بن حزم الأندلسي - طوق الحمامة في الأُلفة والأُلاّف

[SIZE=6] بن حزم الأندلسي
طوق الحمامة في الأُلفة والأُلاّف [/SIZE]


بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
قال أبو محمد عفا الله عنه: أفضل ما أبتدئ به حمد الله عز وجل بما هو أهله، ثم الصلاة على محمد عبده ورسوله خاصة، وعلى جميع أنبيائه عامة، وبعد.
عصمنا الله واياك من الحيرة، ولا حملنا مالا طاقة لنا به، وقيض لنا من جميل عونه دليلا هادياً إلى طاعته، ووهبنا من توفيقه أدباً صارفاً عن معاصيه ولا وكلنا إلى ضعف عزائمنا وخور قوانا و وهاء بنيتنا وتلدد آرابنا وسوء اختيارنا وقلة تمييزنا وفساد أهوائنا، فإن كتابك وردني من مدينة المرية إلى مسكني بحضرة شاطبة تذكر من حسن حالك ما يسرني وحمدت الله عز وجل عليه واستدمه لك واستزدته فيك. ثم لم ألبث أن اطلع على شخصك وقصدتني بنفسك، على بعد الشقة وتنائي الديار وشحط المزار وطول المسافة وغول الطريق وفي دون هذا ما سلى المشتاق ونسي الذاكر، إلا من تمسك بحبل الوفاء مثلك ورعى سالف الأذمة و وكيد المودات وحق النشأة ومحبة الصبي وكانت مودته لله تعالى ولقد أثبت الله بيننا من ذلك ما نحن عليه حامدون وشاكرون. وكانت معانيك في كتابك زائدة على ما عهدته من سائر كتبك، ثم كشفت إلي بإقبالك غرضك وأطلعتني على مذهبك، سجية تلم تزل علينا من مشاركتك لي في حلوك ومرك وسرك وجهرك، يحدوك الود الصحيح الذي أنا لك على أضعافه، أبتغي جزاء غير مقابلته بمثله. وفي ذلك أقول مخاطباً لعبيد الله بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أمير المؤمنين الناصر رحمه الله في كلمة لي طويلة وكان لي صديقا:
أودك وداً ليس فيه غضاضة * وبعض مودات الرجال سراب
وأمحضتك النصح الصريح وفي الحشى * لودك نقش ظاهر وكتاب
فلو كان في روحي هواك اقتلعته * ومزق بالكفين عنه إهاب
وما لي غير الود منك إرادة * ولا في سواه لي إليك خطاب
إذا حزته فالأرض جمعاء والورى * هباء وسكان البلاد ذباب
وكلفتني أعزك الله أن أصنف لك رسالة في صفة الحب ومعانيه وأسبابه وأعراضه، وما يقع فيه وله على سبيل الحقيقة لا متزيداً ولا مفتنا، لكن مورداً لما يحضرني على وجهه وبحسب وقوعه، حيث انتهى حفظي وسعة باعي فيما أذكره، فبدرت إلى مرغوبك ولولا الإيجاب لك لما تكلفته، فهذا من الفقر، والأولى بنا مع قصر أعمارنا ألا نصرفها إلا فيما نرجو به رحب المنقلب وحسن المآب غداً. وإن كان القاضي حمام بن أحمد حدثني عن يحيى بن مالك عن عائذ بإسناد يرفعه إلى أبي الدرداء أنه قال: أجمعوا النفوس بشيء من الباطل ليكون عونا لها على الحق. ومن أقوال الصالحين من السلف المرضي. من لم يحسن يتفتى لم يحسن يتقوى. وفي بعض الأثر: أريحو النفوس فإنها تصدأ كما يصدأ الحديد.
والذي كلفتني لا بد فيه من ذكر ما شاهدته حضرتي وأدركته عنايتي وحدثني به الثقات من أهل زمانه، فاغتفر لي الكناية عن الأسماء فهي إما عورة لا نستجيز كشفها وإما نحافظ في ذلك صديقاً ودوداً ورجلاً جليلاً، وبحسبي أن أسمى من لا ضرر في تسميته ولا يلحقنا والمسمى عيب في ذكره، وإما لاشتهار لا يغني عنه الطي وترك التبيين؛ وإما لرضا من المخبر عنه بظهور خبره وقلة إنكار منه لنقله.
وسأورد في نفي رسالتي هذه أشعاراً قلتها فيما شاهدته، فلا تنكر أنت ومن رآها على أني سالك فيها مسلك حاكي الحديث عن نفسه، فهذا مذهب المتحلين بقول الشعر، وأكثر من ذلك فإن إخواني يجمشوني القول فيما يعرض لهم على طرائقهم ومذاهبهم. وكفاني أني ذاكر لك ما عرض لي مما يشاكل ما نحوت نحوه وناسبه إلي.
والتزمت في كتابي هذا الوقوف عند حدك، والاقتصار على ما رأيت أوضح عندي بنقل الثقات، ودعني من أخبار الأعراب والمتقدمين، فسبيلهم غير سبيلنا، وقد كثرت الأخبار عنهم، وما مذهبي أن أنضي مطية سواي، ولا أتحلى بحلى مستعار، والله المستغفر والمستعان لا رب غيره.

الباب الاول
تقسيم الرسالة

وقسمت رسالتي هذه على ثلاثين باباً، منها في أصول الحب عشرة فأولها هذا الباب، ثم باب في علامات الحب، ثم باب فيه ذكر من أحب في النوم، ثم باب فيه ذكر من أحب بالوصف، ثم باب ذكر من أحب من نظرة واحدة ثم باب فيه ذكر من لا تصح محبته إلا مع المطاولة، ثم باب التعريض بالقول ثم باب الإشارة بالعي، ثم باب المراسلة، ثم باب السفير.
ومنها في أعراض الحب وصفاته المحمود والمذمومة أثناء عشر بابا، وإن كان الحب عرضاً والعرض لا يحتمل الأعراض، وصفة والصفة لا توصف فهذا على مجاز اللغة في إقامة الصفة مقام الموصوف. وعلى معنى قولنا: وجودنا عرضاً أقل في الحقيقة من عرض غيره، وأكثر وأحسن وأقمح في إدار كنالها علمنا أنها متباينة في الزيادة والنقصان من ذاتها المرئية والمعلومة؛ إذ لا تقع فيها الكمية ولا التجزي، لأنها لا تشغل مكاناً وهي: باب الصديق المساعد، ثم باب الوصل ثم باب طي السر، ثم باب الكشف والإذاعة، ثم باب الطاعة، ثم باب المخافة، ثم باب من أحب صفة لم يحب بعدها غيرها مما يخالفها، ثم باب القنوع، ثم باب الوفاء،ثم باب الغدر، ثم باب الضنى، ثم باب الموت.
ومنها في الآفات الداخلة على الحب ستة أبواب، وهي باب العاذل، ثم باب الرقيب، ثم باب الوشي، ثم باب الهجر، ثم باب البين؛ ثم باب السلو. من هذه الأبواب الستة بابان لكل واحد منهما ضد من الأبواب المتقدمة الذكر، وهما باب العاذل: وضده باب الصديق المساعد؛ باب الهجر وضده باب الوصل ومنها أربعة أبواب لا ضد من معاني الحب، وهي باب الرقيب، وباب الواشي، ولا ضد لهما إلا ارتفاعهما. وحقيقة الضد ما إذا وقع ارتفع الأول، وإن كان المتكلمون قد اختلفوا في ذلك. ولولا خوفنا إطالة الكلام فيما ليس من جنس الكتاب لتقصيناه.
وباب البين وضده تصاقب الديار، وليس التصاقب من معاني الحب التي نتكلم فيها. وباب السلو وضده الحب بعينه، إذ معنى السلو ارتفاع الحب وعدمه ومنها بابان ختمنا بهما الرسالة، وهما: باب الكلام في قبح المعصية، وباب في فضل التعفف. ليكون خاتمة إيرادنا وآخر كلامنا الحض على طاعة الله عز وجل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فذلك مفترض على كل مؤمن.
لكنا خالفنا في نسق بعض هذه الأبواب هذه الرتبة المقسمة في درج هذا الباب الذي هو أول أبواب الرسالة، فجعلناها على مباديها إلى منتهاها واستحقاقها في التقدم والدرجات والوجود، ومن أول مراتبها إلى آخرها، وجعلنا الضد إلى جنب ضده فاختلف المساق في أبواب يسيرة والله المستعان.
وهيئتها في الإيراد أولها هذا الباب الذي نحن فيه صدر الرسالة وتقسيم الأبواب والكلام في باب ماهية الحب، ثم باب علامات الحب، ثم باب من أحب بالوصف، ثم باب من أحب من نظرة واحدة، ثم باب من لا يحب إلا مع المطاولة، ثم باب من أحب صفة لم يحب بعدها غيرها مما يخالفها، ثم باب التعريض بالقول، ثم باب الإشارة بالعين، ثم باب المراسلة، ثم باب السفير، ثم باب طي السر، ثم باب إذاعته، ثم باب الطاعة، ثم باب المخالفة، ثم باب العاذل، ثم باب المساعد من الإخوان؛ ثم باب الرقيب، ثم باب الوشي، ثم باب الوصل، ثم باب الهجر، ثم باب الوفاء، ثم باب الغدر، ثم باب البين، ثم باب القنوع، ثم باب الضنى، ثم باب السلو ثم باب الموت؛ ثم باب قبح المعصية؛ ثم باب التعفف.

الكلام في ماهية الحب
الحب - أعزك الله - أوله هزل وآخره جد. دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة. وليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة، إذ القلوب بيد الله عز وجل وقد أحب من الخلفاء المهدبين والأئمة الراشدين كثير، منهم بأندلسنا عبد الرحمن بن معاوية الدعجاء، والحكم بن هشام، وعبد الرحمن بن الحكم وشغفه بطروب أم عبد الله ابنة أشهر من الشمس، ومحمد بن عبد الرحمن وأمره مع غَزلان أم بنيه عثمان والقاسم والمُطرف معلوم، والحاكم المستنصر وافتتانه بصبح أم هاشم المؤيد بالله رضي الله عنه وعن جميعهم وامتناعه عن التعرض للولد من غيرها. ومثل هذا كثير، ولولا أن حقوقهم على المسلمين واجبة - وإنما يجب أن نذكر من أخبارهم ما فيه الحزم وإحياء الدين وإنما هو شيء كانوا ينفردون به في قصورهم مع عيالهم فلا ينبغي الإخبار به عنهم - لأوردت من أخبارهم في هذا الشأن غير قليل.

وأما كبار رجالهم ودعائم دولتهم فأكثر من أن يحصوا، وأحدث ذلك ما شاهدناه بالأمس من كلف المظفر بن عبد الملك بن أبي عامر بواحد، بنت رجل من الجبائين حتى حمله حبها أن يتزوجها، وهي التي خلف عليها بعد فناه العامر بن الوزير عبد الله بن مسلمة، ثم تزوجها بعد قتله رجل من رؤساء البربر.
ومما يشبه هذا أن أبا العيش بن ميمون القرشي الحسيني أخبرني أن نزار بن معد صاحب مصر لم ير ابنه منصور بن نزار، الذي ولى الملك بعده وادعى الإلهية إلا بعد مدة من مولده، مساعدة لجارية كان يحبها حباً شديداً، هذا ولم يكن له ذكر ولا من يرث ملكه ويحيي ذكره سواه.
ومن الصالحين والفقهاء في الدهور الماضية والأزمان القديمة من قد استغنى بأشعارهم عن ذكرهم: وقد ورد من خبر عبيد الله عتبة بن مسعود وشعره ما فيه الكفاية. وهو أحد فقهاء المدينة السبعة وقد جاء من فتيا ابن عباس رضي الله عنه مالا يحتاج معه إلى غيره حين يقول: هذا قتيل الهوى لا عقل ولا قود.
وقد اختلف الناس في ماهيته وقالوا وأطالوا، والذي أذهب إليه أنه اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع، لا على ما حكاه محمد بن داود رحمه الله عن بعض أهل الفلسفة. الأرواح أكر مقسومة لكن على سبيل مناسبة قواها في مقر عالمها العلوي ومجاورتها في هيئة تركيبها وقد علمنا أن سر التمازج والتباين في المخلوقات إنما هو الاتصال والانفصال والشكل دأباً يستدعى شكله، والمثل إلى مثله ساكن، وللمجانسة عمل محسوس وتأثير مشاهد، والتنافر في الأضداد والموافقة في الأنداد، والنزاع فيما تشابه موجود فيما بيننا فكيف بالنفس وعالمها العالم الصافي الخفيف وجوهرها الجوهر الصعاد المعتدل، وسنخها المهيأ لقبول الاتفاق والميل والتوق والانحراف والشهوة النفار. كل ذلك معلوم بالفطرة في أحوال تصرف الإنسان فيسكن إليها، والله عز وجل يقول: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ليسكن إليها) ، فجعل علة السكون أنها منه. ولو كان علة الحب حسن الصورة الجسدية لوجب ألا يستحسن الأنقص من الصورة. ونحن نجد كثيرا ممن يؤثر الأدنى ويعلم فضل غيره ولا يجد محيداً لقلبه عنه. ولو كان للموافقة في الأخلاق لما أحب المرء من لا يساعده ولا يوافقه. فعلمنا أنه شيء في ذات النفس وربما كانت المحبة لسبب من الأسباب، وتلك تفنى بفناء سببها. فمن ودك لأمر ولى مع انقضائه.
وفي ذلك أقول:
ودادي لك الباقي على حسب كونه * تناهى فلم ينقص بشيء ولم يزد
وليست له غير الإرادة علة * ولا سبب حاشاه يعلمه أحد
إذا ما وجدنا الشيء علة نفسه * فذاك وجود ليس يفنى على الأبد
وإما وجدناه لشيء خلافه * فإعدامه في عدمنا ما له وجد
ومما يؤكد هذا القول أننا علمنا أن المحبة ضروب. فأفضلها محبة المتحابين في الله عزوجل؛ إما لاجتهاد في العمل، وإما لاتفاق في أصل النحلة والمذهب، وإما لفضل علم يمنحه الإنسان ومحبة القرابة، ومحبة الألفة والاشتراك في المطالب، ومحبة التصاحب والمعرفة ومحبة البر يضعه المرء عند أخيه، ومحبة الطمع في جاه المحبوب، ومحبة المتحابين لسر يجتمعان عليه يلزمهما ستره، ومحبة بلوغ للذة وقضاء الوطر، ومحبة العشق التي لا علة لها إلا ما ذكرنا من اتصال النفوس، فكل هذه الأجناس منقضية مع انقضاء عللها وزائدة بزيادتها وناقصة بنقصانها، متأكدة بدنوها فاترة ببعدها. حاشى محبة العشق الصحيح الممكن من النفس فهي التي لا فناء لها إلا بالموت.
وإنك لتجد الإنسان السالي برغمه. وذا السن المتناهية، إذا ذكرته تذكر وارتاح وصبا واعتاده الطرب واهتاج له الحنين.

ولا يعرض في شيء من هذه الأجناس المذكورة، من شغل البال والخبل والوسواس وتبدل الغرائز المركبة واستحالة السجايا المطبوعة والنحول والزفير وسائر دلائل الشجا ما يعرض في العشق، فصح بذاك أنه استحسان روحاني وامتزاج نفساني. فإن قال قائل: لو كان هذا كذلك لكانت المحبة بينهما مستوية، إذ الجزآن مشتركان في الاتصال وحظهما واحد فالجواب عن ذلك أن نقول: هذه لعمري معارضة صحيحة، ولكن نفس الذي لا يحب من يحبه مكتنفة الجهات ببعض الأعراض الساترة والحجب المحيطة بها من الطبائع الأرضية فلم تحس بالجزء الذي كان متصلاً بها قبل حلولها حيث هي، ولو تخلصت لاستويا في الاتصال والمحبة. ونفس المحب متخلصة عالمة بمكان ما كان يشركها في المجاورة، طالبة له قاصدة إليه باحثة عنه مشتهية لملاقاته، جاذبة له لو أمكنها كالمغنطيس والحديد، فقوة جوهر المغنطيس المتصلة بقوة جوهر الحديد لم تبلغ من تحكمها ولا من تصفيتها أن تقصد إلى الحديد على أنه من شكلها وعنصرها، كما أن قوة الحديد لشدتها قصدت إلى شكلها وانجذبت نحوه، إذ الحركة أبداً إنما تكون من الأقوى، وقوة الحديد متروكة الذات غير ممنوعة بحابس، تطلب ما يشبهها وتنقطع إليه وتنهض نحوه بالطبع والضرورة وبالاختيار والتعمد. وأنت متى أمسكت الحديد بيدك لم ينجذب إذ لم يبلغ من قوته أيضاً مغالبة الممسك له مما هو أقوى منه. ومتى كثرت أجزاء الحديد اشتغل بعضها ببعض واكتفت بأشكالها عن طلب اليسير من قواها النازحة عنها، فمتى عظم جرم المغناطيس ووازت قواه جميع قوى جرم الحديد عادت إلى طبعها المعهود. وكالنار في الحجر لا تبرز على قوة الحجر في الاتصال والاستدعاء لأجزائها حيث كانت إلا بعد القدح ومجاورة الجرمين بضغطهما واصطكاكهما، وإلا فهي كامنة في حجرها لا تبدو ولا تظهر.
ومن الدليل على هذا أيضاً أنك لا تجد اثنين يتحابان إلا وبينهما مشاكلة واتفاق الصفات الطبيعية لا بد من هذا وإن قل، وكلما كثرت الأشباه زادت المجانسة وتأكدت المودة فانظر هذا تراه عياناً، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكده: (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف) ، وقول مروى عن أحد الصالحين: أرواح المؤمنين تتعارف. ولهذا ما اغتم أبقراط حين وصف له رجل من أهل النقصان يحبه، فقيل له في ذلك، فقال: ما أحبني إلا وقد وافقته في بعض أخلاقه.
وذكر أفلاطون أن بعض الملوك سجنه ظلماً، فلم يزل يحتج عن نفسه حتى اظهر براءته، وعلم الملك أنه له ظالم، فقال له وزيره الذي كان يتولى إيصال كلامه إليه: أيها الملك، قد استبان لك أنه بريء فمالك وله? فقال الملك: لعمري مالي إليه سبيل، غير أني أجد لنفسي استثقالاً لا أدري ما هو. فأدى ذلك إلى أفلاطون. قال: فاحتجت أن أفتش في نفسي وأخلاقي أجد شيئاً أقابل به نفسه وأخلاقهما مما يشبهها، فنظرت في أخلاقه فإذا هو محب للعدل كاره للظلم، فميزت هذا الطبع في، فما هو إلا أن حركته هذه الموافقة وقابلت نفسه بهذا الطبع الذي بنفسي فأمر بإطلاقي وقال لوزيره: قد انحل كل ما أجد في نفسي له.
وأما العلة التي توقع الحب أبداً في أكثر الأمر على الصورة الحسنة، فالظاهر أن النفس حسنة وتولع بكل شيء حسن وتميل إلى التصاوير المنقنة، فهي إذا رأت بعضها تثبتت فيه، فإن ميزت وراءها شيئاً من أشكالها اتصلت وصحت المحبة الحقيقية، وإن لم تميز وراءها شيئاً من أشكالها لم يتجاوز حبها الصورة، وذلك هو الشهوة.
وإن للصور لتوصيلا عجيباً بين أجزاء النفوس النائية. وقرأت في السفر الأول من التوراة أن النبي يعقوب عليه السلام أيام رعيه غنماً لابن خاله مهراً لا بنته شارطه على المشاركة في إنسالها، فكل بهيم ليعقوب وكل أغر للأبان، فكان يعقوب عليه السلام يعمد إلى قضبان الشجر يسلخ نصفاً ويترك نصفاً بحاله، ثم يلقى الجميع في الماء الذي ترده الغنم، ويتعمد إرسال الطروقة في ذلك الوقت فلا تلد إلا نصفين، نصفاً بهماً ونصفاً غراً.
وذكر عن بعض القافة أنه أتى بابن أسود لأبيضين، فنظر إلى أعلامه فرآه لهما غير شك. فرغب أن يوقف على الموضع الذي اجتمعا عليه. فأدخل البيت الذي كان فيه مضجعهما، فرأى فيما يوازي نظر المرأة صورة أسود في الحائط، فقال لأبيه: من قبل هذه الصورة أتيت في إبنك.

وكثيراً ما يصرف شعراء أهل الكلام هذا المعنى في أشعارهم، فيخاطبون المرئي في الظاهر خطاب المعقول الباطن، وهو المستفيض في شعر النظام إبراهيم بن سيار وغيره من المتكلمين، وفي ذلك أقول شعراً، منه:
ما علة النصر في الأعداء تعرفها * وعلة الفر منهم أن يفرونا
إلا نزاع نفوس الناس قاطبة * إليك يا لؤلؤاً في الناس مكنونا
من كنت قدامه لا ينتئى أبداً * فهم إلى نورك الصعاد يعشونا
ومن تكن خلفه فالنفس تصرفه * إليك طوعاً فهم دأباً يكرونا
ومن ذلك أقول:
أمن عالم الأملاك أنت أم أنسى * أبن لي فقد أزرى بتميزي العي
أرى هيئة إنسية غير أنه * إذا أعمل التفكير فالجرم علوي
تبارك منسوى مذاهب خلقه * على أنك النور الأنيق الطبيعي
ولا شك عندي أنك الروح ساقه * إلينا مثال في النفوس اتصالي
عد منا دليلاً في حدوثك شاهداً * نقيس عليه غير أنك مرئي
ولولا وقوع العين في الكون لم نقل * سوى أنك العقل الرفيع الحقيقي
وكان بعض أصحابنا يسمى قصيدة لي الإدراك المتوهم، منها:
ترى كل ضد به قائماً * فكيف تحد اختلاف المعاني
فيأيها الجسم لا ذا جهات * ويا عرضاً ثابتاً غير فان
نقضت علينا وجوه الكلام * فما هو مذ لحت بالمستبان
وهذا بعينه موجود في البغضة، ترى الشخصين يتباغضان لا لمعنى، ولا علة، ويستثقل بعضها بعضاً بلا سبب. والحب أعزك الله داء عياء وفيه الدواء منه على قدر المعاملة، ومقام مستلذ، وعلة مشهاة لا يود سليمها البرء، ولا يتمنى عليلها الإفاقة. يزين المرء ما كان يأنف منه، ويسهل عليه ما كان يصعب عنده حتى يحيل الطبائع المركبة والجبلة المخلوقة. وسيأتي كل ذلك ملخصاً في بابه إن شاء الله.
خبر: ولقد علمت فتى من بعض معار في قد وحل من الحب وتورط في حبائله، وأضربه الوجد، وأنضحه الدنف، وما كانت نفسه تطيب بالدعاء إلى الله عز وجل في كشف ما به ولا ينطق به لسانه، وما كان دعاؤه إلا بالوصل والتمكن ممن يحب، على عظيم بلائه وطويل همه، فما الظن بسقيم لا يريد فقد سقمه ولقد جالسته يوماً فرأيت من إكبابه وسوء حاله وإطراقه ما ساءني فقلت له في بعض قولي: فرج الله عنك فلقد رأيت أثر الكراهية في وجهه. وفي مثله أقول من كلمة طويلة:
وأستلذ بلائي فيك يا أملي * ولست عنك مدى الأيام أنصرف
إن قيل لي تتسلى عن مودته * فما جوابي إلا اللام والألف
خبر: وهذه الصفات مخالفة لما أخبرني به عن نفسه أبو بكر محمد بن قاسم بن محمد القرشي. المعروف بالشلشي، من ولد الإمام هشام بن عبد الرحمن بن معاوية أنه لم يحب أحداً قط، ولا أسف على إلف بان منه، ولا تجاوز حد الصحبة والألفة إلى حد الحب والعشق منذ خلق.

الباب الثاني
علامات الحب
وللحب علامات يقفوها الفطن، ويهتدي إليها الذكي. فأولها إدمان النظر، والعين باب النفس الشارع، وهي المنقبة عن سرائرها، والمعبرة لضمائرها والمعربة عن بواطنها. فترى الناظر لا يطرف، يتنقل بتنقل المحبوب وينزوي بانزوائه، ويميل حيث مال كالحرباء مع الشمس. وفي ذلك أقول شعراً، منه:
فليس لعيني عند غيرك موقف * كأنك ما يحكون من حجر البهت
أصرفها حيث انصرفت وكيفما * تقلبت كالمنعوت في النحو والنعت
ومنها الإقبال بالحديث. فما يكاد يقبل على سوى محبوبه ولو تعمد ذلك، وإن التكلف ليستبين لمن يرمقه فيه، والإنصات لحديثه إذا حدّث، واستغراب كل ما يأتي به ولو أنه عين المحال وخرق العادات، وتصديقه وإن كذب، وموافقته وإن ظلم، والشهادة له وإن جار، واتباعه كيف سلك وأي وجه من وجوه القول تناول.
ومنها الاسراع بالسير نحو المكان الذي يكون فيه، والتعمد للقعود بقربه والدنو منه، واطراح الأشغال الموجبة للزوال عنه، والاستهانة بكل خطب جليل داع إلى مفارقته، والتباطؤ في الشيء عند القيام عنه. وفي ذلك أقول شعراً وإذا قمت عنك لم أمش إلا * مشي عان يقاد في نحو الفناء

في مجيئي إليك أحتّث كالبد * ر إذا كان قاطعاً للسماء
وقيامي إن قمت كالأنجم العا * لية الثابتات في الإبطاء
ومنها بهت يقع وروعة تبدو على المحب عند رؤية من يحب فجأة وطلوعه بغته.
ومنها اضطراب يبدو على المحب عند رؤية من يشبه محبوبه أو عند سماع إسمه فجأة وفي ذلك أقول قطعة، منها.
إذا ما رأت عيناي لا بس حمرة * تقطع قلبي حسرة وتفطرا
غدا لدماء الناس باللحظ سافكاً * وضرج منها ثوبه فتعصفرا
ومنها أن يجود المرء ببذل كل ما كان يقدر عليه مما كان ممتنعاً به قبل ذلك، كأنه هو الموهوب له والمسعي في حظه، كل ذلك ليبدي محاسنه ويرغب في نفسه. فكم بخيل جاد، وقطوب تطلق، وجبان تشجع، وغليظ الطبع تطرب، وجاهل تأدب، وتفل تزين، وفقير تجمل. وذي سن تفتى، وناسك تفتك، ومصون تبذل.
وهذه العلامات تكون قبل استعار نار الحب وتأجج حريقه وتوقد شعله واستطارة لهبه. فأما إذا تمكن وأخذ مأخذه فحينئذ ترى الحديث سراراً، والإعراض عن كل ما حضر إلا عن المحبوب جهاراً. ولي أبيات جمعت فيها كثيراً من هذه العلامات، منها:
أهوى الحديث إذا ما كان يذكر لي * فيه ويعبق لي عن عنبر أرج
إن قال لم أستمع ممن يجالسني * إلى سوى لفظة المستطرف الغنج
ولو يكون أمير المؤمنين معي * ما كنت من أجله عنه بمنعرج
فإن أقم عنه مضطراً فإني لا * أزال ملتفتاً والمشي مشي وجي
عيناي فيه وجسمي عنه مرتحل * مثل ارتقاب الغريق البر في اللجج
إغص بالماء إن أذكر تباعده * كمن تثاءب وسط النقع والوهج
وإن تقل ممكن قصد السماء أقل * نعم وإني لأدري موضع الدرج
ومن علاماته وشواهده الظاهرة لكل ذي بصر الإنبساط الكثير الزائد، والتضايق في المكان الواسع، والمجاذبة على الشيء يأخذه أحدهما، وكثرة الغمز الخفي، والميل بالإتكاء، والتعمد لمس اليد عند المحادثة، ولمس ما أمكن من الأعضاء الظاهرة. وشرب فضلة ما أبقى المحبوب في الإناء، وتحري المكان الذي يقابله فيه.
ومنها علامات متضادة، وهي على قدر الدواعي والعوارض الباعثة والأسباب المحركة والخواطر المهيجة، والأضداد أنداد، والأشياء إذا أفرطت في غايات تضادها. ووقفت في انتهاء حدود اختلافها تشابهت، قدرة من الله عز وجل تضل فيها الأوهام، فهذا الثلج إذا أدمن حبسه في اليد فَعل فِعل النار، ونجد الفرح إذا أفرط قتل، والغم إذا أفرط قتل، والضحك إذا كثر واشتد أسال الدمع من العينين. وهذا في العالم كثير، فنجد المحبين إذا تكافيا في المحبة وتأكدت بينهما تأكداً شديداً أكثر بهما جدهما بغير معنى، وتضادهما في القول تعمداً، وخروج بعضهما على بعض في كل يسير من الأمور، وتتبع كل منهما لفظة تقع من صاحبه وتأولها على غير معناها، كل هذه تجربة ليبدو ما يعتقده كل واحد منهما في صاحبه. والفرق بين هذا وبين حقيقة الهجرة والمضادة المتولدة عن الشحناء ومخارجة التشاجر سرعة الرضى، فإنك بينما ترى المحبين قد بلغا الغاية من الاختلاف الذي لا يقدر يصلح عند الساكن النفس السالم من الأحقاد في الزمن الطويل ولا ينجبر عند الحقود أبداً، فلا تلبث أن تراهما قد عادا إلى أجمل الصحبة، وأهدرت المعاتبة، وسقط الخلاف وانصرفا في ذلك الحين بعينه إلى المضاحكة والمداعبة، هكذا في الوقت الواحد مراراً. وإذا رأيت هذا من اثنين فلا يخالجك شك ولا يدخلنك ريب البتة ولا تتمارى في أن بينهما سراً من الحب دفينا، واقطع فيه قطع من لا يصرفه عنه صارف. ودونكها تجربة صحيحة وخبرة صادقة. هذا لا يكون إلا عن تكلف في المودة وائتلاف صحيح، وقد رأيته كثيراً.

ومن علاماته أنك تجد المحب يستدعي سماع اسم من يحب، ويستلذ الكلام في أخباره ويجعلها هجيراه، ولا يرتاح لشيء ارتياحه لها ولا ينهه عن ذلك تخوف أن يفطن السامع ويفهم الحاضر، وحبك الشيء يعمي ويصم. فلو أمكن المحب ألا يكون حديث في مكان يكون فيه إلا ذكر من يحبه لما تعداه. ويعرض للصادق المودة أن يبتدئ في الطعام وهو له مشته فما هو إلا وقت، ما تهتاج له من ذكر من يحب صار الطعام غصة في الحلق وشجى في المرء. وهكذا في الماء وفي الحديث فإنه يفاتحكه متبهجاً فتعرض له خطرة من خطرات الفكر فيمن يحب فتستبين الحوالة في منطقه والتقصير في حديثه، وآية ذلك الوجوم والإطراق وشدة الانفلاق، فبينما هو طلق الوجه خفيف الحركات صار منطبقاً متثاقلاً حائر النفس جامد الحركة يبرم من الكلمة ويضجر من السؤال ومن علاماته حب الوحدة والإنس بالانفراد، ونحول الجسم دون حد يكون فيه ولا وجع مانع من التقلب والحركة والمشي. دليل لا يكذب ومخبر لا يخون عن كلمة في النفس كامنة.
والسهر من أعراض المحبين، وقد أكثر الشعراء في وصفه وحكوا أنهم رعاة الكواكب وواصفو طول الليل. وفي ذلك أقول وأذكر كتمان السر وأنه يتوسم بالعلامات:
تعلمت السحائب من شؤوني * فعمت بالحيا السكب الهتون
وهذا الليل فيك غدا رفيقي * بذلك أم على سهري معيني
فإن لم ينقض الإظلام فجراً * ألا ما أطبقت نوماً جوفوني
فليس إلى النهار لنا سبيل * وسهد زائد في كل حين
كأن نجومه والغيم يخفي * سناها عن ملاحظة العيون
ضميري في ودادك يا منايا * فليس يبين إلا بالظنون
وفي مثل ذلك قطعة منها:
أرعى النجوم كأنني كلفت أن * أرعى جميع ثبوتها والخنسي
فكأنها والليل نيران الجوى * قد أضرمت في فكرتي من حندس
وكأني أمسيت حارس روضة * خضراء وشح نبتها بالنرجس
لو عاش بطليموس أيقن أنني * أقوى الورى في رصد جرى الكنس
والشيء قد يذكر لما يوجبه: وقع لي في هذه الأبيات تشبيه شيئين بشيئين في بيت واحد. وهو البيت الذي أوله فكأنها والليل وهذا مستغرب في الشعر. ولي ما هو أكمل منه، وهو تشبيه أشياء في بيت واحد، وتشبيه أربعة أشياء في بيت واحد. وكلاهما في هذه القطعة أوردها، وهي:
مشوق معنى ما ينام مسهد * بخمر التجني ما يزال يعربد
ففي ساعة يبدي إليك عجائباً * يمر ويستحلي ويدني ويبعد
كأن النوى والعتب والهجر والرضى * قران وأنداد ونحس وأسعد
رئى لغرامي بعد طول تمنع * وأصبحت محسوداً وقد كنت أحسد
نعمنا على نور من الروض زاهر * سقته الغوادي فهو يثني ويحمد
كأن الحيا والمزن والروض عاطراً * دموع وأجفان وخد مورد
ولا ينكر على منكر قولي قران فأهل المعرفة بالكواكب يسمون التقاء كوكبين في درجة قراناً.
ولي أيضاً ما هو أتم من هذا، وهو تشبيه خمسة أشياء في بيت واحد في هذه القطعة، هي:
خلوت بها والراح ثالثة لها * وجنح ظلام الليل قد مد ما انبلج
فتاة عدمت العيش إلا بقربها * فهل في ابتغاء العيش ويحك من حرج
كأني وهي والكأس والخمر والدجى * ثرى وحيا والدر والتبر والسنج
فهذا أمر لا مزيد فيه ولا يقدر أحد على أكثر منه، إذ لا يحتمل العروض ولا بنية الأسماء أكثر من ذلك.
ويعرض للمحبين القلق عند أحد أمرين: أحدهما عند رجائه ملقاة من يحب فيعرض عند ذلك حائل.
خبر: وإني لأعلم بعض من كان محبوبه يعده الزيارة، فما كنت أراه إلا جاثياً وذاهباً لا يقربه القرار ولا يثبت في مكان واحد، مقبلاً مدبراً قد استخفه السرور بعد ركانة، وأشاطه بعد رزانة. ولي في معنى انتظار الزيارة:
أقمت إلى أن جاءني الليل راجيا * لقاءك يا سؤلي ويا غاية الأمل
فأيأسني الإظلام عنك ولم أكن * لأيأس يوماً إن بدا الليل يتصل

وعندي دليل ليس يكذب خبره * بأمثاله في مشكل الأمر يستدل
لأنك لو رمت الزيارة لم يكن * ظلام ودام النور فينا ولم يزل
والثاني عند حادث يحدث بينهما من عتاب لا تدري حقيقته إلا بالوصف.
فعند ذلك يشتد القلق حتى توقف على الجليلة، فإما أن يذهب تحمله إن رجا العفو، وإما أن يصير القلق حزناً وأسفاً إن تخوف الهجر.
ويعرض للمحب الاستكانة لجفاء المحبوب عليه. وسيأتي مفسراً في بابه إنشاء الله تعالى.
ومن أعراضه الجزع الشديد والحمرة المقطعة تغلب عند ما يرى من إعراض محبوبه عنه ونفاره منه، وآية ذلك الزفير وقلة الحركة والتأوه وتنفس الصعداء. وفي ذلك أقول شعراً، منه:
جميل الصبر مسجون * ودمع العين مسفوح
ومن علاماته أنك ترى المحب يحب آهل محبوبه وقرابته وخاصته حتى يكونوا أحظى لديه من أهله ونفسه ومن جميع خاصته.
والبكاء من علامات المحب ولكن يتفاضلون فيه، فمنهم غزير الدمع هامل الشؤون تجيبه عينه وتحضره عبرته إذا شاء، ومنهم جمود العين عديم الدمع، وأنا منهم. وكان الأصل في ذلك إدماني أكل الكندر لخفقان القلب، وكان عرض لي في الصبا، فإني لأصاب بالمصيبة الفادحة فأجد قلبي يتفطر ويتقطع وأحس في قلبي غضة أمر من العلقم تحول بيني وبين توفية الكلام حق مخارجه، وتكاد تشوقني النفس أحياناً ولا تجيب عيني البتة إلا في الندرة بالشيء اليسير من الدمع.
خبر: ولقد أذكرني هذا الفصل يوما: ودعت أنا وأبو بكر محمد بن إسحاق صاحبي أبا عامر محمد بن عامر صديقنا رحمه الله في سفرته إلى المشرق التي لم نره بعدها، فجعل أبو بكر يبكي عند وداعه وينشد متمثلاً بهذا البيت:
ألا إن عيناً لم تجد يوم واسط * عليك بباقي دمعها لجمود
وهو في رثاء يزيد بن عمر بن هبيرة رحمه الله. ونحن وقوف على ساحل البحر بمالقة، وجعلت أنا أكثر التفجع والأسف ولا تساعدني عيني، فقلت مجيباً لأبي بكر:
وإن أمرأ لم يفن حسن اصطباره * عليك وقد فارقته لجليد
إذا كتم المشغوف سر ضلوعه * فإن دموع العين تبدي وتفضح
إذا ما جفون العين سالت شئونها * ففي القلب داء للغرام مبرح
ويعرض في الحب سوء الظن واتهام كل كلمة من أحدهما وتوجيهها إلى غير وجهها، وهذا أصل العتاب بين المحبين. وإني لأعلم من كان أحسن الناس ظناً وأوسعهم نفساً وأكثرهم صبراً وأشدهم احتمالا وأرحبهم صدراً، ثم لا يحتمل ممن يحب شيئاً ولا يقع له معه أيسر مخالفة حتى يبدي من التعديد فنوناً ومن سوء الظن وجوها. وفي ذلك أقول شعراً، منه:
أسيء ظني بكل محتقر * تأتي به والحقير من حقر
كي لا يرى أصل هجرة وقلى * فالنار في بدء أمرها شرر
وأصل عظم الأمور أهونها * ومن صغير النوى ترى الشجر
وترى المحب، إذا لم يثق بنقاء طوية محبوبه له، كثير التحفظ مما لم يكن يتحفظ منه قبل ذلك، مثقفاً لكلامه، مزيناً لحركاته ومرامي طرفه، ولا سيما إن دهى بمتجن وبلى بمعربد.
ومن آياته مراعاة المحب لمحبوبه، وحفظه لكل ما يقع منه، وبحثه عن أخباره حتى لا تسقط عنه دقيقة ولا جليلة، وتتبعه لحركاته. ولعمري لقد ترى البليد يصير في هذه الحالة ذكياً، والغافل فطناً.
خبر: ولقد كنت يوماً بالمرية قاعداً في دكان إسماعيل بن يونس الطبيب الإسرائيلي، وكان بصيراً بالفراسة محسناً لها، وكنا في لمة، فقال له مجاهد بن الحصين القيسي: ما تقول في هذا? وأشار إلى رجل منتبذ عنا ناحية اسمه حاتم ويكنى أبا البقاء، فنظر إليه ساعة يسيرة ثم قال: هو رجل عاشق فقال له: صدقت، فمن أين قلت هذا? قال: لبهت مفرط ظاهر على وجهه فقط دون سائر حركاته، فعلمت أنه عاشق وليس بمريب.

الباب الثالث
من أحب في النوم
ولا بد لكل حب من سبب يكون له أصلاً، وأنا مبتدئ بأبعد ما يمكن أن يكون من أسبابه ليجري الكلام على نسق، أو أن يبتدأ أبداً بالسهل والأهون. فمن أسبابه شيء لولا أني شاهدته لم أذكره لغرابته.
خبر:
وذلك أني دخلت يوماً على أبي السري عمار بن زياد صاحبنا مولى المؤيد فوجدته مفكراً مهتماً فسألته عما به، فتمنع ساعة ثم قال: لي أعجوبة ما سُمعت قط، قلت: وما ذاك? قال: رأيت في نومي الليلة جارية فاستيقظت وقد ذهب قلبي فيها وهمت بها وإني لفي أصعب حال من حبها، ولقد بقي أياماً كثيرة تزيد على الشهر مغموماً مهموماً لا يهنئه شيء وجداً، إلى أن لمته وقلت له: من الخطأ العظيم أن تشغل نفسك بغير حقيقة، وتعلق وهمك بمعدوم لا يوجد، هل تعلم من هي? قال: لا والله، قلت: إنك لقليل الرأي مصاب البصيرة إذ تحب من لم تره قط ولا خلق ولا هو في الدنيا، ولو عشقت صورة من صور الحمام لكنت عندي أعذر. فما زلت به حتى سلا وما كاد.
وهذا عندي من حيث النفس وأضغاثها، وداخل في باب التمني وتخيل الفكر. وفي ذلك أقول شعراً، منه:
يا ليت شعري من كانت وكيف سرت * أطلعة الشمس كانت أم هي القمر
أظنة العقل أبداه تتدبره * أو صورة الروح أبدتها لي الفكر
أو صورة مثلت في النفس من أملي * فقد تخيل في إدراكها البصر
أو لم يكن كل هذا فهي حادثة * أتى بها سبباً في حتفي القدر

الباب الرابع
من أحب بالوصف
ومن غريب أصول العشق أن تقع المحبة بالوصف دون المعاينة، وهذا أمر يترقى منه إلى جميع الحب، فتكون المراسلة والمكاتبة والهم والوجد والسهر على غير الإبصار، فإن للحكايات ونعت المحاسن ووصف الأخبار تأثيراً في النفس ظاهراً.
وأن تسمع نغمتها من وراء جدار، فيكون سبباً للحب واشتغال البال. وهذا كله قد وقع لغير ما واحد، ولكنه عندي بنيان هار على غير أس، وذلك أن الذي أفرغ ذهنه في هوى من لم ير لا بد له إذ يخلو بفكره أن يمثل لنفسه صورة يتوهمها وعيناً يقيمها نصب ضميره، لا يتمثل في هاجسه غيرها، قد مال بوهمه نحوها، فإن وقعت المعاينة يوماً ما فحينئذ يتأكد الأمر أو يبطل بالكلية، وكلا الوجهين قد عرض وعرف، وأكثر ما يقع هذا في ربات القصور المحجوبات من أهل البيوتات مع أقاربهن من الرجال، وحب النساء في هذا أثبت من حب الرجال لضعفهن وسرعة إجابة طبائعهن إلى هذا الشأن، وتمكنه منهن. وفي ذلك أقول شعراً، منه: ويا من لامني في حب من لم يره طرفي
لقد أفرطت في وصفك لي في الحب بالضعف
فقل هل تعرف الجنة يوماً بسوى الوصف
وأقول شعراً في استحسان النغمة دون وقوع العين على العيان منه:
قد حل جيش الغرام سمعي * وهو على مقلتي يبدو
وأقول أيضاً في مخالفة الحقيقة لظن المحبوب عند وقوع الرؤية:
وصفوك لي حتى إذا أبصرت ما * وصفوا علمت بأنه هذيان
فالطبل جلد فارغ وطنينه * يرتاع منه ويفرق الإنسان
وفي ضد هذا أقول:
لقد وصفوك لي حتى التقينا * فصار الظن حقاً في العيان
فأوصاف الجنان مقصرات * على التحقيق عن قدر الجنان
وإن هذه الأحوال لتحدث بين الأصدقاء والإخوان، وعني أحدث.
خبر: إنه كان بيني وبين رجل من الأشراف ود وكيد وخطاب كثير، وما تراءينا قط. ثم منح الله لي لقاءه، فما مرت إلا أيام قلائل حتى وقعت لنا منافرة عظيمة ووحشة شديدة متصلة إلى الآن، فقلت في ذلك قطعة، منها:
أبدلت أشخاصنا كرهاً وفرط قلى * كما الصحائف قد يبدلن بالنسخ
ووقع لي ضد هذا مع أبي عامر بن أبي عامر رحمة الله عليه، فإني كنت له على كراهة صحيحة وهو لي كذلك، ولم يرني ولا رأيته، وكان أصل ذلك تنقيلاً يحمل إليه عني وإلي عنه، ويؤكده انحراف بين أبوينا لتنافسهما فيما كانا فيه من صحبة السلطان ووجاهة الدنيا، ثم وفق الله الاجتماع به فصار لي أود الناس وصرت له كذلك، إلى أن حال الموت بيننا. وفي ذلك أقول قطعة؛ منها:
أخ لي كسبنيه اللقاء * وأوجدني فيه علقاً شريفاً
وقد كنت أكره منه الجوار * وما كنت أرغبه لي أليفاً
وكان البغيض فصار الحبيب * وكان الثقيل فصار الخفيفا
وقد كنت أدمن عنه الوجيف * فصرت أديم إليه الوجيفا

وأما أبو شاكر عبد الرحمن بن محمد القبري فكان لي صديقاً مدة على غير رؤية، ثم التقينا فتأكدت المودة واتصلت وتمادت إلى الآن.

الباب الخامس
من أحب من نظرة واحدة
وكثيراً ما يكون لصوق الحب بالقلب من نظرة واحدة. وهو ينقسم قسمين، فالقسم الواحد مخالف للذي قبل هذا، وهو أن يعشق المرء صورة لا يعلم من هي ولا يدري لها اسما ولا مستقراً، وقد عرض هذا لغير واحد.
خبر: حدثني صاحبنا أبا بكر محمد بن أحمد بن إسحاق عن ثقة أخبره سقط عني اسمه، وأظنه القاضي ابن الحذاء، أن يوسف بن هارون الشاعر المعروف بالرمادي كان مجتازاً عند باب العطارين بقرطبة، وهذا الموضع كان مجتمع النساء، فرأى جارية أخذت بمجامع قلبه وتخلل حبها جميع أعضائه، فانصرف عن طريق الجامع وجعل يتبعها وهي ناهضة نحو القنطرة، فجازتها إلى الموضع المعروف بالربض. فلما صارت بين رياض بني مروان رحمهم الله المبنية على قبورهم في مقبرة الربض خلف النهر نظرت منه منفرداً عن الناس لا همة له غيرها فانصرفت إليه فقالت له: مالك تمشي ورائي? فأخبرها بعظيم بليته بها. فقالت له: دع عنك هذا ولا تطلب فضيحتي فلا مطمع لك في النية ولا إلى ما ترغبه سبيل فقال: إني أقنع بالنظر. فقالت: ذلك مباح لك. فقال لها: يا سيدتي: أحرة أم مملوكة? قالت: مملوكة. فقال لها: ما اسمك? قالت: خلوة. قال: ولمن أنت? فقالت له: علمك والله بما في السماء السابعة أقرب إليك مما سألت عنه، فدع المحال. فقال لها: يا سيدتي، وأين أراك بعد هذا? قالت: حيث رأيتني اليوم في مثل تلك الساعة من كل جمعة. فقالت له: إما أن تنهض أنت وإما أن أنهض أنا فقال لها: انهضي في حفظ الله. فنهضت نحو القنطرة ولم يمكنه أتباعها لأنها كانت تلتفت نحوه لترى أيسايرها أم لا. فلما تجاوزت باب القنطرة أتى يقفوها فلم يقع لها على مسألة.
قال أبو عمرو، وهو يوسف بن هارون: فوالله لقد لازمت باب العطارين والربض من ذلك الوقت إلى الآن فما وقعت لها على خبر ولا أدري أسماء لحستها أم أرض بلعتها، وإن في قلبي منها لأحر من الجمر. وهي خلوة التي يتغزل بها في أشعاره.
ثم وقع بعد ذلك على خبرها بعد رحيله في سببها إلى سر قسطة في قصة طويلة. ومثل ذلك كثير. وفي ذلك أقول قطعة، منها:
عيني جنت في فؤادي لوعة الفكر * فأرسل الدمع مقتصاً من البصر
فكيف تبصر فعل الدمع منتصفاً * منها بإغراقها في دمعها الدرر
لم ألقها قبل إبصاري فأعرفها * وآخر العهد منها ساعة النظر
والقسم الثاني مخالف للباب الذي يأتي بعد هذا الباب إن شاء الله، وهو أن يعلق المرء من نظرة واحدة جارية معروفة الإسم والمكان والمنشأ، ولكن التفاضل يقع في هذا في سرعة الفناء وإبطائه، فمن أحب من نظرة واحدة وأسرع العلاقة من لمحة خاطرة فهو دليل على قلة البصر، ومخبر بسرعة السلو، وشاهد الظرافة والملل. وهكذا في جميع الأشياء أسرعها نمواً أسرعها فناء. وأبطؤها حدوثاً أبطؤها نفاذاً.
خبر: إني لأعلم فتى من أبناء الكتاب ورأته امرأة سرية النشأة، عالية المنصب، غليظة الحجاب، وهو مجتاز، ورأته في موضع تطلع منه كان في منزلها، فعلقته وعلقها وتهاديا المراسلة زماناً على أرق من حد السيف، ولولا أني لم أقصد في رسالتي هذه كشف الحيل وذكر المكائد لأوردت مما صح عندي أشياء تحير اللبيب وتدهش العاقل،أسبل الله علينا ستره وعلى جميع المسلمين بمنه، وكفانا.

الباب السادس
من لا يحب إلا مع المطاولة
ومن الناس من لا تصح محبته إلا بعد طول المخافتة وكثير المشاهدة وتمادي الأنس، وهذا الذي يوشك أن يدوم ويثبت ولا يحيك فيه مُر الليالي فما دخل عسيراً لم يخرج يسيراً، وهذا مذهبي. وقد جاء في الأثر أن الله عز وجل قال للروح حين أمره أن يدخل جسد آدم، وهو فخار، فهاب وجزع: ادخل كرهاً واخرج كرهاً. حُدِثناه عن شيوخنا.
ولقد رأيت من أهل هذه الصفة من إن أحس من نفسه بابتداء هوى أو توجس من استحسانه ميلاً إلى بعض الصور استعمل الهجر وترك الإلمام، لئلا يزيد ما يجد فيخرج الأمر عن يده، ويحال بين العير والنزوان. وهذا يدل على لصوق الحب بأكباد أهل هذه الصفة، وأنه إذا تمكن منهم لن يرحل أبداً. وفي ذلك أقول قطعة، منها:
سأبعد عن دواعي الحب إني * رأيت الحزم من صفة الرشيد
رأيت الحب أوله التصدي * بعينك في أزاهير الخدود
فبينا أنت مغتبط مخلى * إذاً قد صرت في حلق القيود
كمغتر بضحضاح قريب * فزل فغاب في غمر المدود
وإني لأطيل العجب منكل من يدعي أنه يحب من نظرة واحدة ولا أكاد أصدقه ولا أجعل حبه إلا ضرباً من الشهوة، وأما أن يكون في ظني متمكناً من صميم الفؤاد نافذاً في حجاب القلب فما أقدر ذلك، وما لصق بأحشائي حب قط إلا مع الزمن الطويل وبعد ملازمة الشخص لي دهراً وأخذي معه في كل جد وهزل، وكذلك أنا في السلو والتوقي، فما نسيت وداً لي قط، وإن حنيني إلى كل عهد تقدم لي ليغصني بالطعام ويشرقني بالماء، وقد استراح من لم تكن هذه صفته. وما مللت شيئاً قط بعد معرفتي به، ولا أسرعت إلى الأنس بشيء قط أول لقائي له، وما رغبت في الاستبدال الى سبب من أسبابي مذ كنت، لا أقول في الآلاف والإخوان وحدهم، لكن في كل ما يستعمل الإنسان من ملبوس ومركوب ومطعوم وغير ذلك، وما انتفعت بعيش ولا فارقني الإطراق والانفلاق مذ ذقت طعم فراق الأحبة، وإنه لشجي يعتادني وولوع هم ما ينفك يطرقني، ولقد نغص تذكري ما مضى كل عيش أستأنفه، وإني لقتيل الهموم في عداد الأحياء، ودفين الأسى بين أهل الدنيا. والله المحمود على كل حال لا إله إلا هو. وفي ذلك أقول شعراً، منه:
محبة صدق لم تكن بنت ساعة * ولا وريث حين ارتياد زنادها
ولكن على مهل سرت وتولدت * بطول امتزاج فاستقر عمادها
فلم يدن منها عزمها وانتقاضها * ولم ينأ عنها مكثها وازديادها
يؤكد ذا أنا نرى كل نشأة * تتم سريعاً عن قريب معادها
ولكنني أرض عزاز صليبة * منيع إلى كل الغروس انقيادها
فما نفدت منها لديها عروقها * فليست تبالي أن تجود عهادها
ولا يظن ظان ولا يتوهم متوهم أن كل هذا مخالف لقولي المسطر في صدر الرسالة، أن الحب اتصال بين النفوس في أصل عالمها العلوي، بل هو مؤكد له. فقد علمنا أن النفس في هذا العالم الأدنى قد غمرتها الحجب، ولحقتها الأغراض، وأحاطت بها الطبائع الأرضية الكونية، فسترت كثيراً من صفاتها وإن كانت لم تحله، لكن حالت دونه فلا يرجى الاتصال على الحقيقة إلا بعد التهيؤ من النفس والاستعداد له، وبعد إيصال المعرفة إليها بما يشاكلها ويوافقها، ومقابلة الطبائع التي خفيت مما يشابهها من طبائع المحبوب، فحينئذ يتصل اتصالاً صحيحاً بلا مانع.
وأما ما يقع من أول وهلة ببعض أعراض الاستحسان الجسدي، واستطراف البصر الذي لا يجاوز الألوان، فهذا سرَّ الشهوة ومعناها على الحقيقة فإذا غلبت الشهوة وتجاوزت هذا الحد ووافق الفصل اتصال نفساني تشترك فيه الطبائع مع النفس يسمى عشقاً. ومن هنا دخل الخلط على من يزعم أن يحب اثنين ويعشق شخصين متغايرين، فإنما هذا من جهة الشهوة التي ذكرنا آنفاً، وهي على المجاز تسمى محبة لا على التحقيق، وأما نفس المحب فما في الميل به فضل بصرفه من أسباب دينه ودنياه فكيف بالاشتغال بحب ثان. وفي ذلك أقول:
كذب المدعي هوى اثنين حتما * مثل ما في الأصول أكذب ماني
ليس في القلب موضع لحبيبي * ن ولا أحدث الأمور بثاني
فكما العقل واحد ليس يدري * خالقاً غير واحد رحمان
فكذا القلب واحد ليس يهوى * غير فرد مباعد أو مدان
هو في شرعة المودة ذو شك بعيد من صحه الإيمان
وكذا الدين واحد مستقيم * وكفور من عنده دينان

وإني لأعرف فتى من أهل الجد والحسب والأدب كان يبتاع الجارية وهي سالمة الصدر من حبه، وأكثر من ذلك كارهة له لقلة حلاوة شمائل كانت فيه، وقطوب دائم كان لا يفارقه ولا سيما مع النساء، فكان لا يلبث إلا يسيراً ريثما يصل إليها بالجماع ويعود ذلك الكره حبا مفرطاً وكلفاً زائداً واستهتاراً مكشوفاً، ويتحول الضجر لصحبته ضجراً لفراقه. صحبه هذا الأمر في عدة منهن. فقال بعض إخواني: فسألته عن ذلك فتبسم نحوي وقال: إذاً والله أخبرك أنا أبطأ الناس إنزالاً، تقضي المرأة شهوتها وربما ثنت وإنزالي وشهوتي لم ينقضيا بعد، وما فترت بعدها قط، وإني لأبقى بمنتي بعد انقضائها الحين الصالح. وما لاقى صدري صدر امرأة قط عند الخلوة إلا عند تعمدي المعانقة، وبحسب ارتفاع صدري نزول مؤخري.
فمثل هذا وشبهه إذا وافق أخلاق النفس ولد المحبة، إذا الأعضاء الحساسة مسالك النفوس ومؤديات نحوها.

* منسوخ من موقع الورَّاق - جزاهم اللَّه خيراً
قام بنسخه وتنسيقه ونشره أخوكم (خزانة الأدب)
وهو يُرجو ممن يستفيد منه أن يدعو له ولوالديه
وأن لا يحذف هذه السطور

.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
أعلى