة والدتها مضين مسرعات وتركنها بلا شفقة ولا رحمة في ذلك الكوخ القديم.
- وماذا عن جون وكاتي؟
- ذلك الفلاح جونز دفع بجون إلى عربته وأخذه إلى منزله. وكاتي ذهبت مع السيدة إليس، أما هذه المسكينة فلم يهتم لأمرها أحد. الجميع كانوا يقولون: أرسلوها إلى الملجأ.
- لماذا لم تتركها تذهب إلى الملجأ إذن، ولم جئت بها إلى هنا؟
- لا يمكنها المشي. يجب أن يحملها شخص ما، وأظنّ أنّ ذراعيّ قويتان بما يكفي للقيام بشيء كهذا.
- ولماذا لم تواصل طريقك إلى الملجأ؟ لماذا توقفت هنا؟
- لأني لم أرغب بالقيام بعمل سخيف كهذا. يجب أن نقابل رعاة الملجأ أولًا كي نحصل على رخصة منهم.
لم تعترض على ذلك، ولكنّ صبرها بدأ ينفد:
- متى ستقابلهم؟
- غدًا.
- ولماذا ننتظر للغد؟ اذهب في الحال وأحضر الرخصة، وانته من هذا الأمر اليوم.
رد عليها بطريقة أثرت فيها كثيرًا:
- أحيانًا أقرأ في صفحات الكتاب المقدس، وأجد فيها الكثير من الآيات تتحدث عن الأطفال الصغار وكيف أنّ الرب لا يرضى عن العبد الذي لا يهتم بهم، وكيف أنه يفتح ذراعيه لهم ويباركهم. يقول الرب: "من قدّم لطفل ولو كأسًا من الماء فإنّ عمله لن يذهب سدى". لن نخسر شيئًا لو بقيت هذه اليتيمة في بيتنا ليلة واحدة. لن نخسر شيئًا إذا أحسنّا معاملتها ليلة واحدة. لن نخسر شيئًا لو جعلناها تهنأ بليلة واحدة.
حشرج صوته أثناء هذه الكلمات، وهو الرجل القوي الخشن. أدار وجهه نحو الجهة الأخرى حتى لا ترى زوجته الدموع وهي توشك أن تنزل من عينيه. لم تقل شيئًا. شعور رقيق بدأ يتسلل إلى قلبها.
- جين، انظري إليها بعطف وحنان. تحدثي إليها بلطف. فكري بوالدتها الميتة، وفكري بما ستقاسيه من وحدة وألم وأسى في حياتها.
لقد أضفت هذه الرقة في المشاعر والأحاسيس على كلماته بلاغة غير معهودة.
بقيت الزوجة صامتة، ثم التفتت نحو الغرفة الصغيرة التي وضع جو فيها ماجي. فتحت الباب، ودخلت بهدوء. لاحظ جو هذا التغير الذي أصاب جين، وأحس أنه من الأفضل أن يتركها لوحدها مع الصغيرة. فخرج وذهب إلى دكانه الذي كان بجوار المنزل، وظل يعمل حتى أعلنت الشمس رحيلها. أول ما شد انتباهه لدى عودته إلى المنزل ضوء كان يخرج من نافذة الغرفة الصغيرة، وكان ذلك فألًا حسنًا. عندما أصبح مقابل النافذة لم يستطع إلا أن يتوقف وينظر إلى الداخل، لكنه لم يتمكن من الرؤية بشكل جيد لأنّ الظلام كان قد حل. ماجي تجلس وتسند ظهرها إلى الوسادة، وضوء المصباح ينير وجهها بشكل كامل. السيدة تومسون تجلس إلى جانب السرير وتتحدث إليها. كان ظهرها إلى النافذة، ولذلك لم يستطع أن يشاهد وجهها. استطاع جو أن يعرف طبيعة الحديث الذي كان يدور بينهما من خلال مراقبته لوجه ماجي. عيناها تركزان على وجه زوجته باهتمام شديد، ومن وقت لآخر تخرج من بين شفتيها كلمات من الواضح أنها ترد بها عليها. الحزن والرقة باديان على الطفلة، ولكن ليس هناك علامات ألم أو مرارة. أحس بثقل كبير يزاح عن صدره، وتنفس بعمق وارتياح.
عندما دخل إلى المنزل لم يذهب مباشرة إلى غرفة ماجي. أحست زوجته بخطى قدميه في المطبخ فجاءت إليه بسرعة. رأى أنه من الأفضل أن يتحاشى ذكر الصغيرة أمامها وألا يبدي أي اهتمام بشأنها.
- متى سيكون العشاء جاهزًا؟
- بعد قليل.
أظهرت جين نوعًا من الانشغال والحركة، ولم يكن في صوتها أي حدّة أو قسوة.
غسل جو وجهه ويديه مما علق بها من غبار وتراب أثناء العمل، ثم خرج من المطبخ وتوجه إلى الغرفة الصغيرة، حيث استقبلته عينان واسعتان مشرقتان في ذلك السرير الأبيض ونظرتا إليه برقّة وامتنان وتوسل. أحس بعاطفة قوية جدًّا تجتاح قلبه، وأحس بهذا القلب يخفق بسرعة. جلس، وللمرة الأولى جعل يتأمل جسدها النحيل بعناية تحت ضوء المصباح، ولاحظ كم كان وجهها جذابًا، وكم كان يمتلئ بعذوبة طفولية لم تستطع رياح المعاناة أن تمحوها.
أمسك بيدها الصغيرة الناعمة، وسألها:
- اسمك ماجي؟
- أجل يا سيدي.
بدا صوتها كأنما يداعب وترًا ما بكل رفق ويعزف عليه لحنًا عذبًا هادئًا.
- هل مضى على مرضك زمن طويل؟
- أجل سيدي.
كم هو جميل ذلك الصبر الذي كان واضحًا عليها!
- هل جاء الطبيب إليك؟
- كان يأتي في السابق.
- لم يعد يأتي الآن؟
- كلا سيدي.
- هل كنت تتألمين؟
- أحيانًا، أما الآن فلا أحس بألم.
- متى كانت آخر مرة أحسست فيها بالألم؟
- هذا الصباح، كان جنبي يؤلمني. وقد شعرت بالألم أيضًا في ظهري حين حملتني.
- تشعرين بالألم عندما يحملك أحد أو ينقلك من مكانك؟
- نعم سيدي.
- هل يؤلمك جنبك الآن؟
- لا يا سيدي.
- هل يكون الألم شديدًا عندما تحسين به؟
- نعم سيدي، ولكني لم أعد أحس به منذ أن وضعتني على هذا الفراش الناعم.
- الفراش الناعم مريح.
- أجل سيدي، مريح جدًّا.
كم كان كبيرًا ذلك الرضا الذي امتزج بالسرور والامتنان في صوتها!
دخلت جين وقالت: العشاء جاهز. ثم تفحصت الغرفة بنظرها.
نظر جو إلى زوجته، ثم إلى ماجي. أدركت الزوجة ما كان يدور في خاطره، فقالت: يمكنها أن تنتظر حتى نفرغ من عشائنا، وبعدها سأحضر لها شيئًا تأكله. حاولت أن تظهر شيئًا من عدم المبالاة، غير أنه كان يدرك بعد أن شاهدها من النافذة وهو عائد إلى البيت أنّ برودها كان مصطنعًا. جلس إلى الطاولة، وانتظر أن تبادر هي بالحديث عن الموضوع الذي كان يحتل الأولوية في تفكيرهما، ولكنها لم تقل شيئًا. ظلت صامتة لعدة دقائق، وكذلك هو. وفجأة قالت:
- ماذا ستفعل بخصوص الطفلة؟
تظاهر جو بأنه تفاجأ بسؤالها، ثم أجاب:
- ظننت أنك تعرفين بأني سآخذها إلى الملجأ.
نظرت إليه باستغراب لبضعة لحظات، ثم نظرت إلى الأسفل. ولم يتطرق أي منهما إلى هذا الأمر أثناء جلوسهما إلى المائدة. عندما انتهت من العشاء قامت بتسخين قطعة من الخبز وإضافة الحليب والزبدة إليها، ووضعتها مع كأس من الشاي على طبق وأخذته إلى ماجي التي تناولت طعامها بكل سرور ورضا.
سألتها السيدة تومسون بعد أن لاحظت استمتاعها الشديد بتلك الوجبة:
- هل أعجبك الطعام؟
توقفت الطفلة للحظات والكأس في يدها، ثم أجابت بنظرة امتنان أيقظت في جين مشاعر وأحاسيس إنسانية قديمة كانت تغفو وتنام في قلبها لأكثر من عشر سنين.

صباح اليوم التالي أشار السيد تومسون وهو على مائدة الإفطار إلى أنّ عليه أن يذهب إلى الملجأ ويحضر الرخصة. لكنها قالت:
- سوف نبقيها هنا ليوم آخر أو يومين، فهي ضعيفة جدًّا وعاجزة.
- لكنها ستكون عبئًا عليك ومصدر إزعاج.
- لا بأس. سأحتمل هذه المسكينة ليوم أو يومين.
لم يذهب جو إلى الملجأ في ذلك اليوم ولا في اليوم التالي، ولا اليوم الذي بعده. في الحقيقة لم يذهب إليه أبدًا، لأنه لم يكد يمضي أقل من أسبوع حتى غيرت السيدة تومسون رأيها وألغت تمامًا فكرة أن تذهب ماجي إلى ذلك المكان.
أيّ نور وأي بركة جلبتهما تلك الصغيرة على بيت تومسون صانع العجلات الفقير! لقد كان هذا البيت قبل وصولها ولزمن طويل مظلمًا باردًا بائسًا، ذلك أنّ زوجته لم يكن لديها ما تحبه وتهتم لأمره، فأصبحت عصبية سيئة المزاج، واستحالت حياتها قفارًا موحشة تخلو من أية عاطفة. أما الآن فقد ملكت عليها هذه الطفلة المريضة روحها بنظراتها التي تحمل إليها كل الحب والامتنان والصبر، فحملتها بين ذراعيها وفي قلبها عبئًا ثمينًا. في الحي كله لم ينعم رجل بمثل ما أصبح ينعم به تومسون في كل يوم من خمر الحياة والسعادة. فقد حل في بيته ملاك بجسد طفلة مريضة عاجزة، وجعل شمس الحب والحياة تشرق على جميع أركانه الكئيبة المظلمة.


ملاك بجسد إنسان"

تي إس آرثر (كاتب أمريكي)
ترجمة: سعيد رضوان حران
 
أعلى